رغم إحالة مشروع قانون الماليّة لسنة 2025 على جدول أعمال لجنة الماليّة والميزانيّة بالبرلمان، ونشره أخيرا على موقع مجلس نوّاب الشّعب، لم يتمّ نشر بقيّة النّصوص المرافقة له من طرف وزارة الماليّة ووزارة الاقتصاد والتّخطيط إلى حدود الآن، والمتمثّلة في مشروع الميزان الاقتصادي ومهمّات الوزارات والمؤسّسات العموميّة الملحقة ميزانيّاتها بميزانيّة الدّولة، بالإضافة إلى التّقرير حول مشروع الميزانيّة والملاحق التي تضمّ المؤشّرات والإجراءات الاقتصاديّة التّفصيليّة. وهو ما يعني أنّنا -لحدود الآن- لا نعرف الفرضيّات الاقتصاديّة التي صِيغَت على أساسها الميزانيّة، والتأخر في نَشر هذه الملاحق يُعدّ مخالفة للفصل 46 من القانون الأساسي للميزانية لسنة 2019 الذي يُلزِم الحكومة بإرسال مشروع قانون الماليّة لمجلس نواب الشعب مرفوقا بجميع الوثائق التي ذكرناها.
تقدّم السّلطة مشروع قانون المالية لسنة 2025 باعتباره انعكاسًا لتوجّه تنموي جديد يهدف إلى تحقيق التّنمية الشّاملة والمستدامة وتمويل المؤسّسات وتشجيع الإستثمار وتعزيز مقوّمات الدّولة الإجتماعيّة، إلى جانب دمج الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرّب الجبائي. غير أنّ العناوين الكبرى التي يَطغى عليها التّعبير الإنشائي والتي اعتدنا استنساخها في ميزانيّات الدّولة المتعاقبة، هي مجرّد أسلوب دعائي لإخفاء استمرار الإخفاق الاقتصادي ومزيد تدهور القدرة الشّرائيّة. هذا الإخفاق يتجلّى في تثبيت سياسة تقشّف واضحة المعالم في مشروع قانون الماليّة لسنة 2025. سنتعرّض في المقال الحالي لأبرز التّوازنات الماليّة التي تضمّنها المشروع فيما سنخصّص مقالات لاحقة لمختلف مضامين ميزانيّة الدولة للسنة المقبلة.
تثبيت سياسة التقشّف
حسب مشروع قانون الماليّة للسّنة القادمة ستَبلغ جملة موارد الدّولة 78.231 مليار دينار (م.د)، موزّعة بين 59.828 م.د نفقات الميزانيّة و18.403 م.د نفقات الخزينة الموجّهة لسداد أصول الدّيون التي سيَحِين أجلها خلال سنة 2025. وتبلغ جملة مداخيل الميزانيّة 50.028 م.د منها 45.249 م.د مداخيل جبائيّة، بينما تبلغ المداخيل غير الجبائيّة 4.429 م.د، أمّا الهبات فستكون في حدود 350 م.د. وفقا لذلك سيبلغ عجز ميزانيّة الدّولة 9.800 م.د، ليكون العجز العامّ على مستوى نفقات الدّولة 28.003 م.د سيتمّ تعبئتها عن طريق موارد الاقتراض، وذلك من خلال تعبئة 21.872 م.د من السّوق الدّاخليّة و6.131 م.د سيقع تعبئتها من الخارج.
التوازنات العامة لميزانية الدولة 2021-2025 (بحساب مليار دينار)
المصدر: المفكرة القانونية بناء على المعطيات التي تضمنتها قوانين الماليّة ومشروع قانون الماليّة لسنة 2025
جملة موارد الدّولة هي التي يتمّ تعبئتها وإنفاقها في مستويين إثنين: يتعلق المستوى الأوّل بشكل شبه كلّي بنفقات الخزينة المخصّصة لسداد أصل الدّين العمومي. أمّا المستوى الثّاني فيُمثّل نفقات ميزانيّة الدّولة، مع الإشارة إلى أنّه وفقا للقانون الأساسي لميزانيّة الدّولة لسنة 2019 تمّت تجزئة خدمة الدّين العمومي من خلال تصنيف الفوائد ضمن نفقات التّمويل، بمعنى أنّه تم إدراجها ضمن نفقات الميزانيّة في حين أنّ تسديد أصل الدّين العمومي أصبح يُصنّف ضمن تكاليف الخزينة بعد أن كانت مبوّبة بعنوان خدمة الدّين في نفقات الميزانيّة. يُحيل ذلك إلى القول إن تكاليف ميزانيّة الدّولة تُمثّل المبلغ الجملي السّنوي التي ستنفقه الدّولة على المجتمع باستثناء نفقات التّمويل، والتي من المتوقّع أن تبلغ 59.828 م.د. واللاّفت للنّظر بالنّسبة لميزانيّة الدّولة للسّنة المقبلة أنّها لم تشهد تطورا وستكون شبه مستقّرة مقارنة بالسّنة الحالية، أين بلغت 59805 م.د، بعد أن كانت تتطوّر سنويّا.
ما يمكن استخلاصه من ذلك ومن دون مواربة هو تثبيت سياسة ماليّة تقييديّة “Une politique budgétaire restrictive” أي مزيد تشديد سياسة التقشّف. غير أنّه لا يعني أنّ التطوّر الذي كانت تشهده ميزانيّات السّنوات الفائتة يدل على أنّها كانت تحتكم لسياسات ماليّة توسّعيّة، لأنّ تطوّرها مالي وليس كمّي، أي أنّه كان يجري مراعاةً لنسبة التضخّم. على نحو مغاير، يدلّ استقرار حجم ميزانيّة 2025 في ظلّ توقّع البنك المركزي لمعدّل نسبة تضخّم سنوي للعام الحالي في مستوى 7%، بأنّ الإنفاق العامّ سيتراجع بالأسعار الحقيقيّة إلى ما دون حجم ميزانيّة 2023، في دلالة على تراجع ميزانيّات الوزارات (لم يتمّ نشرها لحدّ الآن) بعنوان الاستثمار، لأنّ الحكومة تتبنّى سياسة الضّغط على نفقات التّسيير وتجميد الإنتداب في الوظيفة العموميّة الذي أقرّته حكومة يوسف الشّاهد منذ سنة 2018.
ستُصبح سياسة التقشّف أكثر وضوحا وتناسُقًا بين السّياسة النّقديّة الصّارمة التي يتّبعها البنك المركزي والسّياسة الماليّة التّقييديّة التي تنتهجها السّلطة السّياسيّة، ما سيؤدّي إلى مزيد تقليص الطّلب الدّاخلي استهلاكًا واستثمارا. ففي الوقت الذي يرفع فيه رئيس الجمهوريّة شعار “البناء والتّشييد” لن تختلف حصيلة السّنة القادمة عن سابقتها.
كتلة الأجور: هاجس سياسي دائم
ستواصل الحكومة العمل بسياسة تجميد الانتداب وعدم تعويض الشّغورات في الوظيفة العموميّة، ليقتصر الانتداب أساسا على خريجي مدارس التكوين التّابعة لوزارات الدّفاع والدّاخليّة والصحّة والتّربية. وحسب مشروع قانون الماليّة لسنة 2025، سيبلغ عدد الأعوان العموميّين 663.757 عونا بزيادة سنويّة تقدّر بـ6796 موظّفا، جزء هامّ من ضمنهم مُوَجّه لوزارتي الدّاخليّة والدّفاع. كما أنّ حجم الخطط الجديدة المبرمج للسّنة القادمة يمثّل نصف الخطط الجديدة التي بُرمجت للسّنة الجارية والبالغة 13586. يصبّ هذا المنحى التّنازلي في الانتدابات المباشرة في سياسة الضّغط على كتلة الأجور والنّزول بها إلى 12% من الناتج الإجمالي المحلّي.
راكَمَت هذه السّياسة أزمة موارد بشريّة في عدّة قطاعات حيويّة، وفي مقدّمتها قطاع الصّحة الذي استنزَفَته هجرة الأطبّاء الشبّان بسبب ظروف العمل الهشّة (حسب عمادة الأطبّاء 80% من الأطبّاء حديثي التخرّج يهاجرون سنويّا)، إضافة إلى قطاع التّعليم الذي يُعَاني نقصا بحولي 10700 مدرّسا، سيتمّ تغطية جزء منه عن طريق عقود العمل الهشّة أو ما يُعرَف بالنّيابات، إضافة إلى 20 ألف عامل، أين سيقع انتداب 160 عامل حضيرة فقط في إطار الدّفعة الثالثة لتسوية ملفّ عمّال الحضائر.
هذا التصوّر سيدفع المرفق العامّ نحو مزيد من الهشاشة وتراجع الخدمات العامّة، وهي المفارقة بين ما تقوله الإجراءات والأرقام الرّسميّة، وفصاحة رئيس الجمهوريّة وواضع السّياسات العموميّة الذي يندد دائما بالعمل الهشّ، ويدعو إلى نجاعة الإدارة وتكريس دور الدّولة الاجتماعي.
في نفس الاتّجاه نصّ مشروع قانون الماليّة على التّمديد في برنامج التّقاعد قبل بلوغ السنّ القانونيّة الذي انطلق العمل به في غرة جانفي 2022، إلى موفّى سنة 2027. يتحصّل المتمتّع بهذا الإجراء على جراية تقاعد فوريّة يتمّ تصفيتها على أساس سنوات النّشاط الفعلي وإضافة تنفيل يُساوي المدة المتبقية لبلوغ العون العمومي سنّ التّقاعد القانونيّة (62 سنة)، ويتكفّل المُشغّل بدفع الجرايات والمساهمات الاجتماعيّة المستوجبة على العون إلى غاية بلوغ سنّ التّقاعد. مما يعني خسارة موارد بشريّة ودفع أجور أعوان نشطين دون أيّ نشاط فعلي، وهي في جانب منها عمليّة تمويه تمت عبر تغيير عنوان الدّفع من “أجر” إلى “جراية” بغاية تخفيض كتلة الأجور من النّاتج الإجمالي. هذا التصوّر المحاسباتي لا يُظهر أيّة نجاعة إقتصاديّة بقدر ما يُظهر مؤشّرات حسن نوايا للصّناديق والهيئات المانحة. في هذا الصّدد، اقتصرت وزارة الماليّة على ذكر عدد المنتفعين بهذا البرنامج والبالغين 11752 عونا إلى غاية شهر أوت من هذا العام دون ذكر آثاره المالية.
تراجع نسق تطوّر الموارد الذّاتيّة
ستَبلغ جملة مداخيل الميزانيّة وفق مشروع قانون الماليّة لسنة 2025، 50028 م.د، بنسبة تطوّر زهيدة تناهز 1.8 % عن السّنة الحالية، وهي أضعف نسبة تطوّر سنوي تُسَجّل في الخمس سنوات الأخيرة مثل ما يُبيّنه الجدول أدنَاه. ومردّ ذلك عدم تطوّر الموارد الجبائيّة بالقدر الذي شهدته بين سنوات 2021 و2024، حيث بلغت نسبة 11.4% في حدّها الأدنى، لتَنزلَ إلى نسبة 2.7% في عام 2025. ففي سنوات 2021 و2022 تُفسّر الزّيادة الملحوظة بعودة النّشاط الاقتصادي الذي كانت جميع مؤشّراته سلبيّة سنة 2020 بسبب جائحة “الكوفيد-19″، إضافة إلى العفو الجبائي الذي تم إقراره سنة 2022. ورغم تراجع نسق النموّ الاقتصادي خلال سنة 2023 وفي السّداسي الأوّل من السّنة الجارية، ستُحافظ المداخيل الجبائيّة على زيادة ملحوظة تَعكس تحسّنا نسبيّا في منظومة الاستخلاص والمداخيل المتأتيّة من النّظام الدّيواني جرّاء تطوّر واردات السّلع.
إلى جانب ذلك، سيكون العامل المهيمن خلال السّنة الحالية في زيادة المحاصيل الجبائيّة المتوقّعة، العفو الجبائي الذي تضمّنه قانون الماليّة لسنة 2024، وفي مستوى ثان بسبب استخلاص ديون ثقيلة لدى الشركات البترولية بعنوان السنوات الفارطة في حدود 500 م.د. وهو ما يدل على أنّ محرّك هذا التطوّر الطفيف ليس إقتصاديّا -لأنّ فرضيّة مؤشّر النموّ التي توقّعتها الحكومة والتي قدّرت بـ2.1%، دخلت باب الاستحالة لأنّه وإلى غاية جوان من هذا العام كان مؤشّر النموّ في حدود 0.6%- وإنما تمّ تحصيله بفعل تحسّن نسبي لقطاعي الفلاحة والخدمات، بينما يُواصل قطاع الصّناعة تراجعه بتسجيل نسب نموّ سلبيّة، علما وأنّ تونس لم تدرك بعد مستوى حجم النّاتج المحلي الإجمالي لسنة 2019.
مداخيل ميزانيّة الدّولة 2021-2025 (بحساب مليار دينار)
2021
2022
2023
2024
2025
المداخيل الجبائيّة
30405
35449
39488
44050
45249
المداخيل غير الجبائيّة
3098
4166
4335
4760
4429
الهبات
44
1378
1537
350
350
جملة المداخيل
33547
40993
45360
49160
50028
المصدر: المفكرة القانونية بناء على المعطيات التي تضمنتها قوانين الماليّة ومشروع قانون الماليّة لسنة 2025
غير أنّ محدوديّة تطوّر حجم هذه الموارد بالنّسبة للسّنة المقبلة، في ظلّ إقتراح تعديل جدول الضّريبة على الدّخل وجدول الضّريبة على الشّركات الذي يبدو أنّه لن يكون له مفعول مالي محسوس بالزّيادة أو بالنّقصان في مداخيل الميزانيّة، يؤكّد أنّ الحكومة لا تتوقّع تطوّر النشاط الاقتصادي بشكل بارز في سنة 2025. كما يُحيل إلى أنّها بلَغَت أقصى ما يُمكنها فعله في تطوير منظومة الاستخلاص ومجابهة التهرّب الضّريبي الذي تُقدّره الهيئات الرّسميّة بحوالي 50% من جملة المداخيل الجبائيّة، إضافة إلى توسيع القاعدة الضّريبيّة ومجابهة الاقتصاد الموازي الذي يمثّل ما يقارب 40% من الناتج الإجمالي المحلّي وفق تقديرات الدّولة. مع الإشارة إلى أنّ جميع قوانين الماليّة منذ إندلاع الثّورة تضمّنت عشرات الإجراءات الجبائيّة والماليّة بعنوان إدماج الاقتصاد الموازي والتي نجد أثرها في المشروع الحالي مبوّبة تحت عنوان “إجراءات لإدماج الاقتصاد الموازي ومقاومة التهرب الجبائي”، إضافة إلى عشرات البرامج والدّراسات التي وُضِعَت في الغرض دون أيّ أثر إقتصادي يُذكر سوى تبديد المال والجهد العمومي في إجراءات سطحيّة وفوقيّة تُجانب تمدّد الظّاهرة وتعقيداتها الإقتصاديّة-الاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة.
كما يعود التطوّر الضّئيل لموارد الدّولة الذّاتيّة إلى التّراجع الذي ستُسجّله الموارد غير الجبائيّة بـ -7% (من 4760 م.د إلى 4429 م.د) لأوّل مرّة منذ جائحة “الكوفيد-19”. وتُمثّل هذه الموارد مداخيل تسويق مناب الدولة من النفط الخام، ومداخيل عبور أنبوب الغاز الجزائري، ومرابيح وفوائض الشّركات والمؤسّسات العموميّة، وتلك المتأتيّة خاصّة من مرابيح البنك المركزي. إضافة إلى مداخيل المصادرة؛ هذا الملفّ الذي لم تَنجح جميع الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول له جرّاء التوظيف السيّاسي-الإقتصادي الذي لحق به، لينضاف إلى جملة الملفّات المتراكمة عبر السّنين التي عجزت السّلطة السّياسيّة عن إيجاد حلول لها على غرار الأراضي الإشتراكيّة والأراضي الدّوليّة.
لا نملك إلى حدود الآن معطيات عن حجم المداخيل المتأتية من الأملاك المصادرة المتوقّعة للسّنة القادمة بسبب عدم نشر بقيّة الوثائق المصاحبة لمشروع قانون الماليّة، لكنّ ما يمكن استنتاجه من تراجع المداخيل غير الجبائيّة يفيد أنّها لن تبلغ الحجم المتوقّع في قانون الماليّة للسّنة الحالية والبالغ 520 م.د. هذا الرّقم يبدو بدوره محلّ شكّ، نظرا لعدم قدرة الدّولة على تحصيله بخاصّة وأنّه وفق وثيقة تنفيذ ميزانية الدولة إلى موفى السّداسي الأوّل من السّنة الماليّة الجارية، لم تحصّل الحكومة شيئا من جملة إيرادات المصادرة المبرمجة. وتمثّل الأملاك المصادرة والأملاك المنهوبة والصّلح الجزائي وإنتاج الفسفاط أكبر المواضيع التي أطلق رئيس الجمهوريّة بشأنها “خطابات حازمة”، وجرى التسويق بأنّها ستكون موارد تدفّقات ماليّة هامّة لميزانيّة الدّولة، غير أنّ الواقع أثبت فشلا كبيرا في إدارتها.
وتعتبر المداخيل الجبائيّة وغير الجبائيّة جملة الموارد الذّاتيّة الفعليّة للدّولة، وتمثّل 63.5% من جملة تكاليف الدّولة، وستطوّر مجتمعة بـ 1.8% فقط في السّنة المقبلة في مفارقة مع الخطاب الرّسمي القائم على التّعويل على الموارد الذّاتيّة. في حين تُشكّل الهبات آخر عنوان مداخيل الدّولة، وستحافظ على مستواها الحالي بـ 350 م.د متأتيّة أساسا من الإتّحاد الأوروبي في إطار برامج دعم الميزانية.
عجز الميزانيّة فرصة للاستثمار السّياسي
وعلى غرار بقيّة المؤشّرات الماليّة في مشروع ميزانيّة الدّولة للسّنة القادمة التي ستشهد شبه استقرار (ارتفاع أو تراجع طفيف) قياسا بالسّنة الحاليّة، ستكون موارد الإقتراض بالكاد ثابتة (نسبة إنخفاض بـ -0.6%) في حدود 28003 م.د، موجّهة لتغطية عجز تكاليف الدّولة البالغ 36.5%. وتتوزّع هذه الموارد بين 9800 م.د مخصّصة لسدّ عجز الميزانيّة و18203 م.د مخصّصة لدفع أصول الدّيون. وفي ظلّ هذه الوضعيّة -المماثلة في جوهرها للوضعية السابقة على مستوى الاقتصاد الكلّي- يكشف مشروع الميزانيّة بروز توجّهين؛ الأوّل يخصّ مزيد إحكام التقشّف، ويشير الثّاني إلى الإعتماد المكثّف على السّوق الدّاخليّة للاقتراض بنسبة تقارب 80% مثل ما يبيّنه الجدول، وهو ما يُسقط الإدّعاءات الشّعبويّة المتواصلة المتعلّقة بالتّعويل على موارد الدّولة الذّاتيّة.
موارد الإقتراض 2021-2025 (بحساب المليار دينار)
2021
2022
2023
2024
2025
الإقتراض الخارجي
7456
7777
10563
16445
6131
الإقتراض الدّاخلي
6768
10503
11368
11743
21872
جملة موارد الإقتراض
14225
18280
21931
28188
28003
المصدر: المفكرة القانونية بناء على المعطيات التي تضمنتها قوانين الماليّة ومشروع قانون الماليّة لسنة 2025
أمام العجز الهيكلي في تغطية نفقات الدّولة الذي تَوسَّعَ بسبب حاجيات الاقتراض الهامّة لسداد أصل الدّين المتفاقم سنويّا (أنظر الجدول الأوّل)، 35% فقط من جملة الدّيون ستُوجّه لنفقات الميزانيّة، أمّا بقيّة الدّيون المبرمجة فتندرج في الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ سنة 2011، وهي التّداين من أجل سداد الدّيون السابقة. وفي ظلّ إنسداد الولوج إلى السّوق الماليّة وانحسار قدرة الدّولة على تعبئة قروض ثنائيّة ومتعدّدة الأطراف، ستلجأ السّلطة إلى السّوق الماليّة والبنكيّة المحليّة لاقتراض 21872 م.د ما يُعادل ضعف موارد التّمويل المحلّي للسّنة الجارية. لا نملك معطيات حول أشكال التّمويل، لكن من الواضح أنّ الدّولة ستلتجئ للسّنة الثّانية على التّوالي إلى تحصيل جزء من حاجياتها من البنك المركزي بالتّوازي مع مواصلة بقيّة الإصدارات (رقاع الخزينة، رقاع الخزينة القابلة للتّنظير، القرض الرّقاعي الوطني) إضافة إلى قرض بنكي بالعملة.
تحتاج الدّولة خلال السّنة المقبلة إلى 8.469 م.د لتسديد أصل الدّين الخارجي بالعملة، في المقابل لن تتحصّل سوى على 6131 م.د في شكل قروض خارجيّة بالعملة. ما يفيد أنّ الفارق ستقترضه الدّولة من البنك المركزي والبنوك التّجاريّة بالعملة (دولار وأورو). وبما أنّ تونس دولة مورّدة بالأساس للموادّ المصنّعة والموادّ الأوليّة، سيعمّق ذلك بالضّرورة أزمة التزوّد التي تعيش على وقعها الأسواق في السّنوات الأخيرة، إضافة إلى مزيد انكماش الإنتاج في القطاع الصّناعي.
كما تجدر الإشارة إلى تأثير ظاهرة “المزاحمة الإقتصاديّة” على الأفراد والقطاع الخاصّ، والتي سلكتها الدولة في قطاع القروض البنكيّة، وأدّت هذه الظاهرة إلى تسجيل 3.3% فقط نسبة تمويل القطاع المصرفي للإقتصاد في السّبع أشهر الأولى من هذا العامّ كسابقة من نوعها منذ 20 سنة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.