مشروع قانون العزل السياسي في ليبيا: أبعد من الحاجة الاجتماعية وكوابح الاعلان الدستوري، من يستحق العزل؟


2013-02-25    |   

مشروع قانون العزل السياسي في ليبيا: أبعد من الحاجة الاجتماعية وكوابح الاعلان الدستوري، من يستحق العزل؟

منذ فترة، يناقش المؤتمر الوطني العام في ليبيا احتمال اصدار قانون للعزل السياسي، يمنع المقربين من النظام السابق من تولي مناصب عامة. يناقش الكاتب في هذا المقال مدى دستورية قانون مماثل وعلى الأخص الأشخاص الذين يتعين عليه في حال صدوره أن يشملهم بذواتهم أو بصفاتهم (المحرر).
 
يمكنني القول بداية (كقانوني) بأن العزل السياسي تدبير احترازي يهدف إلى تعليق ممارسة الحقوق السياسية (أي تعليق حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة للدولة المنصوص عليه في العهد الدولي الأول للحقوق المدنية السياسية) لأجل محدد معلوم لأولئك الذين أسهموا أو أعانوا على إفساد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية وغيرها في ليبيا خلال حقبة معينة من حقبات التاريخ، وهنا فإن هذا المقال سيتناول مسألة العزل من منظور القانون الدولي وأيضا من منظور القانون الليبي.
 
مسألة العزل السياسي من منظور القانون الدولي:
ينعكس هذا الشق في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدا في العهد الدولي الأول المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (وليبيا طرف فيه منذ العام 1971) هذا العهد تضمن قاعدة واستثناء فيما يتعلق بممارسة الحقوق المنصوص عليها فيه على النحو التالي:
– القاعدة العامة: تقضي بأن كافة الحقوق المنصوص عليها في العهد هي حقوق طبيعية للناس على قدم المساواة؛ فلا يجوز حرمان أي إنسان منها، بما في ذلك – قطعا – حق التمتع بالحقوق السياسية، التي منها حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة للدولة.
– الاستثناء: ميزت المادة الرابعة من العهد الأول للحقوق المدنية والسياسية بين نوعين من الحقوق الواردة بالعهد، النوع الأول: محدد على سبيل الحصر: وهي حقوق غير قابلة للتقييد (أو التنازل عنها) مهما كانت الظروف أو الأحوال، وهذه تتمثل في: حق الحياة وحق السلامة الجسدية وعدم التنفيذ على جسم المدين وعدم العبودية. النوع الثاني: في كافة الحقوق الأخرى عدا الحقوق المشار إليها في النوع الأول، وهي حقوق يمكن تقييد التمتع بها إذا واجهت الدولة ظروفا استثنائية معينة كالثورات أو الحروب الداخلية أو غيرها من الأزمات، ولا جدال في أن الحقوق السياسية تدخل ضمن هذا البند فهي ليست من الحقوق التي لا يجوز تقييدها كما تم بيانه أعلاه.
وخلاصة القول، أنه يوجد في القانون الدولي لحقوق الإنسان ما يمكن الركون إليه لإقرار العزل السياسي، لتقييد التمتع بالحقوق السياسية لفئة معينة ولفترة محددة، لوجود ظروف طارئة في الدولة الليبية تقتضي إقرار مثل هذا التقييد.
 
العزل السياسي من منظور القوانين الداخلية:
يتمثل أساسا في مجموع القواعد القانونية الوطنية، وبصفة خاصة القواعد ذات الطبيعة الدستورية، التي يعكسها على أكمل وجه "الإعلان الدستوري الليبي المؤقت لعام2011"، فهذا الأخير ركن إلى الجانب النظري (المثالي) دون الجانب العملي، فقضت أحكامه بتمتع الليبيين بحقوقهم السياسية على قدم المساواة دون أي استثناء، وهذا أدى لأن تكون النتيجة القانونية المترتبة على ذلك أن الحديث عن العزل السياسي في المرحلة المؤقتة هو نوع من هدر الوقت والجهد من قبل الكثيرين، لاسيما من قبل المؤتمر الوطني العام، لأنه – ومع إعتقادنا الكامل بأهمية العزل السياسي – سيتم الطعن بعدم دستورية قانون العزل السياسي حال صدوره أمام المحكمة العليا من قبل أصحاب المصلحة في إلغائه، وستجد المحكمة نفسها ملزمة بقبول الطعن في الشكل والموضوع؛ لمخالفة أحكامه للمبادئ المنصوص عليها في الإعلان الدستوري. فما هو الحل؟
كسبا للوقت والجهد فإنه يتعين على المؤتمر الوطني العام السعي لوضع خارطة طريق تهدف للعمل على الإسراع في إجراء انتخابات الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، فمن خلال الدستور وحده يمكن تجاوز العائق الدستوري المنصوص عليه في الإعلان، وذلك بأن ينص الدستور صراحة على العزل السياسي كاستثناء يقع على حق ممارسة الحقوق السياسية، وعندها يتحصن قانون العزل من أي طعن يوجه إليه، وهذا ما انتهى إليه تحديدا أشقاؤنا المصريون من خلال دستور مصر الجديد[1].
تبقى مشكلة واحدة هي: معايير وضوابط العزل، لأنه إذا كان جميع الليبيين يتفقون حول عزل كل من ارتبط بالنظام السابق بروابط فكرية وأيدليوجية، كأن كان عضوا فعالا في اللجان الثورية بمختلف مكوناتها أو كان ممن نظّر أو نفّذ لنشر فكره السياسي أو ساعد على تنفيذ مؤامراته داخليا أو دوليا وغير ذلك من الروابط الأيديولوجية، فإن إشكالا كبيرا سيكون عن مصير أولئك الذين ارتبطوا به بروابط وظيفية دون أي رابط أيديولوجي (المقصود وظائف الإدارة العليا)؛ فليس كل من ارتبط بالنظام السابق برابط وظيفي أسهم أو أعان على الفساد في تلك الفترة، فيجب الأخذ في الاعتبار أن هذا النظام (خلال عقوده الأربعة) قد أوْكَل ببعض المهام وبقدر محدود لعدد من المخلصين للوطن؛ لحاجته لمثل هؤلاء في نظامه (أي كالحاجة للملح في الطعام ربما للإيحاء أو لإقناع الشعب الليبي بأن مبدأ المشاركة مفتوح للجميع)، وكان دافع هؤلاء لقبول مثل هذه المهام الرغبة في إصلاح ما يمكن إصلاحه وعدم ترك المجال مفتوحا لزبانية النظام الفاسد. هذا الارتباط الوظيفي بالنظام السابق وتأثيره في شمول أصحابه ضمن قانون العزل السياسي أرى أنه سيثير جدلا كبيرا بخلاف الارتباط الأيدلوجي.
ثمة من اقترح – كحل أمثل لهذا الإشكال – أن يستثنى هؤلاء من قانون العزل السياسي، وهذا – نظريا – قد يكون حلا، أما من الناحية العملية فإن الاستثناء هو من الصعوبة بمكان، لماذا؟ لأنه لا يمكن وضع استثناءات لأشخاص بعينهم، على اعتبار أن القاعدة القانونية – في حقيقتها – هي قاعدة عامة مجردة تخاطب الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم، وصفة العمومية والتجريد هذه ستفتح المجال أمام زبانية النظام السابق للاستفادة من الاستثناءات (بما لهم من خبرة وحنكة في الفساد والإفساد) وعندئذ ستفرغ الاستثناءات قانون العزل من محتواه وتصبح القاعدة استثناء والاستثناء قاعدة. فما هو الحل إذن؟ هذا ما يعجز الكاتب – بصدق وإخلاص -على الجواب عليه في الوقت الحالي، لكن يمكن الإشارة – كنوع من الحلول – إلى تجربة بعض دول أوربا الشرقية عقب انهيار المعسكر الشرقي؛ حيث عملت هذه الدول على وضع قوائم بأسماء محددة يطالها العزل السياسي لفترة زمنية معينة عوضا عن صقل قانون العزل السياسي في قواعد قانونية عامة ومجردة، أو من خلال وضع معايير وضوابط عامة التطبيق لا تفرق بين هذا أو ذاك.



 

[1] المادة 242 من الدستور المصري الجديد: تمنع قيادات الحزب الوطنى المنح لمن ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان، فى الخامس والعشرين من يناير2100 عضوا بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة.
انشر المقال

متوفر من خلال:

عدالة انتقالية ، ليبيا ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني