مشروع قانون الحرية النقابية في مصر


2013-09-09    |   

مشروع قانون الحرية النقابية في مصر

يتناول هذا المقال تعليقًا على مشروع قانون الحرية النقابية الذي تتم مناقشته حاليًا، بعدما أصبح كمال أبو عيطة وزيرًا القوى العاملة والهجرة، وهو أحد أبرز العمال الذين خاضوا معارك عدة في ظل أعتى النظم الديكتاتورية –نظام مبارك– وأنشأ أول نقابة مستقلة للعاملين بالضرائب العقارية عام 2009 على الرغم من أن قانون النقابات العمالية الحالي قد فرض قيدًا على الحق في تكوين النقابات بافتراضه نقابة عامة واحدة على مستوى الجمهورية.
أثناء حكم مبارك أقترح عدد من المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق العمال مشروعات قوانين لتحرير العمل النقابي من سطوة الدولة، التي ظلت قابعة عليه منذ العهد الناصري، حيث لم تكن هناك أية إرادة سياسية لتمرير أي من هذه المشروعات. لكنه بعد ثورة يناير 2011 عندما تولى الدكتور/ أحمد حسن البرعي وزارة القوى العاملة فتح الباب أمام كافة التنظيمات العمالية لتأسيس منظماتهم النقابية وفقًا لأحكام الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، وعلى أثر ذلك تكونت العديد من التنظيمات النقابية في أرجاء الجمهورية، والتي انتهت بإنشاء اتحاد عام للنقابات المستقلة بمعزل عن اتحاد نقابات عمال مصر الحكومي.
وعلى الرغم من ذلك، تم اقتراح مثل هذه المشروعات على كافة الوزارات المتعاقبة –في الفترة ما بين انتهاء من حكم مبارك وقبيل تولي مرسي رئاسة البلاد– لإقرارها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، حيث تعاملت معها بفتور ولم تسع حتى لمناقشتها وطرحها على جدول أعمالها.
ففي عهد الرئيس السابق، عرض مشروع قانون الحرية النقابية على خالد الأزهري وزير القوى العاملة قبل عزل مرسي ولكنه لم يستجيب لهذا المشروع رغم دعواته المتكررة بحتمية إصداره. واكتفت مؤسسة الرئاسة بإقرار بعض التعديلات على قانون النقابات العمالية الساري، والتي تنحصر في حالة ما إذا خلا أحد أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية لبلوغه سن التقاعد أو لأي سبب آخر يحل محله المشرح التالي له في عدد الأصوات في الانتخابات السابقة، وفي حال تعذر استكمال العدد القانوني لمجلس إدارة المنظمة النقابية لأي سبب من الأسباب تقوم الجهة الأعلى باستكمال العدد القانوني لمجلس الإدارة.
فهذا التعديل جاء لهيمنة الإخوان المسلمين على النقابات واتحادها العام، ذلك لأن غالبية مجالس النقابات العامة ومجالس اللجان النقابية، قد تم إعلان فوزها بالتزكية. وبالتالي فإن أعضاء مجالس هذه النقابات سيتم اختيارهم من قِبل الاتحاد العام الذي طالما تلون بألوان نظام الحكم القائم.
أن مشروع القانون الحالي لا يمكن مقارنته بأي حال بالقانون الساري، لاختلاف الفلسفة المتبناة في كليهما. فقد تبنى المشروع فلسفة تحرير العمل النقابي، ومن ثم يتعين علينا عرض ايجابيات المشروع الغالبة عليه، لنتناول من ثم أبرز سلبياته.
أولًا: الإيجابيات التي تضمنها مشروع القانون.
التزام المشروع باتفاقات العمل الدولية:
أكد هذا المشروع على كافة الحقوق والحريات النقابية التي يكفلها الدستور، واتفاقيات العمل الدولية المصدق عليها من الحكومة المصرية (المادة 2 إصدار)، وفي نظرنا أن هذا التأكيد له ما يبرره. حيث أن الدستور لم يقر كافة الحقوق النقابية للعمال، ولكنه يقر مبادئ أساسية بشأنها مثلما هو مقرر بالإعلان الدستوري الصادر في 2013 عندما نص في مادته (10) على أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات والاتحادات والأحزاب، وذلك كله على الوجه المبين للقانون". فهنا كفل الدستور الحق فقط دون أن يضع مبادئ عامة تقيد السلطة التشريعية حال تنظيمها لهذا الحق، وبالتالي من الجائز لهذه الأخيرة أن تضع من القيود على ممارسة هذا الحق بما ينتقص منه أو يعطله. ومن ثم فإن التأكيد على إقرار السلطة التشريعية –ممثلة في رئيس الجمهورية المؤقت-لكافة المبادئ التي تضمنتها اتفاقات العمل الدولية يغل يدها عن الانتقاص من هذا الحق وتعطيله.
كما أنه في حالة نشوب نزاع قضائي فإن المفسر لمواد هذا المشروع لا بد ألا يخرج عن مبادئ الاتفاقات المشار إليها، مما يوجب عليه من حيث المبدأ الالتزام بتفسيرات منظمة العمل الدولية وتقريرها حول تلك المبادئ.
إتاحة حق التنظيم النقابي لبعض الفئات التي لم يشملها القانون الساري:
لم يقرر حق التنظيم النقابي في ظل القانوني الساري إلا لفئات محددة،[1] لكن مشروع القانون عمل على توسيع هذه الدائرة ليشمل أيضًا العاملين لحسابهم والحرفيين والمهنيين، العمالة غير المنتظمة والموسمية، أصحاب المعاشات، العاملين بالري أو الصيد (المادة 2).
وبالنظر إلى تلك الفئات نجد أنها فئات غير مشمولة بأي حماية تذكر، سواء في علاقة العمل بينها وبين أصحاب الأعمال، أو في دخولها تحت مظلة نقابية تمكنها من الدفاع عن حقوقها المسلوبة من الدولة وأصحاب الأعمال[2].
وضع أسباب محددة لحل المنظمات النقابية
ضمنت المادة (5) من مشروع القانون مبدأً همًا يتمثل في عدم جواز حل المنظمات النقابية أو مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، وذلك جاء تماشيًا مع ما قررته اتفاقية الحرية النقابية. كما وضع أسباب ضمنية يفهم منها أنها الأسباب الوحيدة لحل المنظمات النقابية بموجب حكم قضائي، وتتمثل هذه الأسباب في: (1) إنشاء منظمات نقابية على أساس ديني أو حزبي أو عرقي. (2) حظر تكوينها للسرايا أو التشكيلات العسكرية أو المليشيات ذات الطابع العسكري. (3) حظر تضمين نظامها الأساسي أي قواعد تميز بين أعضائها بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو لأي سبب أخر. (4) حظر تضمين نظامها الأساسي قواعد من شأنها الانتقاص من حقوق الإنسان أو حقوق العمال أو الحريات الأساسية للعمل.
إقرار مبدأ التعددية النقابية
عمل المشروع على إقرار مبدأ التعددية النقابية في المادة (7)، عندما أعطى الحق للعاملين بالمنشأة –بحد أدنى خمسون عاملًا-أن يكونوا فيما بينهم نقابة عمالية، على أن تنشأ النقابات العامة أو اتحادات النقابات بما لا يقل عن عشرين لجنة نقابية. بخلاف ما هو مقرر في القانون الساري (المادة 13)، فقد حرم العمال من هذا الحق عندما قرر للعمال والعمال المتدرجين المشتغلين في مجموعات مهنية أو صناعات متماثلة أو مرتبطة ببعضها أو مشتركة في إنتاج واحد، الحق في تكوين نقابة عامة واحدة على مستوى الجمهورية.
 حرية التنظيمات النقابية في إدارة شئونها
أقرت اتفاقية الحرية النقابية (المادة 3) على حق منظمات العمال وأصحاب الأعمال في وضع دساتيرها وأنظمتها، وانتخاب ممثليها في حرية تامة، وتنظيم إدارتها ووجوه نشاطها، وصياغة برامجها، ووضعت قيدًا على السلطة العامة في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية يتمثل في امتناعها عن أي تدخل من شأنه أن يحد من هذه الحقوق أو يحول دون ممارستها المشروعة.
فقد سار مشروع القانون (المادة 11، 12) على درب الاتفاقية المشار إليها، مقررًا حق مؤسسي المنظمات النقابية في وضع نظامها الأساسي محددًا فيه قواعد وإجراءات انتخاب أجهزتها التنفيذية، وهيئاتها التمثيلية من بين أعضاء جمعيتها العمومية بما يكفل حق الاقتراع السري المباشر. وهذا التوجه انما يخالف تماما ما كان مقررا في قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 الساري، الذي خصص الباب الثالث والرابع منه لتنظيم هذا الحق بصورة جائرة من شأنها الحد من حرية ومؤسسي النقابات وجمعيتها العمومية في وضع دستورها، فقد أعطى للاتحاد العام لنقابات عمال مصر السلطة في وضع نظام نموذجي للمنظمات النقابية تتخذه هذه المنظمات أساسا لوضع لوائحها، مع إعطاء لجهة الإدارية أو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر- باعتباره مدافعا عن حقوق العمال وتشكيلاتهم النقابية- الاعتراض على تكوين المنظمات النقابية.
هذا بالإضافة إلى النص على كيفية دعوة الجمعية العمومية العادية وغير العادية والنصاب اللازم لانعقاد كل منهما مع إجازة التدخل من قبل الجهة الإدارية في شئونها حال عدم اكتمال هذا النصاب ودعوتها للجمعية العمومية، وكيفية انتخاب مجالس الإدارات، واختصاصاته، وكيفية انعقاده، وتنظيم حالة خلو محل أحد أعضاء مجلس إدارتها، وطريقة حل تلك المجالس.
اكتساب المنظمات النقابية لشخصيتها الاعتبارية بموجب الإخطار
يحسب لهذا المشروع في المواد (8: 10) أنه أخذ بنظام الإخطار في تأسيس المنظمات النقابية، والذي يترتب عليه اكتساب شخصيتها الاعتبارية، وبذلك يكون المشروع قد ساير اتفاقية الحرية النقابية التي قررت أن "للعمال وأصحاب الأعمال، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات، ولهم كذلك، دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية، الحق في الانضمام إلى تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص مسبق (المادة 2).
وإذا تبين للجهة الإدارية خلال 15 يومًا من تاريخ استلام الإخطار أو الإيداع عدم اكتمال أو عدم صحة المستندات، وجب عليها إخطار الممثل القانوني للمنظمة النقابية العمالية بذلك بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، وفي حالة عدم الاستجابة وجب عليها الاعتراض على نشأة المنظمة النقابية أمام محكمة القضاء الإداري. 
تجدر الإشارة إلى أن النسخ السابقة على النسخة التي نحن بصدد التعليق عليها كانت نصت صراحة على الإخطار كطريق لتأسيس المنظمة النقابية، إلا أنها لم تقرر اكتسابها الشخصية الاعتبارية كأثر مترتب على الإخطار الا في حال مرور ثلاثين يومًا من تاريخ الإخطار دون اعتراض الجهة الإدارية.
حرية المنظمات النقابية في التصرف في أموالها وممتلكاتها:
أعطى مشروع القانون للمنظمات النقابية حرية التصرف في أموالها وممتلكاتها في حال حلها بموجب حكم قضائي نهائي وفقًا للقواعد المقررة في نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية، أما في حالة خلو نظامها الأساسي من تلك القواعد تؤول أموالها إلى صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية للنقابات العمالية.
هذا على خلاف ما هو مقرر في القانون الساري، والذي قيد حرية المنظمات في التصرف في أموالها عن طريق إلزامها بأيلولة تلك الأموال إلى المنظمة النقابية الأعلى دون غيرها، وهذا القيد لم يتضمنه القانون من فراغ، ولكن لتبعية كافة النقابات العامة للسلطات التنفيذية في الدولة عن طريق الهيمنة والسيطرة عليها.
ومن ثم فإن مشروع القانون أجاز لهذه المنظمات أن تتصرف في أموالها بالكيفية التي تراها مناسبة، فلها أن تتصرف فيها لأي منظمة نقابية أخرى حتى ولو لم تكن في نفس المجال، وهذا ما يبين أن المشروع لم يتبن فكرة البناء الهرمي للتشكيلات النقابية مثلما هو في القانون الساري.
 حق التنظيمات العمالية في إنشاء اتحادات:
تضمنت اتفاقية الحرية النقابية هذه الحق وأكدت عليه في المادة (5) منها، عندما قررت "لمنظمات العمال وأصحاب الأعمال حق تكوين اتحادات واتحادات حلافية والانضمام إليها، كما أن لكل منظمة أو اتحاد أو اتحاد حلافي من هذا النوع حق الانتساب إلى منظمات دولية للعمال وأصحاب الأعمال".
وتماشيًا مع هذا المبدأ أكد مشروع القانون على حق المنظمات النقابية في تكوين الاتحادات العربية والإفريقية والدولية للعمال أو الانضمام إليها (المادة 14).
ففي ظل القانون الساري لم يكن هذا متاحًا لأي تشكيل نقابي، بل على العكس من ذلك فرض القانون على المنظمات النقابية العضوية الإجبارية في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بالمخالفة لاتفاقات العمل الدولية والمعايير الدولية لحرية التنظيم بشكل عام.
 فرض عقوبات على أصحاب الأعمال حماية للعمال
فرض هذا المشروع عقوبات تتمثل في الغرامة المالية على صاحب العمل في حال توقيعه عقوبة الفصل أو الوقف عن العمل أو أي جزاء أخر على عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية دون الحصول على حكم قضائي نهائي، أو امتناعه عن تشغيل عامل أو إنهاء خدمته بسبب انضمامه إلى المنظمة النقابية، أو التمييز في الأجر بينهم وبين غيرهم من غير المنضمين إلى تنظيمات نقابية، أو إكراه النقابيين على تغيير مواقفهم التفاوضية أو تغيير انتماءهم النقابي.
فهذا المبدأ لم يكن متضمنًا في القانون الساري، وهذا يعكس ولاء الدولة إلى رجال الأعمال، خاصة في فترة حكم مبارك. والذي يؤكد ذلك، إقرار قانون العمل 12 لسنة 2003 والذي سمي فيما بعد بـ "قانون رجال الأعمال" كونه سلب الكثير من حقوق العمال وأباح فصلهم دون أن يكون لهم الحق في العودة إلى العمل حتى بحكم قضائي، ولكنه أجاز للقضاء الحكم على رجال الأعمال بتعويض العامل عن هذا الإجراء التعسفي.
عدم تقرير عقوبات سالبة للحرية على أعضاء مجالس الإدارات حال ارتكابهم مخالفات:
خصص الباب العاشر من القانون الساري لبيان العقوبات التي يتوجب توقيعها حال مخالفة أحكامه، والتي تضمنت عقوبات سالبة للحرية تتمثل في الحبس. ومن قراءة تلك النصوص نجد إنها تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل عضو من أعضاء مجالس إدارة المنظمات النقابية تعمد إعطاء بيانات غير صحيحة تتعلق بالنظام الأساسي أو المالي أو بالسجلات أو الدفاتر أو الأموال أو الحسابات المتعلقة بالمنظمة النقابية والتي يجب قانونا إبلاغها لذوي الشأن. هذا مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
إلا أن مشروع القانون –ويحسب له ذلك-خرج على هذا واستبدل العقوبات السالبة للحرية بعقوبات مالية غير شخصية –أي لا توقع على أعضاء مجالس الإدارات بصفة شخصية-على المنظمات النقابية ككيان اعتباري.
فأن توقيع عقوبة مقيدة للحرية على أعضاء مجالس إدارات أية منظمة نقابية من شأنه عزوف أعضاء تلك المنظمات من تولي مسئولية إدارتها خشية توقيع مثل هذه العقوبات عليهم، والتي قد تقع عليهم بسبب أخطاء إدارية أو أخطاء لا دخل لهم بها.
ثانيًا: السلبيات التي تضمنها مشروع القانون.
على الرغم من كل هذه الإيجابيات، إلا أن مشروع القانون يحمل مجموعة من المساوئ التي تشكل انتهاكًا لحرية التنظيم النقابي، والتي سنتطرق لها في نقاط:
أيلولة أموال النقابات غير المتوافقة مع المشروع إلى الدولة
تضمن المشروع (المادة 4 إصدار) نصًا انتقاليًا من شانه وضع الكيفية لتوفيق أوضاعها وفقًا له –في حال إقراراه-، لكنه اغتصب أموال التنظيمات النقابية التي لم تقم بهذا الإجراء في المدة المحددة بستة أشهر من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية ونص على ايلولة أموالها إلى صندوق إعانات الطوارئ للعمال في حال خلو نظامها الأساسي أو لوائحها الداخلية من كيفية التصرف في أموالها.
إن صندوق إعانات الطوارئ للعمال تم إنشاءه بموجب القانون 156 لسنة 2002، له الشخصية الاعتبارية ويتبع في إدارته إلى وزير القوى العاملة والهجرة، ويهدف هذا الصندوق إلى تقديم إعانات للعاملين الذين يتوقف صرف أجورهم من المنشآت التي يتم إغلاقها كليًا أو جزئيًا أو تخفيض عدد عمالها المقيدين بسجلاتها المؤمن عليهم لدى التأمينات الاجتماعية.
 وبهذا النص يكون المشروع قد سلب أموال المنظمات النقابية لصالح جهة حكومية، وأضاف موردًا ماليًا لموارد الصندوق المشار إليه. فهل من المنطقي عند تخلف مجلس إدارة منظمة نقابية أن تؤول أموال الاشتراكات المدفوعة من قبل العمال إلى الدولة؟! وما الخطأ الذي ارتكبته الجمعية العمومية للمنظمة النقابية في حال عدم اتخاذ مجلس إدارتها مثل هذا الإجراء؟!
فكان من الأولى أن تؤول هذه الأموال إلى أية منظمة نقابية أخرى تختارها المنظمة النقابية غير الراغبة في توفيق أوضاعها عوضًا عن أيلولة أموالها إلى الدولة.
عدم وضع آلية لاستعادة المنظمات النقابية لأموالها في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر
على الرغم من أن مشروع القانون قد نص في (المادة 6 إصدار) على أن "لا يترتب على انتقال العامل أو المنظمة النقابية العمالية من منظمة نقابية عمالية إلى أخرى حرمانهما من كافة الحقوق المادية أو العينية أو الخدمات التي كانوا يتمتعون بها. ويستمر أعضاء المنظمات النقابية العمالية بالتمتع بكافة الحقوق والمزايا المترتبة على اشتراكهم في صناديق الادخار أو الزمالة أو أي صناديق خاصة تم إنشائها بمعرفة النقابات تحت أي مسمى، دون انتقاص، وذلك في حالة إبداء رغبتهم في الانسحاب من هذه المنظمات أو نقل عضويتهم إلى منظمات أخرى".
 إلا أنه لم يضع آلية محددة يمكن من خلالها صيانة أموال النقابات العامة الداخلة تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، التي ظلت تسدد اشتراكات طيلة سنوات. الأمر الذي سيؤدي بالتبعية إلى استحواذ هذا الاتحاد على كافة الأموال التي تحت يده، وما سيؤدي أيضًا إلى استقواء الاتحاد بهذه الأموال في مواجهة اتحادات مستقلة أخرى سوف تنشأ تطبيقًا لأحكام هذا المشروع –في حال إقراره-. فكان لزامًا على واضعي المشروع أن يتنبهوا لهذا الأمر بالنص على كيفية استعادة أموال النقابات العامة الراغبة في الخروج من مظلة الاتحاد العام والدلوف تحت مظلة اتحاد آخر.
Ø     عدم تنظيم المؤسسة الثقافية العمالية
المؤسسة الثقافية العمالية تم إنشاؤها في العهد الناصري بموجب القرار الجمهوري رقم 2253 لسنة 1960، وتعد مؤسسة ذات نفع عام، ألحق بالاتحاد القومي،[3] وبعد فترة ألحقت بالاتحاد الاشتراكي، وخصص لها مبنى المحفل الماسوني بوسط القاهرة. لكن في عهد السادات ومع إلحاح الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على أن تكون تبعية المؤسسة الثقافية العمالية للعمال وليس للاتحاد الاشتراكي، فقد تجاوب السادات لرغبته في شراء الطبقة العاملة عن طريق الاتحاد العام وأصدر القرار الجمهوري رقم 10 لسنة 1977 بنقل التبعية.
فلم نجد نصًا في المشروع يتطرق لتنظيم هذه المؤسسة في ظل وجود تعددية للاتحادات النقابية، وبالتالي فإن استحواذ الاتحاد العام على هذه المؤسسة الثقافية سوف يؤدي إلى حرمان العديد من النقابات والاتحادات الأخرى من خدماتها. هذا بالإضافة إلى تعظيم قدرات الاتحاد العام الخدمية من خلال تبعية المؤسسة الثقافية.
Ø     حظر تلقي أية أموال من الأفراد الطبيعيين:
تعتبر من أحد مساوئ حصر موارد المنظمات النقابية في (اشتراكات الأعضاء، عائد الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تمارسها، الإعانات والهبات والتبرعات غير المشروطة من الهيئات والمؤسسات المصرية). لماذا أتاح المشروع للكيانات الاعتبارية فقط دون الأشخاص الطبيعية هذا الحق؟ فهل من المجرم قانونًا أو من غير المستساغ عرفًا أن يتبرع أحد الأفراد بجزء من ماله الشخصي لهذه المنظمات؟
ولنضرب مثالًا على ذلك، إذا رغبت احدى المنظمات النقابية في عقد تدريب لأعضائها حول المفاوضة الجماعية وتعاقدت مع أحد المتخصصين في هذا المضمار بمقابل مادي، وقام هذا الأخير بالتبرع بهذا المقابل للمنظمة فهذا غير جائز وفقًا للمشروع حال إقراره. ومن ثم توقع عقوبة على هذه المنظمة بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 150 ألف جنيه مع مصادرة الأموال المتبرع بها.
وفقًا للقانون المنظم للجمعيات والمؤسسات الأهلية، يجوز للأشخاص الطبيعيين التبرع لها بنسبة لا تتجاوز 15 % مقابل خصم هذا التبرع من وعائه الضريبي.
Ø     عدم فرض عقوبة على الجهة الإدارية حال امتناعها عن تنفيذ التزاماتها:
رسم المشروع الطريق لاكتساب المنظمة النقابية لشخصيتها الاعتبارية، ملقيًا على عاتق الجهة الإدارية التزامًا بتسليم الممثل القانوني للمنظمة المستندات الدالة على ثبوت شخصيتها الاعتبارية (المادة 9)، دون فرض أي عقوبة في حال تنصلت الجهة الإدارية من هذا الالتزام. مكتفيًا بتقرير حق الممثل القانوني في اللجوء إلى القضاء لإلزام الجهة الإدارية بما عليها من التزام. وهو ما يجعل تلك الأخيرة تتعسف في هذا الأمر، مع علمها بعدم تقرير عقوبة عليها حال قيامها بذلك.
في النهاية، نود لفت الانتباه أن إقرار هذا المشروع يستلزم بالتبعية تعديل عدد من المواد في قانون العمل 12 لسنة 2003 لكي تتوافق مع المشروع، ومنها المواد المنظمة لحق الإضراب، والمفاوضة الجماعية، وإلغاء استثناء عمال خدم المنازل من قانون العمل.



[1] العاملين المدنيين في الحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات والمؤسسات العامة والأجهزة الحكومية التي لها موازنة خاصة، العاملين بشركات القطاع العام، العاملين بشركات قطاع الأعمال العام والعاملين بالأنشطة الاقتصادية التي يتم إنشاءها بقانون، العاملين بالقطاع الخاص، العاملين بالقطاع التعاوني، العاملين بالقطاع الاستثماري والقطاع المشترك، عمال الزراعة، عمال الخدمة المنزلية.
[2] قد ينتاب القارئ التعجب والاستغراب من وجود أصحاب المعاشات ضمن المشمولين بهذا الحق، ولكنه من الضروري أن تتمتع هذه الفئة بحق التنظيم النقابي، مما يمكنها من الدفاع عن قضايا وهموم أصحاب المعاشات المقدر عددهم بنحو 8.5 مليون صاحب معاش، وحماية المصالح الاقتصادية لأعضائها، وتوفير الرعاية الصحية التي عجزت الدولة عن تقديمها لهم. وكانت الدولة، في غضون عام 2004، قامت بالسطو على أموال التأمينات الاجتماعية في شكل قروض لم ترد وفوائد لم تسدد، وقد وصلت إلى ما يقرب من 300 مليار جنيه مصري –وقد وصل حجم هذه الأموال حتى 30/6/2011 إلى 463 مليارًا و219 مليون-[2]. وقد تم ذلك عن طريق إنشاء بنك الاستثمار القومي والذي اشترط القانون المنظم له إيداع الاحتياطيات المتولدة لصالح هيئتي التأمينات والمعاشات في البنك ذاته. وعلى أثر ذلك تم تحويل ما يقرب من 92.2 % من إجمالي استثمارات الهيئة القومية للتأمينات إلى بنك الاستثمار القومي، وأصبح محدودو الدخل من العمال والموظفين من الممولين الرئيسين لموارد البنك. إن محاولة استيلاء الحكومة على أموال التأمينات لم يكن سوى محاولة لتدبير بعض الأموال لتغطي عجزها المتفاقم في ميزانيتها المتعاقبة. وتنفيذًا لهذا المخطط أصدر الرئيس مبارك القرار الجمهوري رقم 272 لسنة 2006 والذي مفاده ضم وزارة التأمينات الاجتماعية لوزارة المالية بعدما تفاقمت حكم الديون على الأخيرة في مواجهة الأولى، حتى يصبح الدائن والمدين شخصًا واحدًا. 
 
[3] في عام 1957 أنشأت ثورة يوليو "الاتحاد القومي" ليكون تنظيمًا سياسيًا بديلًا لهيئة التحرير، وكان هدف الاتحاد تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، وحث الجهود على بناء البلاد بصورة سليمة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن تلك الأهداف أيضا: تقليص الفوارق بين طبقات الشعب والقضاء على الإقطاع، وإقامة حكومة تعمل لمصلحة الشعب وتكوين جيش وطني وطرد المستعمر. وقد حُل الاتحاد القومي ليحل مكانه الاتحاد الاشتراكي العربي عام  1962.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A_(%D9%85%D8%B5%D8%B1)
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، حقوق العمال والنقابات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني