بتاريخ 4-9-2014، أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون بتعديل قانون مجلس شورى الدولة. وقد رمى مشروع القانون، الصادر بناءً على اقتراح وزير العدل، الى إضافة غرفتين قضائيتين بحيث يرتفع عدد الغرف القضائية للمجلس من خمس الى سبع. ويتبدى من أسبابه الموجبة أن الدافع الأساسي لوضعه هو جبه “الاختناق القضائي الحتمي” وتفعيل الإنتاج والإسراع في بت النزاعات، بعدما زاد عدد الملفات الواردة سنوياً الى المجلس عن الألف. وفي هذا الصدد، بررت الحكومة التعديل أيضاً بعدم إنشاء المحاكم الابتدائية التي نص القانون على وجوب حصوله منذ 31-5-2000، موحية أن إنشاء هذه المحاكم أمر خارج عن سلطتها. فلو أُنشئت هذه المحاكم لاستوعبت التزايد في عدد النزاعات القضائية ولتم تلافي الاختناق القضائي ولما تأخر بت النزاعات ولما كان تالياً من حاجة لزيادة عدد الغرف القضائية لدى مجلس شورى الدولة.
الحكومة تعاند مبدأ التقاضي على درجتين
وبالعودة إلى مستهلّ المادة 34 ذاتها من نظام مجلس شورى الدولة والمعدّلة في عام 2000، نلحظ أنها أناطت بوزير العدل بعد موافقة مكتب مجلس شورى الدولة تحديد تاريخ مباشرة المحاكم الابتدائية العمل وعددها ومراكزها وعدد قضاة كل غرفة. ويستفاد من هذه المادة أن إنشاء هذه المحاكم هو وقف على قرار إداري من وزير العدل ومجلس شورى الدولة، قرار تأخر صدوره أربع عشرة سنة. ومن هذه الزاوية، تثير الأسباب الموجبة العجب: فلماذا يلجأ وزير العدل ومن بعده مجلس الوزراء إلى السلطة التشريعية لاستصدار قانون يعدل نظام مجلس شورى الدولة بغية استيعاب تزايد عدد النزاعات ومعالجة الاختناق القضائي، فيما بإمكان الوزير المذكور وبقرار إداري، أن يضع الأحكام القانونية المتعلّقة بالمحاكم الإدارية موضع التنفيذ بحيث تباشر هذه المحاكم مهامها وتستوعب هذا التزايد في عدد النزاعات؟ وعند التعمق في هذا السبب-الحجة، بإمكاننا القول إن الحكومة جاءت من خلال هذا المشروع تقترح تعزيز إمكانات التقاضي على درجة واحدة بعدما عجزت طوال 14 سنة –هي- عن احترام إرادته بضمان التقاضي على درجتين.
ويهمنا في هذا المجال أن نشير إلى أنه لا يرد على ما تقدّم بأنه يمكن أن ينشأ خلاف بين وزير العدل ومكتب مجلس شورى الدولة حول القرار المتعلّق بمباشرة تلك المحاكم لأعمالها، وذلك لأن مجلس الوزراء هو المختص للبت بهذا الخلاف سنداً للفقرة(3) من المادة 19 من نظام مجلس شورى الدولة.
أضف إلى ما تقدّم أنه قد لفتنا في الأسباب الموجبة لمشروع القانون إشارتها إلى بقاء عدد الغرف القضائية التي يتألف منها مجلس شورى الدولة على ما هو عليه منذ إقرار نظامه في العام 1975 مقارنة مع زيادة عدد غرف محكمة التمييز والاستئناف والبداية في القضاء العدلي، وزيادة عدد غرف ديوان المحاسبة في القضاء المالي، في السنوات الأخيرة. وهنا نردّ بأن القانون رقم 227/2000 قد تحرّز لما أشار إليه مشروع القانون في هذا الصدد من خلال المحاكم الابتدائية.
إنشاء غرف من دون تعديل في الملاك
حتى لو أيّدنا جدلاً ما ورد في مشروع القانون وأسبابه الموجبة لناحية وجوب زيادة عدد الغرف القضائية لدى المجلس في سبيل تلافي الاختناق القضائي وزيادة الإنتاجية وتخصّص قضاة الأساس بتخصّص الغرف التي يعملون فيها عن طريق تفريعها، فإن هذه المبررات كانت توجب توسيع ملاك قضاة مجلس شورى الدولة المحدّد حالياً بـ72 قاضياً – في غياب المحاكم الإدارية – بموجب الجدول رقم 1 الملحق بنظام مجلس شورى الدولة المعدّل بالقانون رقم 227/2000، في حين أن العدد الفعلي للقضاة العاملين في المجلس لا يتجاوز حالياً في أحسن الأحوال 45 قاضياً، وذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار انتداب عدد من القضاة إلى بعض الوظائف في الوزارات والإدارات العامة[1]. وهذا ما تؤكّده التقارير السنوية لرئيس مجلس الشورى الدولة التي ما انبرت تشير إلى النقص الملحوظ في ملاك قضاة المجلس.
هذا مع الإشارة إلى أن عدد قضاة الحكم لدى المجلس – أي الذين يشكلون الهيئات الحاكمة، لا يتجاوز وفقاً لما تقدّم، 40 قاضياً إذا ما حسمنا من عدد القضاة مفوّض الحكومة ومفوّضي الحكومة المعاونين الذين يبلغ عددهم أربعة على الأكثر والذين يتولون مؤازرة الغرف لدى المجلس بمطالعات معلّلة وفق ما تفرضه المادة 45 من نظام مجلس شورى الدولة.
وهنا يمكننا التساؤل عن كيفية توزيع 40 قاضياً على سبع غرف قضائية في المجلس، علماً أن الفقرة الثانية من المادة 41 من نظامه تنص على أنه: «يمكن للمستشار أن يكون عضواً في غرفتين قضائيتين على الأكثر».
ما يعني أن معدّل الغرفة القضائية الواحدة سيصبح 11 قاضياً على الأكثر، هذا مع التنويه بأن إنتاجية القاضي تبقى هي نفسها، لا بل إن القاضي قد يصبح أكثر إرهاقاً، في حال توزيع الملفات التي يتولى مهمة المقرر فيها على عدة غرف، ما يؤثر سلباً لا إيجاباً على إنتاجيته.
وفضلاً عن ذلك، فإن زيادة عدد الغرف القضائية لدى المجلس يجعل من المجحف بقاء عدد قضاة مفوضية الحكومة لدى المجلس على حاله، إذ إن خمسة قضاة، على الأكثر، سيكون من الصعب جداً عليهم وسيحتاجون وقتاً إضافياً لمؤازرة ثماني وحدات لدى المجلس[2]. وهذا يؤثر أيضاً سلباً على الإنتاجية وسرعة البت بالنزاعات.
ومن هنا، فإن المبررات التي تضمنتها الأسباب الموجبة لمشروع القانون لناحية زيادة الإنتاجية ومعالجة الاختناق القضائي وسرعة البت بالملفات والتخصص فيها، تبدو غير واقعية وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع ما لم تقترن بتوسيع ملاك القضاة لدى المجلس، فضلاً عن ملء الشواغر الحالية في هذا الملاك، هذا مع عدم إغفال وجوب توسيع ملاك موظفي المجلس وملء الشغور فيه عند الاقتضاء.
إنشاء غرف من دون زيادة عدد الرؤساء
يتبدّى من الاطلاع على مشروع القانون ومقارنته بسائر نصوص نظام مجلس شورى الدولة المتعلّقة برؤساء الغرف ومهامهم، أن هذا المشروع قد صيغ على عجل. وبالتالي فإقراره بصيغته الحاضرة سيجعله غير قابل للتطبيق إطلاقاً.
إذ إن المشروع، على الرغم من إضافته لغرفتين قضائيتين إلى وحدات المجلس، فهو لا يلتفت إلى وجوب تعديل عدد رؤساء الغرف لدى المجلس ليواكب هذه الإضافة، إذ لا نجد في المشروع ما يشير إلى تعديل الجدول رقم 1 الملحق بنظام مجلس شورى الدولة لناحية زيادة عدد رؤساء الغرف المحدد فيه من أربعة إلى ستة.
ومن نحو آخر فإن المشروع لا يتطرّق إلى تعديل المادة 35 من نظام مجلس شورى الدولة المتعلّقة بمجلس القضايا. إذ من المعلوم أن هذا المجلس مؤلف من رئيس مجلس شورى الدولة رئيساً ومن أعضاء هم رؤساء الغرف وثلاثة مستشارين يختارهم رئيس مجلس شورى الدولة في بداية كل سنة قضائية. وهو يصدر قراراته وفق الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 35 المذكورة «عن هيئة مؤلفة من الرئيس ومن أربعة أعضاء على الأقل، وإذا تعادلت الأصوات كان الصوت الريس مرجحاً»، ما يعني أن المشروع بإضافته غرفتين إلى الغرف القضائية لدىمجلس شورى الدولة يكون قد زاد عضوين رئيسي غرفتين إلى أعضاء مجلس القضايا، ما يفرض تعديل نصاب اتخاذ القرارات المحدد في المادة 35 المنوّه عنها آنفاً ليصبح خمسة أعضاء بدلاً من أربعة. وهو ما لم يتناوله مشروع القانون موضوع تعليقنا.
وفي ختام مقالنا هذا، لا بد من القول إن ما طرحناه أعلاه قد أرسى قناعة لدينا بأن ليس هناك من مبرّر حقيقي أو جدّي لمشروع القانون موضوع تعليقنا. وإن أكثر ما نخشاه هو أن يكون هذا المشروع قد وُضع تأميناً لتوازنات أو اعتبارات طائفية معينة أو أن يكون قد فُصّل على مقاس أشخاص محدّدين، وهو الأمر الذي نتمنى أن تكون السلطة القضائية بمختلف جهاتها بعيدة تمام البعد عنه.
* محام متدرج في نقابة المحامين في بيروت
نشر هذا المقال في العدد | 21 |أبلول/سبتمبر/ 2014 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه: