مشروع إعادة تنظيم ديوان المحاسبة: إصلاح مُجتزَأ تحت سقفٍ مُتدنٍّ

،
2025-02-11    |   

مشروع إعادة تنظيم ديوان المحاسبة: إصلاح مُجتزَأ تحت سقفٍ مُتدنٍّ
رسم رائد شرف

سُجِّلت محاولات عدّة لإدخال عدد من الإصلاحات على تنظيم ديوان المحاسبة، وقد تمثّلت آخر هذه المحاولات وأشملها في مشروع القانون الذي أحالَته الحكومة إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 9458 في تاريخ 2012/12/4. وقد أَنجَزَت لجنة الإدارة والعدل النيابية دراسةَ هذا المشروع في تاريخ 2016/9/5، ليُحال من ثمّ إلى لجنة المال والموازنة النيابية حيث ما يزال عالقًا لديها منذ ما يزيد على 8 سنوات. 

سنحاول، في ما يأتي، إجراء قراءة نقدية لهذا المشروع في صيغته كما عدّلتها لجنة الإدارة والعدل، وبخاصّة لجهة تقييم مدى قدرته على تجاوز التحدّيات التي يعاني منها ديوان المحاسبة، وكذلك مدى مواءمته مع المعايير الدولية.

القضاء المالي مُستقِلّ أيضًا؟

يتّصل السؤال الأوّل الذي يجدر طرحه في أيّ ورشة إصلاحية لهيئة رقابية أو قضائية، بمدى استقلاليّتها فعليًّا، والأهمّ بمدى تمتُّعها بضمانات الاستقلالية. يستجرّ هذا السؤال سؤالًا آخر، وهو معرفة ما إذا كان ديوان المحاسبة، بفعل تولّيه مهامّ القضاء المالي، مشمولًا بمبدأ فصل السلطات، والأهمّ بالمادّة 20 من الدستور التي تكرّس مبدأ استقلالية القضاء، فضلًا عمّا نصّت عليه المواثيق الدولية (وأهمّها المادّة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) من تأكيد على وجوب استقلالية القضاء. وبالرغم من أولويّة هذه الأسئلة، خَلَت الأسباب المُوجِبة لمشروع القانون من أيّة إشارة إليها، وهو الأمر الذي تَتَرْجَمَ في إعراض المشروع عن بَلوَرَة رؤية إصلاحية مُتكامِلة في هذا الخصوص. ومن اللافت أنّ لجنة الإدارة والعدل شدَّدَت في تقريرها على إدراج التعديلات المُقترَحة في خانة ضمان استمرار حياد ديوان المُحاسَبة واستقلاليته الإدارية والمالية، من دون بَلوَرَة رؤية مُتكامِلة في هذا الشأن.

تتمثّل أبرز الأدلّة على تغييب المشروع لهذه المسألة في الآتي:   

  • التبعيَّة الإدارية لرئاسة مجلس الوزراء:

أبقى مشروع القانون الديوان مرتبِطًا إداريًّا برئاسة مجلس الوزراء، وهذا الربط يتعارض مع المبادئ التأسيسية لمنظّمة إنتوساي (المنظّمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة)، حيث يؤكّد إعلان ليما للتوجيهات المُتعلِّقة بالمبادئ الرقابية (1977) عدم إمكانيّة الأجهزة العليا للرقابة الاضطلاع بمهامّها بصورة موضوعية وفعّالة إلّا إذا كانت مُستقِلّة عن الجهات الخاضعة للرقابة، وفي مأمن من التأثير الخارجي.

ومن نتائج ذلك، بقاء ميزانية ديوان المحاسبة كجزء من موازنة رئاسة مجلس الوزراء، من دون أن تكون مُستقِلّة. إلى ذلك، أبقى المشروع الصلاحية التي يمنحها القانون الحالي لمجلس الوزراء بكسر قرار ديوان المحاسبة بحجب المُوافَقة المُسبَقة عن إبرام معاملة إدارية، ما يتيح المجال لمجلس الوزراء بالسير بصفقات غير قانونية رغمًا عن قرار ديوان المحاسبة.

وما يزيد من قابليّة المشروع للانتقاد، تبعًا لانعدام التوجهات الاستقلالية فيه، هو تعليق أصول الرقابة في ما يتّصل بالمُؤسَّسات والجمعيات المُرتبِطة بالبلديّات واتّحاداتها، والمُؤسَّسات العامة، والجمعيّات التي تتلقّى دعمًا من الدولة، وحسابات الامتيازات على صدور مرسوم يُتَّخذ في مجلس الوزراء، بما يجرّد الديوان من اختصاصه العام لِيَحصره في المجالات التي تُقرّر السلطة التنفيذية منحه إيّاها.

  • استمرار التداخُل الوظيفي من دون مُبرّرات أو ضوابط

أبقى مشروع القانون على صلاحية ديوان المحاسبة بإبداء الرأي في المسائل المالية والرقابة المُسبَقة على إبرام العقود والمعاملات. وتبعًا لذلك، سيكون الديوان مدعوًّا لإبداء رأي مُسبَق أو لاتِّخاذ قرار بحجب المُوافَقة أو منحها بشأن العديد من المعاملات إدارية، علمًا أنّه قد يتعيّن عليه من ثمَّ إخضاعها لرقابته اللاحقة، وضمنًا القضائية.

ومن شأن هذا الأمر أن يؤدّي إلى تداخُل بين وظائف الديوان ووظائف الإدارات العامة، على نَحوٍ يجافي المبدأ الثالث من إعلان مكسيكو الذي أكّد أنّ من المُتطلِّبات الضرورية لاستقلالية الأجهزة العليا للرقابة عدمَ قيامها برقابة سياسة الجهات الحكومية، بل يقتصر عملها فقط على رقابة تنفيذ السياسات. إذ من المهمّ، وفق إعلان مكسيكو، امتناع الأجهزة العليا للرقابة، بأيّ شكل من الأشكال، عن أن تتدخّل أو تعطي الانطباع بأنّها تتدخّل في إدارة الجهات الخاضعة لرقابتها. فمن حيث المُمارَسة، يُعَدّ إبداء الرأي حول سياسة الجهات الحكومية وتصرُّفها بصِفَة قبلية أو مُتزامِنة (الرقابة المُسبَقة والمُتزامِنة) تدخُّلًا في قرارات هذه الجهات، والاستثناء الوحيد الذي أقرّه الإطار هو القانون عملًا بمُقتضَيات المصلحة العامة. وعليه، وعلى فرض وجود ضرورة في إبقاء العمل بالرقابة المُسبَقة بفعل ضعف ثقافة المحاسبة، يُطرَح سؤال جدّي حول مدى ملاءمة المحافظة على الدور الاستشاري للديوان، وبخاصّة في ظلّ وجود العديد من الأجهزة الاستشارية ضمن الهيئات العامة للدولة (مجلس شورى الدولة، هيئة التشريع والاستشارات). 

وما يزيد من التداخُل بين أعمال ديوان المحاسبة والإدارة أنّ القانون خوّل مجلس الوزراء إمكانية تجاوُز قرار الديوان بحجب الموافقة المُسبَقة عن أيّ معاملة قانونية، الأمر الذي يؤدّي إلى تغليب القرار الصادر عن السلطة التنفيذية على القرار الصادر عن الديوان.

  • مجلس ديوان المحاسبة لا تتوفّر فيه ضمانات الاستقلالية

أبقى مشروع القانون على التركيبة نفسها لمجلس ديوان المحاسبة، وهو المجلس الموازي لمجلس القضاء الأعلى بما يتّصل بإدارة شؤون القضاء المالي. إذ يتكوّن هذا المجلس من رئيس الديوان رئيسًا، ومن المُدّعي العام لدى الديوان، ورؤساء الغرف الثلاثة الأعلى رتبة. ومُؤدّى ذلك هو منح السلطة التنفيذية هامشًا واسعًا للتحكُّم في تعيين مُجمَل أعضائه، طالما أنّ هؤلاء كلّهم يُعيَّنون بمراسيم، فضلًا عن إمكانيّة تعيينهم من خارج قضاة ديوان المحاسبة. في المقابل، لا يضمّ مجلس الديوان أيّ قاضٍ مُنتخَب من القضاة أنفسهم. جلّ ما نصَّ عليه مشروع القانون هو أنّه فرض على مجلس الوزراء استطلاع رأي مجلس الديوان في شأن تعيين رؤساء الغرف فقط، من دون أن يكون هذا الرأي مُلزِمًا بأيّ شكل من الأشكال.

  • نظام رئاسي في إدارة الديوان

صحيحٌ أنّ مشروع القانون خفَّفَ من سلطة رئيس الديوان، وبخاصّة في المسألة التأديبية بأن حصر التحقيق في الأخطاء التأديبية بهيئة التفتيش القضائي، أو في مسألة تجريده من احتكار سلطة الدعوة إلى انعقاد مجلس الديوان وهيئته العامة، إلّا أنّه أبقى على صلاحيات واسعة أخرى أكثر خطورةً مع إضافة صلاحيات أخرى إليها، مُبقِيًا بذلك على نظام الإدارة الرئاسية للديوان، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر شَخْصَنَة، ومسّ بالاستقلاليّة الداخلية كما الخارجية للقضاء المالي. ويتعارض ذلك حكمًا مع مبادئ استقلالية القضاء، وفق ما توسّعت به لجنة البندقية في معرض رأيها بشأن إصلاح القضاء الإداري الصادر في تاريخ 2024/3/19. ومن أهمّ الصلاحيات التي أعاد مشروع القانون تأكيدها، منح الديوان كامل الصلاحيات المالية والإدارية المتعلّقة بالوزير والإدارة الداخلية للديوان. في حين أنّ أهمّ الصلاحيات التي كرّسها المشروع له تمثّلت في صلاحية توزيع معاملات الرقابة المُسبَقة مع تخويله النظر فيها بنفسه، وصلاحية التفرُّد في توزيع المراقِبين ومُدقِّقي الحسابات على الغرف، بالإضافة إلى تكليفهم بمهامّ يحدّدها وفق ما يراه مناسبًا. وما يزيد من إشكالات هذا النظام الرئاسي غيابُ أيّ إشارة إلى وضع نظام داخلي للديوان، على نَحوٍ يضمن الشفافية الداخلية للديوان.

  • ضمانات ذاتية منقوصة

الأمر نفسه نسجّله على صعيد الضمانات الذاتية لاستقلالية القضاة، بحيث اكتفى مشروع القانون باتِّخاذ خطواتٍ محدودة في مجالات معيّنة، أهمّها مجال التأديب، فيما أغفل ضمانات أساسية أخرى هي من ثوابت المعايير الدولية لاستقلالية القضاء.

ففي مجال التأديب، حصر مشروع القانون سلطة التحقيق وإمكانية الإحالة إلى المجلس التأديبي بهيئة التفتيش القضائي، بعدما كانت الإحالة وفق القانون الحالي تتمّ من قبل مجلس الديوان بناءً على اقتراح رئيس الديوان، الذين يشتركون أيضًا في أعمال الحكم، خلافًا لمبدأ فصل سلطة الملاحقة والتحقيق عن سلطة الحكم. في المقابل، أغفل مشروع القانون تحديد العقوبات التأديبية وفق مدى تناسبها لخطورة المُخالَفة، أو على الأقلّ التأكيد على مبدأ التناسُب بين خطورة الخطأ التأديبي والعقوبة.

من جهة أخرى، أغفل مشروع القانون مبدأ عدم جواز نقل القاضي ضمن غرف ديوان المحاسبة إلّا برضاه، وإن اشترط رضى القاضي في حال نقله إلى إدارة أخرى، أي خارج ملاك ديوان المحاسبة، وهو أمرٌ بديهي طالما أنّه يؤدّي عمليًّا إلى تجريده من صفته القضائية. كما أغفل مشروع القانون ضمان حقوق القضاة في الترشُّح للمناصب المهمّة، أو مُمارَسة حرِّية التعبير أو التجمُّع، أو كذلك الحقّ في التقاضي ضدّ مُجمَل القرارات التي قد تمسّ حقوقهم الفردية.

أيّ محاكمة عادلة أمام ديوان المحاسبة؟

يتركّز السؤال الثاني بالغ الأهمِّية في هذا الخصوص على مدى انسجام أصول المحاكمة لدى ديوان المحاسبة مع مبادئ المحاكمة العادلة وماهيّة التعديلات التشريعية اللازمة من أجل ضمان نفاذ هذه المبادئ. لكن، بالرغم من أولويّة هذه الأسئلة، خلت الأسباب المُوجِبة لمشروع القانون من أيّ تساؤلات في هذا الشأن، وهو الأمر الذي تَتَرْجَمَ في خُلُوّ المشروع نفسه من أيّة مُقترَحات في هذا الخصوص.

تتمثّل أهمّ الأدلّة على ذلك في الآتي:

  • استمرار الإخلال بمبدأ الحيادية الظاهرة للقاضي المالي

زيادةً على ذلك، وإذ يخلو القانون الحالي من أيّ ضمانات لمبدأ علانية المحاكمة، فإنّ الممارسة العمليّة للمحاكمات داخل الديوان انتهت إلى اعتماد أصول تتنافى معه، مثل عدم إجراء جلسات مُرافَعات شفهية يكون بإمكان العامة حضورها. وعلى الرغم من أهمِّية هذا المبدأ وفق ما ذكّرت به لجنة البندقية في رأيها المذكور أعلاه، فإنّ المشروع لزم الصمت في هذا الخصوص.

لا يلحظ مشروع القانون أيّ تعديل لذلك، بل أبقى على إمكانية تحرُّك الغرفة عفوًا ضمن إطار الرقابة على المُوظَّفين، كما أبقى على مرحلتَي الحكم وعلى إمكانية إصدار قرار مُؤقَّت من دون ضمان الوجاهية مُسبَقًا. 

  • استمرار الإخلال بمبدأ علانية المحاكمة

زيادةً على ذلك، وإذ يخلو القانون الحالي من أيّ ضمانات لمبدأ علانية المحاكمة، فإنّ الممارسة العمليّة للمحاكمات داخل الديوان انتهت إلى اعتماد أصول تتنافى معه، مثل عدم إجراء جلسات مُرافَعات شفهية يكون بإمكان العامة حضورها. وعلى الرغم من أهمِّية هذا المبدأ وفق ما ذكّرت به لجنة البندقية في قرارها المذكور أعلاه، فإنّ المشروع لزم الصمت في هذا الخصوص.

  • إضافات إيجابية غير كافية لمبدأ تعليل الأحكام

تضمّن مشروع القانون إضافة إيجابية لجهة تأكيد وجوب صدور الأحكام مُعلَّلة، كما أورد وجوب تدوين مخالفة القاضي المُخالِف وأسبابها، ووضع تقرير مُستقِلّ فيها، على عكس التنظيم الحالي الذي لم يذكر أيّ شيء من هذا القبيل. إلّا أنّ مشروع القانون أغفل، في المقابل، ضرورة تضمين الأحكام ذِكرًا للتقارير المُعدَّة من المُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات بتكليف من الغرفة المُختَصَّة، وفيما إذا أتت الأحكام مُخالِفة لها في جانب أو آخر، والأسباب التي دعت هذه الغرفة إلى مخالفتها عند الاقتضاء. ومُؤدّى هذه المُمارَسة تهميش دور المُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات، والحدّ من التعاون والتكامل بين مختلف العاملين في ديوان المحاسبة، فضلًا عن أنّها تؤدّي إلى إضعاف ضمانات المحاكمة العادلة من خلال إضعاف ضمانة التعليل، وحجب مُعطَيات أساسية توافرت لدى الغرفة المُختَصَّة ومن شأنها التأثير في قرارها.

أيّ فعالية للديوان على ضوء معايير الإنتوساي؟

تتّصل المسألة الثالثة التي لا تقلّ أهمِّيةً عن مسألتَي استقلالية القضاء والمحاكمة العادلة، بفعالية الديوان وقدرته على مُمارَسة دوره الرقابي على الإدارات العامة، وبالأخصّ على حُسن إدارة الموارد العامة والتصرُّف بها، وذلك على ضوء المبادئ الصادرة عن المنظّمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي). وتبعًا للتدقيق في مضمون مشروع القانون، نلحظ أنّه أحرز تقدُّمًا في تعزيز بعض آليّات عمل الديوان، وبخاصّة لجهة ضمان الوصول غير المُقيَّد إلى المعلومات، غير أنّه خلا، في المقابل، من إرساء أيّة آليّة لتمكينه من متابعة تنفيذ توصياته أو لمَأسَسَة تنظيم التقارير السنوية أو بَرمَجَة التقارير الخاصة.  

ضمان الوصول غير المُقيَّد إلى المعلومات:

نَصَّ إعلان مكسيكو (المبدأ الرابع) لمُنظّمة إنتوساي على وجوب ضمان الوصول غير المُقيَّد إلى المعلومات. وقد جاء فيه: “ينبغي للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة أن تتمتّع بالسلطات الكافية للحصول، بشكل غير مُقيَّد ومُباشر وحرّ، وفي الوقت المناسب، على الوثائق والمعلومات اللازمة كافّة لأداء مهامِّها القانونية على نَحوٍ صحيح”.

ويلحظ أنّ مشروع القانون خطا خطوات مهمّة في هذا الصدد. فبالإضافة إلى الوسائل المتاحة حاليًّا للديوان للحصول على المعلومات، أُوكِلت مهمّة تبادل المعلومات والمستندات بشأن الملاحقات الجارية أمام ديوان المحاسبة والسلطات القضائية الأخرى أو أيّة جهة ذات صلاحية تأديبية بالنيابة العامة لدى الديوان. زيادةً على ذلك، تمّ النصّ صراحةً ضمن المخالفات التي يفرض عليها الديوان عقوبات على مخالفة امتناع المرجع المُختَصّ عن إعلام النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة بالمخالفات، على نَحوٍ يثني المراجع المذكور عن إخفاء المعلومات عنها.

وممّا يزيد على ذلك هو أنّ مشروع القانون خوّل للديوان، إلى جانب الاطّلاع على المستندات الموجودة لدى الإدارات الخاضعة للرقابة، الاطّلاع على تلك الموجودة لدى الجهات المُتعاقِدة مع الإدارة، بالإضافة إلى إمكانية إجراء تدقيق محلّي لديها عبر انتقال المُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات إلى مراكزها، كلّ ذلك تحت طائلة العقوبة نفسها التي تلحق بالمُوظَّفين المُمتنِعين عن تزويد الديوان بالمستندات المطلوبة.

انعدام آليّات متابعة التوصيات:

نَصَّ إعلان مكسيكو (المبدأ السابع) على وجوب تمتُّع الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة بأنظمة داخلية للمتابعة خاصة بها، للتأكُّد من أنّ الجهات المشمولة بالرقابة قد عالجت، بطريقة صحيحة، ملاحظاتها وتوصياتها، بالإضافة إلى الملاحظات والتوصيات التي رفعتها السلطة التشريعية أو إحدى لجانها، أو رفعتها إلى مجالس إدارة الجهات المشمولة بالرقابة، كلّما كان مُناسِبًا. إلّا أنّ مشروع القانون، وبالرغم من أهمِّية إرساء آليّة مُماثِلة من أجل ضمان فعاليّة قرارات الديوان، خلا من أيّ مسعى في هذا الاتِّجاه.

لا وجود للجنة دائمة لإعداد تقرير سنوي وللبَرمَجَة:

علّق إعلان مكسيكو (المبدأ الخامس) أهمِّية خاصة “على حقّ الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة في إعداد تقارير بشأن نتائج أعمالها الرقابية، مرّةً واحدة، على الأقلّ، في كلّ سنة” ونشرها وتوزيعها. وإذ استعاد مشروع القانون في هذا الخصوص أحكام القانون الحالي التي تفرض على الديوان وضع تقرير سنوي، وتُجيز له وضع تقارير خاصة، كلّ ذلك ضمن صلاحياته الرقابية اللاحقة، إلّا أنّه، في المقابل، أغفل الممارسات المُعتمَدة في هذا الخصوص، والتي غالبًا ما حوّلت التقارير السنوية إلى تقارير مناسباتية لا تصدر أو لا تُنشَر (إذا صدرت) إلّا بعد سنوات من انتهاء السنة المعنيّة بها. كما أغفل المُمارَسات المُعتمَدة في تنظيم تقارير خاصة، والتي غالبًا ما يتمّ وضعها بمعزل عن أيّ خطّة أو بَرمَجَة لأولويّات مُمارَسة رقابة الديوان. وبنتيجة ذلك، حاد مشروع القانون عن اعتماد إحدى المُمارَسات الفُضلى المُعتمَدة من أجهزة المحاسبة، والتي تتمثّل في إنشاء لجنة خاصة دائمة داخل الديوان لإصدار التقارير السنوية والبَرمَجَة. 

لا معالجة فعلية للشغور

شكّل الشغور أحد أهمّ معوقات عمل ديوان المحاسبة، حيث إنّه يقارب 50% من الجسم القضائي، علمًا أنّ هذا الشغور ما كان ليبلغ ما وصل إليه لولا توقُّف مباريات دخول القسم المالي لمعهد الدروس القضائية منذ العام 1998، وتوقُّف المباريات المحصورة للمُراقِبين منذ العام 2003. وبالرغم من خطورة هذا الواقع، خلا المشروع من أيّ حلول لمعالجته، كأن يُلزم بإجراء مباراة سنوية للدخول إلى معهد الدروس القضائية، أقلّه إلى حَدِّ سَدّ الشغور، أو تقصير مُهل التدرُّج، أو كأن يلزم بإجراء مباراة دورية للمُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات. 

كيف نعيد الاعتبار إلى المُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات؟

يُظهر التدقيق في أوضاع ديوان المحاسبة تهميشًا إلى درجة ما لأدوار المُراقِبين ومُدقِّقي الحسابات، سواء في الأعمال الرقابية أو القضائية، بحيث يُلحَق هؤلاء بقضاة أو بغرف بموجب تدابير داخلية في الديوان غير منظّمة قانونًا، ويبقى بإمكان غرف الديوان الأخذ أو عدم الأخذ بمضامين التقارير التي قد يضعونها من دون أن تكون مُلزمة بالإشارة إلى مضمون هذه التقارير أو تعليل الأسباب التي دعتها إلى مُخالَفة خلاصاتها. ومُؤدّى تهميش أدوار هؤلاء هو التأثير سلبًا على حسّهم بالانتماء إلى الديوان، وعلى التكامل في أدوار العاملين فيه من مختلف فئاتهم، فضلًا عن التأثير سلبًا على شفافية القرارات القضائية.  

نشر هذا المقال في الورقة البحثية: “ديوان المحاسبة المتعثرة”

لقراءة وتحميل الورقة البحثية بصيغة PDF

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني