مشروع إعادة تأهيل العاصمة الرباط : جدل حول عمليات الهدم وترحيل ساكنة الأحياء القديمة


2025-04-04    |   

مشروع إعادة تأهيل العاصمة الرباط : جدل حول عمليات الهدم وترحيل ساكنة الأحياء القديمة

تعيش العاصمة المغربية الرباط على وقع حالة من الجدل على إثر إقدام السلطات على تنفيذ عمليات هدم وترحيل واسعة طالت ساكنة عدد من الأحياء الشعبية، وذلك في إطار تنزيل مشروع إعادة تأهيل المدينة استعداداً لاحتضان فعاليات كأس العالم لسنة 2030.

تصميم تهيئة جديد لمدينة الرباط

تعود فصول هذا الجدل عقب الإعلان عن مشروع تصميم تهيئة جديد لمدينة الرباط ترتكز خطوطه العريضة على تغيير أسلوب التعمير في الكثير من أحياء المدينة بحيث سيتمّ السّماح بإنشاء عمارات عالية خاصة على طول المحيط الأطلسي، وهو ما سيفرض هدم مناطقة سكنية واسعة داخل الأحياء “الشعبية” لتحويلها إلى مراكز تجارية وإقامات سكنيّة عالية الجودة،  كما تفرض الشروط المعماريّة الجديدة ضرورة احترام البنايات السكنية الجديدة المعايير المعمارية والمتعلقة بحجم وشكل الشرفات، ومواصفات أخرى ستفرض على الواجهات، إلى جانب ضرورة خلق فضاءات خضراء، ومجموعة من المرافق كمواقف السيارات، أسواق القرب، والحفاظ على توفير مساحات تطل على البحر، ومساحات عمومية جديدة.

وأثار الإعلان عن مضامين مشروع تهيئة مدينة الرباط قلق ساكنة عدد من الأحياء المعنيّين به لأنّه سيغير كثيرًا من شكل المدينة فيما يمهّد عمليّا لترحيل آلاف الأسر من العاصمة الإدارية إلى المناطق التي توجد على هامش العاصمة.

من جهتها، انتقدت فرق المعارضة داخل مجلس المدينة تصميم التهيئة الجديد الذي يعطي امتيازات كبيرة للطبقة الاجتماعيّة الغنيّة خاصّة في ما يتعلق بالزيادة في عدد الطوابق لقاطني مناطق الفيلات، على حساب الطبقات الاجتماعيّة الفقيرة والتي يمهّد لترحيلها خارج أسواء مدينة الرباط، فضلا عن تغييب المقاربة التشاركية بين الأحزاب والجمعيات والساكنة. وفي هذا السياق، يقول فاروق المهداوي مستشار بمجلس مدينة الرباط عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي: “لا يمكن للوكالة الحضرية بشكل تقني أن تضع لنا تصوّرا لتهيئة مدينة الرباط وتتناسى أنها مدينة عريقة تختزل في شوارعها وأزقتها موروثا شعبيا وثقافيا وتاريخيا، كما لا يمكن أن ترهن مستقبل ساكنة المدينة بحدث تنظيم كأس العالم لكرة القدم الذي سينظم بين 3 دول، وهذه تبقى مشاريع عابرة لا تستحق كل هذا الزخم المتعلق بإعادة النظر في مخططات المدن”. وأضاف أن “المشروع ينص على أن النمو الديمغرافي في مدينة الرباط سيتراجع ب130 ألف أسرة في حدود سنة 2030، وهو ما يعني فعليا أن السلطات تخطط لعملية ترحيل كبيرة للساكنة من العاصمة إلى المناطق الهامشية”.

انطلاق عمليات هدم وترحيل واسعة

بمجرد المصادقة على تصميم التهيئة الجديد ونشره في الجريدة الرسمية، انطلقت عملية هدم واسعة لعدد من الأحياء داخل العاصمة الرباط، شملت في المرحلة الأولى عدداً من المباني المصنفة ضمن البناء العشوائي كما هو الشأن بالنسبة لـ “دوار العسكر”، وهو واحد من الأحياء القديمة، التي كانت مخصّصة لإيواء الجنود الذين أنهوا الخدمة، لكنه تحول إلى حي عشوائيّ مع مرور الوقت. وقد امتدّت هذه العمليات لاحقًا لبنايات مشيّدة بطريقة قانونيّة، بعد مفاوضات مع الساكنة قصد إخلائها في إطار ما يسمّى بالبيع الطوعي، ومن بينها حيّ المحيط الذي يقع في موقع استراتيجيّ يطل على المحيط الأطلسي.

وفي هذا الإطار، سجّل فريق فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس المدينة أن “عملية الهدم التي شهدها دوار العسكر، كان من المفترض أن تصاحبها عملية لإعادة الإسكان في نفس المكان، مراعاةً للظروف الاقتصادية والاجتماعية للسّكان، لتفادي تكرار التجارب السابقة التي أبعدت مئات من سكّان مدن الصفيح عشرات الكيلومترات عن أحيائهم الأصلية، مما حوّل هذه المدن الجديدة إلى بؤر للبطالة والانقطاع الدراسي والإجرام”.

كما نبه الفريق إلى أن “مطالبة السلطة المحلية لسكان حيّ السانية الغربية وبعض مناطق حيّ المحيط بضرورة إخلاء منازلهم تتمّ من دون أساس قانوني، خصوصا أن أغلبهم يتوفرون على وثائق الملكية والتحفيظ، مع غياب أيّ مرسوم للمنفعة العامة قد يبرر نزع الملكية، وهو ما يشكل خرقا للمبدأ الدستوري لحق الملكية الخاصة”. مستنكرا صمت السلطات العمومية بمدينة الرباط، وتستّرها على المشاريع المقررة في المناطق التي يطالها الهدم، واستفرادها في اتخاذ القرار من دون إشراك الممثلين الحقيقيين للساكنة.

من جهتها، أدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “ما تعرّض له المواطنون والمواطنات القاطنون بالمناطق التي طالها الهدم والترحيل، من ضغوطات وترهيب وترغيب وتشريد من طرف السلطات المحلية”. مطالبة “السلطات المحلية بالتوقف الفوري عن هذه العمليات وتقديم كل التوضيحات لعموم الرأي العام المحلي حول الموضوع وحول مشاريع التهيئة بالمنطقة”.

عمليات إدارية خارج نطاق “المشروعية”

أكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن سياسة ترحيل سكان الأحياء الشعبية تثير إشكالات قانونية وحقوقية، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة، وارتفاع تكاليف المعيشة، إذ تحاول السلطات أن تسوق لتبريراتها باعتبارها ضرورية لمحاربة السكن غير اللائق، وتحسين المشهد العمراني للمدن الكبرى، في أفق مونديال 2030، إلّا أن الإشكال الحقيقيّ يكمن في غياب مقاربة اجتماعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار هشاشة الفئات المستهدفة، حيث يتمّ تنفيذ عمليات الهدم والترحيل دون توفير بدائل سكنية كافية، أو تعويض مالي يسمح للأسر بإعادة بناء مساكنها في مناطق قريبة من أماكن عملها ومدارس أبنائها،

وأضاف: “على الدولة أن تتبنّى مقاربة تشاركيّة قائمة على توفير بدائل سكنية عادلة قبل الشروع في أي عملية هدم أو ترحيل، وضمان تعويض مالي منصف يتناسب مع تكاليف المعيشة، خصوصا مع ارتفاع أسعار العقار ومواد البناء، وإشراك المجتمع المدني والسكان المتضررين في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصيرهم السكني، ووقف استعمال القوة والتعسف في تنفيذ عمليات الإخلاء، والالتزام بالقانون والدستور في كل إجراء”.

من جهته انتقد فريق العدالة والتنمية داخل مجلس المدينة غياب الشفافية والمشروعية في إنجاز عمليات الهدم ذلك أن “تصميم التهيئة صدر المرسوم بالموافقة عليه بتاريخ 24 فبراير 2024 بالجريدة الرسمية، بينما لم تتمّ مباشرة مسطرة إصدار أي مشاريع قرارات بنزع الملكية للممتلكات المعنية تنتهي بنشرها كقرارات نهائية في الجريدة الرسمية من قبل الجهات الرسمية”، مسجّلا تغييب دور المنتخبين في مواكبة هذه العملية في خرق لقانون الحق في الوصول إلى المعلومة.

وذكرت الكتابة الإقليمية للحزب أن ميزانيّة جماعة الرباط لسنة 2025 لا تتضمّن بنودًا مخصّصة لتغطية تعويضات هدم ممتلكات السكّان أو تكاليف مشاريع الترحيل، ولا علم للرأي العامّ بأيّ اعتمادات ماليّة عموميّة أخرى مخصّصة لهذا الغرض ومضمنة في وثائق عمومية رسمي، مما يجعل الرأي العام المحلي بالعاصمة يتساءل حول مصدر التمويل المخصّص للتعويض عن هذه الممتلكات المعنية بهذه العملية، والتي يجب أن تؤول بشكل طبيعي للملك الجماعي العام ، مادام أنها تدخل في إطار “نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”، وهو ما فتح الباب لتناسل شكوك يتمّ الترويج لها بقوة حول وجود “صفقات خفية” مع مستثمرين عقاريين خواص غير معلنين، في ظل تغيب المنتخبين ومجلس الجماعة وأمام الصمت المطبق من قبل الجهات المعنية.

دعاوى نزع الملكية والتعويض عن الاعتداءات المالية أمام القضاء

تزامنا مع الجدل الدائر حول عمليات الهدم وترحيل الساكنة، لجأت عدد من الأسر المتضررة من عمليات الهدم والترحيل الى رفع دعاوى قضائية ضد مجلس مدينة الرباط أمام القضاء الإداري، بعضها يتعلق بالاعتداء على عقارات في ملكية خواص، والبعض الآخر يتعلق بمساطر نزع الملكية، وفي هذا الإطار سجل عمر الحياني، مستشار عن فيدرالية اليسار بالمجلس عدم احترام السلطات للمساطر القانونية مما قد يكبد ميزانية المدينة تعويضات مرتفعة، حيث يتم الشروع عادة في الأشغال المتعلقة بإحداث طرق أو توسيعها قبل التصويت على القرارات الخاصة بذلك، ويحصل الاعتداء على أملاك الأفراد، وهو ما يهدد مجلس الجماعة بالدعاوى القضائية التي نخسرها أوتوماتيكيا؛ إذ يجب في هذا الصدد احترام القانون، ويجب أن نصادق على القرارات قبل بدء تنفيذها، وهو الأمر الصائب من الناحية القانونية”.

في نفس السياق لجأ عدد من المتضررين من قرارات الاخلاء الى القضاء الاستعجالي حيث استصدروا أوامر استعجالية بوقف تنفيذ عمليات هدم عدد من المنازل المطلة على البحر في حي المحيط بالرباط، وذلك بعدما اكتشفوا أن عملية الهدم لا ترتبط بالمنفعة العامة، بل تمهّد لإعادة بيع العقارات المذكورة ضمن مشاريع استثمارية لفائدة الخواص.

مواضيع ذات صلة

العدالة العمرانية وضبط الشعب

العدالة العمرانية وضبط الشعب (2): هل تمّ تهجير ونقل 14% من سكان القاهرة الكبرى؟

العمران في تونس: أسئلة منسية في زمن البناء الفوضوي

العمران والقانون في لبنان: الأنظمة التوجيهية وتأثيرها على الحياة اليومية

تراث بيروت الطبيعي والعمراني

الحراك الحقوقي في لبنان، 2018 (1): حراكات البيئة والعمران

الأدلّة على تدمير متعمّد لمسجد بليدا الأثري: عملية إعادة بناء ثلاثية الأبعاد للمسجد

مشروع قانون إعادة الإعمار يكرّر إخفاقات الماضي: ليس بإعمار المباني فقط نحيي بلدات مدمّرة

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني