ما زالت الدعوة إلى المشاركة في مسيرة النساء ظهر اليوم تتصدر صفحة المجلس النسائي على الفايس بوك منذ 6 آذار الجاري، بينما عممت رئيسة المجلس إقبال دوغان قبل يومين بياناً أعلنت فيه عزوف المجلس عن المشاركة في المسيرة. وطلبت دوغان من جميع الجمعيات في المجلس اتخاذ الموقف نفسه بذريعة أن البلاد "تمر بمرحلة دقيقة واستحقاقات سياسية مهمة" وأن الجهود يجب أن تصب لدعم المرشحات من النساء "لإيصال أكبر كتلة نسائية إلى البرلمان". طبعا لم ينطلِ التبرير على أحد، ليخرج مع البيان الخلاف بين المنظمات النسوية إلى العلن، حاملاً معه خبايا كان كثيرون يديرون الظهر لها منعا لانفجارها، أو لإخفائها، والحفاظ على "شعرة معاوية" في الصورة "المتماسكة" ظاهريا للنضال النسوي. ولكن ما الذي يدفع برئيسة المجلس النسائي إقبال دوغان، وهي المناضلة المعروفة والحريصة على وحدة الصف النسوي، والتي حققت إنجازات مهمة منها رفع سن الحضانة للمرأة عند الطائفة السنية، إلى اتخاذ قرار مماثل، وإلى دعوة نحو مائتي جمعية في المجلس، وهو ضمن منظمي المسيرة، إلى عدم المشاركة في مسيرة يتم تنظيمها تحت شعار "التضامن بين النساء"؟
قصة الخلاف
بدأت القصة مع ظهور رولا معلوف، عرَّفت عن نفسها "عضو في المجلس النسائي اللبناني"، في برنامج "للنشر" على تلفزيون الجديد خلال استضافة راقص رجل من مدربي الرقص الشرقي. لم تترك معلوف وسيلة إلا وسخرت من خلالها من الراقص، ممارسة تجاهه كل أساليب التمييز السلبي والإهانة من سخرية ووسم، لغة وتعابير ونبرة صوت ولهجة، وحتى إشارات وتعابير وجه. ووضعت معلوف الضيف بحال من التبرير والدفاع عن النفس، فصار يقول أنه لا يقصد إيذاء أحد بممارسته الرقص. حتى أنه حاول حصر علاقته به ب "التدريب فقط"، وارتدائه لبدلة رقص ب "الرد على بعض المنتقدين". طبعا لن ندخل في مضمون البرنامج وطرحه لهذا الموضوع من أساسه وكيفية إدارة الحلقة، فهذا شأن آخر من شؤون تراجع المضمون الإعلامي وليس موضوعنا الآن. المهم أثار موقف معلوف حفيظة عدد نسويات من مجموعات شابة تلعب دورا رئيسيا في تنظيم المسيرة، وكذلك في الحراك النسوي إلى جمعيات ومنظمات نسوية أخرى لها باع طويل في النضال وجدية العمل. نسويات وجدن في خطاب معلوف ورأيها انفصاما وتناقضا مع الخطاب النسوي الحقوقي الذي يرفض الوسم والتمييز والتنميط وإطلاق الأحكام السلبية تجاه الآخر وعدم احترام خياراته وحياته وخصوصياته.
وعليه، أرسلت بعض الشابات رسالة إلى "غروب" "الواتس آب" للجهات المنظمة التي تضم دوغان أيضا طالبة من المجلس النسائي إصدار بيان يوضح أن كلام معلوف لا يعبر عن رأي المجلس النسائي اللبناني، وإلا فإن الهيئات المنظمة ترفض مشاركة المجلس المسيرة. هنا، ووفق بعض النسويات وعضوات من جمعيات مختلفة، جاء رد فعل دوغان رافضا، معتبرة أنها لا تتلقى تعليمات "من نسويات كانت تناضل قبل ولادة أمهاتهن" في إشارة إلى صغر سنهن وقلة خبرتهن النضالية. وحاولت عضوات في جمعيات نسوية عدة مراضاة دوغان والتخفيف من ردة فعلها، لكنها سارعت إلى إصدار بيانها معلنة عزوف المجلس عن المشاركة في المسيرة داعية الهيئات المنضوية تحت لوائه كافة إلى الموقف نفسه.
"المفكرة" حاولت الاتصال برئيسة المجلس النسائي إقبال دوغان دون جدوى حتى أنها لم ترد على الرسالة دون أن نعرف إن كانت قد اطلعت عليها نظرا لاعتمادها خدمة عدم الظهور.
بناء على ما حصل، يمكن تسجيل بعض الملاحظات التي ترتبط بالعزوف نفسه، وأخرى موجودة في الجسم النسوي ومنفصلة عن مسيرة اليوم:
– من المستغرب أن تتخذ دوغان موقفاً متشدداً كالذي أظهرته في بيان إعلان الانسحاب من المسيرة، وهي المعروفة بنضالاتها ضد كافة أشكال التمييز وتأييدها لاحترام الآخر واختلافاته مهما كان نوعها. ألم يكن الأجدى بها وانطلاقا من مسيرتها المميزة أن تصدر بيانا ترفض فيه، وحتى قبل طلب بعض النسويات ذلك، كل ما جاء على لسان المعلوف جملة وتفصيلا؟
– هل من المناسب أن تدعو دوغان كرئيسة للمجلس النسائي نحو مائتي جمعية نسوية إلى عدم المشاركة في مسيرة سنوية موسمية لإعادة التأكيد على حقوق النساء، بسبب سيدة لم تترك وصمة سلبية وإهانة إلا ووجهتها لإنسان رجل راقص فقط لأنها ترى أن الرقص الشرقي وجد للنساء فقط؟ ولأنها تشمئز من وجود راقص رجل "يخدش" نظر الأطفال والنساء والبنات؟ وإذا كانت دوغان قد شعرت بأي نوع من الاستخفاف في التعاطي معها، فهل تتخذ موقفا فرديا أم تعممه على المجلس ومكوناته كافة؟ أليس المجلس إطاراً عاماً لجميع النساء بما فيهن النسويات الشابات؟ وهل هو حكر على منظمات محددة ضمن تقسيمات معروفة وتحت سقف حقوقي لا يخرج عما يعتبره المجتمع مقبولاً؟
– بعض الهيئات النسوية لا تجيد التعامل مع نتاج النضال الذي كانت جزءا منه. نضال أثمر النتائج الأفضل بين جميع الحراكات الاجتماعية في السنوات الأخيرة كونه تُرجم تشريعيا. ومنه إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري وإدخال تعديلات وإن كانت غير كافية على المادة 522، وتحويل قضايا المرأة إلى قضية رأي عام ووصول مشروع قانون لحماية القاصرات من التزويج المبكر إلى لجنة الإدارة والعدل (قيد البحث) وغيرها من الأمور. إذ لا يلزمنا الكثير من الذكاء لملاحظة تنافس غير صحي بين بعض الجمعيات في ظل عدم وجود أجندة موحدة تجعل من العمل السنوي تكامليا منتجا وليس تنافسيا متضارباً، والأهم إطلاق حملات عدة وبكلف مالية ملموسة حول القضية نفسها عدا عن الدراسات والأبحاث والبرامج وملحقاتها.
– عدم اعتراف بعض المنظمات النسوية بفرض جيل جديد من النسويات الشابات أنفسهن على ساحة النضال النسوي وبوسائل مبتكرة، وبقدرتهن على إطلاق حملات مناصرة جدية لعناوين جذابة والأهم مناداتهن بمفاهيم حقوقية لم تكن سائدة ومتفقا عليها في أيام النضال النسوي السابق وتحديدا ما قبل الألفية الحالية. ولم نر مبادرة جدية لإطلاق حوار توحيدي توفيقي من شأنه ضخ دم جديد في جسم الحركة النسوية ومنحهن مواقع متقدمة، وليس خلق كيانات مستقلة بشكل كلي ومتباينة في طروحاتها عن بعض الكيانات القديمة التي تعتبر نفسها "صاحبة البيت". في المقابل، تتصرف بعض النسويات الشابات على طريقة صراع الأجيال الذي يحصل ضمن البيت الواحد وحتى بين الأهل وأبنائهم، وبما يوحي وكأنهن هن المحدّثات والرائدات في ابتكار أساليب نضالية ومفاهيم جديدة بينما المنظمات الأخرى أو النساء المناضلات وبعضهن مخضرمات صرن "مش ع الموضة" ويستحسن تقاعدهن.
– عدم وجود أجندة نضالية نسوية موحدة في وقت تبدو فيه نساء لبنان في أشد الحاجة إليها ولتوحيد جهود الجميع خلفها. ويذكر أن عدد الجمعيات العاملة على قضايا النساء الثلاثمائة جمعية عاملة عدا عن الهيئات الإسمية فقط. يكفي لإدراك أهمية التوحيد أن منظمات النساء لم تنجح في فرض سيدة واحدة على لائحة رئيسية في البلاد عشية الانتخابات النيابية، كما لم تسع إلى تأليف لوائح معارضة جدية ومنافسة.
ستمشي نساء لبنان ظهر الأحد تحت شعار "التضامن بين النساء" بينما يشهد الجسم النسوي شرخاً علنيا غير مبرر، أصاب الحركة النسائية في الصميم.