لم تنشر وزارة التربية خطّتها لمواجهة أزمتيْ الحرب والنزوح. وليس على موقعها أيّ منصّة أو قرارات تتوجّه للبنانيين والطلاب والأهل والأساتذة لشرح توجّهات وزارة التربية والخطوات التي يجب عليهم التزامها في هذه الفترة الصعبة. لكنّنا نلاحق تصريحات وزير التربية على الوسائل الإعلاميّة المختلفة لاستخلاص هذه الخطوات وتحليلها ومناقشتها، ومن الخطوات التي أعلن عنها وزير التربية في برنامج عشرين [1]30، يوم الإثنين في 14 تشرين أوّل، إطلاق وزارة التربية منصّةً لتحديد أماكن تواجد التلامذة والمعلّمين خصوصًا النازحين، ويقول في تصريحه: “أصبح لدينا على المنصّة خلال ثلاثة أيّام 55 ألف تلميذ و10 آلاف أستاذ”. والحقيقة أننا لم نجد أثرًا لهذه المنصّة لا على موقع وزارة التربية ولا المركز التربويّ للبحوث والإنماء. ولكن بالمقابل صرّح لنا بعض الأساتذة ومدراء الثانويات عن تلقّيهم رابط غوغل فورم google form، كانت المفكّرة القانونيّة قد ذكرته في مقالتها السابقة حول خطّة وزارة التربية لمواجهة أزمتيْ الحرب والنزوح. وقد رفضت رابطة التعليم الثانوي استعمال هذه الأداة وأصدرت بيانًا ذكرت فيه “توضيح لمعاليه عن خطورة الكشف عن أماكن النازحين كما طلبت الوزارة سابقًا”. ولم يتلقّ جميع المدراء في التعليم الرسمي هذا الرابط من قبل الوزارة وبعض الذين تلقّوه أجابوا: “تعذّر التواصل مع الأساتذة بسبب ظروف الحرب” ورفضوا تعريض الأساتذة لأداة مكشوفة بسهولة مثل غوغل فورم google form. لذلك من غير الواضح ما المقصود بالمنصّة التي ذكرها الوزير في مقابلته، ولم يتمكّن الأساتذة الذين تواصلت معهم المفكّرة من فهم المقصود بها ولا أين أو كيف يمكن استعمالها رغم انقضاء سبعة أيّام على إطلاقها بحسب كلام وزير التربية في البرنامج المذكور (صرّح يوم الإثنين في 14 تشرين الأوّل أنّ المنصّة المزعومة تعمل منذ ثلاثة أيّام أي يوم الجمعة في 11 تشرين الأوّل) وأنّ الآلاف قد تسجّلوا عليها.
إطلاق رابط خاصّ بالتّسجيل عن بُعد
بالمقابل، أصدرت وزارة التربية قرارًا رقم 2024/م/799، بتاريخ 16/10/2024، أي بعد يومين على تصريحات الوزير الحلبي يتضمّن رابطًا هو الوسيلة التي تقترحها الوزارة لاستئناف التسجيل للعام الدراسي الحالي 2024/2025. ويطلب القرار من مدراء الثانويّات “في المناطق الآمنة وغير المعتمدة مركزًا للإيواء “أن يبادروا إلى فتح باب التسجيل لتلامذتهم القدامى والتلاميذ النازحين في محيطهم حضوريًا أو عبر الرابط. ويطلب من إدارة المدرسة أو الثانويّة الرسميّة المعتمدة مركزًا للإيواء تسجيل التلامذة القدامى في هذه المدرسة أو الثانويّة، بعد إجراء التحديث عليهم وتسجيل الجدد من النازحين الساكنين بجوارها” بالطريقة نفسها، حضوريًا أو عبر الرابط.
ويطلب القرار المذكور من الأساتذة النازحين تسجيل أسمائهم في أقرب مدرسة أو ثانويّة لسكنهم الجديد، على أن يصدر قرار لاحق يحدّد الثانويّات التي ستُعتمد للتعليم وتوزيع المتعلّمين والأساتذة عليها.
ما يعني أنّ وزارة التربية تتقدّم ولو ببطء في تنظيم استئناف التعليم. ولكنّ الرابط المقترح يقضي بإنشاء حساب لكلّ مدرسة. وقد سادت أوساط الأساتذة والإداريين بلبلة فيما يتعلّق بهذا الرابط. ومن التساؤلات المطروحة إذا أنشأ المدير أو عامل المكننة الحساب المطلوب تحضيرًا للتسجيل، كيف يستعمل التلاميذ هذا الرابط ليتسجّلوا من بعد؟ وفي الدليل التوضيحي الذي وُجِّه للمدراء حول كيفيّة استخدام هذا الرابط، يفترض الدليل أنّ التلميذ سيتّصل هاتفيًا بالمدرسة ليتسجّل أو يقدّم المعلومات المطلوبة منه، ولا يحدّد القرار من سيتلقّى هذه الاتصالات، وما الآليّات وتوزيع المهامّ التي يجب اعتمادها في الثانويّات لتنفيذ هذه المهمّة؟
وكيف سيحدّد هذا الرابط التوزّع الجغرافي للمتعلّمين؟ وما الدّور المنوط بأساتذة ومدراء المناطق المُستهدفة؟ فإذا كانت الوزارة تحاول إعادة إدماج المتعلّمين النازحين في العمليّة التعليميّة، فمن باب أولى دمج الأساتذة والمدراء النازحين أيضًا فيها. وإن كان التسجيل سيقتصر على المدارس والثانويّات في المناطق الآمنة سواء كانت مأهولة بالنازحين أم لا، يصبح توفّر الرابط ثانويًا، لأنّ الناس يمكنهم التنقّل في هذه المناطق ضمن محيطهم القريب.
تحديد المناطق الآمنة
وفي البند الثالث من القرار المذكور أعلاه، تطلب وزارة التربية من الثانويّة الرسميّة الآمنة أن تبادر إلى تسجيل المتعلّمين، لكنّها لا تحدّد المناطق التي تعتبرها آمنة ولا المعايير التي يمكن اعتمادها في ذلك. ويبدو أنّ ثقة وزارة التربية عالية في اللبنانيّين وحسّهم الأمني ما يجعلهم المرجعيّة الرئيسيّة في تحديد المناطق الآمنة بينما هي لا تعطي هذه الثقة لا لوزارة الدفاع ولا للداخليّة أو لمجلس الوزراء مجتمعًا. وينطبق على ذلك الصلاحيّات التي أعطتها للثانويّات والمدارس في تسجيل النازحين الساكنين في مناطق محيطة بها، فلم تحدّد ما الوثائق المطلوبة من هذا النازح ليثبت أنّّه يسكن في مكان قريب وفيما إذا كان يحقّ لمدير ثانويّة أو مدرسة أن يرفض تسجيل أحد من النازحين ووفق أي معايير. وهل على هذا الأخير أن يأخذ بعين الاعتبار قدرة أو سعة ثانويّته عند التسجيل؟ كما يجب على التلاميذ وأولياء أمورهم اختيار الثانويّات والمدارس التي يتسجّلون فيها من دون أن يكون واضحًا لهم إن كان التعليم حضوريًا، من بعد أو مدمجًا؟ رغم أنّ شكل التعليم المعتمد له تأثير كبير على خيارات الأهل، خصوصًا لأنّ الحضوري يقتضي التنقّل، والأرجح أنّ المقصود بالتسجيل هو الإحصاء وتحديد التوزيع الجغرافيّ، وليس الالتحاق الفعليّ خصوصًا أنّ القرار المذكور أعلاه يَذكُر في المادّة الثالثة منه “توزيع لاحق للتلاميذ”، لكنّ القرار لا يوضح ذلك بشكل مباشر.
واللافت أن وزير التربية كرّر في مقابلته على برنامج عشرين 30 التذكير بشرط موافقة لجنة الأهل في المدارس الخاصّة على التعليم الحضوري، وأن توقّع المدرسة تعهّدًا تتحمّل بموجبه مسؤوليّة التعليم حضوريًا، ويعتبر أنّ المدارس لا يمكن أن تُجبِر الأولاد على الحضور خصوصًا بعد إيقاف وسائل النقل المدرسيّة، وأنّ الأهل يفضّلون عدم تنقّل أولادهم، ويقول ” لستُ مُخوّلًا بالأمن، والدولة هي المسؤولة عن الأمن في زمن الحرب” وكأنّ وزير التربية ليس ممثلًا لهذه السلطة أو الدولة فيما يتعلّق بالأمور التربويّة، فيبرئ نفسه منها ومن المسؤوليّات الملقاة على عاتقها.
4 تشرين الثاني ليس موعدًا ثابتًا
كما اعتبر وزير التربية في البرنامج نفسه أنّ تاريخ 4 تشرين الثاني لاستئناف العام الدراسيّ في التعليم الرسمي غير نهائي، بسبب عدم الاستقرار في الوضع الأمني، وأنّ تعديلات ستطرأ وفق التغيّرات الزمانيّة والمكانيّة. لذلك نتساءل ألا يحبط تصريح كهذا الهمم ويُشعر الأساتذة والمتعلّمين أنّ هدف استئناف العام الدراسي مرتبط بمتغيّرات كبيرة، ما يجعله في دائرة الخطر، ولا يوحي بالثقة. ونتساءل ألا يمكن تأكيد انطلاق تعليم من بعد على الأقلّ في حال ازداد التعقيد في الأوضاع الأمنيّة ما يعطي العام الدراسيّ بعض الثبات والاستمراريّة ويشجّع الجميع على الالتحاق؟ خصوصًا أنّ القطاع الخاص عاد جزء كبير منه للتعليم الحضوري حتّى في المناطق التي تتعرّض للقصف أحيانًا مثل مدينة صيدا. وخصوصًا أنّ العديد من المدارس الخاصّة تبدي استعدادًا للتعاون وقد صرّح الأب يوسف نصر في المقابلة نفسها، أنّه يتوفّر للرهبانيّات العديد من المباني المدرسيّة الخاصّة المقفلة التي يمكن وضعها تحت تصرّف وزارة التربيّة، بالإضافة إلى طرق تعاون أخرى عديدة ممكنة.
ويرى وزير التربية أنّ “من واجب كلّ مدرسة أن تؤمن خيار التعليم من بعد خصوصًا للتلاميذ الذين سافروا خارج لبنان”. ويقول أنّه حاسم في هذه النقطة ويهدّد باتخاذ إجراءات بحقّ المدرسة التي لا تؤمِّن هذه الخدمة لطلابها الذين غادروا لبنان. ويبدو اهتمام الحلبي بتوفير كلّ الفرص المتاحة أمام الطلاب لعدم خسارة عامهم الدراسيّ إيجابيًا، ولكنّ التمييز والتأكيد والحسم فيما يتعلّق بفئات معيّنة دون غيرها يبدو واضحًا في خطابه. خصوصًا أنّه عبّر أكثر من مرّة خلال المقابلة عن تعرّضه لضغوط كثيرة من مختلف الأطراف في لبنان.
عرض سريع للبدائل
في النهاية عرض الحلبي في المقابلة المذكورة سريعًا بعض الأفكار لحلول تدرسها لجنة طوارئ أنشأها في وزارة التربية مثل تأهيل مراكز بديلة مجهّزة بالأدوات الضروريّة مثل الكومبيوتر، استئناف التعليم في 200 مدرسة رسميّة تقريبًا غير مأهولة بالنازحين، اعتماد نظام الدوامين قبل وبعد الظهر في المدارس الخاصة القريبة من مراكز الإيواء. ولكن لم يوفّر أي معلومات محدّدة حول الخطوات الإجرائيّة لتنفيذ هذه المقترحات ومدى تقدّم وزارة التربية في تحويل هذه الأفكار إلى خطط عمليّة وخطوات تنفيذيّة.
تعقيد في إلحاق الأساتذة وصمت حول رواتبهم
عند الإعلان عن بدء التسجيل للعام الدراسيّ الجاري وقبل تصاعد آلة العنف الإسرائيلي على لبنان، أصدرت الفروع المعارضة في رابطة أساتذة التعليم الثانوي بيانات ترفض فيها انطلاق العام الدراسيّ قبل تحسين الرواتب التي لم يتخطّ معدّلها 550$ خلال العام الدراسيّ الفائت. لكنّ اشتداد الحرب على لبنان وانفجار أزمة النزوح أجّل الكلام في موضوع الرواتب ولم يعالجها. وأتى تصريح وزير التربية لقناة “المنار” ليصبّ الزيت على النار، إذ ذكر الوزير أنّ الوزارة ستوزّع الأساتذة على مراكز التعليم الحضوري أو من بعد، وأنّ مستحقاتهم محفوظة وأنّ بدلات الإنتاجيّة التي كانت تعادل خلال العام الدراسيّ الماضي 300$، ستكون مرتبطة بالعمل، ما أثار انتقادات واسعة بين الأساتذة، إذ يرفضون تحميلهم نتائج الحرب والنزوح، وتعطيلهما للعام الدراسيّ. كما يرفضون أن تستعمل السلطة حجّة الحرب لعدم تحسين رواتبهم، بل يعتقدون أنّ رفع الرواتب ضروري بسبب تعطيل الحرب للعجلة الاقتصاديّة والكثير منهم كانوا يقومون بأعمال إضافيّة تعوّض الانخفاض الكبير في رواتبهم، وبسبب ظروف النزوح التي رفعت الأعباء على عائلاتهم ، خصوصًا ارتفاع الإيجارات، ولكنّ وزارة التربية الغارقة في الفوضى ونقص التخطيط لم تقدّم للأساتذة أي تفسير حول قضيّة الرواتب حتّى الآن.
وقد أصدرت رابطة التعليم الأساسي يوم الخميس في 17 تشرين، بيانًا ترفض فيه خطّة وزارة التربية وخصوصًا إلحاق الأساتذة النازحين في الظروف الحاليّة ومن دون أي تعديل في رواتبهم. ولوّحت رابطة الأساتذة الثانوي بإصدار الموقف نفسه واعتبرت أنّ خطّة وزارة التربية للعودة غير واضحة حتّى الآن ولا تتناسب مع ظروف النزوح.
ماذا عن المنهاج الذي سيعتمد للعام الدراسي الحالي؟
لم يصدر عن المركز التربويّ للبحوث والإنماء حتّى اليوم أي توجيهات تتعلّق بالمنهاج الذي يجب اعتماده خلال العام الدارسي الحالي ولا بالموارد الرقميّة التي يمكن اعتمادها من بعد، بالرغم من أنّ العديد من المدارس الخاصّة قد استأنفت التدريس. فما الأهداف الرئيسية في كلّ مادّة التي يجب العمل عليها خلال هذا الفصل الأوّل على الأقلّ؟؟ وما الدروس والتوجيهات التي يمكن أن تخدم أنواع التعلّم الذاتي مثل homeschooling والتعلّم من بعد التي يمكن أن تبادر إليها بعض العائلات والطلاب؟
وقد عمل المركز التربويّ منذ فترة الإقفال خلال انتشار الوباء على إعداد موارد رقميّة بسيطة، لكنّه لم يستكمل هذا العمل وبقي مجزوءًا وناقصًا لا يشمل المنهاج كلّه، ولم يبادر حتّى اليوم إلى التذكير بهذه الموارد رغم محدوديّتها، ولا إلى إجراء مراجعات سريعة عليها لتخدم الحاجات المستجدّة للبنانيين خلال الحرب.
كما عمل المركز التربويّ منذ سنوات على برامج دعم نفسي اجتماعي، فأين هي الآن؟ وهل يمكن استخدامها في مراكز الإيواء على سبيل المثال؟ ما التعديلات اللازمة لتخدم هذا الهدف؟؟ ولماذا لا يُنفض الغبار عنها لتخدم حاجات اللبنانيين المستجدّة؟ الحقيقة أنّ الكثير من هذه البرامج ضعيفة أو سطحيّة وهي باب للتنفيعات وبعضها كان غير فاعل لدرجة أنّ غالبيّة الأساتذة لم يسمعوا بها أو لم يستعملوها. [1]
[1] تبدأ فقرة وزير التربية عند الدقيقة ٤٥:٠٠ من البرنامج وتنتهي عند الدقيقة ١:٠٨
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.