مساجين الحراك الاجتماعي ضحايا باعتراف رئيس الجمهورية: موقف يستحق أن يقرأ


2021-03-27    |   

مساجين الحراك الاجتماعي ضحايا باعتراف رئيس الجمهورية: موقف يستحق أن يقرأ

تحول مساء يوم 19-03-2021 الرئيس التونسي قيس سعيد للسجن المدني بالمرناقية أين تحادث مع عدد من الموقوفين في قضايا تم احتجازهم على خلفية الحراك الاجتماعي الحاصل في بداية هذه السنة. وقد أكّد “لهم حرصه على توفير كل أسباب العدالة لهم خاصة منهم من تم الزج بهم دون أن تكون الأعمال التي قاموا بها موجبة لعقوبات سالبة للحرية”. ولاحظ في ذات سياق خطابه معهم “أنه تم استعمال عدد غير قليل منهم في هذه الاحتجاجات من قبل جهات لا تراعي إلا مصالحها حتى وإن كانت على حساب شباب في مقتبل العمر” منتهيا لأن تعهّد لهم “بأن يعمل، إثر صدور أحكام باتة، في القضايا التي أُوقفوا على ذمّتها على تمتيعهم بالعفو حتى لا يكونوا ضحايا لمن أراد أن يحشرهم في صراعاته”.[1]

وتبدو هذه الزيارة ومقال الرئيس فيها مما يتعين الوقوف عنده لاعتبارين أولهما أهمية الموقف الذي أبداه الرئيس بمناسبتها من الحراك الاجتماعي الذي شهدته تونس بداية سنة 2021 وثانيهما وعده باستعمال العفو الرئاسي كأداة إصلاح للسياسة الجزائية.

أنتم ضحايا أولا

نسب للمشاركين في حراكات أول هذه السنة وأغلبهم من الأطفال والشباب قطع الطرقات العامة والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة. وقد اعتبرت النخبة السياسية في الجانب الأكبر منها، ومعها مؤسسات الدولة, أن ما صدر عنهم هو مجرد انفلات أمني استغلّته مجموعات من المنحرفين وباركت لذاك الاعتبار التعاطي الأمني الحازم معه. موقف عارضه المجتمع الحقوقي ومعه طيف هام من القوى السياسية اليسارية والتي تمسكت بكون تلك التحركات وما رافقها من عنف ليسا إلا نتيجة طبيعية للوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وعليه، رأوا أنه يجدر التعاطي معها بعيدا عن المقاربة الزجرية وفي سياقات تحاول أن تعالج أسبابه ومنها سوء إدارة الشأن العام.

تؤكد هنا زيارة سعيد لمساجين الاضطرابات وما صرح لهم به لجهة أن رئاسة الجمهورية لا تعتبرهم منحرفين وجب عقابهم وتؤكد أنهم ضحايا وجب التعامل معهم من هذا المنطلق. وهنا التقى سعيد فيما انتهى له من نتيجة مع الخطاب الحقوقي. وهذا يعدّ حدثا هاما واستجابة رسمية وازنة لذاك الخطاب وإن كانت بقي موقف سعيد منقوصا على مستوى آليات التحليل والفهم للحدث. فقد تمسك الرئيس سعيد بكون “موقوفو” الحراك ضحايا لكنه لم يبحث في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي قد تكون سببا فيما صدر عن عدد منهم من عنف، كما لم يصل لحد تبرير احتجاجهم ضد السلطة على اعتبار أنه عزا ما صدر عنهم لمؤامرة تقف وراءها أطراف سياسية استغلتهم في خصوماتها.

ويؤمل أن يكون هنا للفاعل الحقوقي والذي تبين أن الرئيس يهتمّ به ويحاول أن يتماهى معه دور في تنبيه لضرورة تطوير رؤيته للموضوع كما ينتظر منه أيضا دفعه لتطوير استعمال العفو الرئاسي كوسيلة لإصلاح السياسية الجزائية وهو أمر يبدو أنه لا يعارضه.

احتجاز غير مبرر

تؤكد المنظمات الحقوقية التونسية أن قوات الأمن احتفظت بألف وخمسمائة شخص، ثلثهم من الأطفال على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات. وهي تذكر أن القضاء أفرج عن عدد هامّ منهم في ذات حين تسجيلها لتعرّض عدد هام ممن لا زالوا رهن الإيقاف لممارسات مهينة ترقى لدرجة التعذيب الممنهج والذي  كانت غايته انتزاع اعترافات منهم. في الجانب الآخر من المشهد، تتمسك المحاكم عبر الناطقين باسم نياباتها العامة بكون من تمّ الإبقاء عليهم بحالة إيقاف هم فقط من نسبت لهم جرائم حق عام على درجة من الخطورة .

انتصر سعيد على هذا المستوى من خطابه مرة أخرى للطرح الحقوقي من خلال تصريحه بكون “الإيقافات” كانت في كثير من الحالات غير مبررة. ويبدو موقفه هذا مهما لكونه ينقل اتهام القضاء بالتعسف في استعمال الإيقاف لدرجة من الرسمية تفرض تعاطيا قضائيا جديا معه. وقد يكون هنا خطاب الرئيس بما فيه من مصادقة على تشخيص لواقع لم يعد القضاة ذاتهم ينكرونه دافعا لعمل على إصلاح عميق لعقيدة القضاء الجزائي التونسي تكريسا لقيمة القاضي الحامي للحقوق والحريات. وينتظر أن يلعب مجلس القضاء دورا ايجابيا في صناعة مثل هذا لكونه مسؤولا وظيفيا عن حسن سير القضاء. وفي انتظار مثل هذا التطور النوعي، يظهر وعد  استعمال العفو الرئاسي سبيلا حقيقيا للإصلاح العاجل.

العفو الرئاسي تصحيحا لخلل التظام الجنائي

نجح رئيس تونس الأسبق منصف المرزوقي في رسم تصوّر للعفو الرئاسي يحوّله لوسيلة فعالة في تحقيق الإصلاح الجزائي، حيث التزم بالعفو عن كل من يحكم عليه بالإعدام اعتبارا لمعارضته الحقوقية لمثل ذاك الحكم ولكل من يتهم باستهلاك المخدرات لقسوة القانون تجاههم. التزم بعده الرئيس السابق باجي قايد السبسي بذات التصور الوظيفي  للعفو وفي ذات المنحى. وفي حين تم الالتزام لحدّ بعيد من قبل بما جرى عرف وزارة العدل عليه من اعتماد لمدة قضاء العقوبة كمعيار لإسناد العفو، يشكل الوعد بالعفو عن موقوفي الحراك تطورا هاما في تصور الرئيس لصلاحية العفو التي تعود له لما فيه من توجه لاستعمالها في اتجاه ينتصر لموقف ورؤية من مسألة مجتمعية ومن تعاطٍ قضائي وسياسي معها.

في المقابل ومع الإقرار بإيجابية موقف الرئيس وما فيه من انتصار لقيم العدالة في أبعادها الشمولية يلاحظ أن زيارته  لموقوفين على ذمة القضاء ووعده إياهم بعفو يخصهم ويلتفت عن أحكام  القضاء التي تصدر بعد في حقهم يعد تدخلا في عمل القضاء ما كان ينتظر أن يصدر عنه وقد نصبه الدستور حاميا لأحكامه ومنها ما نص عليها الفصل 109 منه الذي يحجر ذلك.

 

[1]  مقتطفات من نص التغطية التي صدرت عن رئاسة الجمهورية للزيارة .

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، حريات ، سياسات عامة ، أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، تونس ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، احتجاز وتعذيب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني