مزرعة المطحنة: ستون نوعاً من الفاكهة أهمها الأفوكا


2020-02-10    |   

مزرعة المطحنة: ستون نوعاً من الفاكهة أهمها الأفوكا

تستقبل مزرعة المطحنة، تلك القرية الصغيرة، روّاد مرج بسري من ناحية مدخل جزين. هي القرية الثالثة المهددة بالتهجير نتيجة السد بعد قرية بسري ومع خربة بسري. هناك على مصطبة داره في مزرعة المطحنة، يجلس جبران مطانوس حبيب مع زوجته، ويشير إلى ضيعته المتركنة على تلة فوق نهر الأولي، قائلاً “بنى الأجداد بيوتها على تلة رملية زحلت بعد زلزال حصل من ألف سنة عن شير الجوبة، وأرضها مواعة (دلغانية ورخوة) وكلما قوي النهر بينهار من حفافيها شوي، وعطول منبني حيطان دعم وبترجع بتزحل”.

برغم بلوغه 94 عاماً، ما زال حبيب يقصد مع أولاده وأحفاده أراضيه الزراعية: “عنا زيتون وخضار، وكنا نزرع ونشك دخان. كانت عائلات المزرعة تعتاش من الأرض ومن المواشي وحليبها وألبانها وكان أهلنا يخلفوا 8 إلى عشر أولاد”. وكنا نتصيّد سمك وكان النهر كتير نضيف. هلأ كل شي تغيّر”. ويرى أنّ هناك أسباباً كثيرة تجعل الحياة في مزرعة المطحنة ممكنة وبأقل كلفة “يدعموا الزراعة لنرجع متل ما كنا عايشين”.

صيد السمك نفسه يشكل مصدر رزق للعديد من أهالي المزرعة والخربة وبسري نفسها وكذلك لأصحاب المنتزهات المنتشرة على النهر “سمك بسري أطيب سمك” يقول الرجل فيما تهز زوجته أم إميل رأسها موافقة، قبل أن تضيف “كل هيدا بده يروح مع السد”.

من صيد السمك ينطلق المهندس المسّاح ميشال توفيق ليعتبر أن مزرعة المطحنة تؤمن منظومة متكاملة للعيش “أبي ربّ عائلة كبيرة وعلمها من صيد السمك في نهر بسري”. عندما كان صغيراً، طالما رافق توفيق والده إلى الصيد “كان يتصيد وكنت أنا نضف السمك حده، وكان يبيعهم وما ينقّص علينا شي وعلمنا كلنا”.

يعود توفيق إلى مزرعة المطحنة النموذج، لينطلق من علاقته وعائلته مع المزرعة والمرج “لمن بدنا نشم الهوا منلاقي إنها أجمل منطقة بلبنان مع المرج”. بنى لنفسه وأولاده شاليهات ومنازل في العقارات الستّ التي يمتلكها في المزرعة “ومنزرع ستين نوع من أشجار الفاكهة ومنها الليمون على أنواعه، والأفوكا، والمشمش والتفاح والدراق والعنب والرمان والعناب وغيرها الكثير من اللوزيات والجوز”. لا يترك توفيق نوعاً من الخضار لا يزرعه في أرضه “ورقيات وملفوف وقرنبيط وبروكولي بالشتا وكل الخضار بالصيف، ما في شي منشتريه من برا”. يقدّر توفيق إنتاج أراضيه الاقتصادي بنحو 50 ألف دولار بالسنة “الزراعة بتعطي بمنطقتنا والناس بتعيش بكرامتها”.

صحيح أن عدد سكان المزرعة لا يتجاوز 500 نسمة “بس نحن ضيعة نموذجية للعيش، يعني أولادي لمن بدهم يرتاحوا من بيروت وضجيجها وتلوثها بيجوا لهون ما بيحبوا يروحوا محل تاني”. لكن توفيق نفسه منع إبنه مؤخراً من بناء منزل خاص به في المزرعة “لن تبقى المزرعة كما كانت بعد إقفال مرج بسري عنها، وبعد ما سيحصل لنا بعد استئناف بناء السد إذا استكملوا المشروع، كيف سيعيش تحت السد؟”. يرى أنه كان على الدولة أن تلتفت إنمائياً للمزرعة “ما عنا لا مستوصف ولا شي”، وأن تبني مدارس لتثبّت الناس بأرضها، “لا أن تنفذ مشروعا يُهجر الناس”.

مواقف من السدّ

يعتبر المهندس طوني حبيب، إبن المزرعة، أن العواطف اليوم لا تجدي نفعاً في مواجهة السد: “طبعاً قضينا طفولتنا في المرج ولنا في كل شبر منه ذكريات وحياة”، ولكن الأهم بالنسبة إليه هو ضرب مصادر الإنتاج التي كانت تشكل عماد حياة الناس “سعر الأراضي سيتدنى لأن نمو المزرعة قد توقف اليوم مع توقف حركة البناء فيها نتيجة مخاوف الناس. كذلك ستقفل جميع المطاعم التي تشكل عماد السياحة فيها”. ويشرح حبيب عن علاقة الضيعة بنهر بسري الأولي “جدودنا كان عندهم مطاحن وبعضها أثري أيضاً، والنهر مقصد للسياح، عند قطع الماء عن الأولي، وحتى لو تركوا كمية قليلة فيه، سيتحوّل مجراه إلى مستنقعات بسبب طبيعته الصخرية المتعرجة، وهذه المستنقعات ستنشر الحشرات والتلوث”.

ومن الحياة الهادئة في المزرعة “حيث كنا لا نسمع سوى أصوات الكائنات الحية في الطبيعة”، يتحدث حبيب عما سمعه من مستشار وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل “رح يمرق ع القليلة 4 شاحنات بالدقيقة، فأي حياة سيعيش الناس في هذه الظروف مع كل ضجيج الآليات والجرافات والغبار المتصاعد منها؟”.

وسط غرق جيرانه في الذكريات وتأثرهم خوفاً من تهجيرهم، يرغب ابنهما البكر إميل بالحديث عن انزلاق جزء من مزرعة المطحنة نحو نهر الأولي “في نهار وعينا ع صوت قوي وج الصبح، خفنا وفكرناه تحضير لزلزال”. عند الصباح تفاجأ أهل القرية بوقوع 200 كعب زيتون في النهر بعدما انهارت الجلول التي تحوي الكرم “قويت المي وزحلت الأرض متل العادة، عطول بتزحل أرض المزرعة”.

تفرح كلوديت، ابنة مزرعة المطحنة لدى سؤالها عن موقفها من سد بسري “خي بدي فش خلقي”، تقول.  تحرّك السيدة الخمسينية يديها يسرة ويمنة وإلى الأعلى وكأنها تستعين بالإشارات لتعبّر عما يختلج قلبها “بيتنا كان بعيد عن النهر شي ألف متر، شوي شوي زحلت الأرض وسنة عن سنة صرنا ونحن وبقية جيراننا عم نقرب من النهر وخايفين نوعى شي يوم نلاقي حالنا تحت”. تستريح كلوديت لعشر ثواني قبل أن تضيف بانفعال “إذا ما بيشوفوا شو صار فينا، ما بيسمعوا شو عم نقول؟ هيدي الأرض زاحلة وبسري متلها وكل قرى جزين”.

  • نشر هذا المقال في العدد | 62 |  كانون الثاني 2020، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

مرج بسري في قلب الإنتفاضة

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني