مراكز إيواء مغلقة أمام العمّال والعاملات المهاجرات: أين يحتمون من الموت؟


2024-11-08    |   

مراكز إيواء مغلقة أمام العمّال والعاملات المهاجرات: أين يحتمون من الموت؟
المبنى المهجور في الحازمية الذي يأوي 180 سيّدة و4 أطفال من سيراليون

شرّدت الحرب الإسرائيلية على لبنان أعدادًا هائلة من العاملات والعمّال المهاجرين من سكّان لبنان أيضًا. فبعدما أُغلقت أبواب مراكز الإيواء الرسميّة أمامهم، لم يجدوا سوى شوارع مدينة بيروت للاحتماء بعيدًا عن المناطق التي تتعرّض للقصف. هذا التشرّد هو صورة متكرّرة ومؤلمة طالت العمّال والعاملات الأجانب ذوي الدخل المحدود نتيجة الأزمة الاقتصادية عام 2020، ليؤكّد مرّة جديدة مدى هشاشة هذه الفئة ومدى التمييز الممنهج الذي تتعرّض له. وللتخفيف من معاناتهم، نشأت بعض المبادرات المحليّة غير الرسمية لتأمين إيواء وكلفة سكن وغذاء وموارد وخدمات أساسيّة، فيما تتخلّى الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية عن القيام بدورها تجاه هذه الفئة.

فقد أعلنت الحكومة اللبنانية أنّ حماية النازحين الأجانب، بمن فيهم العمّال المهاجرون، هي مسؤولية المنظمات الدولية، فتذرّعت مراكز الإيواء بوجود قرار يُلزمها استقبال اللبنانيين حصرًا من دون أن تُقدم إثباتًا على وجوده. وعلى الرغم من حالة التشرّد التي تطال المهاجرين، كما ونداءات المنظمات الحقوقية لتأمين مأوى لهم، اكتفت منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة IOM بشكل أساسي بتأمين تذاكر سفر للراغبات والراغبين في العودة إلى بلادهم، متجاهلة بذلك مسؤوليّتها في تأمين الحماية لمن تقطّعت بهم السبل.

سبّبت الحرب آلامًا كبيرة للعاملات نتيجة النزوح والخوف وكذلك خيبة الأمل نتيجة التخلي عنهنّ. هذا ما تُظهره عشرات القصص التي استمعت إليها “المفكرة”، منها قصة مريم وهي شابّة سيراليونيّة تحتمي مع 180 سيدة من سيراليون و4 أطفال رُضّع في مبنى مهجور  في الحازمية حوّلته متطوّعتان إلى مركز إيواء. مريم تركتها العائلة التي تعمل لديها وحدها في المنزل في إحدى مناطق جبل لبنان القريبة من بيروت وسافرت إلى خارج لبنان. تقول لـ “المفكرة”: “وافقت على البقاء في المنزل، لاعتقادي أنّ القصف لن يكون في المنطقة التي أسكن فيها، لكن حين بدأ القصف على الضاحية بدأت أسمع الأصوات المرعبة للغارات وأنا وحيدة في المنزل”. وتضيف: “اتصلت بصاحبة العمل وطلبت منها دفع ثمن تذكرة السفر كي أعود إلى سيراليون لكنّها رفضت، فعندها أعلمتها أنّي غير قادرة على البقاء وحدي في المنزل، فخرجت وانضممت إلى ‘أخواتي’ هنا”.

على بعد خطوات من مريم، تجلس فاطمة (27 عامًا) التي كان أوّل ما قالتله لنا عند سؤالها عن حالها: “نشعر باليأس والخوف”. تنظر فاطمة إلى سقف المبنى وتقول: “أتيت إلى لبنان بهدف العمل وجمع بعض المال، لكنّ الأحلام تحطّمت، وأنا هنا في هذا المبنى، افتقد الهدوء والاطمئنان، وما عدت أرغب في شيء سوى العودة إلى بلدي”. وتتذكّر أصوات الانفجارات الناجمة عن القصف الجوي الإسرائيلي الذي يستهدف الضاحية الجنوبيّة لبيروت وتُضيف: “أنا بعيدة عن مكان القصف، لكنّي خائفة وترهقني تلك الأصوات”.

تحتضن بيروت مركز إيواء غير رسمي آخر في مونو في الأشرفية، وهو مبنى تابع لدير الآباء اليسوعيين تُديره الهيئة اليسوعيّة  لخدمة اللاجئين JRS، وتحتمي فيه عائلات من جنسيات مختلفة، وصل عدد أفرادها إلى نحو 75 شخصًا. “أتوا إلى المكان الذي يعرفونه” يقول مدير المشروع الأخ مايكل بيترو لـ “المفكرة”. ويؤكد أنّ الدير كان مكانًا تقصده عائلات مهاجرة كلّ أسبوع للصلاة والمشاركة في نشاطات ترفيهيّة وتدريبيّة وتعليميّة. ويُضيف: “يشعرون بالانتماء للمكان، فكان مقصدهم الأول حين اشتدّت الأعمال الحربيّة في 23 أيلول يوم استقبلنا أوّل عائلة، وفي أول أسبوع كانت قدراتنا الاستيعابية قد وصلت إلي أقصاها” بحسب تعبيره. 

ويتبيّن من زيارتنا لكلا المركزين أنّهما لم يكونا مؤهلين للإيواء، بل تم تحويلهما إلى ملاجئ مؤقتة بشكل عاجل في محاولة للتخفيف من معاناة العاملات والعمّال المهاجرين. والتقت “المفكرة” عشرات من السيدات المهاجرات في المركزين واستمعت إلى قصصٍ مؤلمة تحكي تجارب العمل في لبنان، واللجوء والتشرد والهروب من الحرب والتعامل مع الصدمات النفسية. فهنّ، وإنّ كنّ لا يحملن الجنسية اللبنانية، إلا أنّهن يتشاركن مع اللبنانيين مآسي هذه الحرب.

غرفة لعائلة من السودان في دير الآباء اليسوعيّين في مونو

رحلة شاقة للبحث عن مأوى

مع توسّع العدوان الإسرائيلي في 23 أيلول 2024، اضطرّت عشرات السيّدات السيراليّونيّات لمنازلهنّ في المناطق التي تشهد قصفًا إسرائيليًا نصفهنّ كنّ يعملن في منازل وتمّ التخلّي عنهنّ مع تصاعد حدّة الأعمال الحربية على لبنان، والنصف الآخر غالبيتهنّ كنّ يعملن بدوام حر ويسكنّ كمجموعات في منازل في مناطق مختلفة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومن تمكّنت منهنّ من الوصول إلى سفارة سيراليون التي تقع قرب الكورنيش البحري في الرملة البيضاء في بيروت، باتت عدّة ليالٍ في العراء بعدما لم تلق تجاوبًا من السفارة. حينها، حملت الناشطة ديا حاج شاهين (30 عامًا) على عاتقها إيجاد مأوى للعاملات. وفي حديثها مع “المفكرة” أكدّت ديا أنّ “مشهد النساء السيراليونيّات في الشارع أعادني إلى العام 2020 حين التقيت صدفة بعشرات العاملات الكينيّات اللواتي ينمن في الشارع أمام قنصلية كينيا في بدارو، واللواتي خسرن عملهنّ نتيجة الأزمة الاقتصادية”. حينها بادرت ديا إلى مساعدة تلك العاملات في العودة إلى كينيا، ذلك عبر جمع التبرّعات والتواصل مع الأمن العام لتسهيل سفرهنّ. وإلى جانب قنصلية كينيا، شهدت عدّة سفارات وقنصليات المشهد نفسه عام 2020 من بينها سفارات أثيوبيا، الكاميرون، وبنغلادش والفلبين.

وعند ملاحظتها مشهد التشرّد مرّة جديدة، خاضت ديا رحلة شاقّة للبحث عن مأوى لنحو 60 سيدة. تقول “تواصلت مع جمعيّات وناشطين وصحافيين أملًا في المساعدة لتأمين إيواء العاملات، ولكن من دون جدوى، وذلك نتيجة كثافة طلبات الحصول على مأوى”. وتُشير إلى خيبة الأمل التي عاشتها العاملات حين وافقت مدرسة في طرابلس على استقبال 40 سيدة سيراليونيّة و20 سيدة بنغلادشية، لكنّها عادت وطردتهنّ في اليوم التالي بذريعة وجود قرار أنّ الأولويّة للبنانيين فقط.

وحين لم تفلح كافة المحاولات لإيجاد مأوى، قررت ديا استخدام مبنى مهجور تملكه عائلتها في الحازمية. فأجرت بعض الصيانة الداخلية، مستعينة بتبرّعات من أقارب وأصدقاء، وتمكّنت من تأمين معدّات الطبخ، وصيانة المراحيض وتأمين مياه الاستخدام، ومدّ كهرباء وتركيب الإضاءة. وتلفت ديا إلى أنّه في “غضون أسبوع ارتفع عدد السيدات السيراليونيّات إلى 100 سيدة وأربعة أطفال قبل أن يصل إلى 180 مع انضمام أخريات في الفترة اللاحقة”. وتُشير إلى وجود 45 سيدة في خمس شقق في منطقة برج حمّود تتولّى هي وعدد من المتطوعين تأمين تبرّعات لتغطية كلفة سكنهنّ وحاجاتهنّ الأساسية.

واليوم تتولّى ديا مع المتطوّعة ليا غريّب، إدارة المركز، وتقييم احتياجات النساء فيه، من الحاجات اليومية والصحية، كما مساعدة الراغبات في العودة إلى سيراليون. وتلفت إلى أنّ “منظمة الهجرة تقوم بالمساعدة في إجراءات السفر، وتمويل ثمن التذاكر”.

“إنّه المكان الوحيد الذي يعرفونه”

دير كنيسة الآباء اليسوعيين في مونو – بيروت،  تحوّل هو الآخر إلى مركز إيواء لعائلات مهاجرة من جنسيات مختلفة غالبيتها من السودان والفلبين وأثيوبيا وسريلانكا. فهذا المركز اعتاد استقبال العائلات الأجنبية المهاجرة في لبنان كل يوم أحد، حيث كانت “الهيئة اليسوعية” تتولّى إدارة الأنشطة التعليمية والترفيهية فيه كما تفتح الكنيسة أبوابها للراغبين في الصلاة منهم. يقول مدير المشروع في “الهيئة اليسوعيّة” الأخ مايكل بيترو إنّه “المكان الوحيد الذي يعرفونه، لهذا توجهوا إلينا مباشرةً”، مشيرًا إلى أنّ الرّعية استقبلت مساء يوم 23 أيلول أوّل عائلة آتية من الضاحية الجنوبية لبيروت. ويضيف: “في غضون أسبوع وصلت القدرة الاستيعابية أقصاها حيث بات يوجد نحو 75 شخصًا في المركز ومن بينهم أطفال، وبالتالي جرى تأمين إيواء لـ 30 آخرين في دير آخر في بكفيا”.

ويشرح الأخ مايكل أنّ الهيئة سعت لتأمين ملاجئ للنازحين لدى مراكز الإيواء الرسميّة والجمعيّات غير الحكومية والسفارات بلا جدوى. ويضيف أنّه حينها كانت “جميع الملاجئ غير الرسمية قد امتلأت، أمّا المراكز الرسمية فقالوا لنا بالمباشر: “لا نستقبل أجانب”. ويؤكد أنّ النازحين لدى دير الكنيسة قدموا من مناطق مختلفة، غالبيّتهم من بيروت، والباقي من مناطق جنوبية.

يشرح الأخ مايكل التحديّات التي تواجههم في إيواء العائلات الأجنبية المهاجرة، بداية من افتقارهم الخبرة في إدارة مراكز الإيواء، مشيرًا إلى أنّ الأزمة فرضت عليهم تعلّم إدارة مراكز الإيواء خلال شهر استجابة للأزمة. ولفت إلى أنّ الهيئة كانت تستخدم المبنى لتنفيذ النشاطات النهارية للعائلات المهاجرة. ويؤكد أنّ المأوى يتلقى دعمًا من منظمة الهجرة من أدوية وتأمين تذاكر السفر للراغبين في الخروج من لبنان.

جزء من المبنى المهجور حيث تنشر النساء غسيلهنّ

من الخداع إلى الهروب والتشرّد

سلام (اسم مستعار) كانت تسكن في محيط مستشفى رفيق الحريري في بيروت، تشعر بأنّ خروجها من منزلها أنقذها وأولادها الثلاث من الغارّة الاسرائيليّة التي استهدفت حيًّا سكنّيًا في محيط المستشفى في 21 تشرين الأوّل 2024 وقتلت 18 شخصًا من بينهم عمّال أجانب من سوريا والسودان وجرحت العشرات. بصوت يرتجف، تستعيد سلام الصدمات التي عاشتها في المنزل هي وأولادها مع أصوات الانفجارات التي لا تهدأ في الضاحية الجنوبية. تقول: “قالوا لي إنّ المنطقة لن تُستهدف، لكنّي ما عدت قادرة على التحمّل بعدما رأت عشرات من الجيران يتركون الحي فيما قرر آخرون البقاء”. حينها، حضّرت أطفالها الثلاث الذين تربّيهم وحدها بعد وفاة زوجها، واستقلّت سيارة أجرة وتوجّهت إلى دير الآباء اليسوعيين في مونو – بيروت. تقول سلام: “كنّا نأتي كلّ أسبوع أنا وأولادي لقضاء نهار العطلة الأسبوعية هنا في الدير، وحين شعرت بالخطر أتيت مع أولادي لأنّي لا أعرف مكانًا آخر”.

لم تجلب الحرب على العمّال والعاملات المهاجرات سوى معاناة إضافية على تلك التي يعيشونها نتيجة التمييز والاضطهاد. قصّة مابينسي (29 عامًا) تُحاكي قصص آلاف النساء اللواتي أتين للعمل في لبنان واصطدمن بواقع قاس لم يتوقعنه. مابينسي قدمت إلى لبنان عام 2022، بعد أن أغرتها وكالة توظيف في سيراليون بوعود بتحقيق أحلام كبيرة في لبنان. تقول مابينسي لـ “المفكرة” إنّه “حين وصلت إلى لبنان أُصبت بخيبة أمل، كذبوا عليّ بنوع العمل كما بقيمة الراتب الذي سأتقاضاه”. وتُضيف: “كان الاتفاق أن أتقاضى مبلغ 350 دولارًا في الشهر، لكن العائلة لم تدفع أكثر من 150 دولارًا”. ولم تفلح اتصالاتها المتكررة بصاحب مكتب الاستقدام للمطالبة بالإيفاء بوعده وحظرها عن الاتصال به. “لهذا السبب قرّرت الخروج من المنزل، ولاحقًا بدأت العمل وحدي”.

مساء 23 أيلول، عادت مابينسي إلى منزلها في الجندولين – الجناح. “بدأت تردني رسائل على هاتفي عن الأحداث التي تحصل في الجنوب، وكان الجميع يقول إنّ الضاحية لم تعد آمنة”. شعرت مابينسي بخوف شديد، فانتقلت مع مجموعة من أصدقائها نحو سفارة سيراليون في الرملة البيضاء. “نمنا في الشارع لثلاث ليال، ثمّ توجهنا إلى جونية وأمضينا خمسة أيّام في بيت صديقة، وهناك تعرّضنا للسرقة، فلم نعد نشعر بالارتياح فقررنا العودة إلى بيروت”، حسب تعبيرها. وتختم “كل ما أتمناه اليوم هو أن تتوقف الحرب، وأعود إلى بلدي في أقرب وقت”. 

تتقاطع تجربة أمينة (31 عامًا) مع تجربة مابينسي وتجارب عشرات السيدات اللواتي تعرّضن للخداع لدى استقدامهنّ إلى لبنان، وهي من مؤشرات وقوعهنّ ضحايا لجريمة الاتجار بالبشر. وتتحدث أمنية أيضًا عن خيبة الأمل التي شعرت بها حين بدأت العمل في منزل في لبنان. “أخبرني الوكيل (في سيراليون) بأنّ لبنان بلد جميل، وهناك سأحقق كل أحلامي، تعهّد بأنّني سأحصل على هاتف خلوي وملابس جديدة وسيتوفّر الطعام الافريقي في المنزل الذي سأعمل فيه وأنّ راتبي سيزيد عن 250 دولارًا”. وتُضيف: “حين وصلت إلى المنزل، أخبرتني ‘المدام’ أنّي سأعمل لثلاث سنوات مقابل 150 دولارًا”. وتتابع: “تواصلت مع المكتب وأخبرته بالأمر لكنّه نفى وجود اتفاقًا كهذا”.

المرحلة اللاحقة كانت كالكابوس بالنسبة لأمينة، إذ رفضت صاحبة العمل توظيفها بعد مطالبتها بحقها، وهنا بدأت رحلة انتقال من منزل إلى آخر، وبحسب قولها فإنّ أسباب هذا الانتقال غالبًا كان بسبب المعاملة السيئة التي كانت تتلقّاها أو لعدم اتفاقها مع العائلة. وظلّت في حالة عدم استقرار إلى أن وصلت بها المعاناة إلى ذروتها عندما أُجبرت على القيام بأعمال صعبة وهي مريضة. هنا كانت نقطة التحوّل التي جعلتها تدرك أنّها تستحق حياة أفضل ممّا دفعها لاتخاذ قرار حاسم بترك العمل والهرب من هذا الواقع المرير. تروي أمينة أنّها خرجت من المنزل وبدأت تسير بشكل عشوائي في الطريق حتّى التقت صدفة بفتاة سيراليونية ساعدتها عبر تقديم الإيواء المؤقت وتوجيهها على طريقة البحث عن عمل. مكثت أمينة لنحو عام ونصف في منطقة الجندولين في الجناح، ومن هناك نزحت إلى الشارع يوم 23 من أيلول الفائت حين شعرت أنّ بيتها “لم يعد مكانًا آمنًا”.

آمنة (23 عامًا) كانت تعمل في منزل في النبطية، تروي لـ “المفكرة” أنّ: “صاحبة العمل حجزت لي تذكرة سفر (إلى سيراليون) لكنّ الرحلة أُلغيت وقالت لي إنّها لن تكون قادرة على حجز رحلة غيرها لأسباب لم أفهمها”. وتتابع “خرجنا من النبطية وتوجّهنا نحو بيروت، وحين وصلنا طلبت منّي التواصل مع صديقاتي والانضمام إليهنّ لأنّها ما عادت قادرة على دفع راتبي”.

تستعيد كاميليا (24 عامًا) التي تعمل بدوام حر في صور، الخوف الشديد الذي عاشته حين كانت تعمل في أحد المنازل ووقعت غارة في منطقة قريبة. وتقول: “بدأ القصف يقترب بشدّة، حتّى وقعت غارة على المبنى المجاور للمنزل الذي أعمل فيه”. وتُضيف: “تطاير زجاج البيت في كلّ مكان، وأنا ما عدت قادرة على ضبط خوفي. حينها اتصلت بصاحبة المنزل التي أخبرتني بأن أخرج على الفور”. لم تتمكّن كاميليا حسب قولها أن تعود إلى منزلها لجلب أغراضها، “خرجت من العمل وتوجّهت إلى الشارع واستقلّيت شاحنة متّجهة إلى بيروت، لا مال معي ولا أي مقتنيات شخصية”.

مطالبات لمنظمة الهجرة لتحمّل مسؤولياتها

الأزمة التي تطال العمّال والعاملات المهاجرات يصفها مسؤول التواصل في حركة مناهضة العنصريّة ARM، بأنّها كارثية، ويشرح أنّ “الجمعيات المناصرة للعمّال والعاملات الأجانب لطالما استجابت لمشاكل تطال المهاجرين في لبنان لكنّها للمرّة الأولى تواجه كارثة بهذا الحجم”.  ويؤكد أنّه “في الأسبوع الأوّل من تصعيد الأعمال الحربيّة كنّا نتلقّى اتصالات من أشخاص يطلبون تأمين إيواء بشكل كثيف”. ويُضيف: “نعاني مع مراكز الإيواء الرسمية فهي ترفض استقبال أجانب بذريعة وجود قرار بمنح الأولويّة للبنانيين، ولكنّها لا تقدّم إثباتًا على وجود هذا القرار”. ويقول المسؤول إنّ هذا “التمييز سهل توقّعه نتيجة العنصرية البنيوية الموجودة في لبنان”.

وعن دور السفارات في الاستجابة للأزمة، يلفت المسؤول إلى أنّ “السفارات تتعاون معنا لتأمين خروج العاملات والعمّال من لبنان، ولكنّ نوعية الاستجابة تختلف من سفارة إلى أخرى، فمن لديها تمثيل دبلوماسي أكبر تكون استجابتها أسرع من تلك التي تتمثل بمكتب أو قنصل فخري”.

لم تُجب منظمة الهجرة على أسئلة وجهتها لها “المفكرة” حول استجابتها للأزمة، فتوجهنا بالسؤال إلى عدد من الجمعيّات والمتطوعين عن الدور الذي تؤديه المنظمة، وقد أكدوا لنا أنّ تدخّل المنظمة يقتصر حاليًا على تأمين كلفة تذاكر سفر العاملات والعمّال الراغبين في العودة إلى بلداهنّ، وبعض الجمعيّات أفادت أنّ المنظمة تؤمّن الدواء أيضًا. ولم يتسنّ لـ “المفكرة” معرفة أعداد طلبات العودة ومدى استعداد المنظمة تلبية جميع الطلبات. وتعتبر بعض هذه الجمعيّات أنّ تدخل المنظمة غير كاف لأنّ العمّال والعاملات يحتاجون لمأوى مؤقت ريثما يُؤمَّن سفرهم إلى بلادهم، علمًا أنّ خطّة الطوارئ الوطنية اعتبرت أنّ حماية الأجانب المتواجدين في لبنان (اللاجئين السوريين والفلسطينيين والعمّال المهاجرين) هي على عاتق المنظمات الدولية، بما فيها منظمة الهجرة، ومفوضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين والاونروا. وعليه، فإنّ إدارات مراكز الإيواء في مختلف المحافظات والتي وصلت إلى نحو 1145 مركزًا، قالتها مباشرة لطالبي الإيواء: “لا نستقبل سوى لبنانيين”.

وطالبت جمعيّات حقوقيّة، من بينها حركة مناهضة العنصرية و”المفكّرة”، في بيان منظمة الهجرة “فتح ملاجئ للعمّال المهاجرين في لبنان الّذين تهجروا من مكان إقامتهم وتقطّعت بهم السبل”. ودان البيان “استجابة المنظمة غير الكافية أمام تصعيد العنف في لبنان وموجات النزوح بما في ذلك قرار عدم فتح الملاجئ لمجتمعات المهاجرين في لبنان”. ولفت البيان إلى أنّ النزوح الذي فُرض على أكثر من مليون و200 ألف مُقيم، طال أيضًا آلاف العمّال والعاملات المهاجرات في لبنان. وعرض البيان واقع الملاجئ القليلة المتوفرة، مشيرًا إلى أنّه “يوجد عدد قليل من السفارات تمتلك مراكز إيواء، لكنّ غير مجهزة وقدرتها الاستيعابيّة منخفضة”، وأنّ “الجمعيّات المحلية تلقت طلبات دعم من مجموعات من العمّال المهاجرين، يفتقرون لوسائل الوصول إلى مناطق آمنة أو إيجاد ملاجئ في مكان تواجدهم، وهم من الّذين تقطّعت بهم السبل في بيروت، كذلك صيدا وصور في جنوب لبنان”. وتابع البيان مشيرًا إلى رصد حالتي طرد للعمّال والعاملات الأجانب، إحداها في بيروت والثانية في طرابلس. وهذا ما دفع ببعض الناشطين والداعمين بتحمّل مسؤولية إدارة مراكز ايواء غير رسمية، مع ما يترتب عنه من مخاطر على الناشطين والعمّال والعاملات المهاجرين. ولذلك، حمّل البيان منظمة الهجرة مسؤولية تأمين مراكز إيواء، على اعتبار أنّها تمتلك الموارد المطلوبة وهي الأكثر خبرة في تأمين الإيواء العاجل للعمّال المهاجرين، بحسب البيان، محذرًا من عواقب عدم فتح ملاجئ لهم.

وردًا على رسالة مفتوحة أرسلتها حركة مناهضة العنصرية ARM وحركة العمّال المهاجرين MWA  إلى مقر منظمة الهجرة في جنيف، وإلى المكتب الإقليمي، لتطالبها بفتح ملاجئ، ردّ مكتب لبنان في المنظمة بأنّ المنظمة “على علم بالمسألة، وتعمل على معالجتها مع الحفاظ على قرار عدم فتح ملجأ ودون تقديم أي نظرة ثاقبة للأسباب الكامنة وراء هذا القرار الضار”.

وعليه، طالب البيان منظمة الهجرة “إنشاء وصيانة مأوى طوارئ متخصص لمجتمعات المهاجرين من خلال مكاتبهم في لبنان لتلبية الحاجة الفورية إلى المأوى والحصول على الضروريات الأساسية وتوفير الرعاية الصحية”، و”زيادة جهود الدعوة لحث الحكومة اللبنانية على الاعتراف بأهمية إدراج جميع المقيمين في لبنان ضمن برنامج الاستجابة للطوارئ، واتخاذ إجراءات ملموسة لضمان حصول مجتمعات المهاجرين على المأوى والمساعدة المنقذة للحياة دون تمييز واستبعاد منهجي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، منظمات دولية ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني