كعادتها، استفادت المفكرة القانونية من قيام عشرة نواب بتقديم طعن أمام المجلس الدستوري ضد قانون الموازنة العامة 2018، لتقدم إليه ملاحظاتها بهذا الخصوص. ففي ظهيرة هذا اليوم، تم إيداع نسخة عن هذه الملاحظات لدى قلم المجلس، على أمل أن يتم إيداعها كإحدى وثائق الملف.
ومن أهم ما تضمنته المفكرة النقاط السبع الآتية، علما أنها أيدت الطعن في النقطتين الأولين فيما أضافت الخمسة الأخرى بالنظر إلى أهميتها. وهذه النقاط هي الآتية:
الأولى، تتصل بغياب قانون حساب قطع، وهو سبب من شأنه أن يؤدي إلى إبطال قانون الموازنة العامة سندا للمادة 87 من الدستور. وإذ أيدت المفكرة الطعن في هذا الخصوص، أضافت إليه أن غياب حساب القطع يدحض أيضا صدقية الموازنة وشفافيتها ويجرّد النواب من امكانية مراقبة صحة التقديرات الواردة فيها،
الثانية، تتصل بكثرة ما يسمى فرسان الموازنة فيها، أي المواد التي يتم زجها في الموازنة من دون أن يكون لها أي علاقة بتنفيذها. وقد صنفت المفكرة الفرسان ضمن ثلاث فئات: فئة أولى تتصل بالإعفاء من الغرامات أو إلغاء الضرائب، وفئة ثانية تتصل بوضع نصوص تتصل برسوم البلديات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأشخاص آخرين من القانون العام من غير الدولة وفئة ثالثة، تتصل بمسائل تنظيمية وإجرائية لا صلة مباشرة لها بالموازنة العامة.
الثالثة، إبطال المادة 5 من القانون سندا للمادة 88 من الدستور والتي أجازت “للحكومة في إطار تمويل استحقاقات الديون، وضمن حدود العجز المقدر في تنفيذ الموازنة وفي إنفاق الاعتمادات المدورة إلى العام 2018 والاعتمادات الإضافية، إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية لآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة لتغطية هذا العجز وذلك بقرارات تصدر عن وزير المالية”. وقد أشارت المفكرة أن هذه المادة باطلة لأنها أجازت عمليا للحكومة الاقتراض من دون تحديد سقف أو شروط،
الرابعة، إبطال المادة 26 من القانون المتصلة بتسوية مخالفات ضريبة الدخل لقاء مبالغ زهيدة، لتعارضها مع مبدأ المساواة. وقد بين تحليل المادة أنها تجعل المكلف المكتوم والمكلف الذي لم يصرح في أي من سنوات التسوية والخاضع لمبلغ مقطوع زهيد في وضعية أفضل من المكلف الذي قدم تصريحا عن أعماله خلال السنوات التي تشملها التسوية أو خلال بعض هذه السنوات والخاضع لنسبة من رقم أعماله. ومن شأن ذلك أن يشجع على التهرب الضريبي ومخالفة القانون، بما يتعارض مع ثقافة مكافحة الفساد،
الخامسة، إبطال المادة 29 الخاصة بتعديل ضريبة الأملاك المبنية. وقد عادت هذه المادة لترتكب مخالفة دستورية جسيمة من خلال تطبيق ضريبة الأملاك المبنية على الإيرادات الصافية السنوية التي تعود للمكلف من كل عقار على حدا. وهذه المخالفة إنما تتعارض مع مبدأ المساواة المكرس في الفقرة (ج) والمادة 7 من الدستور اللبناني (“المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل“) لأن المنحى التصاعدي للضريبة يتقرر بموجبها ليس على أساس قيمة الإيرادات المحصلة منها وتاليا المقدرة المالية للمكلف وحسب، إنما أيضا وفي حالات كثيرة على أساس عدد العقارات التي يملكها المكلف. وقد بينت المفكرة في مثل تطبيقي الفارق الكبير في الضريبة المتوجبة بين شخصين يحصلان على مداخيل بقيمة مليار ليرة لبنانية من أملاكهما المبنية. بحيث بلغت الضريبة التي يتعين على شخص يحصّل هذه الإيرادات من عقار واحد ثلاث مرات الضريبة المتوجبة على الشخص الآخر الذي يحصل الإيراد نفسه، إنما من خمسين عقارا مختلفا.
السادسة، إبطال المادة 35 من قانون الموازنة العامة لعام 2018 التي نصت تحت عنوان “إعطاء الإمكانية لمالك العقار تسوية المخالفات” على الآتي:
“يمكن لمالك العقار الذي عليه مخالفة بناء، تسوية المخالفات المرتكبة على عقاره. تحدد أحكام هذه التسوية لا سيما لجهة قيمة الرسوم والغرامات الواجب دفعها ولجهة السنوات المشمولة بأحكامها بموجب قانون خاص”.
ويتضح من هذه المادة الهجينة أنها تقرّ للمالك امكانية تسوية المخالفات على عقاره، من دون أن تحدد مهلة للقيام بهذه التسوية وشروطها ولا المخالفات أو السنوات التي تشملها. وهي كلّها أمور تركت تحديدها لقانون خاص يصدر لاحقا من دون أن تضع مهلة لصدور هذا القانون.
تحتمل هذه المادة الغامضة والهجينة أكثر من تفسير. لكن التفسير الذي يعطي معنى لوجودها هو تفسير خطير من شأنه:
– أن يشجع المالكين على المخالفة (وضمنا التهرب من تسديد رسم الحصول على رخصة بناء) بعد اكتساب الحق في تسويتها لاحقا،
– أن يؤثر بشكل سلبي على خزينة الدولة، إذ يحتمل أن تترافق المخالفة أو تتمثل في عدم تسديد رسم الحصول على رخصة بناء،
– أن يحض الفرقاء على المخالفة طالما أن الحقّ أعطي للمالك من دون وضع أجل محدّد لإصدار قانون لتسوية المخالفات. وعليه، يكون للمالك حق التذرع بهذه المادة من دون سقف زمني، مهما تخلف المشرع عن وضع قانون خاص بتحديد شروط تسويتها،
– أن يمنع السلطتين القضائية والتنفيذية من اتخاذ أي إجراء لإزالة مخالفات البناء على اختلافها، بانتظار صدور قانون ناظم لتسويتها.
السابعة، إبطال المادة 37 من القانون والتي أعفت بعض عمليات تأجير العقارات المبنية لغايات غير سكنية من ضريبة القيمة المضافة (ومن أبرزها العمليات التي تكون الطوائف أو الأشخاص التابعين لها أحد طرفيها)، على نحو يميزها عن سواها. “واللافت أن هذه المادة لا تشكل وحسب إعفاء تاما (100%) عن مجمل الغرامات المتصلة بهذه الضريبة وغير المسددة، إنما هي تؤدي إلى إلغاء الضريبة الضريبة المستحقة بدرجات متفاوتة وفق الفئات التي شملها القانون. وهذه المادة إنما تتعارض مع المادة (81) التي تنص على الآتي: “تفرض الضرائب العمومية ولا يجوز إحداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية من دون استثناء”. بالإضافة إلى تعارضها مع مبدأ المساواة المكرس في المادة 7 من الدستور.
ختاما، تجدر الإشارة إلى أن هذه المذكرة هي الثالثة من نوعها، بعد المذكرة التي قدمتها المفكرة بمناسبة الطعن على صدور قانون إعادة الجنسية في نهاية 2015 والمذكرة المقدمة بمناسبة الطعن على القانون رقم 45/2017 والذي تم إبطاله من قبل المجلس الدستوري. وتهدف المفكرة من تقديم هذه المذكرات إلى إرساء ممارسات تضمن أوسع مشاركة حقوقية في الدعاوى المقدمة للمجلس الدستوري، بما يعزز المنظومة الحقوقية برمتها.
بقي أن نشكر العديد من الأشخاص الذين ساهموا في إعداد هذه المذكرة وفي مقدمتهم الأستاذ الجامعي ندي أبي راشد لمساهماته وتوجيهاته القيمة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.