بمناسبة قرب موعد إجراء الانتخابات البلديّة في لبنان وسط حديث عن احتمال تأجيلها أو عدم إجرائها، ننشر هنا تعليقات على بعض اقتراحات القوانين المسجلة لدى المجلس النيابي بشأن هذه الانتخابات. وإذ نشرنا من قبل تعليقنا حول اقتراحي قانون لتقسيم بلدية بيروت إلى بلديتين أو إلى أحياء على أساس طائفي، ننشر هنا تعليقا للباحث وسام اللحام حول اقتراح قانون يفرض انتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة من الهيئة الناخبة وليس من قبل المجلس البلدي المنتخب منها (المحرر).
تقدم النائب أديب عبد المسيح بتاريخ 29 آب 2022 باقتراح قانون معجل مكرر يهدف إلى تعديل المادة 21 من القانون رقم 665 الصادر في 29/12/1997 المتعلق بإدخال تعديلات على المرسوم الاشتراعي رقم 118 لسنة 1977 حول البلديات. وقد نص الاقتراح على تعديل كيفية انتخاب رئيس البلدية ونائب الرئيس بحيث يتم الاقتراع لهما من الناخبين مباشرة في حين أن النص الحالي يقول بانتخاب الرئيس ونائب الرئيس من قبل المجلس البلدي نفسه ومن بين أعضاء هذا الأخير.
ويأتي هذا الاقتراح كي يكرس ممارسة كانت موجودة في الواقع إذ غالبا ما يكون اسم رئيس البلدية المستقبلي معروفا مسبقا من قبل الناخبين الذين يدركون جيدا أن انتخابهم للائحة معينة يعني في حال فوزها اختيار المرشح الذي تولى تشكيل هذه اللائحة كي يصبح رئيسا للبلدية من قبل سائر الأعضاء.
هذا الاقتراح يستدعي ملاحظات عدة، أبرزها الآتية:
مدى ملاءمة انتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة؟
قد يؤدي الاقتراح إلى نتائج تحدّ من تضامن أعضاء المجلس البلدي عبر منح الرئيس ونائب الرئيس شرعية ديمقراطية أقوى من شرعية سائر الأعضاء ما يهدد الطبيعة الجماعية للعمل البلدي إذ يتحوّل هؤلاء إلى مجرد مساعدين للرئيس الذي يختصر المجلس بشخصه.
ومن الأمور التي قد تنتج عن تبني هذا الاقتراح هو انتخاب رئيس لا يحظى بتأييد غالبية أعضاء المجلس البلدي ما يؤدي إلى شلل هذا الأخير وعدم قدرته على القيام بدوره. فالانتخابات البلدية نظرا لطبيعتها المحلية تحتاج إلى التركيز على التضامن والتعاون بين الأعضاء من أجل تفعيل العمل البلدي. فانتخاب الرئيس ونائبه من قبل الأعضاء هي وسيلة أكيدة تسمح بتأمين التجانس بينهم كون الفقرة الثالثة من المادة 21 الحالية تنص على انتخاب هؤلاء بالغالبية المطلقة من الأعضاء، أي أن المرشح الذي سيفوز سيضمن تأييد غالبية أعضاء المجلس له ما يعني تعزيز التضامن بين الأعضاء من أجل العمل كفريق واحد. بينما الخلاف الذي قد ينشأ بين رئيس منتخب مباشرة وسائر الأعضاء الذين ينتمون إلى لائحة منافسة في حال فوزها بغالبية المقاعد البلدية سيؤدي لا محالة إلى أزمة تجعل الرئيس ونائبه والأعضاء في حل من تحمل المسؤولية عبر تقاذف التهم والتعطيل المتبادل.
ويظهر ذلك جليا في الاقتراح عبر إلغاء الفقرة الخامسة من المادة 21 الحالية التي تنص على التالي: “للمجلس البلدي بعد ثلاثة أعوام من انتخاب الرئيس ونائبه وفي أول جلسة يعقدها أن ينزع الثقة منهما أو من أحدهما بالأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه وذلك بناء على عريضة يوقعها ربع هؤلاء الأعضاء على المجلس البلدي في هذه الحالة أن يعقد فورا جلسة لملء المركز الشاغر”.
فانتخاب الرئيس ونائبه مباشرة يعني حكما منحهما شرعية أقوى تؤدي إلى تعطيل هذا النص إذ يفقد الأعضاء قدرتهم على محاسبة الرئيس ونائبه طيلة ولاية المجلس ما يعزز الطبيعة السلطوية والأحادية للعمل البلدي.
اقتراح لا يعالج إشكالية استقالة الرئيس
لا يعالج الاقتراح صراحة إشكالية استقالة الرئيس خلال ولايته. فالمادة 27 الحالية تشرح هذه المسألة وفقا للتالي: “إذا شغر مركز رئاسة البلدية بصورة نهائية لأي سبب كان قبل نهاية ولاية المجلس البلدي بستة اشهر على الاقل يلتئم المجلس البلدي بناء لدعوة القائمقام أو المحافظ لانتخاب رئيس جديد من بين اعضائه وذلك خلال مهلة اقصاها شهر واحد من تاريخ الشغور”.
فاستقالة رئيس البلدية عملا بالنص الحالي لا تطرح مشكلة طالما يكون بإمكان الأعضاء انتخاب رئيس جديد من بينهم، بينما لا يشرح الاقتراح الحلّ في حال تقدم الرئيس المنتخب مباشرة باستقالته: هل يتوجب اجراء انتخابات جديدة فقط لاختيار رئيس جديد للبلدية، أم يتمّ الاكتفاء بتطبيق المادة 27 من القانون عبر انتخاب الرئيس من قبل الأعضاء، ما يعني أن المجلس البلدي الواحد خلال ولايته قد يعرف رئيسا منتخبا من المواطنين مباشرة ورئيسا يختاره الأعضاء.
اقتراح يترك للحكومة تفاصيل انتخاب رئيس ونائب رئيس البلدية
وفي النهاية لا ينظم الاقتراح كيفية انتخاب الرئيس ونائب الرئيس ولا يقدم أي جواب على الأسئلة التالية: هل يتوجب اتباع آلية خاصة لتقديم الترشيحات من أجل منصب رئيس البلدية ونائب الرئيس؟ كيف سيتم انتخاب الرئيس ونائب الرئيس؟ هل عبر أوراق اقتراع خاصة بهما توضع في صندوق اقتراع منفصل عن صندوق انتخاب سائر الأعضاء؟ هل الناخب ملزم باختيار الرئيس ونائب الرئيس من ضمن فريق واحد؟ وفي هذه الحالة يتوجب على المرشحين لمنصب رئيس البلدية ونائب الرئيس أن يشكلا لائحة مغلقة يلتزم بها الناخب من دون إمكانية تعديلها، أم أن الناخب حرّ باختيار الرئيس ونائبه من “لوائح” مختلفة؟
كل هذه التساؤلات تبقى من دون جواب واضح في هذا الاقتراح الذي يكتفي بالنص على تحديد دقائق تطبيق القانون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية. فهل يعقل ترك كل هذه التفاصيل الجوهرية كي تحددها السلطة التنفيذية التي يمكن لها تعديل هذا المرسوم ساعة تشاء ما يضعف من نزاهة الانتخابات ويحرمها من استقرار الأحكام التشريعية التي يضمنها عادة القانون؟
يمكنكم هنا الاطلاع على نسخة من اقتراح القانون