![[كتب مختارة، العدد 32] مخبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟](data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAAAAACH5BAEKAAEALAAAAAABAAEAAAICTAEAOw==)
Top View Magazine Mockup by Anthony Boyd Graphics
أنتوني لوينشتاين
The Palestine Laboratory. How Israel Exports The Technology of Occupation Around The World
Antony Loewenstein, Verso, 2024
في كتابه الأخير “مختبر فلسطين”، يكشف الكاتب والصحفي الاستقصائي اليهودي أنتوني لوينشتاين الأسترالي الجنسية، من خلال توثيق دقيق، الدور القذر الذي لعبته إسرائيل عبر تطويرها لصناعة الأسلحة من معدات عسكرية، وبرامج تجسّس، وتقنيات مراقبة على مستوى عالمي، تمّ اختبارها على الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال ليتمّ تسويقها لاحقا في السوق العالميّة على أنها ”مجرّبة في المعارك“. لذلك فهو يعتبر أن حرب الابادة على غزة وما سبقها من مجازر لا تعدّ عبءًا اقتصاديًّا على إسرائيل، بل على العكس، إذ أن دور فلسطين كمختبر تجرب فيها المعدات الجديدة خدمة للقوى العسكرية العالمية المهيمنة وجيوش أخرى في جميع أنحاء العالم، لا يقدّر بثمن. لقد نجحت شركات الأمن الإسرائيلية في الاستفادة من ذلك وتحويله إلى علامة تجاريّة لتصبح الأنجح في العالم وهو ما يجعل بدوره من احتلال فلسطين نقطة بيع مميّزة بالنسبة للكيان الصهيوني. تبيع إسرائيل أسلحتها إلى ما يقدر ب 130 دولة في العالم. وفي العام 2021، سجّلت الأسلحة الإسرائيلية مبيعاتها الأعلى على الإطلاق، حيث ارتفعتْ بنسبة 55% عن العامّين السابقين لتصل إلى 11.3 مليار دولار. وتمتلك إسرائيل أكبر عدد من شركات المراقبة في العالم باعتبار عدد السكان ويشكّل الاتّحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لها وقد تعمّقت هذه الشراكة في سنوات حكم نتنياهو على الرغم من إزدياد الإحتلال وحشية.
يتطرق الكتاب الى عدة محاور مثل دور الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر 2001 في ازدهار تجارة الأسلحة وسيطرة إسرائيل على شركات وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يكشف عن أمرين. الأول هو تاريخ إسرائيل الطويل في تأجيج الحروب والصراعات في كل بلدان العالم ودعمها غير المشروط أعتى الدكتاتوريات وأكثر الأنظمة وحشية. إذ تستغل إسرائيل بيع الأسلحة لتحقيق مكاسب سياسية، سواء لجهة الاعتراف بها أو كسب الدعم في الأمم المتحدة. لم تمنع فاشية بعض الأنظمة مثل نظام بينوشيه في تشيلي أو تسلطية اخرى في ميانمار وجنوب السودان وأوغندا وبعضًا من دول الخليج إسرائيل من بيع أسلحتها وتقنياتها لها.
أما الأمر الثاني، فيُحيل الى أهمية تفكيك العلاقة الوطيدة بين السياسات النيوليبرالية المهتمّة بالربح السريع والخصخصة الأمنية من جهة والاحتلال من جهة ثانية. يقدم لوينشتاين نقدًا لاذعا للكيفية التي جرى بها تحويل الاحتلال إلى مشروع مُربح من قبل النيوليبرالية والخصخصة. حيث أن خصخصة الأمن في إسرائيل من خلال إسناد دور أمني متعاظم للشركات الخاصة لتطوير أجهزتها الأمنية وإدارتها، لم ينتج عنه فقط تقويض المساءلة بل أدّى أيضًا إلى وضع تمّ فيه سلعنة انعدام الأمن وبيعه. وبالتالي، فإن خصخصة الأمن لا ترسّخ الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل تُصدِّر أدواته القمعية إلى جميع أنحاء العالم، مما يديم دورة العنف وعدم المساواة والاستبداد. ويؤكّد الكاتب أن هذا النظام لا يكتفي بترسيخ معاناة الفلسطينيين، بل يصدّر أدوات وأيديولوجيات السيطرة إلى جميع أنحاء العالم حيث يؤثر ذلك على كيفية إدارة الحكومات للمعارضة والسيطرة على السكان وتأمين الحدود ووقف الهجرة.
وبالتالي لا تقتصر نماذج الأمن النيوليبرالية على تجريد الفلسطينيين من إنسانيّتهم وغضّ الطرف عن مسائل حقوق الإنسان فحسب، بل يربط لوينشتاين النموذج الإسرائيلي بالاتجاهات العالمية الأوسع نطاقًا، مثل عسكرة الشرطة في الولايات المتحدة، وتدعيم أنظمة المراقبة في الصين ومُفاقمة مراقبة الحدود في أوروبا. وعليه فهو يؤكّد بأن المخبر الفلسطيني محوري اليوم لفهم المجمع الأمني الصناعي العالمي.
متوفر من خلال: