مقام محيبيب قبل تدميره بالكامل (تصوير إبراهيم صفيّ الدين)
يوم 16 تشرين الأوّل الحالي، نشر جنود من الجيش الإسرائيليّ فيديو يظهر إطلاقهم صيحات احتفاليّة خلال تفجير قرية بأكملها. بعد ساعات، نشر الجيش الإسرائيليّ فيديو عبر حساب تابع له على تلغرام يوثّق التفجير ذاته، من الجو، من دون ذكر اسم القرية. لكن أهل القرية تعرّفوا فورًا عليها: إنّها محيبيب. ومحيبيب هي أصغر قرى جبل عامل، أخذت اسمها من المقام الشهير فيها الذي بات على مرّ القرون معلمًا دينيًّا وأثريًّا وهو مقام النبي محيبيب.
ويُنسب المقام الواقع على صخرة أعلى التلّة إلى زمن أولاد يعقوب النبي. وتشير الروايات التاريخيّة المتناقلة عبر الأجيال إلى أنّ المقام يعود إلى بنيامين بن يعقوب، أو “الحبيب بنيامين”، شقيق يوسف وأصغر أولاد يعقوب. ويكتسب المزار الدينيّ بذلك، مكانة خاصّة لدى أبناء الديانات اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة.
فإضافة إلى ثقلها المعنوي كمسقط رأس أهلها الذين يفوق عددهم الألف نسمة، وفق الأرقام الرسميّة، لمحيبيب ثقل تاريخيّ وأهميّة ثقافيّة ودينيّة. وهي أوّل قرية تدمّرها إسرائيل بأكملها في العدوان الحالي، ضمن نهج إسرائيليّ يظهر بوضوح في غزّة وجنوب لبنان. ومع غياب القدرة على وصول الصحافيّين، مع استمرار المعارك والاستهداف الإسرائيليّ الممنهج لهم، لم يتّضح حجم الدمار فورًا، وما الذي تدمّر.
تظهر صور الأقمار الاصطناعيّة العائدة إلى 5 تشرين الأوّل، أنّ 6 منازل فقط تعرّضت للاستهداف في القرية بين 8 تشرين الأوّل 2023 و5 تشرين الثاني 2024. فيما تظهر هذه الصور 92 مبنى سكنيًّأ مدمّرًا إثر تفجير القرية في 16 تشرين الأوّل، مع تضرّر 6 منازل.
يوم 19 تشرين الأوّل، قدّم الجيش الإسرائيليّ روايته لهذه التفجيرات، حيث نشر مادّة إعلاميّة متعدّدة الوسائط من 156 كلمة و5 فيديوهات (بمجموع 149 ثانية)، خصوصًا مع انتشار الخبر عالميًّا، وظّل اسم القرية يغيب في هذه الرواية. وقد كان لخبر نسف قرية بأكملها في تفجير واحد، وقعه، وقد تمّ تداوله بشدّة، وكتبت عنه عدد من الصحف العالميّة.
لاحقًا، وفي 24 تشرين الأوّل، طوّر الجيش الإسرائيليّ روايته، بعد هذه الضجّة وذلك في إحاطة إعلاميّة قدّمها المتحدّث الرسمي باسمه، فذكر اسم القرية، وعرض رسمًا بيانيًّا لنفق مزعوم تحتها، من دون أي مشاهد تدعم هذه الادّعاءات. ثمّ قدّم رسمًا آخر، لنفق آخر مستقلّ، قال إنّه في محيبيب أيضًا، مع مشاهد قال إنّها من داخل “نفق” تحت الأرض من دون مشاهد توثّق أين قد تقع فتحات هذا “النفق” للتثبّت من وجوده فعلًا، ما يُجبر أيّ مدقّق على إبقائه في خانة الادّعاءات.
يسعى هذا التحقيق لتقديم رواية متكاملة لتدمير محيبيب. يقدّم القسم الأوّل تفاصيل الحدث، بالعودة إلى المصادر المفتوحة وصور الأقمار الاصطناعيّة، والمواد البصريّة القادمة من الجيش الإسرائيليّ التي تمّ تحليلها بالتعاون مع “مختبر نوى ميديا”، ثمّ يتحقّق من الرواية الإسرائيليّة، كاشفًا عن تضليل ممنهج. فيما يوثّق القسم الثاني القيمة الإنسانيّة والحضاريّة لما تمّ تدميره، من خلال شهادات أبناء القرية والمراجع التاريخيّة المتوفّرة.
تفجيرات مهولة لقرية بلا اسم
عصر يوم 16 تشرين الأوّل، بدأ التداول بفيديو من 20 ثانية، يظهر جنودًا إسرائيليّين من الخلف، في مقابل قرية على تلّة، يترقّبون انفجارًا يحدث في الثانية الرابعة، ونرى تفجيرات تبدأ من الشرق لتنتقل عبر التلة بسرعة بيتًا وراء آخر، ويتصاعد دخان كثيف يحجب القرية بأكملها. بعد وقت قصير، نشر الجيش الإسرائيليّ فيديو مصوّرًا من الجوّ، لِما قال إنّه يظهر قيام قوّاته بشن هجمات على عشرات الأهداف في منطقة النبطية.
في المادّة الإعلاميّة المقدّمة يوم 19 تشرين الأوّل، أضاف الجيش الإسرائيليّ مشاهد لتفجير محيبيب من الأرض، رسميّ هذه المرّة، وكذلك مشاهد لتفجير آخر مصوّر من الجو ومن على الأرض، ضمن روايته للتفجير.
أكّد تحليل المشاهد من قبل “مختبر نوى للإعلام” أنّها تتضمن تفجيرين منفصلين بالفعل، وتمّ التثبّت من أنّ التفجير الأوّل طال أحياء قرية محيبيب التاريخيّة على التلّة، وتمّ تحديد موقع التفجير الثاني في منطقة سهليّة بين محيبيب وميس الجبل، خارج الأحياء السكنيّة المتراصّة داخل القرية.
فيديو تفجير محيبيب
قال الجيش الإسرائيليّ في البيان الذي نشره مع فيديوهات لتفجير قرية محيبيب يوم 19 تشرين الأوّل، إنّه استعمل 100 طن من المتفجرات، وقال إنّ “مقاتلي فريق اللواء القتالي ‘حزاكن’ (8) ووحدة ‘يلام’ تحت قيادة الفرقة 91 دمّروا أربع بنى تحتية تحت الأرض تعود لحزب الله”، وكرّر هذه الرواية في تصريحات صدرت عنه لاحقًا.
ساهم الفيديوهان المصوّرّان من الأرض، في جهود التحقّق من الادّعاء الإسرائيليّ. في الفيديو غير الرسميّ الذي صّوره الجنود وتمّ تسريبه، أمكن رؤية مسار التفجير بوضوح، بما يظهر أنّ التفجيرات التي حدثت في قلب القرية الرابضة على تلّة عالية، كانت فوق الأرض.
يبدو واضحًا عبور الشرارة من الشرق إلى الغرب، ما يؤكّد أنّ المواد المتفجّرة كانت متّصلة ببعضها بأسلاك. وتظهر طريقة التفخيخ هذه في فيديو لتفخيخ منزل في خراج الضيعة، يقع عقاريًّا في ميس الجبل، سنتطرّق إليه لاحقًا. كذلك تمّ تحديد موقع وقوف الجنود خلال تصويرهم ليكون في منطقة على أطراف ميس الجبل ومحيبيب.
أكّد تحليل “مختبر نوى للإعلام” للمشاهد عينها، هذه النتائج، وأمكن التثبّت من أنّ الانفجار الموثّق في التصوير الجويّ، يطابق تشكّل الانفجار الناتج عن الديناميت المتفجّر في فيديو الجنود، وقد حدّد نطاق موقع تصوير الفيديو والذي يبدو أنه في إحدى الأراضي القريبة من القرية.
في إحاطة إعلامية في 24 تشرين الأوّل، حينما طوّر الجيش الإسرائيليّ من روايته، قال المتحدّث باسمه إنّ ما تمّ تدميره هو “مركز قيادة لقوّات الرضوان تحت الأرض”. يشير تحليل “مختبر نوى للإعلام” لصور الأقمار الاصطناعيّة إلى غياب أيّة حفر تسببّت بها التفجيرات، ما يؤكّد مرّة جديدة أنّ التفجير كان فوق الأرض، وقال المختبر: “بناء على الصور التعبيريّة التي نشرها الجيش الإسرائيليّ، لو كان هناك مركز قيادة مثل هذا، لكان تسبّب بحفرة كبيرة جرّاء التفجير، وهو ما لم يتمّ العثور على أثر له من خلال التحقيق والتدقيق في صور الأقمار الاصطناعيّة عالية الدقّة”.
تدحض هذه النتائج المتقاطعة الرواية الإسرائيليّة حول تدمير شبكة أنفاق تحت القرية، وتظهر بشكل قاطع أنّ ما حدث هو تدمير للقرية من خلال انفجارات فوق الأرض، بعد تفخيخ منازلها.
ومع نسف القرية، لم يسمِّ السرد الإسرائيلي قرية محيبيب بالاسم إلّا عندما غطّت وسائل الإعلام الغربية القصة ووجّهت أسئلة إلى مسؤولين أميركيين حول القصف المهول، فاعترف الجيش الإسرائيليّ بقرية محيبيب بالاسم، بعد أسبوع من تدميرها.
الفيديوهات الرديفة
وخلال الإحاطة الإعلامية المتأخّرة، يوم 24 تشرين الأوّل، فضّل المتحدّث الرسميّ باسم الجيش الإسرائيليّ، عدم استخدام أي مشاهد من الفيديوهات المتعلّقة بمحيبيب القرية، واستعاض عنها برسومات تعبيريّة “غرافيكس” تفتقر إلى الجديّة كي تعتبر دليلًا يدعّم مزاعمه. وهذه الفيديوهات التي تغاضى عنها المتحدّث، هي ذاتها الفيديوهات التي تمّ التحقق منها وتحليلها أعلاه.
ولجأ المتحدّث الرسميّ إلى عرض فيديو وحيد للانفجارات المنفصلة عن تفجير تلّة محيبيب، في المنطقة السهليّة بين خراج محيبيب وخراج ميس الجبل. باللجوء إلى تحليل صور الأقمار الاصطناعيّة الذي أجراه “مختبر نوى للإعلام”، تمّ تحديد موقع هذا التفجير عند خط التقاء محيبيب مع ميس الجبل، وعلى بعد 439 مترًا عن موقع تفجير الأحياء السكنيّة في قرية محيبيب التي تم تفجيرها في 16 تشرين الأول.
في الفيديوهات الرديفة أيضًا، نشر الإعلام الإسرائيليّ فيديو ادّعى أنّه لاشتباكات في منزل في محيبيب. وبتحديد الموقع الجغرافيّ لمكان تصوير هذه المشاهد، تبيّن أنّها في السهل خارج القرية، بعيدًا عن مواقع التفجيرات التي تسبّبت بنسف القرية. كان هذا الفيديو ادّعاء آخر أراد أن يبرّر نسف القرية، فيما هو مصوّر في منطقة سهليّة خارج القرية.
وبالتالي يكشف التحقّق من هذه الفيديوهات الرديفة، كذبًا وتلاعبًا في الرواية الإسرائيليّة لمحاولة تغطية التدمير الكامل لقرية محيبيب بتبريرات واهية وحجج غير مدعومة. ويخلص تحقيقنا إلى أنّ تدمير محيبيب هو جريمة واضحة المعالم ترقى إلى جريمة حرب محتملة بحسب ما وصفتها “المفكرة القانونية” كونها تستهدف منازل وأعيانًا مدنية وآثارًا تاريخية ودور عبادة يُحظر استهدافها طاما أنّها لا تشكل أهدافًا عسكرية مشروعة. وعلى فرض وجود هدف عسكري مشروع لاستهدافها، يبقى أنّه يجب احترام مبدأ التناسب بحيث تُحظر الهجمات التي تسبب أضرارًا مدنية تتجاوز الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة للهجوم.
ويرى أحد الخبراء القانونيين أنّ وجود القرية تحت السيطرة الإسرائيلية العسكرية، خلال تفخيخها، ما يفترض أنّها خالية، ومن ثمّ تفجيرها عن بعد، يعني أنّه في وقت التدمير لم تكن البنية التحتية المدنية على السطح تستخدم لأغراض عسكرية، وبالتالي فلا مشروعية للاستهداف. كما يؤكّد أحد الخبراء القانونيين أنّ محو بلدة تاريخية ودينية مهمّة عن الخريطة بطريقة تساعد على تطهير الحدود بحجّة وجود أنفاق، هو عمل غير متناسب.
صاحب منزل تمّ تفخيخه: سرقوا ودمّروا منزلي بدون تقديم سبب واحد
آخر الفيديوهات التي قدّمها الجيش الإسرائيليّ ضمن سرديّته لتدمير محيبيب، هو فيديو يظهر بوضوح قيام عناصره بتفخيخ منزل مدنيّ في خراج محيبيب يقع عقاريًّا في ميس الجبل (ذكرناه سابقًا)، رغم ذلك كتب الجيش الإسرائيليّ بالعبريّة داخل الفيديو: “الأعمال الهندسيّة لتدمير البنية التحتيّة تحت الأرض”.
وأظهر الفيديو قيام جنديّ من وحدة الهندسة في الفرقة 91 الإسرائيليّة بمدّ أسلاك تفجير داخل المنزل، حيث ضوء الشمس واضح، كما أظهر جنودًا آخرين يقومون بمدّ أسلاك التفجير حول المنزل، وعلى جدرانه الخارجيّة. وينتهي الفيديو بمشهد لجنديّ يربط سلك التفجير أعلى أحد أبواب المنزل.
ويبدو بوضوح أنّه وعلى النقيض من الادّعاء الإسرائيليّ، ما حصل كان تفخيخًا لمنزل فوق الأرض. ولم تظهر المشاهد أيّة منشآت عسكريّة، أو قطع سلاح وذخيرة، وكذلك لم يقدّم الجيش الإسرائيليّ في هذا الفيديو أيّ صور لفتحات قد تؤدّي إلى تحت الأرض. ويمثّل الفيديو توثيقًا واضحًا لتدمير منزل مدنيّ.
وقد وصلت “المفكّرة” إلى صاحب المنزل الذي أكّد أنّ منزله مدنيّ، وقد بناه حديثًا على الطراز القديم، مستعملًا حجارة صخريّة. ونفى صاحب المنزل وجود أيّ بنية عسكريّة في منزله: “هو منزل وضعت فيه أغلى التحف الأثريّة، وقد كلّفني جنى عمري، وأردته ملاذًا في القرية الأم”.
وقال أفراد من أسرة صاحب المنزل لـ “المفكّرة” إنّهم يتّهمون جنود الاحتلال بنهبه، وقد أظهرت المشاهد تعرّض المنزل للتخريب قبل نسفه.
قرية صغيرة وتاريخيّة
تكشف صور الأقمار الاصطناعيّة أنّ تفجير قرية محيبيب تسبّب بدمار كامل لجميع المنازل والدور الدينيّة والمحال التجاريّة المتواضعة فيها. وهو ما يقدّر بحوالي 92 بناء سوّيت جميعها بالأرض. ويظهر من خلال الصور عينها، وجود أعمال تجريف، أعقبت التدمير. وأمكن حتّى رؤية مسارات الآليّات الإسرائيليّة التي قامت بأعمال التجريف هذه.
بمقارنة صور الأقمار الاصطناعيّة قبل التفجير وبعده، يظهر حجم الكارثة التي لحقت بالقرية الصغيرة. تظهر صور القمرين الاصطناعيّين OnGeo™ Intelligence وPlanet في تاريخي 19 و24 تشرين الأوّل 2024، على التوالي، مساحة كبيرة مسوّاة بالأرض، اختفت كلّ معالمها.
قابلت “المفكّرة” أفرادًا من 5 أسر من أهالي القرية الصغيرة في مكان نزوحهم اليوم، بعد عام ونيّف من التهجير القسريّ المستمرّ إذ نزح أهلها منذ بدء الحرب في تشرين الأوّل 2023. تصدّرت الجلسات خريطة مطبوعة كبيرة للقرية اليوم.
تعرّفت زينب جابر، العشرينية ابنة القرية، بصعوبة بالغة على دار جدّها، الذي قالت إنّ بناءه يعود إلى أكثر من قرنين من الزمن. بداية أمكن تحديد أثر برج اتّصالات لشركة ألفا وقع أرضًا. وبجانبه أمكن تمييز شجرة كبيرة، صمدت رغم التدمير. قالت زينب: “كانت هذه الشجرة تتوسّط ساحة صغيرة بين ثلاثة منازل، تشكّل دار جدّي”. وقالت: “هي شجرة عتيقة، وكبيرة، ربّما عجزت جرّافاتهم عنها”. في محيط الشجرة، مساحات من اللاشيء في الصور اليوم.
إلى الغرب، بقايا غابة صغيرة، كان يطلق عليها أهل القرية اسم “الوعرة”. ومن هذه الغابة، لم يبق سوى بضع شجرات محروقة ومعرّاة من أوراقها. كانت تشتمل هذه الغابة على صنوبريّات، وتحتضن البركة والحسينيّة والمقبرة الجديدة.
أهالي محيبيب: “يريدون حذفنا من التاريخ والجغرافيا”
وقد جرّفت المقبرة الجديدة في القرية، وتظهر بوضوح آثار التجريف التي هدّمت كلّ القبور وآثار الآليّات التي مسحتها تمامًا، ولم يبق لها أثر. وقالت سيّدة خمسينيّة التقيناها إنّ “تجريف القبور يعني أنّهم أرادوا أن يمسحوا أثر من رحل منّا ومات، وليس فقط تهجيرنا ومسح أثرنا نحن الأحياء، كأنّنا كشعب قديم ومتجذّر، وليس فقط كأفراد، لم نكن يومًا هنا”.
وحكى من التقيناهم عن ذكريات حميمة عند البركة: “حيث النزهة، وقصص الحب، ومتنفّس الأسر عند عصر كل يوم”. وتمثّل الحسينيّة بدورها معلمًا لأهالي القرية، يتعلّقون به، رغم أنّ مقام النبي محيبيب كان مركز المناسبات الدينيّة ومجالس العزاء بالنسبة لهم.
وكان مقام النبي محيبيب أضخم مباني القرية، وهو في أعلى نقطة منها بالفعل. وهو بدوره، مسح بشكل كامل، بساحته، وغرفه المقنطرة ذات البناء التاريخيّ، وكذلك بالضريح الذي يضمّه، والمنسوب للنبي بنيامين، والمقبرة التاريخيّة التي تتبع له. ولا يمكن الاستدلال إلى موقع المقام اليوم سوى من خلال بقايا المصاطب التي كان يصعدها أهالي القرية للوصول إلى المقام الدينيّ والتاريخيّ. تعلّق زينب جابر: “لقد دمّر بنيامين نتنياهو مقام بنيامين النبيّ، هذه مفارقة أصرّ على أن يتمّ ذكره في التقرير”.
ومع تجريف محيبيب، بعد تدميرها، اختفى أثر الحارات ذات البيوت التقليديّة والتراثيّة، والطرقات الضيّقة، والطابع المعماريّ الخاص وكانت هذه الحارات إحدى الحارات التاريخيّة القليلة في جبل عامل.
وتوثّق صور الأقمار الاصطناعيّة بوضوح وجود أعمال حرق وتجريف طالت كروم الزيتون التي تحيط بالقرية، ويقول أحد أصحاب هذه الكروم، من آل جابر أيضًا، إنّ هذه الكروم هي مصدر رزق الناس وأداة بقائهم وصمودهم في هذه القرى البعيدة.
وقال عجوز سبعينيّ من أهالي محيبيب في حديثه خلال العمل على توثيق معالم القريّة المهدّمة: “يريدون حذفنا من التاريخ والجغرافيا، سلبنا قريتنا، ومنع عودتنا، ومسح أثرنا”.
تدمير محيبيب: رمزٌ للمحو الممنهج والتطهير الثقافي في الجنوب اللبناني
هذا التوثيق الدقيق لتدمير قرية محيبيب، والتحقيق بالرواية الإسرائيليّة القائم على تحليل المصادر المفتوحة OSINT، يكشف بوضوح زيفًا في الرواية الإسرائيلية، ويبرز تباينًا صارخًا بين ادّعاءاتها والواقع المدعّم بالأدلّة. من خلال التحقيق المتعمّق في الادّعاءات الإسرائيلية، يتّضح كيف تُستخدم الرسوم البيانية والدعايات الإعلامية لتبرير عمليات المحو القسري لموقع تاريخي، من دون تقديم أي دليل مادي على وجود أنفاق أو منشآت عسكرية حقيقية تحت القرية.
ويتّضح من خلال المصادر المفتوحة، أنّ محيبيب استُهدفت على مدى عام في خمسة مبانٍ فقط، إلى أنْ جاءت العمليّة البرّية مصحوبة بما يبدو أنّه قرار لنسف القرية بالكامل عبر تفخيخ منازلها. وبالرغم من ذلك، استمر السرد الدعائي الإسرائيلي في طرح مزاعم غير مثبتة حول “مراكز قيادية” لم تكن سوى تصوّرات رقمية من دون دليل عليها على أرض الواقع، بل مع توافر أدلّة تناقضها.
ويمكن تلمّس ميزة واحدة للقرية، هي موقعها الاستراتيجي الذي يطلّ من بيوتها وصخرة مقامها على مساحات شاسعة من الجنوب اللبناني والجليل. إلّا أنّ المحو المنهجي الذي طال منازل القرية، ومعالمها، ومقابرها، وأشجارها، بل وحتى اسمها، يكشف عن نمط من جرائم الحرب يهدف إلى محو الوجود التاريخي والثقافي لقرى حدودية جنوبية بأكملها، وتمزيق النسيج الديموغرافي والثقافي فيها فضلًا عن موارد العيش، وتحويل هذه الأراضي إلى فراغات خالية من التاريخ والهوية.
مشهد عام لقرية محيبيب قبل نسفها (صورة شاركها أهالي القرية مع المفكّرة)
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.