أصدرت المحكمة التجارية بمراكش حكما قضى بإعفاء مستأجرة محل تجاري، من أداء مستحقات الإيجار خلال فترة الحجر الصحي الذي أعلنته السلطات المغربية على إثر إعلان حالة الطوارئ الصحية. وهو الحكم الأول من نوعه في المغرب. وكانت “المفكرة القانونية” أصدرت بيانا بتاريخ 12 ماي (أيار) طالبت فيه بإصدار تشريع بإعفاء المؤسسات التجارية المشمولة في قرارات الإغلاق، وذلك بفعل القوة القاهرة التي منعتها من الانتفاع من المأجور، وذلك إعمالا للعدالة ومنعا لمنازعات قضائية غير مجدية. فضلا عن أن تدبيرا كهذا تفرضه المصلحة العامة والرؤية الإقتصادية المستقبلية، حيث لا يمكن تعليق العمل بالإقتصاد المنتج برمته مقابل إبقاء الإقتصاد الريعي على حاله. بإمكان هذا الحكم أن يشكل رسالة نضعها في رسم المشرعين في المنطقة العربية في أسرها (المحرر).
في سابقة تعد الأولى من نوعها، أصدرت المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 21/12/2020 حكما قضى بإعفاء مستأجرة محل تجاري، من أداء مستحقات الإيجار خلال فترة الحجر الصحي الذي أعلنته السلطات المغربية على إثر إعلان حالة الطوارئ الصحية.
ملخص القضية
تعود فصول القضية الى 25/09/2020 حينما تقدمت مدعية بمقال افتتاحي أمام المحكمة التجارية بمراكش-جنوب المغرب-، تعرض فيه بأنها قامت بتأجير محل تجاري للمدعى عليها، بملغ 5500 درهم شهريا (حوالي 550 دولار)، وأنها توقفت عن أداء سومة الإيجار مند شهر فبراير 2020، وإلى غاية شهر غشت من نفس السنة، وأنها وجهت اليها إنذارا بالأداء بقي بدون جدوى، ملتمسة الحكم عليها بأداء ما بذمتها من المبالغ المستحقة عن هذه الفترة مع النفاذ المعجل.
وأجابت المدعى عليها، بأنها “توقفت بالفعل عن أداء واجبات الإيجار، بحكم أن نشاطها التجاري توقف على إثر الحالة الوبائية بالبلاد المتمثلة في انتشار وباء كورونا، وما صاحب ذلك من إجراءات احترازية لتطويق تفشي هذا الوباء، ومنها إغلاق المحلات التجارية”، مؤكدة أن نشاطها التجاري من طبيعة خاصة، تتمثل في تقديم خدماتها المتعلقة بالترويض بشكل مباشر للزبائن، وقد توقفت عن ذلك بعد إعلان السلطات عن حالة الطوارئ الصحية، وإغلاق المحلات التي تقدم خدمات الترويض، وهو ما ألحق بها ضررا بليغا جعلها عاجزة عن أداء واجبات الإيجار.
موقف المحكمة
قضت المحكمة التجارية بمدينة مراكش بإعفاء المستأجرة، من أداء السومة الإيجارية المتخلفة عن فترة الحجر الصحي، معتمدة على العلل التالية:
-قرار السلطات إعلان حالة الطوارئ الصحية، وما نتج عنها من إغلاق لعدد من المحلات التجارية؛
-أن المدعى عليها تستغل محلا تجاريا يقدم خدمات للترويض وهو نشاط يقتضي فتح المحل في وجه العموم، مما يجعله مشمولا بقرار الإغلاق الصادر عن السلطات؛
-مقتضيات الفصل 652 من قانون الالتزامات والعقود التي تنصّ أن أعمال السلطات التي تتم وفقا للقانون ويترتب عنها نقص في انتفاع المستأجر كالأشغال التي تنفذها الإدارات والقرارات التي تصدرها تبيح له أن يطلب حسب الأحوال إما فسخ العقد أو إنقاص سومة الايجار، بشكل يتناسب مع النقص الحاصل؛
-تبين للمحكمة أنه في ظل الحرمان من منفعة المحل المستأجر خلال الفترة الممتدة من 20/03/2020 و10/07/2020 ناجم عن أمر السلطات، وأن هذا الحرمان كان كليا وليس جزئيا، مما يجعل المستأجرة محقة في الإعفاء من أداء واجبات الإيجار المستحقة عن هذه الفترة.
تعليق على الحكم
رغم صدور قرارات سابقة عن المحاكم المغربية قضت بعدم تنفيذ قرارات الإفراغ الناتجة عن عدم أداء مستحقات الايجار المتعلقة بفترة الطوارئ الصحية، واعتبرت هذه المستحقات ديونا عالقة في ذمة المستأجرين، إلا أن أهمية الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بمراكش مؤخرا -والذي تنشره المفكرة القانونية- تبرز في كونه تبنى طرحا جديدا بخصوص معالجة آثار فترة الحجر الصحي على عقود إيجار المحلات التجارية، حيث أقر مبدأ جديدا ولافتا وهو الاعفاء التام لمستأجري هذه المحلات التجارية المتضررين من قرارات الإغلاق التي أعلنتها السلطات.
وقد اعتمد الحكم على نص يبدو وكأنه “مهمل” و”غير مفعل” من قانون الإلتزامات والعقود الذي يبقى الشريعة العامة التي تؤطر مجال الإيجار بالمغرب، يسمح للمستأجر في حالة صدور قرار عن السلطات ترتب عنه نقص في انتفاعه بالمحل المستأجر بالمطالبة بإنقاص سومة الإيجار، بشكل يتناسب مع النقص الحاصل، علما بأن ثمة نصوصا خاصة تنظم إيجار المحلات التجارية.
يطرح الحكم إشكالية التوفيق بين مصالح المستأجرين والملاك الذين تضرروا بدورهم من انعكاسات قرار الاغلاق المتخذ في إطار حالة الطوارئ الصحية.
مواضيع ذات صلة
لا إخلاء للمنازل في زمن الكورونا في المغرب: سياسة “خليك بالبيت” في قرار قضائي
مقترح لتعديل قانون الإيجار تمشيا مع أحكام قضائية: منع إفراغ المستأجرين في زمن الجائحة في المغرب
استمرار التشريع العادي في زمن الطوارئ في المغرب
المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية”