محكمة النقض بالمغرب تمدّد أجل سماع دعوى الزوجية: تشجيع زواج الطفلات؟


2022-08-09    |   

محكمة النقض بالمغرب تمدّد أجل سماع دعوى الزوجية: تشجيع زواج الطفلات؟

أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا بقبول دعوى ثبوت زواج غير موثّق رغم انتهاء الفترة الانتقالية المحددة لسماع هذه الدعاوى من طرف المشرّع[1]. القرار غير المسبوق الصادر عن محكمة النقض والذي تنشره المفكرة القانونية كاملا أتى ليسدّ فراغا تشريعيا أوجده موقف المشرع المغربي من عدم تمديد العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة.

وفي الوقت الذي رحّب فيه البعض بمضمون هذا القرار الذي جاء لحماية وضعيات لأسر حالت أسباب قاهرة دون توثيق عقود زواجهم، اعتبر فيه فريق آخر أن هذا القرار من شأنه تشجيع تزويج الطفلات وزواج التعدّد الذي يتمّ بشكل غير قانوني من خلال الاعتراف القضائي اللاحق بالزواج العرفي أو زواج الفاتحة.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 24/08/2021 حينما قدم رجل وامرأة دعوى أمام قسم قضاء الأسرة بمراكش يعرضان فيها بأنهما متزوجان بالفاتحة أي بشكل عرفي مند يناير 2007، وأن ظروفا قاهرة حالت دون توثيقهما لعقد الزواج في إبانه، وأنهما أنجبا ثلاثة أبناء، وأنهما يرغبان في تصحيح هذا الوضع القائم، ملتمسين من المحكمة الحكم بثبوت الزوجية بينهما مند يناير 2007 واستمرارها الى الآن مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.

وقضتْ المحكمة الابتدائية بالاستجابة إلى الطلب اعتماداً على قواعد الفقه المالكي التي يرجع إليها في حالة عدم وجود نص قانونيّ.

وقد استأنفتْ النيابة العامة الحكم الابتدائي لخرقه مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة والتي حددت الفترة الانتقالية لسماع دعوى الزوجية في 15 سنة من تاريخ صدور مدوّنة الأسرة وهي الفترة التي انتهت في فبراير 2019، مما يجعل الدعوى قد قدّمتْ خارج الأجل القانوني.

وبتاريخ 08/03/2022 قضت محكمة الاستئناف بمراكش بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم بعدم قبول سماع دعوى الزوجية لانتهاء الأجل المحدد قانونا لذلك.

موقف محكمة النقض

اعتبرت محكمة النقض في قرارها غير المسبوق بأنه رغم انتهاء الفترة الانتقالية المحددة من طرف المشرع لسماع دعوى ثبوت الزوجية، ودونما وجود نصّ يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية، فإنه يرجع الى الفقه المالكي طبقا لمقتضيات المادة 400 من من مدونة الأسرة[2]، وعليه قضت بنقض القرار.

تعليق على القرار

تنصّ المادة 16 من مدونة الأسرة على أن “وثيقة عقد الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج.

إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة.

تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.

يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدّى خمسة عشر سنة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”[3].

يعيد قرار محكمة النقض إلى الواجهة إشكالية زواج الفاتحة في المغرب، والتي حاولت مدوّنة الأسرة وضع حدّ له من خلال تقييد سماع دعوى الزوجية بفترة انتقالية محددة في 5 سنوات، وبعد انقضائها تم تمديد العمل بها لفترة استثنائية مدتها 10 سنوات، قبل أن يتم تمديد الأجل من جديد إلى فترة انتقالية أخرى مدتها 15 سنة من تاريخ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ.

وخلال فبراير 2019، انتهى الأجل المحدد لسماع دعوى ثبوت الزوجية من دون أن يتدخّل المشرّع لفتح أجلٍ جديد، تلبية لمطالب الجمعيات النسائية الرافضة له كونه يستغلّ كوسيلة للتحايل على القانون المقيّد للتعدّد الزيجات ولتزويج الطفلات، حيث يلجأ العديد من الأزواج في حالة رفض المحاكم لطلباتهم للتعدد أو للزواج من قاصر إلى الاكتفاء بزواج عرفي. وبعد إنجاب الأطفال يقدمون دعوى للاعتراف بهذه الزيجات العرفية أمام المحاكم. وهو ما أكّدته دراسة تشخيصية لرئاسة النيابة العامة بالمغرب حول تزويج الطفلات، بل وقد أدّت هذه المادة إلى ظهور أشكال ملتبسة من الزواج العرفي مثل زواج الكونترا كمظهر من مظاهر الإتجار بالبشر.

اعتبرت محكمة النقض أن عدم تمديد المشرع لفترة سماع دعوى الزوجية يجعل على عاتق محكمة الموضوع الرجوع الى الفقه المالكي الذي يعد مرجعا تكميليا لمدونة الأسرة، طبقا للمادة 400 منها علما بأن هذه المادة تخص حالة عدم وجود نص، بينما واقع الحال أن النصّ موجود وقد انتهى الأجل المحدد لقبول الاستثناء مما تبقى معه القاعدة هي الواردة في الفقرة الأولى من المادة 16 التي تجعل وثيقة عقد الزواج هي الوثيقة المقبولة لإثبات الزواج.

قد يعتبر البعض أن الهدف من قرار محكمة النقض هو حماية الأطفال الناتجين عن زواج الفاتحة من ضياع حقوقهم. لكن تنبغي الإشارة إلى أن مقتضيات المدونة تسمح بإثبات نسبهم في هذه الحالة بسهولة اعتمادا على الإقرار بالنسب[4]، وكذا اعتمادا على شبهة الخطوبة[5].

جمعيات نسائية تحذر من تحوّل الاستثناء إلى قاعدة

أثار قرار محكمة النقض من جديد جدل تمديد أجل ثبوت الزوجية  حيث اعتبرت فدرالية رابطة حقوق النساء أن قرار محكمة النقض سيفتح الباب على مصراعيه لشرعنة تزويج الطفلات وزواج التعدّد وسيشجع على التحايل على القانون، وأنه يضرب عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب خاصة اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة رغم الجهود التي تبذلها المؤسسات القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة في تكوين القضاة على إعمال الاتفاقيات الدولية في الأحكام والقرارات القضائية.

ودعت الفدرالية في بيان لها إلى ضرورة عدم تمديد أجل سماع دعوى الزوجية، وحماية حقّ الأطفال في النّسب بغضّ النّظر عن وضعية الأبويْن، والاهتمام بمراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في التشكيلات القضائية وخاصة على مستوى محكمة النقض، وتمديد نطاق التكوينات المتعلقة بالاتفاقيات الدولية لتشمل قضاة هذه المحكمة أيضا، مع القطع مع زواج الفاتحة وكلّ الظواهر السلبية التي أنتجها وتكريس وثيقة الزواج كوسيلة وحيدة لإثبات الزواج.

وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الوطني لحقوق الانسان قد أطلق في وقت سابق حملة لمواجهة تزويج الطفلات من أجل تثبيت القاعدة التي تحدّد سنّ الزواج للجنسيْن في 18 سنة وإلغاء الاستثناء الذي يجيز للقضاء النزول عن هذا السنّ.

يمكنكم تحميل نسخة عن قرار محكمة النقض

مواضيع ذات صلة

تشريع الأمر الواقع في عقود الزواج

زواج الفاتحة بالمغرب: هل تصمد الأعراف أمام قوة القانون؟

زواج “الكونترا بالمغرب” .. قاصرات للإيجار أم للرهن؟

جدل حقوقي بالمغرب حول تمديد أجل ثبوت الزوجية

حملة وطنية ضد تزويج القاصرات في المغرب: “إلغاء الاستثناء…تثبيت القاعدة القانونية”

أي مقاربة لمعالجة ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب؟

انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين”

النيابة العامة تضبط الأذن القضائي بزواج القاصرات بالمغرب ومقترح نيابي بحظر الزواج دون 16 سنة

حكاية اعتصام امرأة في ذكرى المصادقة على مدونة الأسرة في المغرب

قراءة في دراسة تشخيصية حول تزويج الطفلات بالمغرب

المغرب: مقترح قانون لمنع تزويج الطفلات


[1]قرار عدد 358/1 بتاريخ 21/06/2022 ي الملف عدد 372/2/1/2022، غير منشور.

[2]– تنص المادة 400 على ما يلي: “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.

[3]– كانت الفقرة الرابعة من المادة 16 من مدونة الأسرة قبل تعديلها تنص على ما يلي: “يعمل بسماع دعوى
الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.”

وقد تم تعديل هذه الفقرة بمقتضى المادة الفريدة من القانون رقم 08.09 ليصبح العمل بسماع دعوى الزوجية في فترة
انتقالية لا تتعدى عشر سنوات، قبل أن يتم تعديلها من جديد مقتضى المادة الفريدة من القانون رقم 102.15 ليصبح العمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمسة عشر سنة، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.

أنظر لمزيد من التفاصيل:

-أنس سعدون : تشريع الأمر الواقع في عقود الزواج مقالة منشورة بموقع المفكرة القانونية.

[4]– المادة 160 وما بعدها من مدونة الأسرة.

[5]– المادة 156 من مدونة الأسرة، ولمزيد من التفاصيل حول اثبات نسب الأطفال المزدادين خلال فترة الخطوبة، أنظر:

-أنس سعدون: النسب الناتج عن الخطبة، مكتبة دار السلام بالرباط، الطبعة الأولى 2012.

-عبد الرحمن اللمتوني: إثبات النسب بشبهة خلال مرحلة الخطوبة (قراءة في مقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة)، مقالة منشورة بمجلة القضاء والقانون العدد 152، سنة 2006.

انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم دينية ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني