في تحول لافت عن قراراتها السابقة قضت محكمة النقض بالمغرب بتاريخ 15 أبريل 2025، بنقض حكم استئنافي صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، مانحة بذلك أملا جديدا للأطفال المولودين نتيجة علاقات خارج إطار مؤسسة الزواج، وخاصة نتيجة اغتصاب، في الحصول على حقهم في التعويض[1].
اللافت في قرار محكمة النقض الذي تنشره المفكرة القانونية أنه اعتمد مبدأ مصلحة الطفل الفضلى إعمالا لاتفاقية حقوق الطفل.
ملخص القضية
تعود تفاصيل القضية، إلى تاريخ 03/03/2023 حينما تقدّمت فتاة بدعوى أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة (شرق المغرب) أدلت فيها أنها تعرضت لاعتداء جنسي من طرف المدعى عليه، نتج عنه حمل، حيث استغل كونها في وضعية إعاقة ذهنية تجعلها غير قادرة على الإدراك والتمييز، وأن هذا الأخير توبع من طرف النيابة العامة من أجل جنحة هتك عرض شخص معروف بضعف قواه العقلية، وأدين بسنة واحدة حبسا نافذا، وأوضحت أن هذا الاعتداء الجنسيّ نتج عنه ازدياد طفل بتاريخ 24/08/2022 هو ابن المدّعى عليه، موضحة أن عدم انتسابه إليه لا ينبغي أن يعفيه من مسؤولياته تجاهه، لأن كل شخص مسؤول عن أفعاله وأخطائه التي تسبب فيها بضرر للغير متى ثبتت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وأن الطفل في حاجة إلى المأكل والمشرب والملبس والتطبيب والتعليم والسكن حتى يبلغ سنّ الرّشد القانوني، وأن المصلحة الفضلى للطفل تستوجب تحميل المسؤوليّة لوالده، مهما كانت طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما شرعية أو غير شرعية، كما أن الفصل 32 من الدستور في فقرته الثالثة ينصّ على مسؤولية الدولة في توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي لجميع الأطفال، وحماية حقوقهم الطبيعية ضد المسؤولين عنها، سواء كانت نفقة “شرعية” أو تعويضا بمثابة نفقة، دون تحديد شرعية العلاقة.
وأضافت أن المغرب انضمّ إلى اتفاقية حقوق الطفل وهو ما يعطيها أولوية في التطبيق على القانون الداخليّ. كما انضمّ إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية والذي تنص المادة الثانية منه على اتّخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والديه، ملتمسة الحكم على المدعى عليه بأدائه تعويضا لها شهريا بمثابة نفقة للطفل بحسب 500 درهم شهريا، ابتداء من تاريخ 24/08/2022، مع الاستمرار في الأداء إلى غاية سقوطها شرعا.
أدلى المدعى عليه بمذكرة جوابية ملتمسا رفض الطلب لانعدام الأساس القانوني.
فأصدرت المحكمة الابتدائية بتاريخ 25/03/2024 حكمها برفض الطلب، وهو الحكم الذي تم تأييده استئنافيا.
موقف محكمة النقض
ألغت محكمة النقض القرار الاستئنافي الذي قضى برفض طلب التعويض لفائدة الطفل “الطبيعي” مستندة على المبادئ التالية:
- ثبوت مسؤولية المغتصب عن نتائج فعلته حيث شددت المحكمة على أن الحكم على المغتصب بالحبس لا يعفيه من مسؤوليته تجاه الطفل الناتج عن فعلته، ولا يمكن إسقاط حق (الطفل) في التعويض، وذلك في إطار قواعد المسؤولية التقصيرية.
- اعتبار الحمل غير “الشرعي” ضرر محقق للطفل حيث اعتبرت محكمة النقض أن حمل الفتاة بشكل غير شرعي ودون رضاها يشكل ضررا محققا لحق بالطفل سواء على المدى القريب أو البعيد، ويؤثر على حقه في الرزق والكسوة وباقي متطلبات الحياة الكريمة.
- عدم إمكانية تحميل الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب أي مسؤولية عن وضعيته حيث أكدت المحكمة على أن “الطفل المولود ضحية لجريمة الاغتصاب لا يتحمل أي مسؤولية عن فعل والده”.
وبناء على هذه التعليلات، قضت محكمة النقض بإحالة الملف من جديد على محكمة الاستئناف بفاس -بدلا من محكمة الحسيمة- لإعادة النظر في القضية بهيئة مغايرة.
تعليق على قرار محكمة النقض
تكمن أهمية قرار محكمة النقض الذي تنشره المفكرة القانونية في أنه يعيد إلى الواجهة إشكاليّة حقوق الطفل المزداد خارج إطار مؤسسة الزواج، حيث تكرس مدونة الأسرة إعفاء الأب البيولوجي من أي مسؤولية تجاهه، وتحميل مسؤوليته للأم إعمالًا لمقتضيات المادة 148 من المدوّنة؛
سبق لبعض محاكم الموضوع أن أصدرت أحكاما مبدئية لضمان حق الطفل الطبيعي حيث أقرّت محكمة طنجة حقه في التعويض في إطار قواعد المسؤولية التقصيرية. كما قضت محكمة زاكورة بحقه في البنوة لوالده البيولوجيّ إلا أن محكمة النقض نقضت هذه التوجهات القضائية الحديثة متمسّكة بأن البنوة غير الشرعية ملغاة للأب، ولا يترتب عليها أي أثر.
كان لافتا أن محكمة النقض أقرت في اجتهادها الجديد الدور الاجتماعي للقاضي والذي يتجاوز التطبيق الحرفي للنصوص القانونية، حيث ركزت على صلاحية المحكمة في إعادة تكييف طلبات المتقاضين، فرغم أن الطلب الذي تقدمت به المدعية يرمي إلى الحكم بالنفقة الذي يبقى مقيدا بشروط “شرعية”، لفائدة طفلها الناتج عن اغتصاب، فإن جوهر الطلب يرمي أساسا الى الحق في التعويض والذي يبقى أشمل في إطار قواعد المسؤلية المدنية؛
استندت المحكمة في قرارها على مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل التي تقر مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، فضلا عن اجتهادات من الفقه المالكي تقر مسؤولية المغتصب اتجاه الابن الناتج عن الاغتصاب في إشارة إلى إمكانية التوفيق بين المرجعية الفقهية والمرجعية الحقوقية التي تؤطر قضايا الأسرة.
الملاحظ أن سياق رفع الدعوى يتزامن مع فتح ورش تعديل مدونة الأسرة وإعلان مخرجاتها ومن بينها إقرار حق الطفل البيولوجي في الحصول على التعويض، حيث جاء قرار محكمة النقض سابقا لصدر النص القانوني الذي سيؤطر هذا التعديل.
مواضيع ذات صلة
محكمة النقض بالمغرب تحسم سلباً في بنوة الطفل الطبيعي
محكمة الاستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج: هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟
سابقة قضائية في المغرب: الاعتراف ببنوة الطفل الطبيعي من أبيه والتعويض لأمه
القضاء المغربي ينتصر للمرة الثانية لحق الطفل الطبيعي في انتسابه لأبيه
الولادات خارج اطار مؤسسة الزواج سبب لتنامي ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب
مشروع قانون يخوّل الطفل الطبيعي مقاضاة “الأب البيولوجي”
سابقة في اعمال آلية التظلم للأطفال بالمغرب: الجمعيات تطلب الانتصاف لطفلة ضد مقرر قضائي
مقترح قانون للاعتراف بالخبرة الجينية كسبب لإثبات النسب بالمغربعقوبات مخففة في قضية اغتصاب جماعي لطفلة بالمغرب: جمعيات تنتفض ضد التعاطف مع المغتصبين
[1] القرار عدد 1/225 المؤرخ في 2025/04/15 في الملف المدني عدد 2025/1/1/227.