أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا مبدئيا، اعتبر أن حجز المحكمة لملف القضية للمداولة رغم تخلف دفاع المتهم عن الحضور استجابة لقرار هيئة المحامين بالتوقف عن العمل، يعتبر خرقا لحقوق الدفاع ويوجب نقض القرار المطعون فيه.
أهمية القرار الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في كونه يؤكد مشروعية إضرابات المحامين التي أدّت في الآونة الأخيرة إلى توقف الجلسات في كافة المحاكم المغربية في إطار الحراك المهني الذي يقوده أصحاب البذلة السوداء تزامنا مع ورش إصلاح عدد من القوانين، وفي مقدمتها قانون مهنة المحامين، وقانون المسطرة المدنية.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 21/12/2021 حينما تخلف أحد المحامين عن الحضور إلى إحدى جلسات المحاكمة، تنفيذا لقرار مجلس هيئة المحامين بأكادير وكافة مجالس هيئات المحامين بخوض إضراب شمل مقاطعة جلسات المحاكم، إلا أن هيئة الحكم قرّرت اعتبار الملف جاهزا وحجزه للمداولة رغم تخلف المحامي عن الحضور.
فتقدم دفاع المتهم في توقيت لاحق بطلب إلى المحكمة من أجل إخراج الملفّ من المداولة مرفقا بمذكرة بيان أوجه الاستئناف، إلا أن المحكمة تشبثّت بقرارها ورفضت الطلب.
لجأ دفاع المتهم إلى الطعن بالنقض في قرار المحكمة لخرقه حقوق الدفاع، حيث اعتبر أن إصرار هيئة الحكم على تجهيز القضية وحجزها للمداولة رغم مصادفتها لتاريخ إضراب المحامين، ورغم تخلّف دفاع المتّهم عن الحضور بسبب التزامه بقرار مقاطعة الجلسات.
موقف محكمة النقض
استجابتْ محكمة النقض لطعن دفاع المتهم حيث أكدت على أنه: “ولئن كانت لمحكمة الموضوع السلطة في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتجهيز الملفات وفي استجابتها لطلبات الإخراج من المداولة من عدمها فإنّ ذلك رهين بعدم مساسها بحقوق الدّفاع وسهرها على ضمان محاكمة عادلة”، وخلصت إلى أن المحكمة لما “ناقشت ملف القضية في غياب دفاع المتهم”، رغم أن هذا الغياب كان “استجابة للبلاغ الصادر عن نقيب هيئة المحامين والرامي إلى مقاطعة جلسات المحاكم” تكون قد خرقت حق الدفاع، وعرضت بذلك قرارها للنقض والإبطال”.
وعليه قضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 28 /12/2021، وإحالة الملف على نفس المحكمة للبتّ فيه من جديد طبقا للقانون وهي مؤلّفة من هيئة أخرى.
تعليق على القرار
يعيد هذا القرار الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة إشكالية قرار هيئات المحامين في المغرب مقاطعة جلسات المحاكمات في إطار الأشكال النضالية التي يخوضونها، والذي أثار في وقت سابق جدلا واسعا بين اتجاه مدافع عنه كتكريس للحق في الاحتجاج لتحقيق المطالب المهنية، وبين اتجاه منتقد له، باعتباره قد يؤثر سلباً على سير العدالة، ويؤدّي إلى المسّ بالحقّ في الولوج إلى القضاء، خاصّة مع قرار مقاطعة المحامين جميع الجلسات بما في ذلك جلسات الأحداث وقضايا الاعتقال وهي القضايا المشمولة بإلزامية الدفاع، علمًا بأنّ قانون المهنة يحظر على المحامين اتخاذ مثل هذا القرار حيث تنص المادة 39 من قانون مهنة المحامين على أنه : “لا يجوز للمحامين في كل الأحوال أن يتفقوا، متواطئين بينهم، على أن يتوقفوا كليّا عن تقديم المساعدات الواجبة عليهم إزاء القضاء سواء بالنسبة للجلسات أو الإجراءات”.
فأمام تواصل إضرابات المحامين والتي تزامنت مع قرب انتهاء السنة القضائية، وما يرتبط بذلك من ضرورة تقديم المحاكم للحصيلة السنوية لعملها بخصوص عدد القضايا المحكومة وعدد القضايا غير المحكومة، لجأت عدد من الهيئات القضائية إلى تجهيز القضايا المعروضة عليهم دون حضور الدفاع، عوض إرجاء البتّ فيها إلى حين إنهاء إضرابات المحامين، وقد أثار هذا القرار بدوره انتقادات حقوقية لكونه يمسّ بالحق في الدفاع.
جاء قرار محكمة النقض ليحسم الجدل حول هذه النقطة القانونية ويؤكد عدم أحقيّة المحاكم في مناقشة الملفات في غياب الدفاع، معتبرا أنه ولئن كان للمحكمة كامل الصلاحية لاتخاذ كافة الإجراءات لتجهيز القضايا وفي استجابتها لطلبات الإخراج من المداولة، فإن “ذلك رهين بعدم مساسها بحق الدفاع والحرص على ضمان المحاكمة العادلة”.
كما كان لافتا أن القرار أقر بشرعية إضرابات المحامين المتّخذة تنفيذا لقرارات الأجهزة التمثيلية للمهنة، معتبرا أن ما تمسّك به دفاع المتهم من سبب لتبرير غيابه عن الجلسة “استجابة للبلاغ الصّادر عن نقيب المحامين الرامي إلى مقاطعة الجلسات”، هو سبب جدي، وأن قيام المحكمة بمناقشة الملف في غياب المحامي، يعتبر خرقا لحقوق الدفاع، وموجبا لجعل قرارها عرضة للنقض والإبطال.
للاطلاع على نسخة من قرار محكمة النقض
مواضيع ذات صلة
عشــرون مقترحــا من أجل قانون حديث لمهنة المحاماة بالمغرب
افتتاح السنة القضائية بالمغرب: حصيلة المحاكم تتأثر بإضرابات المهنيين، ومحاولات لتأطير عمل الجمعيات المهنية القضائية
“الأجل الاسترشادي” و”عدد القضايا لكل قاض” مواضيع تسائل ضمانات المحاكمة العادلة
مشروع تعديل قانون المسطرة المدنيّة بالمغرب: مسألة إلزامية الاستعانة بمحامٍ في الواجهة
مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في المغرب: إشكاليات تمسّ حقوق الدفاع وولوج الفئات الهشّة الى العدالة
قرار بتحصين حقّ الإضراب للأستاذة المتعاقدين: الملاحقة التأديبية الانتقائية مسّ بمبدأ المساواة
تعليق تنفيذ اضراب بحكم قضائي في المغرب
محكمة النقض بالمغرب تتوسع في تعريف “الإضراب التعسفي”
قرار قضائي بتحرير المحامين من نظام التأمين الإجباري للعمّال غير الأجراء
محكمة مراكش تبطل قرار “تمليك مهنه المحاماة”