بتاريخ 09 أبريل 2020، أصدر الرئيس عبد الرزاق الجباري القاضي بالمحكمة الإبتدائية بالقنيطرة، حكما مبدئيا اعتبر أن السرقة المرتكبة في زمن الطوارئ الصحية، تعتبر كارثة بمفهوم الفصل 510 من القانون الجنائي، مما يؤدي إلى تغيير وصفها من جنحة إلى جناية، الشيء الذي يستلزم الحكم بعدم الاختصاص، وإحالة القضية على نظر غرفة الجنايات.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 02 أبريل 2020، حينما أوقفت عناصر الشرطة، عددا من الأشخاص الذين خرقوا قرار حظر التنقل، المتخذ نتيجة فرض حالة الطوارئ الصحية.
وأثناء عملية تفتيش السيارة التي كانوا يستقلونها، تم العثور على كيس يحتوي على كبش كبير، كما تم اكتشاف كون الإطار الهيكلي للسيارة مزور ومنقوش بطريقة يدوية، وقد أسفر تفتيش المشتبه فيهم جسديا، على العثور بحوزة أحدهم على مبلغ 3.214,00 درهم.
بعد فتح بحث في القضية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، اعترف المتهم الأول أن “الكبش” الذي ضبط بحوزته، هو متحصل عليه من عملية سرقة قام بها بمعية رفيقه، منذ حوالي ثلاثة أيام، موضحا أن أحد الأشخاص قدم الى منزله مبديا رغبته في اقتناء كبشين. وبحكم أنه لا يتوفر على أغنام، طالبه بإمهاله بضعة أيام. حينها راودته فكرة البحث عن كبش من أجل السرقة، فعرض الفكرة على رفيقه الذي رحب بها. مضيفا، أنه أخذ عربته المجرورة بحصان، وتوجها معا نحو القرية، فشاهدا قطيعا من الأغنام بدون راع، فنزلا من العربة، وقاما بسرقة “الكبش” المحجوز، ووضعاه داخل كيس جلباه منذ البداية معهما تحضيرا لعملية السرقة، ثم اتصلا برفيقهم الثالث، وأخبراه بنجاح عملية السرقة، وطلبا منه تحديد مكان اللقاء به، قصد تسليم الكبش مقابل مبلغ مالي.
مؤكدا، أنه، وبعد تحديد هذا الأخير لمكان اللقاء، وبمجرد ما أن سلمه “الكبش” موضوع السرقة، قام بوضعه داخل الصندوق الخلفي للسيارة، تفاجؤوا بعناصر الشرطة وهي تحاصرهم.
كما تم الاستماع إلى المتهم الثاني الذي أكد نفس تصريحات زميله، وتم الاستماع إلى المتهم الثالث الذي اعترف بأنه طلب من المتهم الأول شراء كبش منه، نافيا علمه بموضوع السرقة.
تعليل المحكمة
في مناقشتها لحيثيات الحكم، اعتبرت المحكمة أنه ثبت لها من خلال تصريحات المتهمين في محاضر الشرطة القضائية وأمام النيابة العامة، ومجموعة من القرائن الأخرى أنهم قاموا بفعل الاختلاس عن طريق استيلائهما على كبش كبير في ملك أحد الرعاة، وفي غفلة منه، بُغية بيعه للمتهم الثالث.
وقد خلصت المحكمة إلى أن القضية تشكل جناية وليس جنحة استنادا للعلل التالية:
-أنه “كلما اقترن فعل السرقة، حسب الفصل 510 من القانون الجنائي، بظرف واحد من الظروف المنصوص عليها بذات الفصل، إلا وتشددت العقوبة، وتغير وصفها، وأصبح ذا صبغة جنائية وليس جنحية، ومن تلك الظروف: تعدد الفاعلين بشخصين أو أكثر، وارتكابها في وقت كارثة من الكوارث”.
-أن عملية السرقة ارتُكبت أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من بمقتضى مرسوم الطوارئ، والناتجة عن التهديد العام لحياة الأشخاص وسلامتهم جراء انتشار “جائحة” فيروس كورونا “Covid 19“.
-أن “جائحة” فيروس كورونا “Covid 19” يعد “كارثة” بمفهوم الفصل 510 من القانون الجنائي، وذلك بالنظر لما أحدثه انتشار هذا “الفيروس” في نفوس المواطنين من هلع واضطراب يعجز معهما عليهم حماية ممتلكاتهم، خصوصا أمام إلزامهم قانونا، وفق المادة الثانية من قانون الطوارئ، “بمنع مغادرة محال سكناهم إلا في حالات الضرورة القصوى، وبشروط ضيقة ومحصورة، تحت طائلة العقاب الجنائي”.
-إن مسألة “الاختصاص النوعي”، هي من صميم النظام العام، ويتوجب على المحكمة، كلما تبين لها أنها غير مختصة نظرا إلى ظروف وملابسات القضية، أن تثير ذلك من تلقاء نفسها.
واعتبارا لكل ما سبق صرحت المحكمة علنيا وابتدائيا وحضوريا بعدم الاختصاص للبت في القضية، مع إحالة المتهمين على غرفة الجنايات لمحاكمتهم طبقا للقانون.
تعليق على الحكم
أثار حكم القنيطرة، القاضي باعتبار السرقة في ظرف حالة الطوارئ الصحية، التي يشهدها المغرب، جناية، وليست جنحة، جدلا واسعا بين فقهاء القانون، انصب أساسا على كونه يأتي على خلاف تقنية تعتمدها غالبية المحاكم في الأحوال العادية وهي التجنيح. وبمقتضاه تغير المحاكم وصف الجرائم من الأشد إلى الوصف الأخف، وهو ما يعني اعتبار عدد من الجنايات المقررة قانونا، مجرد جنح حسب الاجتهاد القضائي إنسجاما مع السياسة الجنائية الهادفة إلى مواجهة أزمة السجون، وليس العكس.
من جهة ثانية انصب الخلاف حول ما إذا كانت الوضعية الراهنة التي فرضها فيروس كورونا في البلاد وفي العالم ترقى إلى وضعية الكارثة.
وهكذا وقف الباحث يوسف سلموني الزرهوني عند بعض المظاهر السلبية التي تبرز في زمن الكوارث ومنها “انتشار السرقات، بسبب الحاجة الملحة لمصدر العيش لمن فقدوا مصادر رزقهم، أو بسبب الشعور بانعدام وجود سلطة يمكنها من أن تفرض القانون لانشغالها بمهام أخرى ناتجة عن الكارثة”. مؤكدا أن “ارتكاب جريمة السرقة في وقت الكارثة يؤدي إلى الإحساس بانعدام الأمن وبالحاجة إلى الاعتماد على الذات لحماية الممتلكات الخاصة. ويحدث بذلك مزيدا من الفوضى داخل المجتمع”، وهو ما يشرح توجه محكمة القنيطرة إلى إعمال النصّ الأشد لمواجهة السرقات المرتكبة خلال فترة الطوارئ الصحية، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية نفسها، اعتبرت الكورونا جائحة.
في المقابل اعتبر المحامي بهيئة الرباط هشام بابا أن القاضي الجنائي يمنع عليه القياس، وهو مقيد بعدم التوسع في تفسير النص الجنائي. وفي الاتجاه نفسه، خلص الباحث في القانون عثمان عبيد إلى أن “المغرب لا يعيش وضعية الكارثة، بقدر ما يعيش وضعيةَ تفادي وقوع كارثة، من خلال التدابير الفعالة المنجزة من طرف جميع مؤسسات الدولة وسلطاتها، سواء على المستوى الصحي أو الاقتصادي أو الاجتماعي”.
وكانت “المفكرة” ناقشت في وقت سابق مفهوم الكارثة في سياق التحقق من توفر شروط إعلان حال الطوارئ في لبنان. ولهذه الغابة، عادت إلى التعريف الأممي للكارثة (وفق مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارثUNDRR))، والذي اشترط حصول إضطراب خطير يحدث خلال فترة قصيرة نسبياً، ويتسبب في خسائر بشرية ومادية وإقتصادية وبيئية واسعة النطاق، تتجاوز قدرة المجتمع على التغلب عليها باستخدام موارده الخاصة. وهي تالياً تنقسم عموماً بين الكوارث الطبيعية (مثل الزلازل إلخ.) والكوارث المتأتية من فعل الإنسان (مثل الحوادث النووية والإشعاعية إلخ.). وقد خلصت المفكرة على ذزء ذلك للقول بأن جائحة الكورونا لا تندرج تحت تعريف الكارثة، فهي حدث مزمن علاوة على أن حجم الخسائر البشرية والمادية والإقتصادية والبيئية المتأتية منها تبقى محدودة حتى الآن وهي تتزايد تدريجيا خلال مدة من الزمن.
مواضيع ذات صلة
المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية“