أصدرت الغرفة الثالثة الجزائية في محكمة التمييز بتاريخ 15/9/2021 قراراً بقبول الطعن الذي قدّمه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضدّ قرار الهيئة الاتّهامية بردّ دفوعه الشكلية. وكانت الهيئة الاتّهامية قد صادقت في 19/5/2021 على قرار قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنّا بردّ الدفوع الشكلية التي تقدّم بها سلامة، إلّا أنّ قرار التمييز الأخير نقض هذا القرار.
القرار الذي أصدرته الغرفة المؤلّفة من القاضية سهير الحركة كرئيسة وعضوية المستشارين الياس بو عيد ورولى أبو خاطر، اعتبر أنّ دعوى الحقّ العام غير محرّكة أصولاً في الدعوى لنقض قرار ردّ الدفوع. فقد اعتبر القرار أنّ أيّ ملاحقة في شأن قانون النقد والتسليف تستوجبُ طلباً من المصرف المركزيّ نفسه. ويُفهم من ذلك أنّه لا يُمكن تحريك دعوى الحقّ العامّ بحقّ سلامة أو أيّ من موظّفي المصرف المركزي في الجرائم المتعلّقة بقانون النقد والتسليف إلّا بناءً على طلب هذا الأخير نفسه. وقد نقضت المحكمة قرار الهيئة الاتهامية على أساس المادة 206 من قانون النقد والتسليف التي نصّت على الآتي: “تُلاحق مخالفات هذا القانون (قانون النقد والتسليف) أمام المحاكم الجزائيّة وفقاً للأصول العاجلة وتُقام الدعوى من قبل النيابة العامّة بناءً على طلب المصرف المركزي”.
وعدا عن النتيجة العبثية التي وصلت إليها محكمة التمييز (تعليق ملاحقة سلامة على طلب صادر عنه)، تقتصر هذه المادة على ملاحقة مخالفات قانون النقد والتسليف حصراً في حين أنّ الادّعاء المقدّم ضدّه أمام قضاء التحقيق في جبل لبنان قد شمل جرائم في قانون العقوبات كصرف النفوذ والاختلاس وإساءة استعمال السلطة والنيل من مكانة الدولة المالية واستثمار الوظيفة. وهذا ما كان حلّله بوضوح قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنّا الذي أشار في قراره آنذاك إلى وجوب تفسير أيّ استثناء على المبدأ العام الذي يتمثل في حقّ النيابة العامّة في الملاحقة أو حقّ المتضرّر في تحريك الدعوى العامّة بصورة ضيّقة، وأنّ الجرائم المدعّى بها لا تدخل ضمن تعريف الجرائم المصرفية. وقد ذهب مكنّا في قراره إلى حدّ القول إنّه “لا يتصوّر منطقاً تعليق الملاحقة الجزائية على طلب حاكم مصرف لبنان الذي هو الشخص الملاحق” وهو خير ردّ على محكمة النقض في ما ذهبت إليه.
ويأتي هذا القرار ليقوّض جهود العديد من القضاة الذين دأبوا على تضييق مفهوم الحصانات وبخاصّة حول حاكم المصرف، حيث أكّدوا على إمكانية ملاحقته وعدم تمتّعه بأيّ حصانة. كما يأتي في موازاة تمسّك قوى نافذة في السلطة بحصاناتها وبخاصّة في قضية تفجير المرفأ في مواجهة المحقّق العدلي طارق بيطار. وبدل أن تنتصر محكمة التمييز للتوجّه الاستقلالي لدى القضاة للتضييق من الحصانات وفق ما تفرضه قيم الديمقراطية، أتت لتتماهى مع حكمها ذي التعليل العبثي مع مساعي القوى المتمسّكة بها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.