محامون يعتدون على قاض للإفراج عن زميلتهم في تونس: أزمة متكررة بين جناحي العدالة في ظل تراجع القيم المهنية المشتركة


2014-02-22    |   

محامون يعتدون على قاض للإفراج عن زميلتهم في تونس: أزمة متكررة بين جناحي العدالة في ظل تراجع القيم المهنية المشتركة

رفض قاضي التحقيق بالمكتب الخامس بالمحكمة الابتدائية بتونس النظر في مطلب افراج تقدم به محامون في حق زميلة لهم في 21-2-2014. وكان سبق لذات قاضي التحقيق أن أصدر في حق هذه الأخيرة بطاقة ايداع في اليوم السابق. وقد رفض قاضي التحقيق البت في مطلب الافراج بذات يوم تقديمه تبعا لاحتجاجات المحامين الذين كانوا يحاصرونه داخل مكتبه، وهو أمر عده عامل ضغط عليه يمنعه من ممارسة عمله في ظروف طبيعية. واشترط قاضي التحقيق فك الحصار عن مكتبه لينظر في المطلب، الا أن المحامين المحتجين رفضوا وردوا عليه بتصعيد احتجاجهم بكامل مقر المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة. وانتهى تطور المواجهة الى تمسك كل طرف بموقفه. وعند محاولة قاضي التحقيق مغادرة مكتبه واستقلال سيارة الامن التي وفرت له لاعتبارات تتعلق بخطورة التهديدات التي تعرض لها واستحالة استعماله لسيارته الخاصة، حاول المحامون منع القاضي من مغادرة المحكمة في السيارة تلك. وأدت المواجهة بين المحامين الذين أصروا على استهداف القاضي وقوات الامن الى استعمال الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين ومنعهم من الاعتداء على قاضي التحقيق.   

اعتبر المحامون اصدار قاضي التحقيق لبطاقة ايداع في حق زميلتهم التي اتهمها أحد حرفائها (زبائنها) بالاستيلاء على مبلغ مالي تسلمته نيابة عنه الا انها امتنعت عن تمكينه منه اجراء تعسفيا بالنظر لكون المحامية عبرت بجلسة الاستنطاق عن استعدادها لإرجاع الاموال التي اتهمت بالاستيلاء عليها بعد ان ذكرت انه سبق لها وان سلمت موكلها امواله الا انها لم تتحصل منه على وثيقة تثبت ذلك. كما عاب المحامون على اجراءات سماع المحامية بوصفها متهمة ما ذكروا انه عدم احترام شكلية اعلام الهياكل المهنية للمحامين بموعد جلسة الاستنطاق وذلك رغم ان المحامية المتهمة حضرت ومحاميتها طوعا لجلسة الاستنطاق وقبلت ان تسمع من قاضي التحقيق. ادى ايقاف المحامية الى حالة احتقان وسط المحامين الذين قدروا ان الايقاف يدخل في سياق استهداف قضائي لهم ينكر فضل المحامين على القضاة في المطالبة باستقلالية القضاء. وفيما أدى التدخل السريع لدائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس بذات اليوم للإفراج عن المحامية الى انهاء الأزمة الظرفية من وجهة نظر المحتجين، فان تواتر المواجهات بين المحامين والقضاة في المحاكم وخروج مجرياتها عن تقاليد التعامل ادى بهياكل القضاة لاستشعار خطورة الحدث. فبادرت نقابة القضاة لشجب ما اعتبرته بلطجة فيما أعلنت جمعية القضاة عن تحرك احتجاجي يكون منطلقه يوم 24-2-2014 ويستمر ثلاثة ايام ويتمثل في تأجيل انعقاد الجلسات بساعتين احتجاجا على الاحداث وطالبت بإجراء ابحاث في التجاوزات التي حصلت.

ادت حدة ضغط المحامين الى تحقيق مطالبهم بشكل سريع، اذ أفرج عن زميلتهم بقرار قضائي اتى لينهي مفعول ما يقدرون انه ايقاف تعسفي بما يؤكد مجددا نجاعة العنف كأسلوب في التعامل مع القرارات القضائية. وقد شكل قرار الافراج في سرعته واجراءاته، وبقطع النظر عن مبررات إصداره، نصرا عاجلا للمحامين المحتجين بين قدرتهم على فرض مواقفهم فيما كانت صورة الوقائع في مجملها رسالة لكل النافذين تبين ان مقولة دولة القانون لا تشمل الاقوياء. فبفعل هذه السابقة التاريخية، بات لكل من يستشعر ظلما او حيفا في قرار قضائي او يقدر في القاضي المتعهد بملف دعواه نقصا في الكفاءة ان يعبر عن رفضه باستهداف القاضي والضغط عليه بكل الوسائل من دون جواز مجابهته بأن ما قد يأتيه مخالف للأعراف وينتهك حرمة المحكمة ويخرج عن نطاق التعبير عن الرأي. وفي المحصلة، كشفت واقعة الاعتداء على قاضي التحقيق بالمكتب الخامس ووكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس -الذي نال نصيبا من الشتم ولم يستطع الخروج من مكتبه بدوره الا بمساعدة من الامن- عن أثر الحسابات الفئوية القطاعية على تصور القضاء كسلطة في الدولة تتجاوز القضاة لتشمل آليات تحقيق العدالة. فأدى السعي للفرض العنيف لمبدأ "عدم مؤاخذة المحامي" الى مؤاخذة فكرة العدل والمساواة.

ويبدو من المحتم منعا للانهيار الكامل لمنظومة القانون في ظل حالة التكتل القطاعي والفئوي استخلاص العبر من الصورة التي رجحت بعد نهاية الحدث بعيدا عن حسابات الربح والخسارة الآنية في اتجاه اعتماد آليات تمنع التجاوزات وتضمن خضوع الجميع للقانون سواء كانوا قضاة او محامين او غيرهم ممن يمتلكون أساليب الضغط. ولن يتحقق ذلك ما لم يتم طرح السؤال حول الاسباب العميقة اللازمة بعيدا عن حسابات المصالح القطاعية وعن تمظهراتها الآنية. ومن هذه الزاوية، يشكل احتجاج الهياكل القضائية وخروجها عن صمتها مقابل التجاوزات المتكررة طلبا لتحكيم الرأي العام في الموضوع ليكون له قول الفصل، بعد ان باتت المحاكم ممنوعة من الحكم وغاب عن المشهد فيها دور شيوخ القضاء والمحامين الذي كان سابقا يمنع الانفلات ويصنع تقاليد الاحترام المتبادل دون خضوع او اخضاع.
 
للمزيد:
شريط فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق حدث الاعتداء على قاضي التحقيق داخل سيارة الامن ويبرز الشتائم التي سيقت بداية من وصفه بالكلب ونهاية بتهديده واعتباره جبانا لأنه فر في حماية الامن وخاف من التعنيف.
 http://www.youtube.com/watch?v=fwCdMYbgj7M&list=UU0RPEIqDL8w-64_DDCKbmFA&index=7
بلاغ جمعية القضاة حول الاحداث:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=262265823940887&set=a.101496420017829.3939.100004724133555&type=1&theater 
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني