وجّهت رئيسة المحكمة الابتدائية في تونس مراسلة[U1] ، بتاريخ 26 فيفري 2025، للفرع الجهويّ للمحامين بتونس يتضمّن “إعلامًا”، بنفس التاريخ ويحمل إمضاءها مصاحبًا لإمضاء وكيل الجمهورية بذات المحكمة، مفاده أنه تقرّر عقد جميع جلسات القضايا المنشورة أمام الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب (الدائرة عدد 5) طيلة شهر مارس وفق إجراءات المُحاكمة عن بعد.
وضمّت القائمة قضيّة “التآمر على أمن الدولة” المُنتظر عقد أولى جلساتها الحكمية يوم 4 مارس 2025، وذلك بعد أكثر من عامين اثنين من الإيقاف التحفظي، ستّة معارضين ينتمون لتيارات سياسيّة مختلفة، فضلا عن آخرين بين حالة سراح ومنفى اضطراريّ. كان من الواضح أنّ “إعلام” رئيس المحكمة استهدف هذه القضيّة رأسًا بعد أن طال انتظار عقد أولى جلستها العلنية خاصّة بعد فرض السلطة منع التداول الإعلامي في شأنها طيلة الطور التحقيقي، على نحو كثّف ترقّب الرأي العام والمجتمع السياسي والمدني على حدّ سواء لمعرفة الحقيقة في قضية تصرّ هيئة الدفاع أنها لم تكن إلا “تآمرًا على المعارضة”.
فهي تعدّ أهمّ المحاكمات السياسية المُثارة منذ 25 جويلية 2021 لجهة عدد السياسيين الموقوفين المنتمين لتيارات سياسية متنوّعة، ولارتباطها بنشاط المعارضة وممارسة حريات التعبير والاجتماع والتنظم، وأيضًا لجهة الدور المباشر والمعلن للسلطة السياسية بدءًا من إثارة التتبعات.
وكان لافتًا، في الأثناء، أن “إعلام” المحكمة أكد أن فرض المحكمة عن بُعد لن يقتصر على أول جلسة بل سيستمرّ إلى غاية البتّ فيها، وهو ما يعني الحرمان التامّ للمعتقلين، وهم قيادات مخضرمة في العمل السياسي، من فرصة الحضور الشخصي أمام القضاة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة تهم خطيرة تصل عقوبتها للإعدام. بذلك يعزّز هذا الإجراء في إضعاف ضمانات المحاكمة العادلة خاصة فيما يتعلق بإعمال حق الدفاع والمواجهة، فضلا عن سابق غياب مقومات القضاء المستقلّ والحيادي.
اضطراب السند التشريعي
استندّت الوثيقة، المعنونة على سبيل الملاحظة الشكلية بأنها “إعلام” وليست قرارًا، في فرض إجراءات المحاكمة عن بعد على فصلين اثنين: 73 من قانون مكافحة الإرهاب و141 مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائية. وهو استناد مزدوج يعكس سعيًا للتأسيس على نصّين، لكن من دون القدرة في النهاية على تأمين أرضية تشريعية مكتملة الشروط لفرض الإجراء.
فالفصل 73 من قانون مكافحة الإرهاب لا ينظّم إمكانية عقد المحاكمة عن بعد، بل ينصّ، في فقرته الثانية، على إمكانية استنطاق المتهم أو تلقي تصريحات الشهود أو الخبراء أو غيرهم عبر وسائل الاتصال السمعية البصرية، وهي ترتبط بالفقرة الموالية بأنه “تتخّذ حينئذ التدابير الكفيلة بعدم الكشف عن الأشخاص الواقع سماعهم”. فيما تناولت الفقرات اللاحقة من هذا الفصل إمكانية إجراء الجلسات بصورة سرية استثناء لمبدأ العلنية بشروط، وهي ليست واردة في مضمون الإعلام الوارد من رئيسة المحكمة، على الأقل حتى الآن.
من البيّن بمجرّد استقراء الفصل 73، إنه لا ينظّم عقد “المحاكمة” عن بُعد، بل يتعلق بتدابير الحماية التي يوفّرها قانون مكافحة الإرهاب بخصوص الشهود والمخبرين ومن تولّوا إشعار السلط بالجريمة. وما يؤكّد ذلك أن عنوان القسم الذي ورد ضمنه الفصل هو “آليّات الحماية”. وحتى الفقرة الثانية التي تعرّضت لاستعمال وسائل الاتصال السمعية البصرية بالنسبة للمتهم فهي تقتصر على الاستنطاق دون بقية الأعمال ومنها وبالخصوص المكافحة سواء مع بقية المتهمين أو الشهود، أي أنها لا تمتدّ لكامل الأعمال، أي بالتالي لا تشمل المحاكمة برمّتها. فضلا عن أنّ الإجراء يظل مرتبطًا دائمًا بالغاية الحمائية. في حين أن إعلام رئيسة الحكومة موضوع تعليقنا الآن نصّ صراحة على اعتماد نظام المحاكمة عن بُعد إلى غاية البتّ في القضية برمتها. والنصّ الوحيد الذي نظّم هذا الصنف من المحاكمة هو الفصل 141 مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائية الذي وضع شروطًا لم يتمّ استيفاءها في نهاية المطاف.
مخالفة الفصل 141 مكرّر: تعسّف مكثّف
إجراء محاكمة جزائية عن بُعد هي إمكانية توفّرت في المحاكم التونسية بمقتضى المرسوم عدد 12 المؤرخ في 27 أفريل 2020 الذي أصدره رئيس الحكومة بتفويض برلماني لمواجهة أزمة كورونا. ومن البيّن أن شكل النص (مرسوم) وسياقه (مواجهة وباء) يكشفان خصوصية فرض هذه المحاكمة، التي تحوّلت الآن لـ”نافذة هروب” لعدم تمكين المتهمين من الحضور بنفسهم في محاكمتهم في أهم المحاكمات السياسية منذ عقود. والمعضلة أن “إعلام” رئيسة المحكمة خالفت مقتضيات الفصل نفسه سواء لجهة إصدار القرار أو تحقق شروط إعماله. الخروقات متعدّدة هنا:
ليس لرئيسة المحكمة أن تقرر المحاكمة عن بعد
ينصّ الفصل 141 مكرّر أنّ “المحكمة” هي التي تقرّ إجراء محاكمة المتهم عبر وسائل الاتّصال السمعية والبصرية، والمحكمة ليست إلا الجهة القضائية المباشرة لملف القضية أي الدائرة الحكمية، بحيث أن قرار إجراء هذه المحاكمة يجب أن يصدر من رئيس الدائرة (في صورة الحال الدائرة الجنائية الخامسة المختصة في قضايا الإرهاب) وليس من رئيس المحكمة، على خلاف “الإعلام” الصادر الذي تضمّن إمضاء رئيسة محكمة تونس ووكيل الجمهورية لديها. وذلك للحجج المتضافرة التالية:
أولا أن المحكمة هي الدائرة في الفصل 141:
الفصل 141، أي السابق للفصل 141 مكرّر، وقد وردا ضمن القسم الثاني “في حضور المتهمين وفي الجلسات” في مجلة الإجراءات الجزائية، يستعمل بدوره مصطلح “المحكمة”: فالمتهم يمكن ألا يحضر شخصيًا في الجنح التي لا تستوجب عقوبة سجنيّة لكن يسوغ دائما “للمحكمة” أن تأذن بحضوره شخصيا إن رأت في ذلك فائدة، وإذا لم يحضر المتهم بعد استدعائه طبق القانون جاز “للمحكمة” أن لا تتوقف على ذلك لمباشرة المرافعة وأن تصدر عليه حكما غيابيا، وأيضًا للقائم بالحق الشخصي في كل الأحوال أن ينيب عنه محاميا إلا إذا أذنت “المحكمة” بحضوره شخصيا.
هذه الإجراءات أو الأعمال تشهدها جلسات المحاكم يوميًا وتمارسها قطعًا الدائرة القضائية المتعهدة، جناحية كانت أو جنائية وليس رئيس المحكمة. وعليه إن كان لا يختلف عاقلان أن “المحكمة” في الفصل 141 هي الدائرة القضائية (أي التي تأذن بحضور المتهم وتصدر الأحكام إلخ)، فإن اعتماد نفس المصطلح “المحكمة” في الفصل 141 مكرّر لا يعني أيضًا إلا الدائرة، وليس رئيس المحكمة. بل أن في الفصل نفسه تأكيد أن “المحكمة” هي الدائرة عند الحديث عن وسائل الاتصال السمعي البصري بين قاعة الجلسة المنتصبة بها “المحكمة” والفضاء السجني. فأليست الدائرة هي التي تنتصب في قاعة الجلسة للمحاكمة وليس رئيس المحكمة؟ مرة أخرى، يتأكد أن المحكمة هي دائمًا الدائرة المتعهدة في مجلة الإجراءات الجزائية.
ثانيا أن رئيس المحكمة يمارس اختصاصات في صور محدودة في الإجراءات الجزائية:
منحت مجلة الإجراءات الجزائية اختصاصات وصلاحيات لـ”رئيس المحكمة” ولكن وردت في صور محددة حصرًا لا تتجاوز أصابع اليدين من أهمّها: مع قاضي التحقيق/ تعيين مبلغ التأمين في القيام بالحق الشخصي (الفصل 39)، وتسخير المحامي لذي الشبهة في طور التحقيق (69)، واستنطاق ذي الشبهة الموقوف بمقتضى بطاقة جلب في صور (79) وأيضًا إضافة قاضٍ أو عدة قضاة إلى تشكيلة المحكمة في القضايا التي تستوجب مرافعات طويلة (221). في جميع هذه الفصول، استعمل المشرّع صراحة لفظ “رئيس المحكمة” عند إسناد الاختصاص أو الصلاحية.
وعليه، لو شاء المشرّع في الفصل 141 مكرّر أن يجعل إجراء المحاكمة عن بعد من اختصاص أو صلاحية رئيس المحكمة لنصّ على إسناده ذلك صراحة، كما ورد في بقية فصول مجلة الإجراءات الجزائية. المشرّع منزّه عن العبث، مهم أيضًا التذكير بهذه الضمنية الراسخة. وكذلك قاعدة لا اختصاص دون نصّ مفيد التشديد عليها خاصة في المادة الإجرائية. وبالتالي إن “الإعلام” الموجه من رئيسة المحكمة ووكيل الجمهورية إلى الفرع يعدّ بمثابة قرار إداري معيب بما يجعله خاضعًا بالتبعية لرقابة المحكمة الإدارية.
ثالثا: أن القانون المقارن يؤكد صلاحية الدائرة وليس رئيس المحكمة:
قرار إجراء جلسة محاكمة عن بعد دائمًا ما تتّخذه الدائرة المتعهدة في الطور الحكمي بالاطلاع على القوانين المقارنة التي سبقت المدوّنة التونسية في إقحام مثل هذا “الاستثناء” في نظام عقد الجلسات. ذلك ما يحسمه القانون الفرنسي (706-71 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي)، والقانون الجزائري الذي يحصر القرار في “جهات الحكم” (441 مكرر-7) أو “جهة الحكم” (441 مكرّر-8). بدوره يؤكد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يتداوله البرلمان المصري هذه الأيام على أن المحاكمة المرئية عن بعد تقرّها “جهة المحاكمة المختصة” (562). فهذا النوع من المحاكمة، من المتفق عليه، أنه اختيار خاضع لسلطة الدائرة القضائية المتعهدة باعتباره يتنزل ضمن ولايتها على إدارة سير المحاكمة في قضية ما بحسب ظروفها وخصوصياتها.
قرار غير معلل: المرور بقوّة أولًا
خرق جسيم آخر للفصل 141 مكرّر: إذ يشترط هذا الفصل أن يكون قرار إجراء المحاكمة عن بعد معلّلًا، وهذا ما يؤكد طابعه الاستثنائي أمام مبدأ الحضور الشخصي. ولكن بالاطلاع على المراسلة الممضاة من رئيسة المحكمة ووكيل الجمهورية لديها، فإنها اقتصرت على التنصيص أن سند القرار هو “وجود خطر حقيقي” من دون زيادة أو نقصان. من المهمّ، هنا، التذكير بصورتيْ إقرار هذا الصنف من المحاكمة في الفصل المذكور لجهة موافقة المتهم: صورة أوليّة تشترط موافقته، وصورة استثنائية لا تشترط ذلك في حالتين اثنتين: الخطر الملمّ أو غاية التوقي من إحدى الأمراض السارية.
وإن كان التعليل مشترطا ولو في صورة موافقة المتهم، فهو يكتسب أهمية تحديدًا في الصورة الاستثنائية كصورة الحال أي فرض المحاكمة دون التوقف على موافقته. إذ يجب تحديد الخطر واستعراض مظاهره وآثاره على حسن سير المحاكمة بشكلها العادي بما استدعى “التضحية” بالحضور الجسدي للمتهم بقاعة الجلسة. يهدف التعليل لمعاينة مدى الالتزام بالنصّ، خاصّة لجهة تحقق إحدى الحالتين لفرض هذه المحاكمة التي لا تعير أي اهتمام لموقف المتهم. ذلك أن غياب الموافقة تثير الشكّ في مدى توفر ضمانات المتهم للدفاع عن نفسه بشكل ناجع. والمعلوم أيضًا أن التعليل من دعائم الثقة العامّة في القضاء اعتبارًا لكونه يعكس حياديّة القرار وبعده عن الأهواء.
وأيضًا إن كان قرار فرض المحاكمة عن بعد غير قابل للطعن في ذاته، فإنه يمكن أن يخضع لرقابة محكمة الدرجة الثانية خاصة عند تعهدها بمقتضى استئناف المتهم الذي قد يعتبر أن “فرض” المحاكمة عن بعد في الطور الابتدائي مسّ من ضمانات محاكمته خاصة فيما يتعلق بحقوقه الشرعية. بذلك يكتسب التعليل نجاعة هنا، وإن بصفة ضمنية وبعدية.
وللملاحظة استعملت المراسلة عبارة “خطر حقيقي”. والحال أن المشرّع يستعمل عبارة “خطر ملمّ”، وهو تصنيف عالٍ للمخاطر من حيث الشدّة، في حين أن وصف “حقيقي” لا يتعلق بالشدّة مطلقًا، إذ قد يوجد خطر حقيقي ولكنه لا يمثل أيّ تهديد وتاليا غير ملمّ. وبالتالي غاب التعليل، وأيضًا وُضع سبب بذاته لا يبرّر اللجوء للوسيلة الاستثنائية. وللإشارة، يتيح القانون الفرنسي الاستغناء عن موافقة الشخص في اللجوء للمحاكمة عن بعد فقط في صورة وجود خطر في نقله من السجن على النظام العام أو خطر الهروب. لكن يجب، حسب محكمة التعقيب الفرنسية، تحديد هذه المخاطر بشكل دقيق ومدعوم بالوقائع بما فيه الكفاية، ولا يمكن أن يكون مصدرها فقط شدة العقوبات المحتملة[1] .
في الأثناء، يحضر السؤال: ماهو “الخطر الحقيقي” في فرض عقد جلسة قضية التآمر من دون إحضار المعتقلين السياسيين؟ فالسبب الرّاجح للجوء المحكمة، في قضايا إرهابية معيّنة، لعقد الجلسات عن بعد هي الخطورة الأمنية الشديدة للمتّهمين، بما يستدعي تفادي نقلهم من السجن إلى مقرّ المحكمة، على غرار المتهمين في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، خاصة وقد قاد بعضهم عملية فرار من سجن المرناقية في نهاية أكتوبر 2023 قبل القبض عليهم مجددًا. ولكن، المعتقلين في قضية “التآمر” هم قيادات معروفة بنشاطها السياسي السلمي طوال عقود، ولا يمثلون أي خطر أمني، مهما كانت درجته.
وخير دليل على ذلك هو استجابة الجهات القضائية المتعهدة بالملف على طلب إخراج بعضهم من السجن لحضور جنازة أقربائهم، كخروج عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، من سجن إيقافه مرة أولى لحضور جنازة والدة زوجته ومرة ثانية لحضور جنازة ابنة شقيقه المحامية ليلى الشابي التي توفاها الأجل في أفريل 2024. بل للمفارقة، وربّما للطرافة أيضًا، أنه قبيل عقد أول جلسات المحاكمة خلال شهر فيفري 2025، استجاب رئيس الدائرة الجنائية بدوره لطلب كتابي لإخراج غازي الشواشي، الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي، من سجن إيقافه لحضور جنازة صهره. ولم تمانع إدارة السجون في كلّ مرة في الاستجابة للإذن القضائي رغم أن المعنيين “مصنفون” بعبارة إدارة السجون لمجرّد إحالتهم طبق قانون مكافحة الإرهاب. إذ كان يتولى بعض الأعوان مرافقة المعتقلين من السجن إلى المقبرة في كلّ مرة في أجواء أمنية غير مشددة، وذلك لعلمهم أن المعتقل السياسي الموقوف لا يكتسي أي خطورة أمنية ولا توجد أي مخاوف من فراره. فما هو إذًا الخطر الذي حال دون تمكين هؤلاء المتهمين من الحضور شخصيًا في محاكمتهم لردّ تهم تصل عقوبتها للإعدام؟
المحكمة، في الأثناء، ما يؤكد عدم دراستها لأي أسباب جدية للجوء للمحاكمة عن بعد في ملف “التآمر” هو أن إعلامها الموجّه لفرع المحامين تضمّن أن هذا الإجراء يسري على جميع قضايا شهر “مارس” دفعة واحدة (نحو 150 قضيّة) وإلى غاية البتّ فيها، وهو ما يؤكد الطابع التعويمي المحض. والحال أن المرور للمحاكمة المرئية دون موافقة المتهم تفترض النظر في كل حالة على حدة للتحقق من استيفاء شرط الضرورة بالخصوص.
تطبيق نصّ استثنائي خارج إطاره
إن قرار اللجوء للمحاكمة عن بعد في المنطق القانوني المحض، وعدا الخروقات في تطبيقه على النحو السابق تفصيله، وقبل الحفر في خلفيته السياسية، هو مشوب بذاته بعيوب أصيلة نتيجة للإطار الطارئ للنصّ الذي يستند عليه:
عدم جواز تطبيق “المحاكمة عن بعد” خارج حالات الجائحة
اُقحم الفصل 141 مكرّر في مجلة الإجراءات الجزائية بمقتضى مرسوم أصدره رئيس الحكومة عام 2020[2] إثر تفويض برلماني لإصدار مراسيم لمدة زمنية محددة (شهرين) بغاية وحيدة وهي “مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية”[3] . ذلك أنه بعد تعطل عمل المحاكم نتيجة الإجراءات الحكومية لمجابهة الوباء، وتحديدًا بعد تعطّل جلسات المتهمين الموقوفين المتضرّرين من عدم عقد محاكماتهم، تقرّر المضي في إمكانية عقد جلسات عن بعد. وبالتالي هذا الصنف الجديد من المحاكمات هو استثناء لمبدأ الحضور الشخصي وضعه إطار تشريعي استثنائي (مرسوم) في سياق استثنائي (مجابهة وباء)، كان يجب عدم تمديده لخارج النطاق الموضوعي والزمني لإقراره.
مرسوم فقد آثاره القانونية
إضافة لذلك، لم يعرض المرسوم على البرلمان للمصادقة في أجل 10 أيام من تاريخ انتهاء مدة التفويض الممنوحة من البرلمان إلى رئيس الحكومة (شهرين)، وكيفما يقتضيه الفصل 70 من الدستور النافذ وقتها (دستور 2014). عدم المصادقة على المرسوم برلمانيًا، صاحب الولاية التشريعية الأصلية، يجعل المرسوم يفقد آثاره القانونية. تحسم سناء بن عاشور، أستاذة القانون العام، أن عدم المصادقة تسحب أي قيمة قانونية من المرسوم، وتجعله مجرّد فعل قانوني “غير موجود” وعمل إداري في مجال خاضع للقانون طبق الدستور. تباعًا، كان يقتضي عدم مصادقة البرلمان على المراسيم عدم إعمال الإجراءات “الاستثنائية” بعد انتهاء فترة الولاية التشريعية الاستثنائية لرئيس الحكومة.
تعميم على حساب الضمانات
كان واضحًا، أيضًا، أن النص الإجرائي المستحدث لمواجهة كورونا تأثر بإكراه الاستعجال لمواجهة وضع طارئ، ومن ذلك التنصيص على عقد المحاكمة عن بعد، بصفة كليّة، من دون تمييز بين الأعمال القضائية كالاستنطاق والمكافحة وعرض المحجوز، وبما ظهر أنه يستهدف فقط الموقوفين من دون المتهمين بحالة سراح أو الشهود أو الخبراء أو المتضررين، وكذلك دون التمييز بين المخالفات والجنح من جهة والجنايات من جهة أخرى. ذلك أن الاطلاع على النصوص المقارنة التي نظمت المحاكمات عن بعد يظهر أنها غاصت في التفاصيل وميّزت بين الأعمال وذلك للمواءمة بين إعمال هذا الصنف “الاستثنائي” من المحاكمة من جهة وشروط المحاكمة العادلة من جهة أخرى. ولا ريب أن إصدار النص في إطار مرسوم حكومي طارئ، أي عدم إخضاعه للنقاش العام عبر البرلمان وبما يفترضه استباقًا إخضاعه لمشاورات معمقة في طور الإعداد، أسهم في هذا الاختزال المخلّ للنصّ، وكان كلّ ذلك على حساب مصلحة المتهم في نهاية المطاف.
حرمان المتهم من الاعتراض: خرق لحق شرعي
فرض النص أن قرار إعمال المحاكمة عن بعد محصّن من أي طلب مراجعة أو طعن، وهو ما يمنع المتهم في صورة عدم موافقته على ذلك من طلب الرقابة القضائية للتحقق من مدى احترام شروط الإعمال، أو على الأقل مراجعته بعد تقديم دفوعاته. يمسّ التغييب المطلق للمتهم من حقوقه الشرعية. المشرّع الجزائري (441 مكرر 8 من قانون الإجراءات الجزائية)، في المقابل، يمنح للمتهم حق الاعتراض وتقديم دفوعاته في مواجهة قرار إجراء المحاكمة المرئية، لتقوم الجهة الحكمية بالنظر في هذه الدفوعات قبل اتخاذ قرارها باستمرار المحاكمة عن بعد أو التراجع عن ذلك. كما تشترط “المبادئ التوجيهية لاستخدام المحاكمات عن بعد” التي أصدرتها اللجنة الأوروبية لنجاعة العدالة (CEPEJ)، التابعة لمجلس أوروبا، عام 2021 أن يكون قرار المحاكمة المرئية قابلا للطعن في القانون المحلي[4]. من الواضح أن دور المتهم يجب أن يظلّ مؤمنًا سواء كانت هذه المحاكمة تقف عند موافقته أو لا.
غياب الرقابة الدستورية
وما يعزّز شوائب النص إجمالًا هو عدم إخضاعه للرقابة الدستورية بأي وجه من الأوجه، ما يحول دون مراقبة مدى التزامه بالنظام الدستوري لتقييد الحقوق والحريات خاصة لجهة المشروعية والتناسب والضرورة. ففي فرنسا وعام 2020 أيضًا، أي في سياق مجابهة كورونا، اعتبر قضاة مجلس الدولة[5] أن عقد محاكمات عن بعد أمام الدوائر الجنائية يمثل انتهاكًا خطيرًا وواضحًا لحقوق الدفاع، إذ أكدوا في قرارهم “أهمية الوجود الشخصي للمتهم في المحكمة بسبب شدة العقوبات المحتملة ودور القناعة الشخصية للقضاة، ما يجعل ضرورة النقاش الشفوي كاملاً وفعليًا أمرًا لا يمكن الاستغناء عنه”. كما أكد المجلس، الذي قيّد حينها نطاق تطبيق أمر يتعلق بالمحاكمات المرئية، أهمية الحضور الشخصي خاصة عندما يتحدث المتهم للقضاة في نهاية الجلسة. وبالنهاية، أقصى القانون الفرنسي مثول المتهم أمام محكمة الجنايات من حالات المحاكمة عن بعد[6].
استثناء يهدّد المحاكمة العادلة
مسألة أوليّة وأساسية يجب التأكيد عليها وهو الطابع الاستثنائي المحض للمحاكمات عن بعد، أي أنها ليست مجرّد خيار متساوٍ للقاضي بين الحضور الشخصي للمتهم أو لا، بل هي إمكانية يتم اللجوء إليها في حالات محددة[7]، ولذلك مثلت دائمًا موافقة المتهم ركيزة أوليّة للمضي في هذه المحاكمة “الاستثنائية”، وأن تجاوز موافقته تقتصر في حالات “الخطر الملمّ” كوجود تهديدات أمنية خطيرة. وعنصر الاستثنائية هو عنصر جوهري يعزّز علاقة الارتباك دائمًا بين اللجوء للمحاكمة المرئية وتوفّر شروط المحاكمة العادلة. ولذلك تؤكد عمادة محامين باريس على لزوم توفّر “رقابة قضائية كبيرة” عند اللجوء لهذه الوسيلة[8].
لجأت تونس لعقد المحاكمات عن بُعد في سياق اضطراري لمجابهة كوفيد-19، ولكن استبقت عدة دول هذا الصنف من المحاكمات قبل ذلك لاعتبارات عديدة أهمها تيسير عقد الجلسات وتسريعها، وتقليص الإنفاق الناتج عن نقل الموقوفين من السجن للمحكمة. ولكن الانتقادات تسلّطت على تقلّص ضمانات المتهم بشكل مؤثر على التقدير القضائي، وعلى حريّته في نهاية المطاف.
أول التحفظات هو أن محاكمة المتهم الموقوف من قاعة في سجن إيقافه لا تسمح مبدئيًا للقاضي من استطلاع كامل لإطار الاستنطاق، وبالخصوص مدى أريحية المتهم في التصريح بأقواله. المسألة تبدو أكثر صعوبة في صورة تعرض المتهم للتعذيب أو لمعاملة غير إنسانية في سجنه، على نحو يجعله واقعًا مقيدًا حينما تتم محاكمته وهو في السّجن.
تنبّه يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء عند إصدار المرسوم عدد 12 عام 2020، لضرورة إحاطة المحاكمة عن بعد بجملة من الضمانات جزم وقتها أنها لا تتوفر في تونس، مؤكدًا، في تصريح إذاعي[9]، محورية موافقة المتهم باعتبارها عنصرًا حاسمًا، إلى جانب حق القاضي في الاطلاع على محيط المتهم وظروف إجابته على الأسئلة وهل تمارس عليه ضغوطات أم لا. بدوره، أبدى وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، وهو محامٍ مخضرم، معارضته للمحاكمة الجزائية عن بعد لأنّ الكاميرا لا تسعف القاضي في تكوين قناعته[10]. وبدوره، يعتبر محامو السياسيين الملاحقين ممّن شغلوا مناصب عليا زمن بوتفليقة في الجزائر أن محاكمة منوّبيهم من دون إحضارهم أمام المحكمة تمسّ من حقوق الدفاع.
المعضلة التقنية عنصر إشكالي دائمًا وهو متعدّد المخاطر، بداية من جودة الصوت والصورة، بما يؤثر بالضرورة على جودة استنطاق المتهم، إذ أن التعرض لمشاكل تقنية متعددة، يجعل القاضي والمتهم على حد سواء في وضع غير مريح، وربّما تدفع القاضي للاختصار في وقت الاستنطاق وعدم التعمّق في بعض الجوانب على حساب البحث عن الحقيقة. ولذلك تشترط المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن اللجوء إلى المحاكمات عن البعد إضافة بأنه مشروط بوجود هدف مشروع وبطريقة تضمن حقوق الدفاع، أيضًا بشرط عدم وجود صعوبات تقنية. من جهته يقرّ المجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين أن هذه الجلسات قد تسبّب عيبًا بخصوص مدى إدراك القاضي للأقوال وردود أفعال الأطراف أو مدى دقتها. أكثر من ذلك، المحاكمة عن بعد تتعارض مع مبدأ أساسي، أقرته بالخصوص الأنظمة القانونية في دول ايبيريا الأمريكية (أي الناطقة بالأسبانية والبرتغالية)، وهو مبدأ الفورية الذي يعني التفاعل المباشر والحيني بين القاضي والمتهم وبقية أطراف المحاكمة[11].
كذلك تؤثر هذه المحاكمة “الاستثنائية” في تحقق مبادئ صارمة أخرى للمحاكمة العادلة: مبدأ العلنية، وأيضًا مبدأ المساواة. المعلوم أن علنية المحاكمة هي أن تكون مفتوحة للعموم، والمحاكمة عن بعد قد يظهر أنها لا تهدّدها باعتبار تكتفي باستنطاق المتهم من غرفة خاصة بالمؤسسة السجنية مع إمكانية حضور أي كان للجلسة وبالتالي سماعه. والواقع، أن ذلك ليس مؤمنًا، وقبل ذلك غير كاف. يعرقل تشوّش الصوت أو انقطاعه أو ضعفه دون قدرة الحاضرين في القاعة على سماع أقوال المتهم، ولا ملاحظة سلوكه الجسدي، ونفس الشيء بنسبة لسماع المحامي إن اختار الترافع من خلوة البث وليس من قاعة الجلسة. أثبت التطبيق في عديد المناسبات صعوبة تأمين اطلاع واسع للشخص على كافة أطوار الجلسة. ولذلك نبّهت مؤسسة “المدافع عن الحقوق” (عمومية فرنسية) من مخاطر الجلسات المرئية على علنية المناقشات واحترام مبدأ المواجهة.
أيضًا، فرض حضور المتهم الموقوف عن بعد مقابل حضور ممثل النيابة العمومية، الذي يكون في تواصل مباشر مع قضاة الدائرة، يخلّ بمبدأ المساواة بين المتهم والنيابة في المحاكمة إذ. يظهر المتهم مُبعدًا ومعزولًا بالكاد يُرى عبر الشاشة، مقابل حضور جهة الاتهام التي لها فرص أكثر، في حالة الترافع، في تبيان قرائن الإدانة في الجلسة. تختلّ أيضًا المساواة بين المتهم الموقوف والمتهم في حالة سراح الذي يمثل شخصيًا أمام الدائرة. فإن اتفقنا ان المحاكمة عن بُعد تقيّد إعمال حقوق المتهم على أحسن وجه، فبالتالي يصبح المتهم الماثل شخصيًا في وضع أفضل من المتهم الماثل عن بُعد، والحال أن الموقوف بحاجة لضمان أفضل الظروف لحسن دفاعه لأنه يدافع عن حريته بشكل مباشر.
والمحامي أيضًا قد يتأثر بدوره سلبًا من عقد المحاكمة عن بعد. الفصل 141 مكرّر يبيح للمحامي إما الترافع من خلوة البث في السجن أي إلى جانب منوّبه أو من قاعة المحكمة أي أمام الدائرة: وبالتالي يجد نفسه في الحالة الأولى معزولًا عن مسرح المحاكمة ويخشى أن تعوق المطبات التقنية دون إيصال صوته وأيضًا عنفوانه كما يجب للقضاة، فيما يجد نفسه في الحالة الثانية، وهي المفضّلة في التطبيق باعتبار أن المرافعة تتوجّه للقضاة، في وضع مثير للريبة كذلك بعيدًا عن منوبّه الذي ربّما لا يسمعه بشكل كاف. والصورة أكثر تعقيدًا في صورة تعدد المحامين بين الموجودين إلى جانب المتهم والموجودين بقاعة المحكمة، وهو ما يحول دون إمكانية التنسيق الحيني فيما بينهم. عادة تُشبّه المحاكمة بأنه أشبه بعرض مسرحي يضم المتهم والمحامي والقاضي وممثل النيابة، وهو ما يجعلها تكسب شغفًا في المادة الجزائية خاصة وأن الحكم يقوم على وجدان القاضي، ولكن في المحاكمة عن بعد يضعف كل ذلك. يصبح العرض المسرحي مفكًكًا ويفقد الطابع الخصوصي للمحاكمة. فـ”الشاشة تخلق حاجزًا”/ Ecran fait écran بعبارة المحامي الفرنسي جون دانات[12].
عن محاكمة تخدش العدالة
لا تقتصر المسألة بذلك على تهديد ضمانات المحاكمة العادلة لكن أيضًا في مقاربة العدالة بذاتها. فمثلًا المعضلة بالنسبة للمشاكل التقنية لا تقف عند جودة الصوت والصورة، بل في كيفية عقد الجلسة المرئية ذاتها. إذ يتحوّل المتهم، في الأثناء وبشكل ما، في المحاكمة عن بعد إلى ضحية، عندما يجد نفسه لوحده أمام الكاميرا، يرى فقط ما تُريه إياه الكاميرا المثبتة في قاعة الجلسة، ولا يستطيع أن يعاين وجوه القضاة الذين سيحكمون عليه وأيضًا لا يستطيع متابعة الأجواء في قاعة الجلسة. تنشأ، في الواقع، مسافة نفسية بالنسبة للمتهم، وليس مجرد مسافة جغرافية بين موقعه في غرفة بالسجن ومقر المحكمة، خاصة وهو يفقد القدرة على التفاعل المفيد بالنسبة إليه سواء مع محاميه أو القضاة، فهو الوحيد غير الحاضر بجسده في محاكمة هو، للمفارقة، محورها. فإن كانت المحاكمة أشبه بمسرحية المتهم هو بطلها، ففي المحاكمة عن بعد تفتقد المسرحية لبطل[13].
إضافة لذلك، فالمعلوم أن التواصل غير اللفظي هو عنصر فاعل في المحاكمة الجنائية. وقد اعترف قضاة، في مخاض تقييمي في أوروبا، بأن الجلسات المرئية لا تعادل التواصل وجهًا لوجه مع المتهم، بل تسبب في الواقع تشويشًا في التواصل معه[14]. وفي هذا الجانب، تشير الباحثة ناتالي بريغودسكي-ليونيت أنه حسب دراسات في الأوساط الأنغلوسكسونية، أظهرت أن الجوانب الشكلية للمحاكمة عن بعد لها تأثير كبير على الحكم، فعلى سبيل المثال، زاوية الإضاءة تؤثر في تقييمات التعاطف، والصور الأمامية تؤدي إلى تقييمات أكثر سلبية من الصور الجانبية، بينما يعتمد إدراك المشاعر على جودة الصورة. إذ أن عدم رؤية ملابس المتهم، وكيفية وقوفه، وكيفية تفاعله، سيؤدي، من خلال عدم جمع هذه “التفاصيل الصغيرة” إلى عدالة غير مخصصة لأننا نقوم بحذف الجسم والعواطف[15].
ولكن أخطر النتائج وردت في بريطانيا وهي ثبوت ارتفاع نسبة أحكام الإدانة والعقوبات السجنية العالية في المحاكمة المرئية مقارنة بالمحاكمة العادية[16]. بدورها شملت دراسة تقييمية أخرى في بريطانيا مقابلات مع المحامين[17]، أكدت تسجيل ثغرات نظامية في المحاكمة عن بعد منها بالخصوص حق المشاركة الفعالة في المحاكمة، والحق في الطعن الفعال من الحرمان من الحرية، وأيضًا الحق في الإبلاغ عن التعذيب وسوء المعاملة، ولذلك دعت الدراسة للجوء لهذه المحاكمات بحذر واعتدال، مع تحديدها في بعض المراحل الإجرائية فقط.
قضية التآمر: الأضواء يجب أن تسطع بقوّة
في الختام، إن إيداع سياسيين مخضرمين معروفين بنشاطهم السلمي في السجن طيلة سنتين، وطلب محاكمتهم مع آخرين في قضية تضم 40 متهمًا في المجمل، من أجل ارتكاب جرائم إرهابية والاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي تصل عقوبتها للإعدام، يجعل، كلّ ذلك، محاكمة بحضور المتهمين في قاعة الجلسة مع تأمين علنية موسّعة، بتيسير التغطية الإعلامية، هو استحقاق ليس للمتهمين فقط، ولكن أيضًا للرأي العام.
ولذلك تطالب هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين أن تكون هذه المحاكمة، التي طال انتظارها، تحت الأضواء الكاشفة: ليتحدث المتهمون مباشرة أمام العموم بكل حرية ولتنكشف أوراق الملف لتبيان، وفق تأكيدها، أنها قضية “تآمر على المعارضة” في الأصل وذلك بإيعاز من السلطة السياسية التي طلبت بنفسها إثارة التتبعات، وتابع رأس السلطة بنفسه الأبحاث قبل فتح التحقيق القضائي.
تؤكد هيئة الدفاع بذلك أن “الحقيقة” التي سعت السلطة، من جهتها، لتقييدها والتعتيم عليها بأشكال متعدّدة منها قرار منع التداول الإعلامي خلال الطور التحقيقي والتتبعات القضائية ضد المحامين لفرض حالة من الترهيب، لا يجب مواصلة عرقلتها مجددًا في الطور الحكمي. لكن فرض إجراء المحاكمة عن بُعد، بطريقة تعسفية وأيضًا مخالفة للقانون، يزيد في تعزيز القناعة بسعي السلطة لخنق الحقيقة وتقييد الدفاع. وهو ما ينسف أكثر شروط المحاكمة العادلة غير المؤمنة بطبيعتها انطلاقًا من جهة استقلالية القضاء وذلك في ظل واقع سطوة السلطة التنفيذية في ردهات المحاكم عبر تعيين وزيرة العدل بنفسها للقضاة. بالنهاية، إن من يدّعي البحث عن الحقيقة هو من يوفّر أسبابها لا من يدفع نحو تكبيلها.
[1] Crim. 20 juin 2017, n°17-82.062.
[2] مرسوم من رئيس الحكومة عدد 12 لسنة 2020 مؤرخ في 27 أفريل 2020 يتعلق بإتمام مجلة الإجراءات الجزائية.
[3] الفصل الأول من القانون عدد 19 لسنة 2020 مؤرخ في 12 أفريل 2020 والذي يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).
[4] Commission européenne pour l’efficacité de la justice (Cepej), Lignes directrices sur la visioconférence dans les procédures judiciaires (2021), p.11.
[5] Le juge des référés suspend la possibilité d’utiliser la visio-conférence lors des audiences devant les cours d’assises et les cours criminelles, Ordonnance du 27 novembre 2020.
[6] Circulaire du 1er août 2024 relative au recours à la visioconférence en matière pénale.
[7] للاطلاع حول ذلك:
Khaled Atmani, La visioconférence dans le procès pénal; un outil technique à rationnaliser La revue droit et société, num 10, juillet septembre 2023.
[8] L’usage de la visioconférence en matière pénale Réponse à la circulaire du ministère de la Justice du 2 août 2024, ordre des avocats de paris, 19 novembre 2024.
[9] ضمانات المحاكمة عن بعد لا تتوفر في تونس وأبرزها موافقة الموقوفين، 30 أفريل 2020، موقع موزاييك.
[10] وهبي: أنا ضد المحاكمة عن بُعد والقاضي مطالب بحماية المتّهم من التعسف، جريدة المدار، 29 نوفمبر 2022.
[11] Milano Laure, Visioconférence et droit à un procès équitable, RDLF 2011, chron. n°08.
[12] Expression de l’avocat français Jean DANET dans Justice pénale entre rituel et management, Presses
universitaires de Rennes, 2010, p. 198.
[13] Perrocheau, V. et Zerouki Cottin, D., 2018. La visioconférence dans le procès pénal français, d’un rituel a l’autre? Oñati Socio-legal Serie V8, N3, p 353.
[14] ; F. Pillot, « La visioconférence. Ethique, modernité, humanité », Intervention à la Conférence des Cours d’appel de l’UE, 2011
[15] انظر حول هذا المعنى:
Jérôme Leborne, La vidéojustice : la justice pénale à l’ère de la vidéo, cahier Droit, sciences et technologies, num 13, 2021, p. 93-109.
[16] Matthew Terry, Dr Steve Johnson and Peter Thompson, Virtual Court pilot Outcome evaluation, Ministry of UK Justice Research Series 21/10, December 2010.
[17] Commonwealth Human Rights Initiative (CHRI), Disconnected: Videoconferencing and Fair Trial Rights, 2020.