بتاريخ 7 حزيران 2018، مثل أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت عبير صفا، أعضاء في حملة "من أجل الجمهورية"، هم سينتيا سليمان، ماري جوزي قزي وماتيو ميشال الحلو، و المحاميان مروان معلوف وفؤاد الدبس. الناشطات[1] الخمس كنّ تعرضن للتوقيف من قبل فصيلة رأس بيروت بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بتاريخ 9 شباط 2016، خلال قيامهم برش شعارات إعتراضية على بلوكات باطون هدفها التنديد بزيادة الضرائب. وتدخل هذه القضية ضمن سلسلة من المحاكمات اعتراضية حصلت في إطار الحراك العام 2015 وذلك بعدما ادعت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت على العديد من المعارضات.
وقد إدعت النيابة العامة عليهم بموجب المواد 383، 385 و386 و730 و750 من قانون العقوبات، أي بجرائم القدح والذم والتحقير وتخريب أملاك وساحات عامة. أما الشعارات فكانت الآتية: "لا لزيادة الضرائب؛ إيدكن ع جيبتكن؛ انتو بتسرقوا ونحن مندفع؛ ما رح ندفع".
يبرز في هذه الجلسة، تمسك الناشطات بتدوين موقف حقوقي سياسي مؤداه أن تحركهم هو بطبيعته يدخل ضمن إطار الحق بالتعبير. ولو لم يكن كذلك، فلا بد من أن يوضع في هذا السياق في مرحلة كان المواطن مجردا فيها من حقه بالإقتراع. وقد طلبن من المحكمة اعتبار أن ما قمن به لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وتاليا وقف التعقبات بحقهن. إلى ذلك، طلب معلوف تدوين أن "بعض النيابات العامة إستنسابية في ملاحقاتها وهي تستهدف ناشطي الحراك (2015) على خلفية آرائهم السياسية المعارضة".
كما عبر هؤلاء عن موقف سياسي ضمن محضر إستجوابهم. وكان ذلك من خلال التأكيد على كون تحركهم يقع في سياق الحق بالتعبير، وهو ما يكتسب قيمة إضافية في ظل حرمان المواطنين من حقهم بالإنتخاب.
قامت القاضية صفا بإستجواب الناشطات ضمن جلسة علنية، ثم ترافع المحامون وأرجئت القضية للحكم فيها بتاريخ 31 تشرين الأول 2018.
الاستجواب
ارتكزت أسئلة القاضية صفا للمدعى عليهم، على ثلاث مسائل: ما الذي فعلوه ليتم توقيفهم والادعاء عليهم بهذه الجرائم؟ ما الذي قصدوه من الشعارات التي قاموا برشها على البلوكات؟ ما هو الهدف من رش الشعارات، هل يتضمن قصداً بالإساءة لأشخاص بالذات؟
بدايةً، استعاد معلوف قصة التحرك الذي قامت به مجموعة "من أجل الجمهورية". يقول أنه "عند توقيفنا من قبل الفصيلة، كنا نقوم برش عبارات على بلوكات باطون موجودة في الطريق، وذلك بهدف التعبير عن فكرة سياسية". وقتها، "لم نكن نعلم لمن تعود هذه البلوكات، هل هي للبلدية أم للدولة، كل ما نعرفه أنها ليست أملاكا خاصة وأن الـ (سبراي) الذي إستخدمناه يزول بعد فترة". يضيف معلوف أن "تحركنا جاء على خلفية جلسة للحكومة عقدت وقتها، وقد طرح فيها أن يتم رفع سعر البنزين 5000 ليرة لبنانية لتغطية تكاليف ترحيل النفايات".
يؤكد الناشطون جميعاً أن تحركهم لم يهدف بأي شكل من الأشكال إلى التخريب، ولا حتى إلى إستهداف أشخاص بذاتهم. على العكس من ذلك هو بشكل حصري "إعتراض على سياسة الحكومة، ورفض ما كانت تنوي القيام به لجهة فرض ضريبة إضافية على البنزين قيمتها 5000 ليرة" وفقاً لمعلوف. بالتالي "إنها تستهدف الحكومة، والأحزاب السياسية الممثلة فيها، والشعارات كانت عامة ولا تتعلق بشخص بذاته". من جهته، عبّر الدبس عن هذه الوجهة بالقول أنها كانت "الطريقة الوحيدة في مرحلة لم تكن تحصل فيها إنتخابات بينما نواجه أزمة نفايات أيضاً، بالتالي لا طريقة غير التظاهر والتحرك ضمن هذه الأدوات للتعبير عن رفضنا".
المرافعة
"من منا يريد أن تتم زيادة الضرائب عليه؟" يسأل وكيل الحلو المحامي الياس سلامة في مرافعته الشفهية. ثم يتطرق سلامة إلى مسألة إستنسابية الملاحقة والعقاب، التي تطال الحركات الإعتراضية فيما تغفل عمّن هم في السلطة.
في هذا السياق، يقول "هذه الشكوى هي بخصوص قضية عامة تهم الحياة العامة، نقول ان هؤلاء شجعان وقفوا وقالوا لا ورفضوا الضرائب، ولا يجوز معاقبتهم". ليعود لاحقاً ويقول أنه "لو قبلنا أن ما قاموا به جرم، فنحن نريد أن يتم تجريم كل الذين علقوا صورهم خلال الانتخابات على الأملاك العامة". وانتهى سلامة إلى طلب "كف التعقبات لعدم توافر العناصر الجرمية، وإلا وقف تنفيذ العقوبة لوجود ما يبرر الأفعال المنسوبة إلى المدعى عليهم".
من جهته، يستند الدبس في مرافعته إلى المادة 13 من الدستور، إلى جانبها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، اللتين تكفلان الحق بالتعبير الحر، ليؤكد أن هذه الحرية تبقى القاعدة العامة التي لا "يحدها إلا القانون وهي حدود إستثنائية يقتضي أن يحدد إطارها بصورة ضيقة واستثنائية". وبما أن الشعارات التي قام بكتابتها المدعى عليهم "هي تعبير عن وجهة نظر سياسية ودعوة لرفع الضرائب غير المحقة والتي أصبحت ترهق كاهل المواطن اللبناني دون أن تقوم الدولة بمقابل فرض هذه الضرائب بتأمين أبسط مقومات العيش المحترم لهذا المواطن الذي أصبح أكثر من نصفه يرزح تحت كاهل الفقر". وفعلهم بهذا المعنى "أمر مباح وهو فعل ليس فيه قدح ولا إهانة أي ليس فيه مساس بشرف الغير أو اعتباره أو سمعته". أما لناحية الإدعاء على الناشطين بـ "هدم وتخريب الأبنية والأنصاب التذكارية والتماثيل وسائر الإنشاءات المعدة للنفع العام أو للزينة العامة وأي شيء له قيمة تاريخية والمناظر الطبيعية المسجلة". فإنه، وفقاً الدبس، "غني عن الذكر أن بلوكات الباطون الموضوعة على جانب الطريق لا تشكل قيمة تاريخية أو تزيينية أو انشاءات معدة لمنفعة الجمهور بل هي مخصصة لتشويه المنظر العام ولحماية أفراد غير معلومين وبالتالي هي موضوعة لمضايقة وإزعاج الجمهور وليس لمنفعته ولا تشكل قيمة اجتماعية عامة".
مقالات ذات صلة:
قرار استئناف بيروت في قضية غرافيتي: تفسير مفهوم الدفع الشكلي منعاً للادعاء تعسفاً أو جزافاً
شعارات الثورة المستمرة لا تشكل جرما على جدران بيروت: حرية الغرافيتي في حمى القضاء مجددا
أعمال القضاة اللبنانيين في 2012: أين نجح القضاة في حماية الحقوق الأساسية والحريات العامة؟
"غرافيتي" او مطاردة السحرة
الغرافيتي أمام محكمة قابس: غزوة فنية مستحبة أم طغيان للشعارات السياسية؟
[1] هذا المقال يعتمد أسلوب الحيادية الجندرية، بحيث أن التأنيث كما التذكير بالجمع يرمز إلى الذكور والإناث معا.