لم تَرُق الخطوة التصعيدية للمجموعات المنتفضة في عكار وعلى رأسها خيمة إعتصام حلبا، بإجبار المحافظ على مغادرة مكتبه في سراي حلبا، للفعاليات السياسية والمرجعيات الروحية التي تشكّل قوى وازنة في المنطقة. ولكنّ جميع الضغوطات التي تعرّض لها المنتفضون سواء من قبل الفعاليات المذكورة أو من قبل أبناء المنطقة المعارضين للإنتفاضة، لم تؤدّ إلى أي نتيجة. إلّا أنّ حرص مجموعات الحراك والمنتفضين عموماً تجاه منطقتهم كان كفيلاً بأن يعاودوا التفكير مرة أخرى في إمكانية عودة المحافظ إلى منصبه من جديد، إهتماماً منهم بأحوال أبناء منطقتهم جميعاً وليكون هنالك وجود رسمي لممثل عن الدولة يتابع ملفات الناس ويسيّر أمورهم.
يؤكّد غيث حمّود الناطق بإسم خيمة اعتصام حلبا، لـ"المفكرة" أنّه وبغضّ النظر عن المسار "العنيد" للإنتفاضة التي تشهدها عكار إلّا أنّ الواقع أحياناً يفرض المساومة، أو أقلّه الخضوع لضرورات الواقع. لذلك إجتمعت المجموعات الأساسية التي تنظم الحراك وتقوده في عكار أي كل من "خيمة العبدة" و"خيمة الجومة" وخيمة "حلبا" يوم السبت الماضي، وأصدرت بياناً أعلنت فيه عن عودة المحافظ عماد لبكي إلى مكتبه لمزاولة وظيفته. وأقرّ المنتفضون في بيانهم بأنّهم نسّقوا حصريّاً ولوحدهم مع المحافظ لأجل عودته بلا أي غطاء سياسي أو ديني أو أمني بعد أن تعهد الأخير لهم بمكافحة الفساد والتشديد على القيام بكامل واجباته.
يوضح غيث حمّود أنّ "المحافظ وافق على شروط معيّنة أهمّها مواجهة أي خرق على الصعيد القانوني وفتح ملفات الفساد المتعلقة بالبلديات من أجل العمل لخدمة عكار والنهوض بأحوالها". ويُضيف "خطوة إخراج المحافظ إعتززنا بها ورأيناها وهجاً في ثورة عكار إلّا أننا إتفقنا سوياً على تغليب المصلحة الأسمى أي مصلحة عكار، وقررنا أن نعمل معه، يداً بيد لتحقيق النهضة المرجوّة، كما أننا لا نريد الإنجرار إلى أي حادث أمني يحاول إستدراجنا إليه بعض المنتفعين المحرّضين".
لجنة مشتركة بين المحافظ والمنتفضين
وإجتمعت مجموعات الحراك اليوم الأربعاء 29 كانون الثاني في مكتب المحافظ حيث شرح غيث حمّود الذي تحدّث باسم المجموعات للمحافظ أنّ حادثة إخراجه من مكتبه لم تأت لدواعٍ شخصيّة بتاتاً بل نتيجة نهج وخطوات خاطئة إتخذها المحافظ. وأضاف متوجّهاً إلى المحافظ: "نرحّب بعودتك ونحن على ثقة كاملة بأنّ الوجه العملي لدورك الوظيفي سيكون مغايراً هذه المرة، فلتعلم أننا معك وأنّ مهمتك هي مهمتنا، تقع على عاتقنا كحراك أيضاً".
وطرح الموجودون هموهم، وشاركوا المحافظ معاناتهم وآراءهم المتعلّقة بأحوالهم المعيشية وأحوال منطقتهم. وبدا المحافظ وكأنه يعلم ما يعانون منه لا بل شاركهم هواجسهم وشدد أمامهم بأنه ملتزم كلياً بالإصلاح وبملاحقة قضايا الفساد.
وردّ غيث حمود بالقول إنّ الحراك إتفق على أن يسير وفقاً لخطوات تبدأ بالمحاسبة من رأس الهرم. وهو ما أكده الناشط جورج زريق الذي توجّه إلى المحافظ بقوله: "أثني على ما قاله الرفاق الحاضرون هنا بأنّك المسؤول الأكبر في عكار، نحن نريد أن نتعاون معك حتى النهاية ولا نريد منك أن تخضع لأي ضغط من أي جهة كانت".
وأعلن المنتفضون عن خطتهم المقبلة التي تقوم على تشكيل لجنة متابعة من أعضاء من الحراك مع المحافظ ليفتحوا ملفات الفساد بالكامل لمتابعتها بتفاصيلها بدون أن يمرّوا بمركزية البلديات، كون المراكز البلدية نفسها تعاني من الفساد. وقد وافق لبكي على العمل مع المجموعات وعلى تشكيل اللجنة ولكنه شدد على ضرورة إحترام المسار الذي تتخذه الملفات عادة خصوصاً الحصول على موافقة وزارة الداخلية في أية قضية مطروحة.
وتابع لبكي: "أريد أن نتساعد، أريد المضي قدماً معكم والعمل للنهوض في عكار، لكن الهدوء والرويّة سمتان مطلوبتان للغاية". وأضاف "كل ما سمعته من شكواكم عن المسائل العالقة مثل موضوع النفايات والأمن، والإحتكار وغيرها سنعمل سوية على متابعتها رغبة منّا بأن نقضي على هذا النهج المسيء، ولكن علينا متابعة القضايا بدقة وبهدوء لكي نستطيع أن نكوّن ملفاً، صلاحياتي كلها واضحة وهي خدمة ما إتفقنا عليه إلا أن ما أريد هو الدقة والمتابعة".
وبعد أن إتفق جميع الحاضرين على تشكيل لجنة عمل سريعة لمتابعة القضايا والملفات، ختم حمّود اللقاء بفتح نافذة على مسألة بالغة الأهمية برأي الحراك وهي "أن يعرف الرأي العام من هم الفاسدون الذين جاوروك وكانوا إلى جانبك من قبل إذ لا يمكننا غض النظر عن تلك المسائل أيضاً، يجب علينا عند تشكيل اللجنة البدء بتقصّي الحقائق من هنالك".
وكان المنتفضون في عكّار اقتحموا مبنى المحافظة في 12 كانون الأول/ديسمبر ونجحوا في انتزاع ملفات تتعلّق ببلدية حلبا المنحلّة التي هي في عهدة المحافظ منذ أكثر من سنة. وحاصر المتظاهرون سراي حلبا ونجحوا في الدخول إلى مكتب اللبكي مجبرين إيّاه تحت الضغط على تسليم الملفات ومغادرة مكتبه.
وقال المنتفضون إنّ اقتحام سراي حلبا جاء رفضاً للفساد المتفشّي في بلديات عكار ورفضاً لممارسات المحافظ اللبكي شخصياً.