أقر مجلس النواب في غفلة من الزمن مجموعة من القوانين بتاريخ 12 و13 تشرين الثاني وأحالها للحكومة بغية إصدارها. وبالفعل، من خلال مراجعتنا للعدد 48 من الجريدة الرسمية تاريخ 26 تشرين الثاني 2015 يتبين لنا أن مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة عملا بأحكام المادة 62 من الدستور قام بإصدار 38 قانونا تحمل جميعها تاريخ 24 تشرين الثاني 2015.
والملاحظة التي لا بد من الاشارة اليها هنا، وبغض النظر عن مضمون هذه القوانين الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، تتعلق بتحديد الجهة التي أصدرت هذه القوانين. فالنصوص المنشورة في الجريدة الرسمية تحمل جميعها في مطلعها الجملة التالية: “أقر مجلس النواب، وينشر مجلس الوزراء استنادا إلى المادة 62 من الدستور القانون التالي نصه…”. لكن كيف تمكن مجلس الوزراء من ممارسة صلاحية الإصدار وهو لم يجتمع في جلسة خلال كل هذه الفترة الماضية بسبب الخلاف المستحكم بين مكوناته السياسية المتعددة.
وحقيقة الأمر أن مجلس الوزراء بعد الشغور في رئاسة الجمهورية، ميّز بين المراسيم العادية التي يصدرها رئيس الجمهورية دون موافقة مجلس الوزراء وتلك التي لا يحق لرئيس الجمهورية إصدارها إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وقد عمدت الحكومة إلى الاكتفاء بجمع تواقيع الوزراء على المراسيم العادية بغية إصدارها بينما تحتاج الفئة الثانية من المراسيم الى التئام مجلس الوزراء في جلسة له من أجل الموافقة عليها ومن ثم تصدر ممهورة بتواقيع الوزراء.
إن هذا التمييز الذي ابتدعته الطبقة السياسية كي تتمكن من تمرير مصالحها مع احتفاظ كل فريق بموقفه السياسي الرافض لانعقاد مجلس الوزراء يحتاج الى التوضيحات التالية:
· ان مجلس الوزراء عبارة عن سلطة دستورية لا يحق لها ممارسة صلاحياتها إلا وفقا لأحكام المادة 65 من الدستور التي تحدد اختصاص هذا الأخير وكيفية اتخاذ القرارات والنصاب الضروري لانعقاد مجلس الوزراء في جلسة قانونية.
· ان الحكومة ليست مجلس الوزراء أي اننا لا نستطيع المساواة بين مجموع الوزراء ومجلس الوزراء. فلو افترضنا أن الوزراء أجمعوا على قرار ما فإن اجماعهم لا يعطي مفاعيله القانونية إلا إذا تم التعبير عنه في مجلس الوزراء المنعقد أصولا، وبالتالي لا يحق للوزراء مهما بلغ عددهم إصدار مراسيم لم تقر في جلسة رسمية لمجلس الوزراء.
· لذلك، إن جميع المراسيم، أعادية كانت أم لا، تحتاج إلى اقرارها في مجلس الوزراء عند خلوّ سدة الرئاسة.
وبما أن المادة 51 من الدستور أناطت صلاحية إصدار القوانين برئيس المجهورية فإن تلك الصلاحية انتقلت إلى مجلس الوزراء مجتمعا وليس إلى مجموع الوزراء أو إلى الحكومة ولا يمكن إصدار القوانين ونشرها إلا بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء عليها في جلسة دستورية له.
وما يؤكد هذا الأمر أن مجموعة من القوانين المعجلة النافذة حكما صدرت في 11 تشرين الثاني 2014 عندما لم يتمكن مجلس الوزراء من إصدارها في المهلة الدستورية بسبب الخلاف السياسي بين مكوناته. إذ نقرأ على سبيل المثال في حيثيات القانون رقم 16 والمتعلق بتمديد ولاية مجلس النواب التالي: “وبما أن أمين عام مجلس الوزراء أبلغ مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة في السراي الكبير بتاريخ 6/11/ 2014 باقرار القانون المعجل المذكور أعلاه…وبما أن مهلة الخمسة أيام المنصوص عليها في المادة 56 من الدستور قد انقضت بتاريخ 10/11/2014 دون أن يصدر مجلس الوزراء بصفته مناطة به صلاحيات رئيس الجمهورية القانون المعجل (…) أو يعيده إلى مجلس النواب…”. فلو كان إصدار القوانين لا يحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء لماذا الاشارة إلى ابلاغ الأمين العام مجلس الوزراء باقرار القانون واحتساب سريان مهلة الخمسة أيام من تاريخ هذا الابلاغ؟
وهكذا يصبح من الجلي لدينا أن السلطة المهيمنة على البلاد رأت أن انعقاد مجلس الوزراء دونه عقبات تتعلق بحسابات الأحزاب السياسية التي تسخر عمل المؤسسات الدستورية لتحقيق مصالحها الضيقة. لذلك ارتأت أن تقوم باصدار هذه القوانين دون انعقاد مجلس الوزراء علما أن الحكومة كان يمكنها انتظار انقضاء مهلة الاصدار كي تصبح هذه القوانين نافذة حكما.
ولا بد من الاشارة في النهاية أن جميع هذه القوانين صدرت تحت عنوان “قانون معجل” علما أن جميعها لم يرد في مادتها الأخيرة ضرورة استعجال اصدارها كما يجري عادة. لا شك انها عجلة الفساد والمحاصصة التي دفعت مجلس الأمر الواقع والفاقد للشرعية إلى اقرار هكذا قوانين.
نشر هذا المقال في العدد | 34 |كانون الأول/ديسمبر/ 2016 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
المجلس الدستوري أمام استحقاقه الأكبر:التمييز ضدّ النساء غير دستوريّ