يتبيّن من قراءة قرار المجلس الدستوري رقم 7/2014 تاريخ 28/11/2014 والصادر بالطعن في قانون تمديد ولاية مجلس النواب، أن المجلس الدستوري قد استطاع في حكمه المذكور أن يتجنّب الدخول في خصومة مع السلطة التشريعية، وفي ذات الوقت قضى بعدم دستورية القانون المطعون فيه في حيثيات قراره بل وفي الفقرة الحكمية أيضاً. ويبدو أنه نجح باستعارة نظرية الأعمال الحكومية التي يلجأ إليها القاضي الإداري عندما يكون القرار المطعون فيه متعلقاً بقضية تكون فيها السلطةّ التنفيذية متصرّفة بصفتها سلطة دستورية وليس بصفتها الإدارية فيردّ الطعن دون أن يكلّف نفسه عبء مواجهة هذه السلطة، وهي مواجهة ستكون بالنسبة له مواجهة خاسرة.
وهنا يمكننا أن نتذكر قضية الطعن بمرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخابات بيروت والمتن الفرعية في العام 2007، حيث نأى يومها مجلس شورى الدولة بنفسه عن نزاعٍ له صبغة سياسية، فلم يعلن أن المرسوم مشروع أو غير مشروع مع ما يترتب على ذلك من نتائج على صعيد النزاع السياسي بين الفرقاء اللبنانيين، ولم يشأ أن يظهر بحكمه داعماً لوجهة نظر طرف سياسي بمواجهة الطرف الآخر. وإنما ردَّ الدعوى لعدم الصلاحية نائياً بنفسه عن الدخول في صراعٍ شديد الاحتدام([1])، وكذلك عند فصله بالطعن الموجه ضد مرسوم التجنس، فلا أبطل المرسوم ولا أعلن مشروعيته، وإنما استخدم حيثيات فضفاضة ليقنع الرأي العام بأن صلاحية البت في صحة تجنس كل متجنس بالجنسية اللبنانية إنما هي من اختصاص وزارة الداخلية والبلديات([2]). وأما مبرر عدم بت القضاء الإداري في قضايا تثير حساسية السلطة الإدارية، فنجده في حكمٍ قديمٍ لمجلس شورى الدولة، أفصح فيه عن هذه الأسباب، مبيّناً أن الاعتراف للحكومة بحق الاستئثار بأعمال محدودة معينة غير قابلة النقد والطعن أمام السلطات القضائية الإدارية، هو ما دفع الحكومة أن تقبل بأن تكون سائر أعمالها الأخرى قابلة للنقد والطعن. ولو لم تكن الحكومةعلى يقين من أن هناك فئة من أعمالها غير خاضعة لرقابة مجلس الشورى لكانت تنازعه الاختصاص في نقد جميع أعمال السلطات العامة"([3]).
ويبدو أن المجلس الدستوري قد اختار ذات المنهجية في قراره المتعلق بردّ الطعن بقانون تمديد ولاية مجلس النواب، مقرّاً بأن الخصومة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية قد تكون مكلفة. فالسلطتان المذكورتان لم تتحمّسا لإنشاء هذا المجلس، بل لم تستسيغا يوماً وجوده. فبالرغم من إنشائه بموجب القانون الدستوري رقم 17 تاريخ 21/9/1990، فلقد شكّلت هيئته الأولى بعد أكثر من ثلاث سنوات حيث اكتمل تعيين أعضاء المجلس الأول بتاريخ 23/3/1994، ثمّ جرى تعطيله في العام 2005 بموجب القانون رقم 679تاريخ 19/7/2005، وبقي المجلس الدستوري معطّلاً بسبب عدم تعيين أعضاء بدلاً من المنتهية ولايتهم حتى تاريخ 30/5/2009.
ومن خلال هذه المقدمة يمكننا قراءة قرار المجلس الدستوري الصادر في الطعن بقانون التمديد. بدايةً نشير أن المجلس قد تبنى كافة أسباب الطعن المدلى بها من الجهة المستدعية، بل وكان متقدّماً عليها في نقاطٍ أخرى في اثبات عدم دستورية قانون التمديد. وعند البت بأسباب الطعن كان المجلس يختم كل فقرة من فقرات حكمه ببيان أن القانون المطعون فيه مخالف للدستور، وعاد وأكّد في فقرته الحكمية على عدم دستورية هذا القانون. ومن المسلم به أن الحيثيات التي يتضمّنها الاجتهاد الدستوري هي ملزمة بقدر ما هي فقرته الحكمية ملزمة. وأن مصدر هذه الإلزامية هي المادة 13 من القانون رقم 250 الصادر بتاريخ 14/7/1993 المتعلق بإنشاء المجلس الدستوري التي نصّت على أن :"تتمتع القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بقوة القضية المحكمة وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والادارية"([4]).
وحجتنا في إثبات إلزامية الحيثيات إلى جانب الفقرة الحكمية، يمكن استخلاصها من مقاطع مقتبسة من دراسة أعدّها د. طارق المجذوب، أثبت فيها أن الحجية أو القوة الإلزامية لقرارات المجلس الدستوري هي محفوظة أيضاً لحيثياته، ومما جاء في هذه الدراسة ما يأتي([5]):
"تتألَّف قرارات المجلس الدستوري، كأي حكم أو قرار قضائي، من فقرة حُكميّة أي الفقرة التي يُقرِّرها المجلس الدستوري في نهاية قراره، ومن حيثيّات أو تعليل أو أسباب أي ما يسوقه من أدلَّة واقعيّة وحجج قانونيّة و مُسوِّغات بُنِيَ عليها القرار. والتعليليه والجزء الأول من الحُكْم أو القرارالقضائي الذي تُبيِّن فيه المحكمة الأسباب و العِلل الواقعيّة و القانونيّة التي حتَّمت عليها الإنتهاء إلى الحل الذي أعطته للنزاع في الفقرة الحُكْميّة.
وهنا يُطرح سؤال يتعلَّق بنطاق الحجيّة المُطلقة لقرارات المجلس الدستوري أو مداها. فهل تطال الفقرة الحُكْميّة فقط، أو تنسحب على الأسباب التي تُعْتَبَر السند الضروري لهذه الفقرة والتي تُشكِّل بُنيانها الأساسي؟
يبدو أنّ المجلس الدستوري الفرنسي قد حَسَم المسألة منذ زمن بعيد، مُعتبراً أنّ الحُجيّة لا ترتبط فقط بالفقرة الحُكْميّة، وانّما تمتدّ لتشمل أيضاً الأسباب والمُسوِّغات التي هي السند الضروري لهذه الفقرة، وتُشكِّل أساسها:
(…) l’autorité des décisions visées par [l’article 62 in fine de la Constitution] s’attache non seulement à leur dispositif mais aussi aux motifs qui en sont le soutien nécessaire et en constituent le fondement même ».([6])
فتلك الأسباب هي الحجج القانونيّة المُستخرجة من القاعدة القانونيّة ذاتها، و هي التي حتَّمت على المجلس الدستوري تكريس الحلّ الذي قضت به الفقرة الحكميّة.
ونستخلص مما تقدّم أن حيثيات الحكم يقتضي أن تكون منسجمة ومتوافقة ومترابطة مع الفقرة الحكمية وموصلة إلى النتيجة التي انتهت إليها هذه الفقرة. فإذا ما كانت الفقرة الحكمية مغايرة أو غير منسجمة مع الحيثيات، فإن القرار يكون مخالفاً للموجبات المقررة في المادة 708 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تنص على أنه: يجوز الطعن بطريق التمييز للأسباب التالية:… (6)–فقدان الأساس القانوني للقرار المطعون فيه بحيث جاءت أسبابه الواقعية غير كافية أو غير واضحة لأسناد الحل القانوني المقرر فيه([7]).
وفي الاجتهاد المقارن، قضى مجلس الدولة الفرنسي بإبطال الحكم الذي تكون فقرته الحكمية متناقضة مع أسبابه.
Dans la mesure où les motifs sont et doivent être le soutien du dispositif et justifier en droit et en fait la ou les décisions prises, le raisonnement doit se présenter comme nécessaire. Cela implique évidemment, et sans qu'il soit utile d'y insister, que doit être annulé un jugement dont le dispositif est en contradiction avec les motifs([8]).
إذٍ وفق ما تقدّم، فإن حيثيات قرار المجلس الدستوري، هي ملزمة أولاً للمجلس الدستوري، بحيث يتوجب أن تكون الفقرة الحكمية متطابقة مع الحيثيات، وكذلك فهي ملزمة لمجلس النواب المطعون بمشروعية تمديد ولايته، فماذا تضمّنت هذه الحيثيات؟
1- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب مخالف لمبدأ دورية الانتخاب
استند المجلس الدستوري من أجل إعلان عدم دستورية قانون التمديد إلى المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان (الذي يعدّ جزءاً من مقدمة الدستور اللبناني)، التي تنصّ على أن إرادة الشعب هي مصدر السلطات، يعبر عنها بانتخابات نزيهة دورية تجري على اساس الاقتراع السري وحرية التصويت،وأن مبدأ دورية الانتخابات أكدته قرارات المجلس الدستوري، التي قضت بأن ممارسة الشعب لحقه في اختيار ممثليه هي عنصر أساس في التعبير عن ارادة الشعب([9])، ويرتبط بمبدأ انبثاق السلطة من الشعب وخضوعها للمحاسبة في الانتخابات.
2- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب مخالف لمبادئ الديمقراطية البرلمانية
استند المجلس الدستوري ليقرر عدم دستورية قانون التمديد إلى الفقرة ج مقدمة الدستور التي نصّت على ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل". وفق هذا النص فإن الانتخابات النيابية هي الوسيلة الاساسية لتحقيق الديمقراطية البرلمانية، وهي التي تفسح المجال امام المواطنين للتعبير عن ارادتهم في اختيار من يمثلهم.
وكذلك استند إلى الفقرة د من مقدمة الدستور التي تنصّ على أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، بحيث تعدّ الانتخابات الحرة والنزيهة الوسيلة الوحيدة لانبثاق السلطة من الشعب وهي اساس الديمقراطية البرلمانية، ولهذا كانت شرعية مجلس النواب هي اساس شرعية السلطات في الدولة، وأن اساس شرعية مجلس النواب هو الانتخابات الحرة والنزيهة التي تجري في مواعيدها، ويعبر الشعب من خلالها عن ارادته ويحاسب من مثله في مجلس النواب، ويحدد خياراته، ما يتطلب الالتزام الصارم بدورية الانتخاب والتقيد بمدة الوكالة النيابية([10]).
3- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات
أخذ المجلس الدستوري بما أثارته الجهة المستدعية من أن قانون تمديد ولاية مجلس النواب يتعارض مع الفقرة هـ من مقدمة الدستور التي نصت على الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وأن الالتزام بهذا المبدأ يقتضي تقيد كل من السلطات بالمدة الزمنية التي تمارس وظائفها في اطارها، اي تقيد مجلس النواب بمدة الوكالة النيابية، وتقيد الحكومة بالثقة الممنوحة لها من مجلس النواب وتقديم استقالتها عند حجب الثقة عنها. ولهذا كان تمديد مدة الوكالة النيابية بقرار من مجلس النواب، في حين ان مدة ولاية الحكومة رهن بقرار منه ايضا، يؤدي الى الاخلال بالتوازن بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية لصالح الاولى.
واللافت بهذه الحيثية أن المجلس الدستوري لم يستخدم مصطلح التمديد بقانون بل استخدم عبارة "قرار"، ما يعني أنه نزع عن القانون المطعون فيه صفة العمل التشريعي، واعتبره مجرّد قرار صادر عن مجلس النواب.
وانتهى إلى اعتبار أن الاخلال بالتوازن بين السلطات، يتعارض مع الدستور، ويؤدي الى الطعن في شرعية مجلس النواب في الفترة الممددة واستطرادا الطعن في شرعية كل ما يصدر عنه.
لذا واستناداً إلى هذه الحيثية فإن كل ما يصدر عن مجلس النواب الممدد لنفسه، هو غير مشروع.
4- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب مخالف للمادة 27 من الدستور
استند المجلس الدستوري إلى المادة 27 من الدستور التي تنص على ان عضو مجلس النواب "يمثل الامة جمعاء ولا يجوز ان تربط وكالته بقيد او شرط من قبل منتخبيه"، ما يعني بصورة لا تقبل اللبس ان ما يربط النائب بالشعب هو توكيل محرر من اي قيد او شرط، يمارس بموجبها النائب مهامه كما يراه مناسبا.
وهذه الوكالة المطلقة التي يعطيها الشعب للنائب عند انتخابه توجب تحديد مدتها الزمنية، فالتوازن في الوكالة النيابية غير المقيدة قائم على عنصرين أساسيين: عدم تقييد الوكالة النيابية وترك النائب يتصرف وفق اقتناعاته اثناء ولايته من جهة، وانتهاء الوكالة عند انتهاء الولاية والعودة الى الشعب مصدر السلطات ليعبر عن ارادته في انتخابات جديدة من جهة اخرى.
ولهذا قضى المجلس الدستوري بأن تمديد ولاية مجلس النواب بقرار منه يؤدي الى الاخلال بالتوازن الذي قامت عليه الوكالة النيابية، ويتعارض بالتالي مع مفهوم الوكالة النيابية التي نصت عليه المادة 27 من الدستور، وهنا نرى أن المجلس الدستوري للمرّة الثانية يستخدم مصطلح قرار التمديد وليس قانون التمديد.
5- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب مخالف المادة 44 من الدستور
أشار المجلس الدستوري إلى أنه سبق له أن أبطل القانون الذي جعل ولاية مجلس النواب اربع سنوات وثمانية اشهر لانه اخل بالقاعدة والعرف البرلماني المعمول به في لبنان([11])، لذا يقتضي تطبيق ذات الحكم في ما يتعلّق بتمديد مدة الوكالة النيابية بعد اجراء الانتخابات، لأنها اخطر من تمديد الولاية في قانون الانتخابات قبل اجراء الانتخابات.
واستند في تحديد مدّة ولاية مجلس النواب إلى المادة 44 من الدستور التي نصت على امكانية نزع الثقة من رئيس مجلس النواب ونائبه بعد عامين من انتخابهما عند بدء ولاية المجلس، ما قد يؤشر الى ان ولاية المجلس، وفق الدستور، محددة باربع سنوات، وقد درجت العادة منذ زمن بعيد على تحديد ولاية المجلس بأربع سنوات، وهي مدة الوكالة النيابية، لذلك قضى المجلس الدستوري بأن تمديد ولاية المجلس يتعارض مع الدستور.
6- إن الأسباب الموجبة لقانون تمديد ولاية مجلس النواب غير صحيحة
رفض المجلس الدستوري المبررات التي ساقها مجلس النواب لناحية التذرع بالظروف الاستثنائية، وحدد المجلس مفهوم الظروف الاستثنائية بأنها ظروف شاذة خارقة تهدد السلامة العامة والامن والنظام العام في البلاد، ومن شأنها ربما ان تعرّض كيان الامة للزوال. وعند تحقق هذه الظروف يقتضي اتخاذ اجراءات استثنائية بغية الحفاظ على الانتظام العام الذي له قيمة دستورية، بحيث تنشأ بفعل الظروف الاستثنائية شرعية استثنائية غير منصوص عليها تحل محل الشرعية العادية ما دامت هناك ظروف استثنائية. وفي هذه الحالة يجاز للمشترع ضمن حدود معينة، ان يخرج عن احكام الدستور والمبادىء الدستورية او القواعد ذات القيمة الدستورية، وذلك حفاظا على الانتظام العام واستمرارية المرافق العامة، وصونا لمصالح البلاد العليا.
وحدد المجلس الدستوري الضوابط التي يقتضي أن يلتزم بها المشترع عند تحقق الظروف الاستنائية، وأولها أن تتحدد في المكان والزمان، ثمّ أن تكون حالة الضرورة مقيدة في حدود المدة الزمنية التي ترتبط بتلك الحالة، وأنه إذا كان يعود للمشترع ان يقدر وجود ظروف استثنائية تستدعي منه سن قوانين لا تتوافق واحكام الدستور، في حدود المدة التي تستوجبها هذه الظروف، فان ممارسته لهذا الحق تبقى خاضعة لرقابة المجلس الدستوري، ولهذا لم يقبل المجلس بالمبررات التي صاغها مجلس النواب، معتبراً أنه توافرت الظروف الاستثنائية حاليا في بعض المناطق اللبنانية، وفق تصريحات وزير الداخلية، فلا يمكن التكهن باستمرارها لفترة زمنية طويلة تمتد سنتين وسبعة اشهر، وأنه إذا كانت الظروف الاستثنائية قد تبرر تأجيل اجراء الانتخابات في موعدها، غير انها لا تبرر تمديد ولاية المجلس مجددا سنتين وسبعة اشهر،
ولهذا قضى المجلس الدستوري بأن تمديد ولاية مجلس النواب غير متناسبة مع مقتضياته، وأن المدة الطويلة لا يمكن تبريرها بمعطيات آنية وراهنة، كما ان تبريرها باعتبارات مستقبلية او افتراضية لا يستقيم لا واقعاً ولا قانوناً، لذلك.. فإن الظروف الاستثنائية .. لا تبرر تمديد ولاية مجلس النواب سنتين وسبعة اشهر.
7- إن قانون تمديد ولاية مجلس النواب يخالف الميثاق الوطني
قضى المجلس الدستوري بأن الميثاق الوطني هو في صلب الدستور، والميثاقية تقتضي الالتزام بالدستور واجراء الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها، ولا يجوز التحجج بالميثاقية لتأجيل الانتخابات وتمديد ولاية المجلس، لان ذلك يؤدي الى تقويض الاسس التي قام عليها الميثاق الوطني، وبالتالي تقويض التعهدات الوطنية والنظام والدولة.
إذا هي سبع مخالفاتٍ دستورية تشوب قانون تمديد ولاية مجلس النواب، وأيٍّ منها بمفرده كافٍ لإبطال القانون، فعلى أي أساسٍ ارتكز المجلس الدستوري لردّ الطعن؟
كان جواب المجلس واضحاً: القانون مخالف للدستور، لكن التمديد أمر واقع.
هي الخلاصة التي انتهى إليها المجلس الدستوري، فأطلق بدايةً موقفاً حازماً بأن الفراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض والغاية التي وجد من اجلها الدستور، ويهدد النظام بالسقوط ويضع البلاد في المجهول،
ولهذا رأى المجلس الدستوري بأن ابطال قانون التمديد المخالف للدستور، في الوضع الراهن، قد يؤدي الى فراغ في السلطة الاشتراعية، يضاف الى الشغور في رئاسة الجمهورية، ما يتعارض جذريا والدستور، لذلك ومنعا لحدوث فراغ في مجلس النواب وقطع الطريق بالتالي على انتخاب رئيس للجمهورية، يعتبر التمديد امرا واقعاً.
هي بلا شك فقرة حكمية غير مسندة إلى الأسباب الواردة في حيثيات القرار، لكنّ يبدو أن هذا أقصى ما أمكن للمجلس أن يقدّمه في المرحلة الراهنة. وكان اللافت في هذا القرار، أنه تضمّن فقرتين حكميتين، الأولى تضمّنت المبادئ التي يقتضي أن تلتزم بها السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي المبادئ التي تصبّ في خانة إثبات عدم دستورية التمديد، وعدم دستورية تعطيل المؤسسات الدستورية. والثانية قضت برد الطعن للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية.
واستناداً إلى حيثيات قرار المجلس الدستوري وفقرته الحكمية الأولى، على مجلس النواب، أن يستدرك الأمر، ويتخذ الإجراءات المناسبة لوضع المبادئ التي أرساها المجلس الدستوري موضع التطبيق، لأنه مقيّد بها وملزم بتنفيذها.
وإلى حين تصحيح هذا الوضع غير السليم، وحيث أن المجلس الدستوري لم يجد مناصاً من القبول بقرار التمديد غير الدستوري، فإن أي نائبٍ بعد هذا الحكم لا يستطيع الادعاء بأن وضعه قانوني، بل هو – بحسب تعبير المجلس الدستوري – نائب الأمر الواقع.
أستاذ في الجامعة اللبنانية
(
[1]) م.ش. قرار رقم 238 تاريخ10 شباط 1994، المحامي شاكر العريس ورفاقه / الدولة-وزارة الداخلية، م.ق.إ،1995 عدد 1 ص 273 – م.ش. قرار رقم 239 تاريخ10 شباط 1994، اميل شحاده / الدولة- وزارتي الداخلية والعدل، م.ق.إ 1995 عدد 1 ص 278
– مجلس القضايا قرار تاريخ 18 تموز 2007، انطوان أوريان/ الدولة – مجلس الوزراء – وزارة الداخلية والبلديات – وزارة المال
.-مجلس القضايا قرار رقم 708/2006-2007 تاريخ 1/8/2007، الدكتور كميل الخوري/ الدولة – رئاسة مجلس الوزراء.
([2]) م.ش. قرار رقم 484 تاريخ: 7/5/2003 الرابطة المارونية/ الدولة، مجلة العدل العدد2 و3 لعام 2003 ص41.
(
[3]) م.ش. قرار رقم 45 تاريخ 11 آب 1931، مجموعة القرارات 1931-1933 ص91.- م.ش. قرار رقم 12 تاريخ 26 نيسان 1932، مجموعة القرارات 1931-1933 ص137.
([4]) م.ش. قرار رقم 71 تاريخ 25/10/2001، الدولة / السفير الياس غصن، م.ق.إ. 2005 ص 32- م.ش. قرار رقم 47 تاريخ 24/10/2002، المفتش الممتاز في الأمن العام جوزف معوَّض
/الدولة، م.ق.إ. 2007 ص 109.
([5])د. طارق المجذوب- قوة القضية المحكوم بها للقرارات الصادرة عن المجلس الدستوري، الكتاب السنوي للمجلس الدستوري، الكتاب السادس 2012 ص 87 ولا سيما ص 99 وما يليها.
([6]
)(Cons. const. fr., décision 62-18 L du 16 janvier 1962, Loi d’orientation agricole, Rec., p. 31; Cons. const. fr., décision 92-312 DC du 2 septembre 1992, Traité sur l’Union européenne, Rec., p. 76.
Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, 6e éd., Montchrestien, 2001, pp. 162.
([7]) يراجع قرار محكمة التمييز رقم 1 تاريخ 07/01/2014، الحركة /الشرتوني.
([8]
)CE, sect., 17 mars 1972,Dame Figaroli, Lebon 224. – 16 janv. 1980, req. n o 15136, RJF 3/1980, no 251. – 28 juill. 1993, req. no 66743 , Dokhan,Lebon 238 . – 12 avr. 1995, req. no 147167 , SCI Elisa, Lebon T. 1006 . – CE 29 déc. 2006, req. no 264720 Communauté de communes du canton de Saint-Jean d'Angely. Victor HAÏM, Jugement, Dalloz Répertoire de contentieux administrative, mars 2011 dernière mise à jour : mars 2014, n
o 250.
([9]) القرار الرقم 1/2013 تاريخ 13/5/2013 بالمراجعة رقم 1/و/2013
([10]) القرار الرقم 4/96 تاريخ 7/8/1996 بالمراجعتين الرقم 2 و3 /96- القرار الرقم 2/97 تاريخ 12/9/1997 بالمراجعة الرقم 2/97.
([11]) القرار الرقم 96/4 تاريخ 7/8/1996 بالمراجعتين الرقم 2 و 3 /96.