يبدو أن حراك القضاة والحراك حول القضاء في الاردن على مدار الاعوام الثلاثة الماضية يقترب من تحقيق بعض مطالبه الإصلاحية. ففي جلسة عقدها مجلس النواب في 31-8-2014 وفي معرض مناقشته لقانون استقلال القضاء اقر ولاول مرة في تاريخ الاردن مبدأ انتخاب بعض اعضاء المجلس القضائي الذي كانت القوانين السابقة تشكله من اعضاء يعيَنون بحكم القانون[1]. وتعد هذه الخطوة استجابة لمطالب عدد من القضاة في الاعوام الثلاثة الاخيرة خلال الحديث عن تعديل قانون استقلال القضاء وضمان استقلاله. وقد جاء في الأسباب الموجبة لمشروع القانون انه يأتي تنفيذا للتعديل الدستوري الذي دخل حيز النفاذ في 1-10-2011، والذي اكد على استقلال القضاء وانسجاما مع الفقرتين (2 و3) من المادة 98 من الدستور[2]، ولما يقتضيه استقلال القضاء من ضرورة تعزيز مكانة القاضي وسمعة الوظيفة القضائية، ورفد الجهاز القضائي بالكوادر المؤهلة وتدريبها والمحافظة على الاستقرار الوظيفي.
وقد جاء هذا التعديل بمبادرة عدد من النواب، فدارت مناقشات ومساجلات حادة بين اعضاء مجلس النواب الذين انقسموا بشأنها بين مؤيد ومعارض وصاحب رأي وسطي. فقد رأى بعضهم وجوب إقرار مبدأ انتخاب عدد من اعضاء المجلس القضائي باعتبار ذلك خطوة اولى على طريق الاصلاح الذي ينتهجه الاردن، وتكريسا لمبدأ استقلال القضاء الذي كفله الدستور. أما الرأي الثاني، فقد حذر من اقحام آلية الانتخاب في القضاء وذلك تجنبا لتسييسه، وحتى لا يخضع القضاة المنتخبون للابتزاز. وقد برز رأي ثالث وسطي دعا الى أن يتم انتخاب قاضيين فقط من قبل القضاة كأعضاء في المجلس القضائي. وكان هناك ايضا من يطالب بأن تشمل عضوية المجلس القضائي كل من المفوض العام لحقوق الانسان ونقيب المحامين.
وعند التصويت على هذه المادة المتعلقة بتشكيل المجلس القضائي، نجح الاقتراح المتضمن اضافة اربعة قضاة منتخبين لتشكيلة المجلس القضائي، ليكونوا 4 من اصل 15 أي أقل من الثلث. وبناء على ذلك وفي ضوء التعديلات الدستورية المتعلقة بالقضاء الإداري، أصبح تشكيل المجلس القضائي وفقا لمشروع القانون على النحو التالي: (رئيس محكمة التمييز رئيسا وعضوية كل من رئيس المحكمة الادارية العليا نائبا للرئيس، رئيس النيابة العامة لدى محكمة التمييز، اقدم قاضيين في محكمة التمييز، رؤساء محاكم الاستئناف، المفتش العام للمحاكم النظامية، امين عام وزارة العدل، رئيس محكمة بداية عمان ، اربعة قضاة منتخبين) . ومما يلاحظ على هذا النص الذي تم اعتماده من قبل مجلس النواب انه لم يحدد شروط الترشيح أو الانتخاب لعضوية المجلس القضائي او درجاتهم تاركا ذلك ضمنا للانظمة التنفيذية لهذا القانون التي ستصدر لاحقا عن مجلس الوزراء بالتنسيق مع المجلس القضائي.وكان من الاسلم طبعا ان يرد ذلك في نص القانون لا في انظمة تنفيذية صادرة عن مجلس الوزراء، علما أن هذا المشروع ما يزال محل نقاش في مجلس النواب ولم يستكمل نقاش بقية المواد حتى هذه اللحظة. كما أن هناك محطة ثانية سيمر بها مشروع القانون وهي مناقشته في مجلس الاعيان. ومن الضرورة بمكان تحديد الشروط تلك في صلب القانون، لا أن تترك للتكهنات والتأويلات عند التطبيق.
وقد ثار نقاش في مجلس النواب اثناء مناقشة مشروع القانون حول تسمية القانون فتقدم بعض النواب باقتراح لتغيير اسم القانون ليصبح قانون السلطة القضائية واقتراح اخر ليصبح اسم القانون قانون المجلس القضائي، واخر ليصبح اسم القانون قانون شوؤن القضاة. الا أن ايا من هذه الاقتراحات لم ينجح لاصطدامه بعقبات دستورية او عملية مما حتم الابقاء على اسم القانون كما هو "قانون استقلال القضاء"[3].
وتجدر الإشارة أخيرا الى ان هناك مطالب اصلاحية عديدة للقضاة تتعلق بامتيازات مادية وضمانات وظيفية لم يأت مجلس النواب على مناقشتها بعد. ولكن هذه الخطوة الاصلاحية المتقدمة قد تبشر بخير في مجال تعزيز استقلال القضاء وإبعاده عن تأثيرات خطوط السلطة. وعلى الرغم من أن عدد الاعضاء المنتخبين وفقا لمشروع القانون لا يصل حتى الى ثلث عدد أعضاء المجلس كما سبق بيانه،إلا ان ذلك لا ينفي اهمية الخطوة في مشاركة القضاة في اختيار مجلسهم ولو جزئيا، وقد تكون خطوة على طريق توسيع قاعدة الانتخاب مستقبلا. ولا يصح القول بأن ادخال الانتخاب في تشكيلة المجلس القضائي سيسيس العمل القضائي ، لا بل قد يكون في تعيين اعضاء المجلس القضائي تسييسا اكثر مما لو ترك الامر للقضاة انفسهم لاختيار مجلسهم . فلا شك ان المجلس القضائي المعيَن بحكم القانون كان في كثير من المواقف على النقيض من موقف القضاة انفسهم وكان اقرب ما يكون الى الموقف الرسمي للدولة والمعبر عنه من خلال السلطة التنفيذية ، الامر الذي كان يشكك في حقيقة استقلال القضاء . وربما كان هذا التعديل القانوني اكثر جدوى لو جعل الاعضاء المنتخبون اغلبية في المجلس القضائي اي اكثر من نصف عدد اعضاء المجلس، وان يكون رئيس المجلس من الاعضاء المنتخبين سواء يتم انتخابه مباشرة من الهيئة العامة للقضاة او من خلال المجلس القضائي بعد عقد اول جلسة له بعد التشكيل حسب القانون الجديد.
[1]– النواب يقرر انتخاب 4 اعضاء في تشكيلة المجلس القضائي ، صحيفة الدستور الاردنية ، تاريخ 1 / 9 / 2014 . https://www.addustour.com/17325.
[2]– المادة ( 98 / 2 و3) من الدستور الاردني " 2-ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى جميع الشؤون المتعلقـة بالقضاة النظاميين. 3-مع مراعاة الفقرة (1) من هذه المادة يكون للمجلس القضائي وحده حق تعيين القضاة النظاميين وفق أحكام القانون " .
[3]– النواب يقرر انتخاب 4 اعضاء في تشكيلة المجلس القضائي ، صحيفة الدستور الاردنية ، تاريخ 1 / 9 / 2014 . https://www.addustour.com/17325.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.