نشرت الجريدة الرسمية بالمغرب في تاريخ 11 مارس 2024 التعديلات الجديدة التي أدخلت على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد إقرارها من طرف المحكمة الدستورية، والتي تأتي في إطار جملة من التعديلات التي أدخلت على قوانين السلطة القضائية، بهدف تحقيق مزيد من الفعاليّة والسّرعة والنجاعة في الإجراءات من دون الإخلال بالضمانات الدستورية، ولتجاوز عدد من الثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي والتي كانت محل مطالبات بالتعديل من طرف جمعية نادي قضاة المغرب وعدد من الفعاليات الحقوقية والقضائية.
وقد همت هذه التعديلات مواضيع متعددة تخص بالأساس مسطرة التباري على مناصب المسؤولية القضائية، ومعايير معالجة طلبات انتقال القضاة، ومسطرة الاطلاع على نشرات تقييم أدائهم.
تعديلات على مسطرة انتقاء المسؤولين القضائيين
رغم إقرار قوانين السلطة القضائية للتباري كأسلوب لاختيار المسؤولين القضائيين، إلا أن المجلس كان يلجأ في عدّة حالات إلى التعيين في مناصب المسؤولية القضائية من دون فتح المجال للتباري على المناصب الشاغرة، وغالبا ما كان التبرير المعتمد هو ما تشكله مسطرة التباري من إرهاق، بخاصّة أنّ القانون التنظيمي للمجلس كان يلزمه بإجراء مقابلات مع كافة المرشحين لمناصب المسؤولية، بكافة أعضائه. وهو ما كان يستغرق وقتا طويلا بسبب كثرة عدد المرشحين لكلّ منصب.
وبموجب تعديل المادة 71 من قانون المجلس، أضحى المجلس يشكل من بين أعضائه لجنة أو أكثر لدراسة ملفات المرشحين والتقارير التي يعرضون فيها تصوراتهم حول كيفية النهوض بأوضاع الإدارة القضائية. كما تقوم هذه اللجان بإجراء مقابلات مع المرشحين المتوفرين على الشروط، واختيار ثلاثة منهم لكل مسؤولية قضائية مرتبين بحسب الاستحقاق.
ولملاءمة النظام الداخلي مع هذا التعديل الجديد، نصت المادة 36 منه على ضرورة تقيد لجنة الانتقاء بالمعايير العامة المعتمدة لتدبير الوضعية المهنية للقضاة[1]، وكذلك بالمعايير الخاصة المعتمدة عند تعيين المسؤولين القضائيين أو تجديد تعيينهم[2].
كما حددت المادة 37 من النظام الداخلي الجديد منهجية اشتغال لجنة أو لجان الانتقاء حيث نصت على إصدار المجلس مقررا تلتزم به اللجان المكلفة بدراسة ملفات المرشحين لمناصب المسؤولية، ويتضمن منهجية المناقشة مع المرشحين وشكل التفاعل معهم والتوقيت الممنوح لكل مرشح، وباقي العناصر التي من شأنها أن تسهم في توحيد طريقة عمل اللجان في حال تعددها.
والملاحظ أنه وبالرغم من أهمية هذا المقتضى في ضمان شفافية عمل اللجان واحترام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين، إلا أن النظام الداخلي لم ينص على ضرورة نشر هذا المقرر.
تعديلات في معايير معالجة طلبات انتقال القضاة
كان النظام الداخلي السابق يقسم المدن المغربية إلى 3 مناطق في التصنيف المعتمد للانتقال من محكمة لأخرى، وهي المنطقة “أ” التي تضمّ كبريات المدن، والمنطقة “ب” التي تضمّ المدن المتوسطة، والمنطقة “ج” التي تضم المناطق النائية البعيدة عن المركز، وكان يحدد مددا معينة للانتقال من منطقة إلى أخرى.
وبموجب التعديلات الجديدة على النظام الداخلي، تم إضافة منطقة رابعة وهي المنطقة “د”، كما تمّ إعادة النظر في طريقة تصنيف المدن المغربية وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار القرب أو البعد من المركز، والأهمية الاقتصادية للمدينة، ومستوى الخدمات بها.
وقد حددت المادة 52 من النظام الداخلي الجديد المدد المطلوبة للانتقال من منطقة الى أخرى وفق ما يلي:
- سنتان للانتقال من محكمة إلى أخرى داخل نفس المنطقة،
- أربع سنوات للانتقال من المنطقة “د” إلى المنطقة “أ”،
- ثلاث سنوات للانتقال من المنطقة “د” إلى المنطقة “ب”،
- سنتان للانتقال من المنطقة “د” إلى المنطقة “ج”،
- خمس سنوات للانتقال من المنطقة “ج” إلى المنطقة “أ”،
- أربع سنوات للانتقال من المنطقة “ج” إلى المنطقة “ب”،
- ست سنوات للانتقال من المنطقة “ب” إلى المنطقة “أ”.
ورغم حفاظ النظام الداخلي الجديد على باقي المبادئ والقواعد التي كان منصوصا عليها في النظام الداخلي السابق، من قبيل عدم اشتراط أيّ مدة للانتقال من منطقة أعلى في التصنيف إلى منطقة أدنى، أو من محكمة إلى أخرى توجد في نفس المدينة، فضلا عن إمكانية أن ينظر المجلس بصفة استثنائية في بعض طلبات الانتقال غير المستوفية للشروط متى كانت مبنية على أسباب وجيهة تكتسي طابعا استعجاليا، خاصة تلك المرتبطة بظروف صحية أو اجتماعية قاهرة أو بوضعيات قضاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن التعديلات المقترحة لن تسهم في حلّ مشكل العمل في المناطق النائية والتي تحتاج إلى مقاربة أشمل تقوم على ربط التعيين أو الانتقال إلى هذه المناطق بتحفيزات تندرج في إطار التمييز الإيجابي الهادف إلى تحقيق العدالة المجالية، بما يسهم في الوصول إلى التوازن والتكافؤ بين مناطق المغرب للاستفادة من كافة الكفاءات القضائية الجيدة من جهة، ورغبات القضاة من جهة أخرى، وذلك لعدم اللجوء إلى حلول بديلة من قبيل العودة إلى تنقيل القضاة من دون طلب أو تنقيل القضاة إلى المناطق النائية كعقوبة تأديبية[3].
تعديلات على مستوى مسطرة اطّلاع القضاة على نشرة تقييم أدائهم
شكل نظام تقييم القضاة القائم أساسا على أسلوب “التنقيط” محور ترافع كبير من طرف جمعية نادي قضاة المغرب والتي اعتبرت في أدبياتها هذا النظام كأحد المداخل الأساسية للتأثير على استقلال القضاة، خاصة وأنه ولوقت قريب، لم يكن يسمح للقضاة بالاطلاع على نشرة تقييمهم التي يتم إنجازها من طرف المسؤول القضائي، وهو ما كان يفوت عليهم الحقّ في التظلم بشأنها أو إثبات عكس ما دوّن فيها من ملاحظات تؤثر سلبا في ترقيتهم.
وبموجب قوانين السلطة القضائية الجديدة، أصبح بإمكان القضاة الاطلاع على نشرة تقييمهم -بشكل لاحق- وذلك بتقديم طلب للمجلس إما بشكل كتابي تحت السلم الإداري، أو بشكل مباشر في مقر المجلس، أو عن طريق رسالة بالبريد المضمون من دون ضرورة احترام السلم الإداري، وذلك قبل متمّ شهر يونيو من كل عام.
وتؤكد حصيلة تطبيق هذا المستجدّ ندرة لجوء القضاة إلى طلب الاطلاع على نشرات تقييمهم، وهو ما جعل نادي قضاة المغرب يطلق كل سنة حملة لتشجيع القضاة على الاطلاع على نشرات تنقيطهم.
وبموجب تعديل النظام الأساسي للقضاة أصبحت المادة 55 منه تنص على إمكانية اطلاع القاضي على نشرة تقييمه، فور ملئها من طرف المسؤول القضائي، وإبداء ملاحظاته في المكان المخصص لذلك، قبل توجيهها للمجلس قبل فاتح مارس، وهو ما سيتيح إمكانية تفعيل الحق في الاطلاع، كما نصت المادة 58 منه على حقّ القاضي الذي لم يتمكّن من الاطّلاع على آخر تقرير تقييم الأداء، في تقديم طلب كتابي للأمانة العامة للمجلس للاطلاع على التقرير.
ونصّت المادة 59 من النظام الداخلي الجديد على أن هذا الطلب يمكن تقديمه إما بصفة شخصية من طرف القاضي، أو توجيهه عبر البريد المضمون أو عبر الموقع الإلكتروني للمجلس. ويتعيّن أن يبين في طلبه الكيفية التي يرغب من خلالها الاطلاع على التقرير. فإذا اختار الحضور شخصيا إلى مقرّ الأمانة العامة للمجلس، يحدّد له موعد للاطلاع داخل أجل لا يتعدى 15 يوما، من تاريخ إعلامه للمجلس برغبته، أما إذا اختار الاطلاع على التقرير عبر البريد، فإن المجلس يوجه له نسخة من التقرير المذكور في العنوان المحدد في طلبه، داخل أجل 15 يوما من تاريخ توصل المجلس بالطلب.
وبخصوص مسطرة التظلّم أمام المجلس بشأن تقرير تقييم الأداء، نصّت المادة 62 من النظام الداخلي الجديد على ضرورة تحديد القاضي بدقّة لعناصر التقييم موضوع التظلّم، والمبررات التي يؤسس عليها تظلمه، والوثائق والمستندات المعززة لذلك عند الاقتضاء، وذلك بهدف إخضاع مسطرة البتّ في تظلمات القضاة لمعايير مضبوطة.
ويلاحظ في الأخير أن التغييرات التي طرأت على حق القضاة في الاطلاع على نشرات تقييمهم إما بشكل مسبق على غرار كافة الموظفين العموميين، أو بشكل لاحق عن طريق إتاحة فرصة تقديم الطلب إلى المجلس عبر البريد الالكتروني، ورغم أهميتها في تكريس حق الاطلاع والحق في التظلم، إلا أنها لا تعدّ كافية من أجل تجاوز الانتقادات الموجهة إلى طريقة تقييم القضاة، والتي تبقى قائمة على التقييم الكمّي عوض التقييم الكيفي.
مواضيع ذات الصلة
المجلس الأعلى للسلطة القضائية
أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب: لماذا تراجع الشفافية؟
المسطرة التأديبية للقضاة بالمغرب في ضوء التعديلات الجديدة لسنة 2023
المجلس الأعلى للقضاء ينشر قراراته التأديبية للعموم: حدثٌ هامّ على صعيد الشفافيّة القضائية في المنطقة العربية ولكن …
مبدأ التباري في تولي المسؤولية القضائية مجددا في المغرب
المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب يفرج عن نتائج تعيين المسؤولين القضائيين بعد تأخر طويل
قراءة في نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب (1): التأديبات لا تحتمل مؤازرة أكثر من شخص واحد
رهان التواصل لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب
اعتراض على حرمان قضاة المغرب حقهم بالمعلومة: المجلس الأعلى للسلطة القضائية مطالب باحترام الشفافية
الطريق الطويلة… إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية
حوار المفكرة القانونية مع المستشار ياسين مخلي بمناسبة انتخابه عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
ملاحظات نادي قضاة المغرب بشأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب
افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها
نادي قضاة المغرب يدشن حملة لرفض تعديلات قوانين السلطة القضائية
حماية الرأي المخالف في مداولات الهيئات القضائية وسيلة من وسائل التخليق
ولاية جديدة لمجلس السلطة القضائية في المغرب: رهانات متجددة
القضاة ينتخبون مجلسا جديدا للسلطة القضائية في المغرب: مشاركة قوية للشباب وللجمعيات المهنية
وأخيرا صدرت مدونة الأخلاقيات القضائية بالمغرب: عودة إلى المطلقات والتحفّظ
قراءة في التقرير السنوي لمجلس السلطة القضائية في المغرب: إحصائيات من دون تحليل ولا توصيات
[1] حددت المادة 66 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المعايير العامة المعتمدة لتدبير الوضعية المهنية للقضاة، فيما يلي:
– المواصفات المحددة في مرجعية الوظائف والكفاءات الخاصة بالقضاء والمسؤولين القضائيين التي يعدها المجلس؛
– القدرات والمؤهلات المهنية للقاضي؛
– السلوك المهني والالتزام بالقيم القضائية؛
– الكفاءة العلمية والفكرية للقاضي؛
– التكوين التخصصي للقاضي؛
– المشاركة الفعلية في دورات وبرامج التكوين المستمر؛
– الاستقرار العائلي للقاضي وظروفه الاجتماعية؛
– الحالة الصحية؛
– تقارير تقييم الأداء وتقارير المفتشية العامة للشؤون القضائية وتقارير المسؤولين القضائيين؛
– تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بالنسبة لقضاة النيابة العامة.
[2] حددت المادة 72 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المعايير العامة المعتمدة لتدبير الوضعية المهنية للقضاة، فيما يلي:
– المسار المهني للقاضي أو المسؤول القضائي؛
– القدرة على تحمل المسؤولية؛
– القدرة على التواصل والتأطير والمواكبة؛
– القدرة على التنظيم والإشراف والمراقبة؛
– القدرة على اتخاذ القرارات؛
– المؤهلات في مجال الإدارة القضائية؛
– الرغبات المعبر عنها من قبل المترشحين لمهام المسؤولية أو المسؤولين القضائيين؛
-التقارير التي يعدها الوزير المكلف بالعدل حول مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية.
[3] غالبا ما يتم حل مشكل الخصاص في المناطق النائية من خلال تعيين القضاة الجدد طبقا لمعايير الاستحقاق، أو تنقيل القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية، مما جعل بعض المناطق النائية كفضاءات للتأديب.