انتهت في أيار الماضي ولاية سبعة أعضاء من مجلس القضاء الأعلى العشرة. وإذ يواجه تعيين بدائل عنهم عوائق كثيرة، فإن من شأن ذلك أن يُهدّد استمرارية عمل المجلس وسير المرفق القضائي ككل. ولغاية تعميم المعرفة، نقدّم هنا إجابات على أهم الأسئلة التي يستدعيها هذا الشغور.
1- ما هو مجلس القضاء الأعلى؟ وما هو دوره؟
إنّ مجلس القضاء الأعلى هو هيئة إدارية تتولى تعيين القضاة وإدارة مساراتهم المهنية وبخاصة السهر على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم. ويتولّى بشكل خاصّ الموافقة على التعيينات ووضع مشروع المناقلات والتشكيلات وتأليف الهيئات التأديبية للقضاة، فضلا عن درس ملفات القضاة والنظر في طلبات العفو وإبداء الرأي في القوانين المتصلة بالقضاء.
2- ممّن يتألف مجلس القضاء الأعلى؟
يتألف مجلس القضاء الأعلى من 10 أعضاء، هم:
- 3 بحُكم مناصبهم وهم: الرئيس الأول لمحكمة التمييز والنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي. وجميع هؤلاء يعيّنون بمناصبهم الأصلية بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل.
- 5 أعضاء معينين بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل الذي يوقعه مع رئيسي الجمهورية والحكومة، ويضمون 1) رئيس غرفة في محكمة التمييز، 2) إثنين من رؤساء الغرف في محاكم الاستئناف، 3) رئيس إحدى غرف محاكم الدرجة الأولى، 4) أحد رؤساء المحاكم أو رؤساء الوحدات في وزارة العدل.
-2 من رؤساء الغرف في محكمة التمييز يتمّ انتخابهم من قبل أعضاء محكمة التمييز كافة.
3- هل مجلس القضاء الأعلى مُستقلّ؟
في حين أنّ مهمة المجلس الرئيسية هي الحفاظ على استقلال القضاء، إلا أنّ كيفية تكوين المجلس لا تمنحه الاستقلالية الكافية. فالسّلطة السياسيّة ممثّلة بالسلطة التنفيذية تحتفظ بصلاحية تعيين غالبية أعضائه أي 8 من 10. ويتمّ ذلك على أساس المحاصصة الطائفية بين القيادات الأقوى داخل طوائفها. وتبعا لذلك، يصبح أعضاء المجلس عموما ممثلين لزعماء طوائفهم أكثر مما هم ممثلون للقضاة. ويصبح المجلس بمثابة ذراع للنظام السياسي داخل القضاء في حين كان يفترض به أن يكون درعا للقضاة في وجهه.
وحتى بالنسبة إلى العضويْن المنتخبيْن، فإنّ حقّ الترشيح محصور برؤساء غرف محكمة التمييز أي بالذين اصطفْتهم السلطة في أكثر من مرّة في مراسيم التشكيلات القضائية ليصلوا إلى أعلى الهرم القضائي، علماً أنّ حقّ الانتخاب أيضا محصور بأعضاء محكمة التمييز الذين لا تتجاوز نسبتهم 10% من مجموع القضاة.
4– لماذا مجلس القضاء الأعلى معطّل؟
انتهت في 23 أيار الماضي ولاية سبعة من أعضاء المجلس وهم الأعضاء الخمسة غير الحكميين والعضوان المنتخبان. وقد واجه تعيين بدائل عنهم العقبات الآتية:
- بخصوص العضويْن المنتخبيْن: وجد قضاة محكمة التمييز أنفسهم أمام مرشح واحد هو رئيس الغرفة الرابعة القاضي عفيف الحكيم الذي فاز بالتزكية. وتتأتى محدودية الخيارات من انخفاض عدد رؤساء الغرف من 10 إلى 4 بعد بلوغ 6 منهم سن التقاعد دون أن يُعيّن بدلاء لهم بسبب الخلاف السياسي حول التشكيلات القضائية، علما أن 2 منهم ليس بوسعهم الترشح مجددا بفعل إشغالهم عضوية المجلس الحالي وأن عضوا آخر لا يترشّح عرفا. وهو العضو من الطائفة السنّية الممثلة وفق الكوتا داخل المجلس بالعضوين الحكميين فيه وهما: النائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي.
- بخصوص عملية التعيين: أرسلتْ وزيرة العدل ماري كلود نجم بتاريخ 24/5/2021 اقتراح مرسوم بتعيين 4 قضاة في مجلس القضاء الأعلى إلى رئاسة مجلس الوزراء بعدما تعذّر عليها تعيين الخامس (رئيس غرفة محكمة التمييز) للأسباب المبينة أعلاه. إلا أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب رفض توقيع المرسوم متذرّعا أنه يخرج عن مفهوم تصريف الأعمال. وسُجّل على هامش موقف هذا الأخير هجوم إعلامي غير مسبوق على القضاة المقترحين من نجم بحجة أنهم ينتمون إلى فريق سياسي بعينه، وهو الأمر الذي ردّ عليه قاضيان (سامر يونس ودانيا الدحداح) منهم ببيانين منفصلين متحدّين تقديم أي إثبات على ذلك. وقد نشرت المفكرة هذين البيانين على موقعها تضامنا مع القاضيين المذكورين.
وبنتيجة ذلك، أصبح للمجلس 4 أعضاء حاليُا بعدما انتُخب عضو من محكمة التمييز، وهو عدد غير كافٍ لتأمين النصاب القانوني لاجتماع المجلس، وهو 6.
5- ما هي نتائج تعطيل مجلس القضاء الأعلى؟
إنّ تعطيل عمل المجلس بسبب هذا الشغور يؤثر بشكل محسوس على حسن سير المرفق القضائي، ومنها:
- أنه يحول دون وضع مشاريع التشكيلات القضائية، حيث وصل عدد خرّيجي معهد الدروس القضائية إلى قرابة 73 قاضيا يتقاضون رواتبهم من دون أن يتم تشكيلهم في الدوائر القضائية بعد،
- أنه يُعطّل كل القرارات التي تتطلب موافقة مجلس القضاء الأعلى، ومنها تعيين محقّقين عدليين في القضايا المُحالة إلى المجلس العدلي أو استبدالهم في حال حصول شغور لسبب أو آخر ومنها قضية تفجير المرفأ. وهذا التعطيل يشكّل سيفاً معلّقاً على مجمل هذه القضايا،
- يُضاف إلى ما سبق مجمل القرارات المتصلة بانتداب القضاة أو النظر في طلبات الاستيداع أو الاستقالة،
- أنه يحول دون استكمال إجراءات التأديب للقضاة وبخاصة في الهيئة العليا للتأديب.
6– ما الحل؟
خلافا لما عبَّر منه رئيس الحكومة، فإن من أهمّ تدابير تصريف الأعمال ضمان استمرارية المرافق العامة، وضمنا المرفق القضائي. وعليه، يدخل التوقيع على مرسوم تعيينات أعضاء في المجلس بالضرورة ضمن أعمال تصريف الأعمال.
إلّا أن هذا التوقيع لا يُشكل سوى حلّ مؤقتّ لضمان استمرارية المرفق العام. الحل الجدي يفترض بالضرورة إقرار قانون جديد تتوفّر فيه ضمانات استقلالية القضاء ومن أهمها أن تنسجم تشكيلة مجلس القضاء الأعلى مع المعايير الدولية المعتمدة لضمان استقلاله، وأهمها أن يكون غالبية أعضائه على الأقل منتخبين من القضاة أنفسهم.
لقراءة المقالة مترجمة إلى اللغة الإنكليزية