ينشر مجلس الإنماء والإعمار على موقعه على الإنترنت صورة طفل يمدّ يده تحت حنفية ماء مقطوعة، فيما يغطّي بيده الثانية وجهه الخائب نتيجة عدم حصوله على المياه، كترويج لأهمية تنفيذ مشروع سد بسري لتزويد بيروت الكبرى وجبل لبنان بالمياه. الصورة نفسها يعيد نشرها البنك الدولي مع صورة أخرى تبيّن أطفالاً محتشدين حول حنفيات مياه مقطوعة، وبالقرب منها مشهد آخر لطفل سعيد يشرب بنهمٍ المياه المتدفقة من حنفية غزيرة. يرفق البنك الدولي هذه الصور بجملة تقول “سيحلّ سد بسري مشكلة رئيسية يواجهها سكان بيروت الكبرى وجبل لبنان منذ سنوات: النقص المزمن والحاد في المياه”. ويتبعها بوسم #مياه_شفة_من_دون_انقطاع.
يحاول مجلس الإنماء والإعمار ومعه البنك الدولي المموّل الرئيسي للمشروع، التسويق لحاجة ما يراوح بين مليون و600 ألف شخص ومليون و900 ألف نسمة، وفق ما صرح به تباعاً لـ”المفكرة” كلّ من مدير المشروع إيلي موصللي ومفوّض الحكومة في المجلس وليد صافي. يتواجد هؤلاء في مناطق “بيروت الإدارية، ساحل أقضية الشوف، عاليه، بعبدا، والضاحية الجنوبية التي تعتبر الثقل الأساسي، والمتن حتى حدود منطقة جديدة نهر الموت والبوشرية”، وفق موصللي نفسه.
وفيما سمعت “المفكرة” لمجموعة من الخبراء الذين حذّروا من خطورة المشروع، فهي تستهلّ ملفها هنا بالإستماع إلى ممثلين عن مجلس الإنماء والإعمار وتحديداً موصللي وصافي.
تأمين المياه لبيروت أولاً
يختصر صافي رد المجلس على كل المخاطر والأضرار التي أثارها المعترضون على سد بسري وجر مياه الأولي إلى بيروت بمعطى “هو الأهم”، وفق تعبيره: “تأمين المياه لبيروت الكبرى هو أولوية الدولة اللبنانية بلا منازع”. الأمر نفسه يؤكّده موصللي: “وزارة الطاقة والمجلس لا يبحثان اليوم إمكانية المضي بالسد أم لا، فهذا من الماضي مهما قال المعترضون، ونحن ماضون في تنفيذه”. ويستشهد موصللي بكلام وزيرة الطاقة في الحكومة المستقيلة ندى بستاني خلال جلسة لجنة الأشغال النيابية في نيسان 2019 التي خصّصت للإستماع إلى بعض المعترضين على السد، أكدت فيه التزام مجلس النواب والحكومة اللبنانية بإقامة السد.
خبراؤنا أولى بالتصديق من خبرائهم
بالنسبة للمخاوف من الزلازل يرى صافي أنها “مشروعة حيث يوجد فالقا بسري وروم، وكونه حصل زلزالان الأول في 1873 والآخر في 1956 وقد ذهب نتيجتهما ضحايا ودمرت قرى وبلدات”. ولكنه يعتبر أن فالق بسري الذي يتحدث عنه الإختصاصي في الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور طوني نمر “هو فالق غير متحرك وليس ناشطاً وفق إجماع المختصّين”. ويرى أنّ كلام نمر عن إمكانية تحريك الخزان المائي بسعة 125 مليون متر مكعب لفالق روم “يناقضه رأي خبير المجلس الدكتور عطا الياس، كما رأي استشاري المجلس التركي الجنسية مصطفى أرديك، وهو مش حيالله خبير ولديه خبرة في سدود بخزانات مائية كبيرة أنجزت في مناطق صنفت بأنها خطرة زلزالياً”. ويضيف صافي “لماذا علينا أن نأخذ برأي نمر ولا نأخذ برأيي خبيرينا اللبناني (الياس) والتركي (أرديك)؟”
ويعتبر صافي أنّ المعارضة تتحدث عن الأهمية البيئية والسياحية والدينية للمرج إلخ… “وبرأيي هناك أولويات اليوم وهي تأمين 125 مليون متر مكعب إلى بيروت الكبرى”. ويعتبر أنّ “لا خيار آخر ذو جدوى إقتصادية غير السد”، وأنه لا يوجد دولة في العالم تستهلك مياهها الجوفية بهذه الكمية وتترك مياهها السطحية تذهب هدراً إلى البحر. ويسخر صافي من اعتبار السد ينجز لدواعي الفساد مستعرضاً السنوات الطويلة التي مرّ بها مع تغيّر كل الفرقاء في السلطة”.
موصللي: الدولة ستنظّف الليطاني والقرعون
من جهته، يعتبر موصللي أن الثقة في كل الدراسات المنجزة حول سد بسري في كل الميادين “مرتفعة جداً” وأن المشروع عمره أكثر من خمسين سنة وقد “أشبع دراسات وتقارير تؤكد إمكانية إنجازه”. ولدى مواجهته بالمخاطر التي يثيرها الخبراء ومخاوف الناس، يعتبر أنه “على أهالي المنطقة والمهتمين بالمشروع أن يثقوا بالخبراء الموكلين العمل في السد، فأنا مثلاً أشتغل 16 ساعة في اليوم وعليهم أن يثقوا بنا وبما نقوم به”.
ويشير موصللي إلى أنّ السد كان يمكن أن يُنجز منذ زمن بعيد “لكن الظروف الأمنية حالت دون ذلك، حيث أن خطوط التماس بين منطقة جزين وبين منطقة الشوف كانت إحدى الصعوبات التي تعيق استكمال الدراسات وإنجاز الإستملاكات وتنفيذ السد”. ويضيف: “المعايير التي يعتمدها البنك الدولي يعتبرها البعض قاسية ولكن هذه القسوة تفيد، من أجل التدقيق في كل المخاطر البيئية والإجتماعية، والفنية، وهذا ما حصل من خلال الدراسات التي قمنا بها من أجل تحسين المشروع وظروفه”.
ويرد على نوعية المياه الملوثة بالسيانوبكتيريا القاتلة بالقول “مش معناها إذا عنّا مي ملوّثة فلازم نكبّها بالبحر”. ويشير إلى “أنه سيتم إنشاء سبع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي الآتية إلى بسري معالجة ثانوية أولى ومعالجة ثانوية ثانية ثم معالجة في محطة الوردانية، كما أنّ الدولة تعمل على تنظيف نهر الليطاني وبحيرة القرعون مما سيؤدي إلى القضاء على السيانوبكتيريا، ومن بعدها ستخلط المياه في محطة الوردانية لتخضع لمعالجة نهائية تجعلها صالحة لبيروت الكبرى والمناطق الأخرى المستفيدة”.
ولدى مواجهته بقول الخبراء بعدم وجود كميات مياه كافية، يؤكد موصللي أنه “لدينا تدفق يضمن سنوياً أكتر من 125 مليون متر مكعب، وأحياناً بأعلى مستويات بيكون عنّا 400 مليون متر مكعب في السنة”، مؤكداً أنّ “معدّل التدفّق في بسري يراوح بين 125 و135 مليون متر مكعب سنوياً”. ولكن ماذا عن سنوات الجفاف التي لا يلامس فيها مستوى التدفق 25 مليون متر مكعب في السنة؟ يجيب موصللي “طبعاً في سنين جفاف، وهيدي ربنا بيتحكّم فيها مش نحن”.
- نشر هذا المقال في العدد | 62 | كانون الثاني 2020، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
مرج بسري في قلب الإنتفاضة