حُضن الجدّة الشهيدة فاطمة شومر حمى الطفل علي محمد خليفة (4 أعوام) من الموت تحت أنقاض منزله في الصرفند. فبعد 14 ساعة من البحث، عُثر على الطفل علي، على قيد الحياة في حضن جدّته. وتمّ نقله إلى مستشفى حمود في صيدا.
14 ساعة، مرّت وسط القلق والرعب والصمت المخيف، 14 ساعة وعلي يقاوم تحت الأنقاض، لكن لم تتمكّن الطائرة المحمّلة بالصواريخ والقنابل ولا أنقاض المبنى ذي الطوابق الثلاث، ولا الخوف والجوع والعطش، من كسر إرادة طفل في الرابعة من عمره في البقاء على قيد الحياة.
نجا علي لكنّه فقد كلّ عائلته: والده محمد نمر خليفة ووالدته منى يونس وأخته نور التي تكبره بعام ونصف فقط، وجدّه نمر خليفة وجدّته صبحية، وجدّته لأمّه فاطمة شومر. علي نجا، لكنه فقد رفاق طفولته، وهم إلى جانب أخته نور (5 أعوام)، أولاد عمّته زينب: أحمد (8 أعوام) وفاطمة (5 أعوام) وحسين سالم (3 أعوام) وابن عمّته فاطمة، علي حسين خليفة (7 أشهر).
علي نجا، لكن بإصابات بليغة في أنحاء جسده، أصعبها إصابة في يده أدّت إلى بترها، من دون أن نتحدث عن الإصابات في روحه التي سيحملها طيلة عمره.
تفاصيل المجزرة
في وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي، في تاريخ 29 تشرين الأوّل، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى مؤلّفًا من ثلاث طبقات، في ضهور الصرفند/الدلتا، يعود للجدّ نمر علي خليفة ويقطنه 21 شخصًا من أفراد عائلته، إضافة إلى عدد من أقرباء العائلة النازحين من قراهم.
سقط في الغارة 16 شهيدًا وشهيدة، وهم: الجدّ نمر وزوجته صبحية وابنه محمد وزوجته منى وابنتهما الطفلة نور والجدّة فاطمة والدة منى، وزوجة ابنه علي، فاطمة يونس ووالدتها محاسن الشامي، كما استشهد زوج ابنته زينب، علي سالم، وأطفالهما أحمد وفاطمة وحسين، وابن ابنته فاطمة، الطفل علي حسين خليفة، إضافة الى محمد إسماعيل يونس وشقيقته فاطمة، ورنيم إبراهيم سقلاوي.
وأصيب أكثر من 40 شخصًا، 6 منهم في العناية الفائقة و20 ما زالوا في المستشفى يخضعون للعلاج وتجرى لهم عمليات جراحية، ، وفق ما أفاد “المفكرة” مصدر في مستشفى علاء الدين. كما تسبّبت الغارة بأضرار جسيمة في المنازل المحيطة بالمبنى المستهدف، على قطر 200 متر، وهو ما سبّب ارتفاع الإصابات.
واستمرّت أعمال الإنقاذ ورفع الأنقاض في بلدة الصرفند حتى بعد ظهر أمس الأربعاء في 30 تشرين الأوّل، بواسطة بوكلين ووسائل بدائية، لعدم وجود آليّات أخرى لرفع الأنقاض وعدم القدرة على طلب المساعدة من خارج البلدة نظرًا لخطورة الأوضاع، وفق ما أفاد “المفكرة القانونية” أحد الأهالي الذي ساهم في رفع الأنقاض.
عائلة خليفة المتشبثة بأرضها
يصف رئيس خليّة الأزمة في الصرفند علي حيدر خليفة، وهو الرئيس السابق للبلدية، في اتصال مع “المفكرة” هذا الاستهداف بأنّه “مجزرة موصوفة ارتكبها العدوان في حقّ عائلة مسالمة رفضت مغادرة بلدها وتشبّثت بأرضها”.
ويشير إلى أنّه “حتى وقوع المجزرة كان لا يزال في بلدة الصرفند حوالي 2000 عائلة، منها 700 عائلة نازحة من الجنوب، و1300 عائلة صمدت وبقيت في البلدة”، إلّا أنّه بعد المجزرة، شهدت البلدة نزوحًا كثيفًا من السكان ومن النازحين، بخاصّة أنّ الإثنين نجت عائلة صرفندية من آل حميدان، من مجزرة محقّقة إثر سقوط صاروخ أطلقته محاربة إسرائيلية على منزلهم المؤلّف من ثلاث طبقات، من دون أن ينفجر. وكان في المنزل 12 شخصًا من النساء والأطفال.
وينفي خليفة، ادّعاءات إسرائيل لتبريرها المجازر بوجود أعمال عسكرية في بلدة الصرفند، مؤكّدًا أنّ كلّ مجازرها في حق العائلات هي محاولات لتفريغ القرى من سكّانها.
ويشدّد خليفة على أنّ “العائلة المستهدفة لا تنتمي لأيّ جهة حزبية، وكلّ ما عملت عليه وأرادته هو الصمود والبقاء في منزلها، وكلّ أفرادها يلتمّون على بعضهم البعض في منزلهم في هذه الأوقات”.
ليش قتلوهن؟
يروي محمد خليفة، خال العائلة وشقيق الشهيدة الجدّة صبحية الساعات الأخيرة التي قضتها عائلة نمر قبيل الإغارة عليها واستشهاد معظم أفرادها: “كنت عندن كما كلّ يوم، قضّيت النهار في منزل أختي وغادرت عند المغرب. تغدّينا وبعد الغدا توجّهنا للديوانية، وهي خيمة في الطابق الأرضي للمبنى مسكّرة وسقفها قرميد. صهري نمر بيحب يجمع العيلة فيها وخاصة بهالأوقات، ولطالما كان يشعر بالخوف على عائلته بعد تصاعد العدوان، بس ما حدا من العيلة فكّر بالمغادرة، كان بدن يضلوا مع بعض”.
ويضيف: “كانت منى يونس زوجة ابن أختي محمد وابنها الطفل علي وأمها فاطمة موجودين بالطابق الأخير، محمد كان عند أهله تحت وابن اختي علي نمر الحمد الله نجا لأنّه كان على السطح، كما نجت ابنتاه جوري وياسمينا وابنه أمير، أصيبوا جميعًا وهم في المستشفى، لكن استشهدت والدتهم فاطمة التي كانت متواجدة في الطابق الأرضي، كل الذين كانوا في الطابق الأرضي استشهدوا”.
وبصوت متهدّج باغتني الخال محمد بالسؤال: “ليش قتلوهن؟ نحنا من الأساس ما عنّا انتماء سياسي ولا حزبي”، ليجيب نفسه: “ولكن هذه هي إسرائيل التي حفظناها عن ظهر قلب، تقتل وتدمّر لأنّه ما في قوانين تحاسبها”.
ويخبرنا الخال أنّ صهره نمر (الجد) كان إنسانًا طيبًا ومكافحًا “اشتغل كلّ حياته بإدارة حصر التبغ والتنباك “الريجي” وحط كلّ تعبه وتعب أولاده بهالبيت، عمّر بيته بالطابق الأوّل ورجع طلع بطابقين لولديه محمد وعلي، حتى ابنتيه فاطمة وزينب بيضلّوا عنده، كل همّه كان إنّه تبقى العائلة مجتمعة وحد بعضها، ويكبروا ولادن قدّام عيونه”.
“صبحية وركوة القهوة دايمًا حاضرة”
بدورها، تروي ندى سليم لـ “المفكرة” علاقتها بالعائلة الشهيدة: “هم بيت خال أمي وجيران بيت جدّي الباب عالباب ما في إلّا خط الساقية متل ما بقولو”. وتضيف: “إنّها عائلة محترمة جدًا، أدب وأخلاق وطيبة وسيرة حلوة على كل لسان، عيلة مستورة، كل أهالي الصرفند بيحبّوهم، بيت لم يصدر منه إلّا أصوات المحبة والكلام الحلو، لم نسمع بأنهم تسبّبوا بأي مشكل مع أحد”. وتتابع: “نقلوا من حي البحر إلى منطقة ضهور الصرفند/الدلتا، بعد أن بنوا منزلهم على قطعة أرض يملكها الوالد كإرث عن والده، ليجمع كل عائلته في المنزل”.
وتتذكّر ندى صبحيّاتها هي والجيران مع الشهيدة صبحية، حين كانت تحضر ركوة القهوة الكبيرة وتنادي: “يلا تعوا، القهوة حاضرة والقعدة بالجنينة”. وتصف جيرتها بها وبعائلتها بالقول “ونعم الجيران”.
وتخبرنا أنّ علي، ابن الشهيد نمر الكبير كان قد سافر إلى أفريقيا لفترة من الزمن، لم يطق الابتعاد عن عائلته، فعاد ليعمل في لبنان، وزوجته الشهيدة فاطمة هي معلمة في المدرسة الرسمية في البلدة.
وتتابع ندى أنّ “فاطمة، ابنة نمر، فمتزوّجة من حسين خليفة وهو في إفريقيا، وقد أتت مع مولودها الأوّل علي ابن السبعة شهور، للبقاء مع أهلها، أصيبت إصابة بالغة، وخسرت طفلها ومعظم عائلتها، أمّا ابنته الثانية زينب، زوجة الشهيد أحمد سالم، فقد أصيبت إصابة في وجهها وفقدت كلّ عائلتها”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.