إحدى غرف مستشفى الوردية الذي تعرّض لدمار كبير جرّاء انفجار المرفأ (تصوير ماهر الخشن)
فاقمت مجزرة بيروت الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس أزمة المستشفيات في لبنان، حيث استقبل القطاع الطبي نحو 6 آلاف جريح دفعة واحدة. وفي تحديث لأرقام مجزرة بيروت، أشار وزير الصحة في الحكومة المستقيلة حمد حسن، إثر اجتماع مع مسؤول الطوارئ في منظمة الصحة العالمية أمس الثلاثاء، إلى ارتفاع عدد الضحايا إلى 171 شهيداً وأكثر من 6000 جريح بينهم 1500 يتطلبون علاجات دقيقة خاصة، وما زال 120 من بينهم في العناية الفائقة، فيما يراوح عدد المفقودين ما بين 30 إلى 40 مفقوداً. هذه الإصابات انهالت على مستشفيات العاصمة ومناطق لبنانية قريبة منها في ظل نقص حاد في المستلزمات والمعدّات الطبية نتيجة الأزمة النقدية والمالية التي يعيشها لبنان، ما ساهم في حصول بعض اللبنانيين على طبابة منقوصة وطارئة أكثر الأحيان.
وتشير مصادر “المفكرة القانونية” إلى أنّ النقص في المستلزمات الطبية والعمل خارج المستشفيات كان كفيلاً بإجراء خياطة جروح بأنواع خيطان متاحة أكثر مما هي مناسبة للجرح، إذ لم تستخدم خيوط الخياطة التجميلية للجروح مثلاً، فيما اضطرت فرق الإسعاف الأولي وبعض غرف الطوارئ في المستشفيات إلى تقطيب وخياطة الجروح بدون مخدّر موضعي. وتؤكد طبيبة متمرّنة في إحدى مستشفيات بيروت لـ”المفكرة” أنّه “تمّ التعامل مع الحالات من منطلق وضع استثنائي وطارئ وليس عادياً، بسبب الاكتظاظ من جهة ونقص المستلزمات من جهة أخرى. وتقول إنّه “يتوقع أن يكون لبعض الإسعافات الأولية التي أجريت ردات فعل في الأيام المقبلة، كالتهاب الجروح مثلاً”.
ولم يصب انفجار نحو 2700 طناً من نترات الأمونيوم المخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، الناس ومنازلهم ومتاجرهم وسياراتهم فقط، لاسيّما في الأحياء القريبة وعلى رأسها الكرنتينا والجميزة ومار مخايل التي شهدت دماراً كبيراً، والصيفي والأشرفية، بل دمر أجزاءً كبيرة من ثلاث مستشفيات من الداخل، فيما نفذت القدرة الاستيعابية لبقية المستشفيات، حتى أنّ برّاداتها لم تتمكّن من استيعاب كل الجثث، فيما أجريت عمليات جراحية طارئة لبعض المصابين على ضوء الهواتف المحمولة.
فكيف بدا المشهد في مستشفيات لبنان فور وقوع الكارثة، وكيف بات حالها بعد أيام على المجزرة، وماذا عن نقص المستلزمات الطبية؟
بعد أقل من نصف ساعة على حدوث الإنفجار، امتلأت مستشفيات بيروت بالمصابين والقتلى. بدا المشهد وكأنّ حرباً نشبت في أحياء بيروت وخلّفت كلّ هذا الدمار والأذى المادي والجسدي والنفسي. وعلى الفور تمّ إعلان حالة الطوارئ والاستنفار في مستشفيات لبنان.
وكان لافتاً خروج الطواقم الطبية إلى مواقف السيارات ووقوفهم على أبواب طوارئ المستشفيات لإجراء الإسعافات الأوّلية للجرحى بسبب اكتظاظ المصابين في الداخل وعدم إمكانية إجراء أيّ كماليات أخرى مثل التحاليل أو صور الأشعة بسبب حجم الكارثة التي عاشتها بيروت، علماً أنّ الزجاج الّذي تطاير أدى الى إصابات بليغة احتاجت إلى عمليات جراحية دقيقة.
وذهبت بعض المستشفيات أبعد من ذلك، إذ أخبرت الجرحى والمرضى أنها لا تستطيع استقبال المزيد منهم بعدما استنذفت قدرتها الاستيعابية. هذا الأمر دفع بوزير الصحة حمد حسن إلى طلب نقل الجرحى إلى المستشفيات المحيطة ببيروت لتلقي العلاج اللازم. وقد تمّ نقل المصابين إلى مناطق مختلفة، وصولاً إلى زحلة بقاعاً وطرابلس شمالاً والنبطية جنوباً. كما أطلق الصليب الأحمر اللبناني استنفاراً عاماً لجميع المسعفين وناشدت مستشفيات العاصمة المواطنين التوجّه إليها للتبرّع بالدم.
واعتبر نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لـ”المفكرة” أنّه “لا يمكن لأي مستشفى في بيروت استقبال مئات الجرحى وبشكل مفاجئ ودفعة واحدة، ورغم ذلك جرى تطبيب جميع الجرحى، حتى ولو لم تكفِ الأسرّة، لكن جرى إسعاف المصابين وتطبيبهم، وما زالت تجرى عمليات جراحية لبعضهم”.
مستشفيات مدمّرة
الانفجار الذي هزّ كافة أنحاء العاصمة بيروت ووصل صداه إلى مناطق بعيدة عن بيروت، تسبّب بمقتل خمس ممرضات (4 في مستشفى الروم وممرضة في الوردية) وبتضرر ثلاث مستشفيات خاصة، هي الروم والجعيتاوي والوردية، إضافة إلى مستشفى حكومي هو مستشفى بيروت الحكومي في الكرنتينا، وأسفر عن تدمير أجزاء كثيرة منها، ما تسبب في انقطاع الكهرباء عنها. وأصيب عشرات الأطباء والممرضين وتمّ إجلاء المرضى الّذين كانوا يتعالجون داخلها.
وبحسب هارون فإنّ حجم الضرر كان كبيراً جداً في المستشفيات الخاصة، وتقدّر الخسائر بملايين الدولارات وإصلاح الضرر خارج قدرة المستشفيات راهناً، وبالتالي تحتاج إلى معونات من أجل أن تعود للخدمة مجدداً.
من جهة أخرى، حمل العدد الهائل للجرحى ونفاذ قدرة المستشفيات الاستيعابية الصليب الأحمر اللبناني إلى فتح نقاط ثابتة بين عيادات متنقّلة وسيارات إسعاف ومراكز نقل دم في بيروت، كما وجّه نقيب الصيادلة نداء إلى جميع الصيدليات لاستقبال الإصابات الطفيفة ومعالجتها لتخفيف الضغط عن المستشفيات.
نقص المستلزمات
وبعد ساعة من الانفجار، بدأت تظهر تداعيات نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات، إذ فقدت أنواع من الخيوط الجراحية والضمّادات والقفّازات والكمّامات وإبر البنج وملابس الحماية وأنواع بدائية أخرى من هذه المستلزمات الأساسية والتي تستعمل في غرف الطوارئ والعمليات، إضافة إلى نقص في بعض المعدّات التي تستخدم في العمليات الجراحية كجراحة العظم. وهذا النقص من شأنه أن يعطّل عمل المستشفيات لأنّها تستخدم بكثرة وقد تمّ استهلاكها، بحسب ما يؤكد هارون لـ”المفكرة”.
ويضيف هارون “في ليلة واحدة خسرت المستشفيات مخزون شهر ونصف الشهر من هذه المستلزمات تقريباً، بعد أن استخدمت في تطبيب المرضى”، علماً أنّ المستشفيات، ومنذ نهاية العام الماضي، تواجه أزمة نقص في المستلزمات والمعدات الطبية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وعدم تمكّن الشركات المستوردة من تأمين الدولارات اللازمة لاستيرادها، مطالبين الجهات المعنية التدخّل وإيجاد حل لها.
من جهتها، تقول نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ”المفكرة” إنّ “الواقع اليوم مبهم قليلاً لجهة النقص الحاصل، إذ لم نتمكن حتى الساعة من إجراء جردة شاملة للمستلزمات والأدوات الطبية، لإحصاء ما هو ناقص، لكن ما يمكننا قوله اليوم، أنّه حتى الساعة ما زلنا قادرين على تزويد المستشفيات بالمستلزمات لاسيما الأدوات التي تتعلق بعمليات العظم والتي كثرت بسبب الإنفجار”.
وتضيف عاصي “تواصلنا مع قيادة الجيش، وهي الجهة التي تسلّمت المساعدات الطبية التي وصلت إلى لبنان ومن خلال الجردة سنتمكّن من معرفة ما هو ناقص، وسيتمّ تأمينه عبر المساعدات التي وصلت من الخارج”.
وعن واقع المستشفيات اليوم، يقول هارون “تمكنّا من تقديم العلاج وتطبيب الجرحى وغالبيتهم غادر المستشفيات وتم استيعاب الكارثة التي حصلت فجأة”.
مساعدات ميدانية
وعبّرت دول عدة عن تضامنها مع لبنان، حيث أرسلت طائرات تحمل مساعدات طبية ومستشفيات ميدانية من بينها قطر والعراق والكويت وتركيا وروسيا إلى بيروت لمواجهة آثار مجزرة بيروت واستقبال المرضى والجرحى بحسب اختصاص كل مستشفى.
وحول حاجات المستشفيات اليوم، يقول هارون “نحن بحاجة لمستلزمات طبية، ولسنا بحاجة لمستشفيات ميدانية لأن لا مشكلة نقص أسرة لدينا ولا في الكادر الطبي والتمريضي، لاسيّما بعد مرور أيام على الإنفجار واستيعاب الصدمة، على عكس ساعاته الأولى حين اكتظت المستشفيات بالمصابين”، ويضيف “لن تتمكن المستشفيات من شراء هذه المستلزمات، في ظل الوضع المالي الراهن، وفي ظل حاجتها لكميات كبيرة لتعويض النقص الحاصل، ويفترض أنّ تقدم لهم على شكل مساعدات”. ويلفت إلى أنّ لا مساعدات من دول أجنبية وصلت إلى المستشفيات الخاصة، حتى كتابة هذه السطور، وأنّ هناك وعوداً من المعنيين بتزويدهم بها.
وبرزت في الأيام الماضية، مخاوف كثيرة من أن تسلك المساعدات الطبية طريقها الى الفساد في لبنان، إذ لوحظ بيع إحدى الصيدليات كمامات جديدة على السوق اللبناني، وهي الكمّامات نفسها التي جرى توزيعها كمساعدات لإحدى المستشفيات، مكتوب على الصندوق التي يحويها “تقدمة دولة الكويت”.
وزارة الصحة
وفي هذا السياق، تقول مصادر وزارة الصحة لـ”المفكرة” إنّ “هذه المخاوف في غير محلّها. أولاً، إنّ علاقة الوزارة مباشرة مع المستشفيات وبالتالي لا تسلم أيّ مساعدات الى الصيدليات، وثانياً، إنّ دولة الكويت لم ترسل كمامات في المساعدات الطبية التي أرسلت الى لبنان، في الأيام الثلاثة الأولى من الانفجار، في حين ما تم تداوله عن أنّ الكمامات الكويتية تباع في إحدى الصيدليات جرى بعد يوم واحد على حدوث الانفجار”.
وتضيف المصادر “الكمامات والأمصال تصنّع محلياً، لذا تمّ استثناءها من المستلزمات التي نحتاجها، حين سؤلنا عن حاجاتنا الطبية من قبل دول كثيرة تواصلت معنا فور وقوع انفجار المرفأ”.
وعن المساعدات الطبية، تقول المصادر “لقد طلبنا تزويدنا بالأدوية بعدما دمر مستودع الأدوية جراء الانفجار في الكرنتينا والمستلزمات الطبية لاسيما تلك التي تستخدم في جراحة العظم، أرسلت الكثير من المساعدات، لكنها ما زالت غير كافية، لأننا في الأصل كان لدينا كميات قليلة، والانفجار الّذي تسبب بأكثر من 6000 جريح زاد الواقع سوءاً، إذ غالبية المصابين يحتاجون اليوم إلى عمليات جراحية”.
وتشير المصادر إلى أنّه “تمّ وبمساعدة الجيش اللبناني تخزين المساعدات في مستودعات الجيش وفي مراكز وزارة الصحة في المحافظات بعدما دمّر مستودع الكرنتينا”.