زحمة سير خانقة باتجاه العاصمة بيروت بسبب حركة النزوح (الوكالة الوطنية للإعلام)
منذ بداية الحرب، هجّرت إسرائيل مئات آلاف[1] الجنوبيين (أغلبهم في ظهيرة 23 أيلول)، في مسعى لتحويلهم إلى أداة ضغط ديمغرافي-اقتصادي على المجتمع. وفي موازاة هذا التهجير، برزت خطورة نكء عصبيات قوى ترى الاختلاط الهووي الطائفي تهديداً سياسياً لها. ما جرى منذ ظهيرة تهجير 23 أيلول، هو تضامن تلقائي مع النازحين من قبل المواطنين، استبقوا الجماعات السياسية، من خلال نداءات أغرقت وسائل التواصل، تأميناً لمساكن ومراكز إيواء للنازحين، أو جمعاً للاحتياجات الأساسيّة لهم، أو تسهيلاً لانتقال من بقي منهم عالقين تحت نير القصف. ولحظنا عموماً تراجع خطابات المشاحنات السياسيّة في اليومين الأوّلين على وسائل التواصل.
سرعان ما برزت مؤشرات تثير القلق في خطب دعاة “الفدرلة” (كل ما تستدعيه فكرة شعوب مختلفة في حيّزات طائفيّة مختلفة)، فبرزت خطابات تشدّ عصب الطائفة/ توهن عصب المواطنة، تذكّيها شائعات تحذيريّة من النازح الذي “لا يشبهنا”. وهو ما ينبئ في حال إطالة أمد العدوان، بتهجير ارتدادي للنازحين -على أقل تقدير- وتثبيط ما تبقى من الإيمان بالمواطنة. والأخطر في ما جرى، فشل الحكومة في مسؤوليّاتها تجاه النازحين واختيارها عدم المس حتّى بقدر يسير من المليارات المتبقيّة في المصرف المركزي لمعالجة ما تذرّعوا به من غياب للموارد. وكأنما الحكومة تعلم أن المجتمع لم يعد يعوّل عليها، فتركت لعلاقات القربى ومبادرات هيئات المجتمع الأهلي تدبير شؤون الغالبيّة الساحقة من النازحين (نحو 80%)، حتّى أنّ الوزراء لم يجدوا حرجاً في التعبير عن عجز الحكومة في تحمّل مسؤولياتها.
تعيد هذه المقالة ترتيب أبرز الأحداث المتسارعة بخصوص النزوح في الأسبوعين الماضيين، وتضيء بدايةً على فشل الحكومة في الاستجابة للأزمة وفق ما أعدّته من خطط طوارئ، متذرّعةً بضعف الموارد والإمكانيات سواء في مواجهة زحمة السير التي استمرت من صباح 23 أيلول حتى فجر اليوم التالي، أو في القصور في تأمين مراكز الإيواء والاحتياجات اللازمة للنازحين. ثمّ تنقل هذه المقالة أبرز تعليقات النواب حيال الأزمة، تنديداً بجريمة التهجير، أو انتقاداً للحكومة، أو تضامناً مع النازحين وتداركاً لإثارة قلاقل طائفية، مقابل من ارتأى إثارة عناوين الخلافات السياسية، والأخطر إثارة عناوين طائفية في ظل هذا الظرف الحساس، مع ما يكتنفه ذلك من مخاطر.
استعدادات الحكومة في مواجهة “مسعى ترانسفير 23 أيلول”
عقب مجزرتي أجهزة الاتصالات ومجزرة شارع الجاموس في 17 و18 و19 أيلول، توسّع العدوان الإسرائيلي تدريجاً، وامتدّ القصف إلى مناطق أبعد من نطاق الشريط الحدودي. وصباح 23 أيلول،أعلن وزير “الدفاع” الإسرائيلي يوآف غالانت “مرحلة جديدة في القتال في جنوب لبنان”، ونقلت الجرائد عن مصدر أمني اسرائيلي خبراً مفاده أنّ سلاح الجو سيجتاح لبنان “خلال ساعات الظهيرة الباكرة”.
في البداية، قلّة من الساسة لحظوا أو اعتبروا أنفسهم معنيين في خطر التداعيات المجتمعيّة للتصعيد المعلن. رصدنا موقفاً لنائب الجنوب فراس حمدان داعياً إلى إغلاق المدارس في محافظتي الجنوب والنبطية يوم 23 أيلول، مؤكداً على “ضرورة تفعيل خطط الطوارئ في جميع القطاعات، وخاصة قطاع التعليم”. وفيما آثر نوّاب آخرون عدم توجيه الانتقادات للحكومة، أو تأجيلها تبعاً لتقييمهم لأولويّات الظرف الراهن. عملياً، تأخّر الوزراء المعنيون في القيام بالاستعدادات اللازمة وفق خطّة الطوارئ التي أعلنت عنها الحكومة سابقاً، والتي أشارت إلى “توجيه النازحين إلى الأماكن الآمنة” و“تجهيز المدارس” لهذه الغاية. فحتى ذلك الوقت لم يكن قد أعلن تعليق الدروس في الحد الأدنى.
أتت أول تصريحات حكومة تصريف الأعمال قبيل توسّع الإجتياح الجوي، من وزير الإعلام زياد المكاري، مشيراً إلى رسائل عشوائيّة أرسلتها إسرائيل إلى هواتف الجنوبيّين، تدعوهم إلى إخلاء أماكن وجودهم، ووضع الأمر “في إطار الحرب النفسية التهويلية”. وقال أن “مكتب وزير الإعلام كان أحد الذين تلقوا الرسالة” وأكّد أن العمل في وزارة الإعلام مستمر وطبيعي. فيما صرّحوزير الداخلية بسام المولوي، أنّه “لا يوجد شيء يطمئن الناس وسط هذه الاعتداءات ولكن نقول لهم إنّ دولتهم إلى جانبهم وتقوم بكلّ ما يلزم على قدر استطاعتها”.
وفي ما بدا نأياً بالنفس عن الواقع، عقدت حكومة تصريف الأعمال جلسة لمناقشة مشروع الموازنة، وتحدث رئيس الحكومةنجيبميقاتي عن مشروع الموازنة. أمّا بخصوص توسّع الغارات، فجلّ ما صرّح به، فهو دعوته الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول لردع العدوان، وقوله أنّهم كحكومة يعملون على وقف الحرب الإسرائيلية “المستجدة” وعلى “تجنب قدر المستطاع الوقوع في المجهول”. أمّا عن استعدادات الحكومة لأزمة النزوح، فصرّح مكاري عقب الجلسة أنّ “هناك خلية للأزمة مجتمعة برئاسة دولة الرئيس ميقاتي والوزراء والمنظّمات المعنية وما يمكن فعله نقوم به”.
وعقدت لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية التي يترأسها وزير البيئة ناصر ياسين اجتماعاً طارئاً، صرح ياسين عقبه أنهم يرصدون تزايد أعداد النازحين، وأنهم فعّلوا غرفة عمليات مركزيّة ستكون اجتماعاتها مفتوحة. لاحقاً في 28 أيلول، صرّح الوزير أن مراكز الإيواء وصل عددها إلى 550، تضمّ أكثر من 77 ألف نازح (مسجّل)، موضحاً أنّ العدد الفعلي يتجاوز 250 ألفا بكثير. وأقرّ ياسين بوجود نقص كبير بالمستلزمات والقدرات اللوجستية للوصول إلى كافة مراكز الإيواء، موضحاً أن الحكومة تتواصل مع المنظّمات الدولية لسدّ النقص في المساعدات. وبرّر الوزير قصور الخطة، بالعدد غير المسبوق للنازحين.
وعلى وقع التزايد المطّرد في عدد الضحايا والمصابين جرّاء الاجتياح الجوي، واشتداد الغارات منذ الساعة 12 ظهراً، كان طلب وزير الصحّة من جميع المستشفيات في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل وقف العمليات الباردة بهدف معالجة الجرحى. وقبل أن تصبح الساعة الثانية كان الاجتياح الجوي وصل إلى دير الزهراني والنبطيّة وطاول القصف المكثّف قرى لم يطلها من قبل، وحصدت آلة القتل خلال ساعات قليلة نحو 500 مدني، وأصيب 1645 بجروح. وتوسّعت منذ الساعة الأولى ظهراً، حركة نزوح الجنوبيين. ويذكر أنه من الانتقادات لخطّة الطوارئ المتعلّة بالصحّة، الاعتماد شبه الكامل على المؤسسات الخاصّة، التي تعمل في نهاية المطاف وفق عقلية الشركة التي تبتغي الربح، بصرف النظر عن الجهد الكبير والمتفاني أحياناً من قبل الكوادر الطبية.
ويشار إلى أنّه مع بداية التقارير حول اشتداد زحمة السير على طريق الجنوب، صرّح بسام مولوي أنّ عدد النازحين وصل إلى 6 آلاف وخمسمئة شخص (حتى ذلك الوقت) وأعلن أن طرقات لبنان غير جاهزة لاستيعاب هذا الضغط موجهاً التعليمات “لاستقبال المواطنين وعدم التعدي على الأملاك العامة والخاصة وفي هذا الظرف الدقيق نحتاج إلى الأمن الاستباقي.” وقد ألمح مولوي بتصريحه هذا أنّ القلق الأكبر للمولوي كان من النازحين لا عليهم. وأتت إجراءات وزارة الداخلية الأكثر تفصيلاً بعد يومين، في 25 أيلول. ومن البنود الإيجابية في التي تضمّنتها، الكلام عن “التنسيق مع وسائل الإعلام لتجنّب نشر الشائعات أو الأخبار التي قد تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار ونشر الهلع والخوف”. ولم نجدْ معلومات أكثر تفصيلاً لمحدّدات وآلية تطبيق هذا الهدف.
وبدا وزير التربية عباس الحلبي بدوره متأخراً عن التطورات، فدعا بداية الأمر إلى تعليق جزئي في بعض المناطق للدروس، داعياً إلى عدم الأخذ بالشائعات. وأبقى الوزير على نشاط المدارس -ما عدا في الجنوب والبقاع- ظهر الإثنين، رغم مناشدات النائب فراس حمدان له منذ يوم الأحد 22 أيلول، ومناشدات كثيرين للوزير في تعليق الدروس. وترك الوزير حريّة القرار للمدارس الخاصة في تعليق الدروس، وصرّح الوزير لبرنامج “صار الوقت” ما حرفيته “اليوم نحن في أول يوم قصف توجد 95 مدرسة فتحت أبوابها”. أي أنّ الوزير لم يعلن توقّف الدروس في كل المدارس الخاصة والجامعات في كلّ لبنان إلا بعد توجّه الطلاب إلى مدارسهم صباح يوم الإثنين 23 أيلول. وعلّق حمدان بتغريدة متوجهاً للوزير في أنّ قراره ساذج، عرّض حياة الطلاب للخطر، وقال “أتمنى أن تكون مرتاح الضمير الآن”. فيما برر الوزير قراره بأنه لم يكن يريد إثارة الذعر بين المواطنين، مدعياً أنه لمجرّد تعليق الدروس سيظنّ الناس أنّ الحرب قادمة، وكأنما إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بدء الاجتياح الجوي أقلّ وطأةً من قرار الوزير.
ولم تتوقف الدروس في سائر المناطق إلا بعدما بات عشرات آلاف النازحين فعليا على الطرقات. أعلن الحلبي بعد ذلك أنّ “بعض المدارس في جبل لبنان والشوف وبعبدا وبيروت والجنوب بدأت تستقبل النازحين وستصبح مراكز إيواء”. ليأتي قرار رفع عدد مراكز الإيواء في المرافق العامّة إلى 777 مركزًا، في وقت متأخّر في 29 أيلول، من دون أنّ يلبي ذلك حاجات كل الباحثين عن إيواء، وقد رأينا مشاهد بقاء عدد من هؤلاء في الطرقات، أو مبيتهم داخل سياراتهم. ويقول النائب حمدان، الذي كان أحد النازحين، “عملياً الشعب اللبناني هو من آوانا من الطرقات… رغم كل خطط الطوارئ وغرفة العمليات، لم يقف أحد مع أهل الجنوب سوى أهله في كل المناطق”.
ومن استجابات الوزارات، ما أشار إليه وزير الطاقة وليد فياض حول قدوم هبة جزائرية من مادة الفيول أويل، وأنها كافية لاستمرار التغذية بالكهرباء كما هي بالوتيرة الحاليّة، لفترة 45 يوما. كما أعلن وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار في 27 أيلول، تخصيص مليون دولار للتوزيع نقداً على العائلات الأكثر فقراً من النازحين من الجنوب. وهي مساعدات طفيفة موجّهة لحوالي 10 آلاف عائلة (100 دولار للعائلة). أي أنّ كل ما استجد[2] عملياً هو دعم جزء من العائلات النازحة بمبلغ زهيد.
جدل العدوان والنزوح في تغريدات النواب
وعلى الرغم من المناكفات السياسية، بقيت السمة العامة للمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبّر عن تضامن عام مع كل من طالهم العدوان. لكن أمكن القول أنّ أولى إرهاصات التحريض الطائفي ضد النازحين بدأت قبل الاجتياح الجوي وعملية إجلاء الجنوبيين عن أراضيهم. نجد مثلاً موقع إلكتروني يدعى “LebTalks“، ينقل في 22 أيلول خبراً أن عاملين في مجال العقارات من أبناء الأشرفية تلقوا اتصالات من منتسبين إلى الحزب (يقصد حزب الله) يبحثون فيها عن شقق للإيجار “بحجة أنها أقرب إلى عملهم”. ونقل الموقع عن “سكان” (لم يعرفّ عنهم) أن تلك الشقق “ستكون مخصصة لاجتماعات بعض القيادات في الحزب”. وكأن هذا الموقع يشير إلى أن هؤلاء “السكان” الذين أطلعوه بالأمر لديهم معطيات استخباراتيّة، أو أنّ “الحزب” أبلغهم بنفسه أين يعقد اجتماعاته. عملياً، رغم ضعف مصداقية الخبر، فهو يوحي للقارئ أنّ كل نازح يبحث عن شقّة للإيجار، يمكن أن يكون أحد “قيادات الحزب”.
إلى جانب هذا النوع من الشائعات -وقد رصدنا منها الكثير لدى نشطاء مغمورين على وسائل التواصل-، سرعان ما انسابت إلى الجدل في أوساط السياسيين في 24 أيلول. وقد أمكننا تمييز مضمون أغلب التعليقات لمجرد النظر إلى الوسم الملصق بها. فمنها البديهي الذي يدعو للتضامن أو يندد بجرائم الإبادة، ومنها مثير القلائل سواء تحت هاشتاغ “لبنان لا يريد الحرب”، التي تتهم ضمناً جزءًا من اللبنانيين أنهم تسببوا بالحرب وتحملهم مسؤولية استجرار العدوان، أو ما يقابلها من آراء متطرّفة تخوّن كل من أبدى رأياً مغايراً حول شكل التعاطي مع إسرائيل كعدو، فتستخدم وسم “عملاء”، أو “#جبهة_إسناد_إسرائيل” أو ما شابه.
1- تباين ما يندرج تحت عنوان “التضامن”
وتجدر الإشارة أنه حين نقول أن أغلب النواب متضامنون، أو أغلبهم عبّر عن تضامنه مع النازحين، فلا نتحدث عن شكل واحد من التضامن بل يختلف مضمونه من نائب إلى آخر. ويمكن مثلاً تمييز ثلاثة أشكال من التضامن عبّر عنها غساسنة المجلس الثلاث. وتمثلت في: ضرورة الضغط لانتخاب رئيس جمهورية (سكاف) وضرورة حلّ مسؤول النزوح على وقع العدوان (عطالله)، وضرورة حماية الأشرفية من النازحين (حاسباني).
وبالفعل، اعتبر النائب غسان سكاف في 18 أيلول أنّ اسرائيل بعدوانها حولت الانقسام الداخلي حول الحرب في الجنوب إلى تضامن وتكاتف وتعاضد. كما اعتبر في تغريدة أخرى في 22 أيلول، أنّ جلّ ما يستطيع أن يقوم به “لبنان الضعيف” هو استغلال “التعاضد والاجماع الوطني بعد تفجيرات هذا الاسبوع لإنتاج تسوية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية”.
أما النائب غسان عطالله فصرّح في 23 أيلول، أنّ “الوقت الآن للتضامن ومساعدة أهلنا المتضررين وليس لتصفية الحسابات. سيادة لبنان تحت الاعتداء … فهل من يستفيق؟”. وعاد ليدعو المعنيين في تغريدة أخرى في 25 أيلول للقيام بالواجب “لحفظ كرامة أهلنا وأحبائنا”، مستغربا عدم عودة النازحين السوريين الى بلادهم.
النائب غسان حاصباني لم يعبر عن أي تضامن أو تعاطف، إنما صرّح قبل يوم من الاجتياح الجوي، في 22 أيلول، أنّ “الأشرفية ليست ملاذاً آمناً للمخلّين بالأمن والعابثين بالاستقرار”. وعاد بعد الاجتياح ليقوم بزيارات ميدانية على مدار يومين إلى أهالي ومؤسسات ومدارس في منطقة الأشرفية في إيحاء بأنه يريد أن يحرص على أمن وسلامة سكّانها من خطر طالبي الملاذ “العابثين بالاستقرار”، ويبدو من منشور حاصباني على تويتر أنه كان يتابع شؤون الطاقم التعليمي لا شؤون النازحين. واعتبر حاصباني أنّ “الأشرفية منطقة آمنة للذين يلتزمون بالقانون ولا يقومون بأعمال مشبوهة لأن رصدهم سيكون سهلاً من قبل الأجهزة الأمنية والأهالي والقوى الفاعلة على الأرض”. وقد خلا كلامه من أيّ تعاطف مع النازحين… فكأنه يريد أن يُفهم أن تواجد النّازحين يتمّ بسماح من القوة السياسية التي يمثلها وهو يقبل الانتهاء في حال حصول أي تجاوز لما قد تضعه من خطوط حمراء.
2- إدمان على المناكفات… و”افتحوا المجلس”
لعلّ النائب مارك ضو أكثر النواب الذين انصرفوا إلى منطق المناكفات السياسية رغم خطورة الوضع الراهن، فشهدنا له جولات مراشقات مع صحافيين، فانزلق إلى مناكفة مع رضوان مرتضى دفاعاً عن “تخوين دول عربية”، وانزلق إلى مبارزة مع بيير أبي صعب ليخوّن كل منهما الآخر، وأخرى مع الخامنئي، طالباً أن “يحل عنا”، الخ.. وعموماً، كان موقف ضو مشابهاً لموقف الحكومة في اعتبار النازحين شأنا دوليا قبل أن يكون من مسؤولية الحكومة، طالباً “دعوة الهيئات الدولية إلى اجتماع تنسيقي فوري لتنفيذ خطة دعم النازحين”، وتلاقى مع منطق حاصباني ووزير الداخلية في اعتبار النازح هو الخطر لا وضع النازح وتأمين احتياجاته، فكان أن اقترح “استدعاء احتياطي الجيش وقوى الأمن فورا للمساعدة بتنظيم النازحين”.
ومن المناكفات مبارزة بين النائب جميل السيد والوزير السابق وئام وهاب، فوجّه السيد كلاماً في تغريدة في 26 أيلول “لكلّ من يشبهون هذا الكلام وتعرفونهم: مَن أكل من صحن غيرك وخانه، خانك…”، وأعقبها تغريدة أخرى في اليوم التالي يتّهم فيها وهّاب بالتحقير والتحريض ضدّ الطائفة الشيعية، بعدما اتهم الأخيرة “شيعة أفريقيا” أنهم “نصابّون”. أمّا حول إشكاليّة النازحين، فجّل ما رصدناه للسيّد من تغريدات، تعبيره عن خشيته حول المساعدات والهبات القادمة للنازحين أن يكون مصيرها “مماثلاً لمصير ال 11 مليار دولار خلال وبعد حرب تموز 2006 في زمن حكومة الرئيس السنيورة”. (سبقه النائب هاكوب تريزيان، و-بعد التعبير عن تضامنه- عبّر عن خشية من استغلال ما في توزيع الهبات، معقباً على مؤتمر لميقاتي صرّح فيه الأخير أنه أعطى توجيهات لمدير عام الجمارك بقبول الهبات فوراً من دون أي رسوم عليها).
ويبقى الأخطر في المناكفات، ما قد يذهب إليه خطاب حزبيْ القوات والكتائب في حال انتشار أي شائعة أو حادثة فرديّة مع نازحين أو ثلاث (من أصل الرقم المقدّر بمليون نازح) حول عنف أو تخريب ما. بخاصّة أنّ هذه القوى كما وزير الداخليّة يستشعرون مسبقاً خطر التعدي على ممتلكات عامّة أو خاصّة قبل حتّى أن نشهد أي حادثة في هذا الصدد. ومن المؤشرات المقلقة في خطاب الحزبين استخدام تعابير مرتفعة النبرة، ومنها على سبيل المثال قول زعيم حزب القوات سمير جعجع أنّه “لم يعد مسموحا أن نبقى في الواقع المرير الذي نعيشه في السنوات الثلاثين الأخيرة من تاريخنا”. وفي تصريح مماثل قال نائب الكتائب سليم الصايغ، “إلى متى تراهنون على صبر الشعب اللبناني؟”.
وبعيداً عن المناكفات، فما بدا حملة منظمة طغت على أغلب تغريدات النوّاب، كانت الدعوة لانتخاب رئيس جمهوريّة. كأنّ فريقاً من النوّاب ارتأى أنّ ما بقي عالقاً تنفيذه طوال عامين، أمكن الضغط باتجاه تنفيذه في ظل العدوان، ولم يوضع الأمر تماماً ضمن منطق عامّ لتعزيز الوحدة والتضامن في ظل الظرف الطارئ، إنما قدّم نوعاً من حلّ أو إسهام في إنضاج تسوية إقليميّة دوليّة لوقف العدوان. ويندرج في هذا السياق موقف نوّاب الكتائب والقوات، تبعاً لموقف قيادة الحزبين. فتساءل جعجع: “لماذا لا يدعو الرئيس بري فورًا لجلسة فعلية لا صورية، كما كان يحصل في السابق، لانتخاب رئيس للجمهورية”. وبعد اعتباره أن سرديّة حزب الله قد سقطت، دعاه رئيس حزب الكتائب النائب سامي جميل إلى “التسليم بالدولة وجيشها وتطبيق القرارات الدولية وتسهيل انتخاب رئيس لفتح ورشة مصارحة ومصالحة”.
كذلك فعل رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيلمناشداً رئيس مجلس النواب أن يدعو سريعا لمشاورات نيابية محدودة، والتوجه بعدها إلى جلسة انتخاب مفتوحة، وأردف “هذه ليست لحظة انتصار أحد على أحد ولا هزيمة أحد من اللبنانيين بل لحظة للتوافق على رئيس”، وشدد على أنه “ممنوع عزل أو قهر أو الاستقواء على أيّ مكوّن لبناني”. والتقت مواقف عدد من النواب المستقلين والكتل الصغيرة مع الأحزاب الثلاثة حول أولويّة انتخاب رئيس.
3- مواقف وأد الفتن وتسهيل شؤون النازحين
نوّاب آخرون انشغلوا أكثر بالعدوان نفسه وتداعياته على المجتمع. النائبة حليمة قعقور مثلاً تقول يوم 23 أيلول أنّ “اليوم اولويتنا مساعدة النازحين والنازحات والوقوف معنويا ولوجستيا إلى جانبهم”. وأردفت أنّ عبارة “كلنا للوطن” ستترجم اليوم بالتضامن والوقوف متّحدين بوجه العدو. اليوم التالي، في 24 أيلول، نجد نكبة “الترانسفر” حاضرة في ذهن قعقور فتصرح “اليوم وكل يوم منتأكد انو أمان إسرائيل يتطلب تدمير دول وإبادة شعوب!”، وتذيل تغريدتها بوسم #IsraelisGenocidalentity. وأعادت قعقور نشر موقف حزب “لنا” حول تخبط خطة الطوارئ وأنّ القصور الفادح في استجابة الحكومة، “يعكس غيابًا كاملًا للتخطيط الحكومي وللرؤية الاستباقية، مما يعرّض حياة المواطنين لخطر حقيقي”.
بدوره عبّر النائب بلال عبد الله في سياق التعبير عن التضامن، عن رفضه لاستغلال حاجات النازحين، وذلك في تغريدة قدّم فيها إخباراً للأجهزة القضائيّة ضدّ من يرفعون ثمن فرش الإسفنج. نوّاب آخرون مثل نبيل بدر الذي صرّح أن “مؤسسة بدر” تقوم بكل ما يلزم لخدمة النازحين، عبر في تغريدة أخرى أنّ إحدى الحوادث الفرديّة في طرابلس من ممارسة التضييق على النازحين لا تعبّر عن الحالة العامة، مؤكداً أن احتضان اللبنانيين للنازحين هو احتضان مثالي.
ولعلّ النائب أسعد درغام كان أنشط النوّاب تضامناً وسعياً للإسهام في مساعدة النازحين وفق ما نرصد على صفحته، واعتبر درغام ما يجري بحقّ النازحين جريمة إذ لا يتوفّر حتى حليب الأطفال، وهناك “صفر تحضيرات وصفر تجهيزات” من قبل الحكومة. وفي مقابلة له على “أو تي في”، انتقد أمين عام الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير في عدم توفّر أبسط الحاجيات من خبز وأغطية للنازحين. كما انتقد الوزير ياسين كذلك، فهو بعد أن طلب من الأخير تأمين الخبز، ردّ بأنّه سيطلب من المنظمات تأمينه لأنّ “خلية الأزمة بحاجة لحل أزمتها”.
والكثير من النوّاب عبروا عن تضامنهم مع النازحين، لكن كان دور نائبي الجنوب الياس جرادة وفراس حمدان هو الأبرز. انفرد حمدان في متابعة تفعيل خطة الطوارئ في الساعات الأولى من العدوان، داعياً في 23 أيلول إلى تطبيقها “فوراً بدون أي إبطاء” (لم نرصد تعليقات أخرى لنواب في هذا التاريخ). ودعا حمدان إلى “التحلّي بالمسؤولية والارتقاء إلى مستوى اللحظة، والتركيز على الأولويات الوطنية الفعلية، بتحريك فرق العمل بحسب الخطة الوطنية للطوارئ لاستقبال النازحين”. وانتقد اجتماع الحكومة في مثل هذا الوقت “لتهريب موازنة تشبهها”، بدلاً من “التفرّغ للاضطلاع بمسؤولياتها الطارئة”. ومثلما فعل النائب درغام وآخرون من النوّاب، جال النائب حمدان ومعه النائب ملحم خلف على مراكز الإيواء للوقوف على حاجات النازحين.
أمّا نائب الجنوب الياس جرادة الذي تقدم عمله كطبيب على عمله كنائب منذ مجزرة أجهزة الاتصالات، فكان أبلغ من تصدّى ضد التعليقات التحريضيّة على النازحين، مؤكداً أنّه لو حدثت نكبة النزوح في مناطق غير الجنوب، “لكنتم رأيتم أهل الجنوب يقدّمون دماءهم لكل فريق لبناني، لأنّ هذه صفة الإنسانية التي تطغى على أهل الجنوب”. وفي مقابلة له على قناة “ال بي سي” في 29 أيلول أكّد جرادة على ضرورة عدم المراهنة على أيّ حلّ خارجي، والمراهنة على وحدة الشعب اللبناني فقط. وأردف أنّ الشعب الجنوبي لا يُذلّ، وأن هناك فرصة للبنانيين كي يصبحوا شعباً واحداً، وذلك من خلال احتضان الجنوبيّين (أو المنكوبين من كافة المناطق).
[1] أعلنت “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” في 29 أيلول أنّ عدد النّازحين المسجّلين في مراكز الإيواء المعتمَدة من قبل غرفة العمليّات الوطنيّة، وصل إلى 116100 نازح. وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ مجمل عدد النازحين قد يصل الى مليون نازح.
[2] وتطرّق الحجّار إلى برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً وتوزيع 3 مليار دولار بالطريقة التي كانت توزع فيها سابقاً. وهو ليس بأمر جديد.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.