أعلنت “اللجنة الفاعلة” للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي تحوّلها إلى رابطة بعد حصولها على العلم والخبر رقم 1127، لتكون أوّل رابطة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي في لبنان، ومستقلة، كما أكد المعنيات والمعنّيون بها.
وجاء الإعلان عن الرابطة بعد نحو 7 سنوات امتنعت خلالها وزارة الداخلية، وبممارسة غير قانونيّة، عن إعطاء العلم والخبر، ما اضطّر الأساتذة بالتعاون مع “المفكرة القانونيّة” إلى اللجوء إلى مجلس شورى الدولة لإبطال قرار الرفض، والحصول على أمر قضائي ألزم وزارة الداخلية بتسليمهم العلم والخبر.
وتكمن أهميّة القرار القضائي، حسب المحامي في “المفكرة القانونية” علي سويدان، بإخراج مجلس شورى الدولة، عمليًا، ممارسة حق التجمع من دائرة السلطة التقديرية لوزارة الداخلية ومن شرط موافقة المراجع الأمنية أو الإدارية التي يتصّل نشاطها بأهداف التجمّع، وهو بالتالي يُغلق باب الاستنسابية.
وأوضحت رئيسة الرابطة نسرين شاهين في حفل الإعلان عن الرابطة أمس، أنّ الرابطة تهدف إلى تحصيل حقوق الأساتذة المتعاقدين بمختلف تسمياتهم، وإلى تقديّم كلّ الدعم الحقوقي والقانوني لهم على أن يكون الهدف الأوّل حاليا العمل على إقرار قانون تفرّغ هؤلاء الأساتذة تمهيدا لتثبيتهم.
وتأتي أهميّة الإعلان عن هذه ولادة الرابطة، وحسب الخبير الدولي في الشؤون النقابية غسان صليبي، من كوّنها رابطة مستقلة عن الأحزاب السياسيّة، تجمع الأساتذة على مصالحهم وحقوقهم، فضلا عن كونها رابطة للأساتذة المتعاقدين أي لفئة من “المياومين” الذين عادة ما يُعتبرون “عمالة هشّة” يُهدّد تنظيمها في روابط أو نقابات مستقلة، أرباب العمل الذين يستفيدون من حرمان أفرادها من حقوقهم.
وحضر حفل الإعلان عن الرابطة أكثر من 200 معلم ومعلمة متعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي فضلا عن عدد من النواب بينهم ممثل عن رئيس لجنة التربية النيابيّة، وجهات تربوية ونقابية وهيئات مدنية محلية ودولية.
تأسيس الرابطة وأهدافها
خلال كلمتها، اعتبرت شاهين أنّ تأسيس الرابطة هو حلم تحوّل إلى حقيقة، بدأ من مجموعة صغيرة من الأساتذة كانوا يعملون بشكل فردي، وحّدوا جهودهم وعقدوا لقاءات وورش عمل في المناطق وشكّلوا مجموعات عبر الواتساب، واتفقوا على حقوقهم الأساسيّة وقرّروا تنظيم جهودهم في إطار رابطة رسميّة.
وشرحت شاهين أنّه في العام 2017 كانت ولادة اللجنة الفاعلة وبعدها بعام تقدّمت بطلب علم وخبر من وزارة الداخلية إلّا أنّ الأخيرة امتنعت عن إعطائه لمدة تجاوزت الـ 6 سنوات، فلجأ الأساتذة وبالتعاون مع “المفكرة” إلى مجلس شورى الدولة وحصلوا على أمر قضائي ألزم وزارة الداخلية بإعطاء العلم والخبر.
وتحدّثت شاهين عن تحركات الأساتذة خلال هذه السنوات تحت إطار اللجنة، وتنظيمهم عشرات الاعتصامات والتحركات للمطالبة بحقوقهم وتسليط الضوء على سوء الإدارة والفساد في ملفات تربوية، ما حوّل قضيّة الأساتذة المتعاقدين إلى قضية رأي عام. وتوقفت عند محاربة وزارة التربيّة هؤلاء الأساتذة عبر إجراءات تعسفيّة وصلت إلى حدّ فصلها (فصل شاهين) من التعليم عبر فسخ عقدها من دون أيّ مسوّغ قانوني، ما دفعها إلى اللجوء إلى القضاء الذي أعادها إلى التعليم. هذا فضلا عن تقديم شكاوى قدح وذم ضدّها وكلّه، حسب شاهين، في إطار محاولة كم أفواه الأساتذة.
وفنّدت شاهين أهداف الرابطة اليوم، وفي رأس أولوياتها العمل من أجل إقرار اقتراح قانون تفرّغ الأساتذة المتعاقدين والذي وضعته الرابطة بالتعاون مع مؤسّسة” “فريدريش إيبرت” إسوة بأساتذة الجامعة اللبنانيّة، وكخطوة على طريق تثبيتهم.
وأشارت إلى أنّ الرابطة تضع اقتراح القانون بين يدي لجنة التربيّة النيابيّة والنواب المعنيين، مرفقا بدراسة ماليّة أُعدّت بالتعاون مع “فريدريش إيبرت” أيضا، بيّنت أنّ الكلفة الماليّة لتفريغ هؤلاء الأساتذة مقارنة ببقائهم متعاقدين ليست كبيرة، ولاسيّما في ظلّ إنهيار قطاع التعليم الرسمي وهجرة الأساتذة الأكفّاء.
وذكرت شاهين أنّه من الأسباب الموجبة لاقتراح القانون تشكيل نسبة المتعاقدين 70% من إجمالي عدد أساتذة التعليم الرسمي الأساسي، ومضي 15 عامًا على آخر دورة تثبيت في التعليم الأساسي، فضلا عن الحفاظ على مبدأ الاستقرار الوظيفي للأساتذة والحد من الإضرابات وتعزيز مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية.
ومن أهداف الرابطة التي ذكرتها شاهين أيضاً، تأمين حماية قانونيّة للأساتذة من الطرد التعسفي والانتقام والتشفي، وتطوير مهاراتهم المهنيّة والمشاركة في رسم السياسات التربوية وتثقيف الأعضاء نقابيًا وحقوقيٌا وتحقيق المطالب عبر المفاوضة الجماعيّة ووسائل الضغط الديمقراطيّة.
هذا واعتبرت شاهين أنّ الإعلان عن الرابطة هو تتويج لسلسلة مطالب كانت اللجنة الفاعلة قد حقّقتها، ومنها رفع قيمة أجر الساعة والمساواة في أجر الساعة بين حاملي الشهادة الأكاديمية والمهنية وإقرار قانون العقد الكامل ومرسوم بدل النقل وقبض مستحقات الأساتذة المستعان بهم بالدولار ومباشرة عبر مراكز التحويلات المالية وتحصيل حوافز بالدولار خلال الأزمة.
السلطة لا ترغب بمثل هذه الروابط
قد يكون من البديهي اعتبار السنوات التي انتظرها الأساتذة للحصول على العلم والخبر مدة طويلة جدا وغير منطقيّة ولاسيّما وأن قانون الجمعيات الصادر في العام 1909 ينص على أن الجمعيات لا تحتاج إلى ترخيص، والعلم والخبر هو من باب معرفة الدولة بوجود هذه الجمعيّة ليس أكثر، ولكن حسب الباحث الاجتماعي والخبير الدولي في الشؤون النقابية غسان صليبي، والذي وثّق المسار النقابي للجنة الفاعلة بدراسة تُعنى بالنقابات المستقلة لجمعية “فريدريتش إيبيرت”، هناك أسباب واضحة جدا لهذه المماطلة من قبل السلطة التي لا تفضّل هذا النوع من النقابات.
ورأى صليبي في كلمة له خلال حفل إعلان تأسيس الرابطة، أنّه من أسباب تأخّر وزارة الداخلية بإعطاء العلم والخبر ما هو تنظيمي يرتبط بوجود رابطة للتعليم الأساسي أصلا، وإن كانت لا تستقبل الأساتذة المتعاقدين، وبالتالي تمثّل بأحسن حالاتها 30 % من الأساتذة.
ومن الأسباب التي ذكرها صليبي ما أسماه سببا “مهنيًا اقتصاديًا” كون هؤلاء الأساتذة مياومين، وحسب إدارة الإحصاء المركزي يمثّل المياومون أو ما يُسمّى العمل غير الرسمي أو غير المنظّم 63% من القوى العاملة في لبنان، وهذه العمالة غالبا ما تتقاضى رواتب قليلة ولا تدخل في نظام الضمان الاجتماعي ولا يطبق عليها قانون العمل ويمكن لصاحب العمل فصل أفرادها بسهولة. لذلك فإن تأسيس فئة من هؤلاء رابطة قد يُشجع الآخرين على ذلك، في وقت يُشكّل فيه تنظيم هذه العمالة الهشة خطرا على أرباب العمل وعلى السياسات التي تستغلّ هشاشتها.
بالإضافة إلى ما تقدّم اعتبر صليبي أنّ نجاح الأساتذة بالتواصل مع بعضهم البعض في مختلف المناطق ونضالهم الموحّد فضلا عن استقلاليتهم عن الأحزاب ولو كان منهم من هو محزّب، أمور لا تريدها السلطة لأي نقابة أو رابطة، حتى لا تخرج عن سيطرتها.
وفيما اعتبر صليبي أنّ تاريخ التقديم على العلم والخبر في أوائل 2018 والذي تزامن مع بوادر انطلاق شرارة الانتفاضة الشعبية العام 2019 قد يكون سببا إضافيا لمحاولة السلطة عدم إعطاء العلم والخبر، لم يستبعد أيضا أن يكون موقف الوزير الشخصي من رئيسة الرابطة نسرين شاهين التي وقفت بوجهه هو من الأسباب أيضا، إذ لا يُستبعد أن يكون وزير الداخلية لا يريد “أن يزعّل” وزير التربية.
المسار القضائي
يوضح المحامي في “المفكرة” القانونية علي سويدان أنّ الأساتذة تقدّموا بأوراق الجمعية لوزارة الداخلية من أجل الحصول على علم وخبر منذ أوائل العام 2018 ولم يحصلوا عليه، حيث بقيت وزارة الداخلية ترفض إعطاء العلم والخبر رغم مراجعة الأساتذة المستمرة.
وفي العام 2023 تقدّم الأساتذة، بالتعاون مع محامين في المفكرة القانونية، بمذكرة ربط نزاع إلى وزارة الداخلية يطلبون فيها تسليم العلم والخبر. لكنّ الأخيرة رفضت مُعلّلة الأمر بعدم موافقة وزارة التربية على تأسيس الجمعية، وبانتظار معالجة حالة التعاقد لدى أساتذة التعليم الرسمي.
فما كان من الأساتذة بالتعاون مع “المفكرة” إلا أن لجأوا إلى مراجعة مجلس شورى الدولة لإبطال قرار وزارة الداخلية برفض إعطاء الجمعية علم وخبر، مفندين أسباب عدم قانونية القرار في إطار الحق بالتجمع وحق تأسيس الجمعيات واستنادا للدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
وبعد فترة قصيرة، أصدر المجلس قرارًا بوقف تنفيذ قرار وزارة الداخلية بعدم منح العلم والخبر. ولكنّ الأخيرة رفضت العودة عن قرارها، وعمدت إلى التأجيل والتسويف ولم تُنفّذ القرار القضائي إلا بعد عام من الأخذ والرد والمراجعات.
ويُشير سويدان إلى أنّ أهميّة قرار مجلس الشورى والذي استطاعت الرابطة بموجبه انتزاع حقّها بالعلم والخبر، تكمن في أنّه يؤكّد على اجتهاد المجلس الذي يكرّس مبدأ حريّة تأليف الجمعية وحق التجمع باعتباره حقًّا مكفولًا بالدستور والقانون. وكذلك في التأكيد على أنّ ممارسة هذا الحق لا تخضع لإذنٍ مسبقٍ أو ترخيص، فالجمعيات تنشأ قانونًا بمجرد التقاء مشيئة مؤسسيها وتوقيعهم على أنظمتها وإعلام الإدارة بها، والعلم والخبر بتأسيس الجمعية لا ينشئ حقا بتأسيسها وإنما يعلن حقا قائما قبل صدوره. كما أنّ القرار، بعدم أخذه بحجج وزارة الداخلية القائمة على ما اعتبرته عدم موافقة من قبل وزارة التربية على تأسيس الجمعية، وعلى صلاحية وزارة الداخلية في رفض تسليم العلم والخبر، يُخرج، عمليًا، ممارسة حق التجمع من دائرة السلطة التقديرية لوزارة الداخلية ومن شرط موافقة المراجع الأمنية أو الإدارية التي يتصّل نشاطها بأهداف التجمّع، وهو بالتالي يُغلق باب الاستنسابية في منح إفادة العلم والخبر، باعتباره يُشكّل تجاوزًا لحد السلطة.
وأصبح لدينا رابطة …
لم يكن من الصعب لأي متابع لحراك الأساتذة ملاحظة أنّ وجوه الأساتذة الذين حضروا حفل الإعلان عن الرابطة مألوفة، فمعظم هؤلاء كانوا من المشاركين الأساسيّين في التحركات والاحتجاجات المطالبة بإنصاف الأساتذة والحفاظ على المدرسة الرسمية. “انبحّ صوتنا، 8 سنوات ونحن في الشارع، لم نترك بابا إلا وطرقناه، واليوم أصبح لدينا رابطة مستقلة تتحدّث باسمنا” تقول نوال حمادة أستاذة اللغة العربية في إحدى مدارس الهرمل لـ “المفكرة”، مشيرة إلى أنّ الإعلان عن الرابطة هو تأكيد بأنّ الحقّ لا يموت طالما هناك من يطالب يه، وأنّ هيمنة الأحزاب السياسية على الأساتذة من خلال الإمساك بروابطهم، ليس قدرا.
وفي حين تقول حمادة، وهي عضو في الهيئة التأسيسيّة، بأنّ اليوم بات لها رابطة تمثّلها ولم يعد باستطاعة مديري المدارس وغيرهم ممن تُسيّرهم الأحزاب التحكّم بمصيرها، تُشير إلى أنّ الطريق طويلة وهذه ليست إلاّ البداية ولكنّها بداية واعدة.
من جانبه يعتبر عمر إسماعيل، مسؤول اللجنة في الشمال وعضو الهيئة التأسيسيّة، أنّ تأسيس رابطة رسميّة للأساتذة المتعاقدين تعني عمليا اضطرار وزارة التربيّة إلى مفاوضتهم لما لهم من شرعيّة بخلاف ما كان يحصل سابقا من تهميش لهم وتمثيلهم بأشخاص لا يمثلون مطالب الأساتذة الحقيقيّة بل مصالح أحزاب السلطة.
وأشار إسماعيل إلى أنّ هذه الرابطة جاءت بعد نضال طويل امتدّ على سنوات ولكن ولادتها تُعطي أملا كبيرا للأساتذة ودافعا لاستكمال مسيرتهم حتى الحصول على حقوقهم والنهوض بالتعليم الرسمي.
للاطلاع على قرار مجلس الشورى