متحولة جنسية تروي قصة توقيفها لثلاثة أيام


2016-01-25    |   

متحولة جنسية تروي قصة توقيفها لثلاثة أيام

صدر بتاريخ 3/9/2015  قرار عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت[1]أتاح لمتحوّل الجنس تصحيح قيده في دائرة النفوس. يضاف هذا الحكم إلى جملة أحكام صدرت عن محاكم مختلفة تحمي حقوق فئات تتعرض بشكل دائم إلى التوقيفات والملاحقات لا سيما متحولي الجنس، المثليات والمثليين[2]. لكن في موازاة هذه الأحكام، غالباً ما يتعرض أشخاص من هذه الفئة عند التوقيف والإحتجاز إلى شتى أنواع الإذلال والتعذيب النفسي والجسدي. نعرض في ما يلي شهادة متحولة جنسية من التابعية السورية تمّ توقيفها في الآونة الاخيرة في لبنان. وقد روت لنا تفاصيل الإذلال الذي تعرضت له على يد عناصر القوى الأمنية اللبنانية. وبداية، نعتذر مسبقاً لاستعمال بعض الألفاظ الهابطة الواردة أدناه، والتي نهدف منها إلى إظهار كمّ الإسقاطات المرسخة في أذهان بعض العناصر العاملين في الأجهزة الأمنية ومدى استهتارهم واستهزائهم لكرامة الأفراد وخصوصياتهم، وإصرارهم على إذلال كل من هو مختلف.

الرواية

أتيت إلى لبنان منذ سنتين. ولقد حصل معي الكثير منذ ذلك الحين. في 12/1/2016، حصل أول توقيف لي في حياتي. كنت يومها أحسّ بضيق شديد، ليس معي ما يكفي لأسدّد إيجار غرفتي. لا أعرف شيئا عن ملفي العالق منذ سنتين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وقررت التوجه الى منطقة الروشة، في الساعة التاسعة مساء.

كنت بالقرب من الموفنبيك. اقترب مني شابّ لا أعرفه. أراد التعرّف الي: “كنت خاطب وبدي إتجوز”. ومن هيدا الحكي. خلال حديثنا، اقترب منا رجل يلبس ثياب رياضة طلب مني ومن الشاب أن نسلمه بطاقات هوياتنا. لم أسلمه هويتي وقلت له على الفورshe male ، أي متحولة وذلك لأن منظري الخارجي غير مطابق للجندر المدرج على بطاقة هويتي. حين سمعني أقول أنني متحولة، ثار غضبه وانقلب 180 درجة. وبدأ يصرخ ويشتم “ليه عامل بحالك هيك يا حيوان”. وترجّل أربعة رجال من سيارة (تبين لاحقا لي أنهم دورية “استقصاء”). قاموا بتكبيل الشاب الذي كان واقفاً يحدثني وضربوه على رأسه. أما انا فأمسكوا بي من شعري وأخذونا إلى فصيلة الرملة البيضاء. الفصيلة كانت تعج بالناس. عند دخولنا، بدأ العنصر الذي قام بتوقيفي يصرخ فيّ: “وقاف هونيك وليه”. وقد أثار ذلك حشرية الناس الذين بدأوا يلتفتون يمينا، ويسارا ويتساءلون مع من يتكلم. اذ ذاك، استدار العنصر إليهم وصاح: “هيدا شاب إبن الشرموطة، هيدا شاب إبن الحرام”. استلمني هناك عناصر المخفر، وأذكر المؤهل هنالك (م.د) ولن أنساه في حياتي: فهو امتهن إذلالي طيلة ثلاثة أيام. “ليه عامل بحالك هيك يا حيوان. ما بتخاف من الله؟ ما بتحسب حساب من الله؟ دير وجهك على الحيط ارفع إجرك، إرفاع ايديك”، واقترب مني وبصق بوجهي.

ارتبكوا بعدها:أين سأنام: “إذا حطينا بنظارة الشباب بحبلو، وإذا حطينا عند النسوان بيغتصبن”. اتصلوا بأحدهم. لا أعرفه. نصحهم أن أنام في الغرفة المجاورة لغرفة التحقيق، غرفة القلم،  مكبلة على الكرسي. طلبت أن اتصل بمحام. استهزأ الضابط بي وبطلبي: “ليه إنت عندك محامية؟ شو بدك منها؟”. كانت الكلبجة ضيقة كثيرا على يدي (لا تزال الآثار ظاهرة عليها) وكنت أقع عند كل حركة. وكان كل مرة يحصل ذلك يقترب مني الضابط ويضربني على رأسي. أخذ مني هاتفي الخليوي وقام بالتدقيق بالصور والرسائل، هو كان يريد أن يثبت علي تهمة الدعارة. سألني عما كنت أفعله على الروشة في ذلك الوقت. سألني عن أسماء أصدقائي و”مين في متلي بالبلد”. لكنه لم يجد شيئاً على هاتفي كوني كنت أحرص أن أمحو عنه الصور والمحادثات تحسباً للحظة كهذه. كان شتمه لي مستمرا كذلك الضربات التي كان يسددها على رأسي وكان يقول لي “ما لح تطلع من هون إلا على سوريا بلدك، على الدبوسية”. أخذ مني المحقق هويتي، دوّن صفحتين. لا أعرف ما كتبه. لم يسألني أي سؤال، وطلب مني أن أبصم. بعد ذلك، طلب منّي أن أدخل إلى غرفة وأن أخلع ثيابي ليتأكدوا إن كنت بنتاً أو شاباً، ليتأكدوا من هويتي”. طبعاً أكرهوني على ذلك: فإما أخلع ثيابي وإما يتم ترحيلي. وانا تركتهم يعملوا هيك، قلت لنفسي انه إذا تأكدوا أني شاب، ربما يتركونني. صاروا يسألوني كيف عاملي صدري. حصل ذلك حوالي الساعة الثانية صباحا. بعدها حرروا بحقي ضبط “استحضار أوراق الهوية ملحقا” (إحالة أمام القاضي المنفرد الجزائي). كما قام المؤهل بتصويري على هاتفه وبإرسال الصور إلى أصدقائه كما كان يقوم بتسجيل فيديو “نقدم لكم الشاب..”.

لم يبق في المخفر عناصر غير المؤهل الذي واظب على إذلالي وعنصر آخر. المؤهل دخل غرفة التحقيق، اقفل الباب وأطفئ النور. اقترب مني ونزع قميصي وصدريتي يقول لي “منك بنت انت، يعني فيك تعملي ساكس”. أمام الناس، أنا شاب. أما هنا، فبنت. بدأ بخلع ملابسه طالباً مني أن …. (نتحفظ على استخدام العبارة المشينة، وفحواها الطلب بممارسة الجنس الفموي) وذلك ليثبت علي تهمة الدعارة. لم أعد أحتمل وبدأت بالصراخ. ارتبك وخرج من الغرفة.

بقيت 24 ساعة وحيدة لا استطيع أن أتحرك. لم يسمح لي بالدخول إلى الحمام، ولم أشرب ولم آكل. وكان الضابط هددني بالضرب اذا سمع صوت الكرسي يتحرك. سمح لي بإجراء اتصال في اليوم التالي. اتصلت بجمعية حلم وأعلمتهم عن توقيفي في فصيلة الرملة البيضاء. لم أستطع أن أقول لهم المزيد كون المؤهل قطع المكالمة بيننا. يومها، أتى شخص عرفوا عنه أنه سيقرر ما سيصير معي إلى المخفر، ليقرر ماذا سيحصل بي وفق ما قاله لي العناصر. نظر إليّ وقال لي: “ليك ملا منظر”. وقرّر تحويلي إلى الأمن العامّ.

وصل مندوب جمعية حلم الى الفصيلة، سمعتهم يسألونه إن كان “مثليا”. لم يجبهم. لم يسمحوا لي بمقابلته على انفراد. سألني عما ينقصني وجلب لي ماء وطعاماً.

بعد مغادرة مندوب جمعية حلم، أدخلوني إلى غرفة التحقيق. دخل المحقّق والشخص الذي سيقرر ما سيصير معي وفق قولهم وشخص آخر نادوه جميعا بلقب “سيدي”. سألني: “ما بتفكر تشيل صدرك تتنيك ما تنتاك، شو عامل عمليات تجميل؟ انت ما هيك صورتك على الهوية” قلت له أنني ولدت هكذا، أحتاج إلى تغيير جنسي. أعادوني إلى الغرفة. كبّلوني على الكرسي مجدداً. وكان الكثير من الأشخاص يدخلونها. ينظرون الي ويشمتون بي: “لوين وصلنا، كيف هل حياة صارت هيك ما عدنا نعرف الشاب من البنت”، وبصق بعضهم عليّ.

أتت أيضاً مندوبة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. لم يسمحوا لها بالتكلم معي، بقيت خمس دقائق في المخفر، وغادرت. نمت ثلاثة أيام مكبلة على الكرسي. كن عليّ أن أرجوهم كلما أردت الدخول إلى الحمام وأن أنتظر وقتا طويلا حتى يسمحوا لي بذلك.

الأمن العام

في اليوم الثالث، حوالي الساعة الثامنة صباحا، أخذوني إلى نظارة الأمن العام. عندما وصلنا هناك، قال لي عنصر من الأمن العام: “تفضلي من هون”. عندما سمعه الدركي، قال له “هيدا شاب منك شايفو أخو … (عبارة نتحفظ عن إيرادها)”. أنزلوني إلى تحت. قامت امرأة بتفتيشي من فوق، وشاب من تحت. وعمموا الخبر بين زملائهم والتمّ حولي من كان موجوداً في النظارة من عناصر ومحتجزين لينظروا الي.

وضعت في زنزانة لوحدي. طلبت من العنصر ماء. قال لي: ممنوع، مع العلم أن بامكاني أن أشتري الماء من هناك. ارتحت في الزنزانة. جلست وغفوت إلى أن أتى عناصر بدأوا يستهزؤون. ثم أتت الفتاة التي فتشتني بصحبة زميلاتها، ينظرن إلي في الزنزانة ويضحكن باستهزاء.
أخذوني بعدئذ إلى التحقيق. سألوني: لماذا لم أجدد أوراقي. قلت لهم أن السفارة الكندية قالت لي ألا أفعل، لأنني أنتظر موعد إعادة توطيني في كندا. أصبحت أتكلم عن نفسي بصفة المذكر فسألني المحقق “كيف شكلك بنت وبتحكي عن حالك صبي؟” قلت له أنني أكلمهم بالصفة التي يكلمونني فيها. طلب منّي أن أبصم. لا أعرف على ماذا.

أعادوني بعدها إلى الزنزانة. وظل العناصر يأتون الي، يسألونني عن ذقني وصوتي، عما اذا كان لي شعر في جسمي. كانت حوالي الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر حين أخلي سبيلي. أعطيت إخلاء سبيل مؤقت. لن أجدده: فقبل انقضاء المدة، أكون في كندا.

نشر هذا المقال في العدد | 35 |كانون الثاني/يناير/  2016 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
القضاء يخسر معركتين في سبعة أيام


[1]يمنى مخلوف، تغيير الجنس في حكم قضائي جديد: احترام حق الفرد في تغيير حاله، المفكرة القانونية، العدد 34 كانون الثاني 2016
[2]سارة ونسا، التعذيب في لبنان كممارسة ممنهجة (4): الفئات الأكثر تعرضاً للتعذيب، المفكرة القانونية، الموقع الالكتروني، تشرين الاول 2014
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني