بتاريخ 27-02-2017 ، تعهد مجلس نواب الشعب التونسي بمشروع القانون عدد 27 لسنة 2017 الذي تقدمت به الحكومة التونسية ويتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 مؤِرخ في 28-04-2016 والذي يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. وبذات التاريخ، أحالت رئاسة المجلس مشروع القانون على لجنة التشريع العام التي تنطلق في عملها عليه بداية من يوم 08-03-2017 بعقد جلسات استماع مع هياكل القضاة لتلقي وجهة نظرها بخصوصه.
استندت الحكومة لما ذكرت "أنه عجز المجلس الأعلى للقضاء عن عقد أول جلساته بعد مضي أربعة أشهر على انتخاب أعضائه". لتصرح بالحاجة لتدخل تشريعي يرفع أسباب التعطيل التي ذكرت أنها تنحصر في أمرين أولهما:
- أن الفصل 73 من قانون المجلس الأعلى للقضاء منح إختصاص الدعوة لعقد أول جلسات المجلس الأعلى للقضاء لشخص وحيد هو رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، وهو أمر تعذر معه تطبيق أحكامه بمجرد إحالة رئيس محكمة التعقيب رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي على التقاعد".
- وثانيهما ما وصفته ب" تشدد الفصل 36 من القانون بخصوص النصاب القانوني حيث اشترط ألا يقل عدد الحضور عن النصف في الجلسة الثانية وهو ما من شأنه أن يؤثر ليس فقط على عقد أول جلسة، بل يمكن أن يؤثر في المستقبل على دورية التئام المجلس"[1] حسبما قدرت.
رئيس مجلس نواب الشعب بديل عن رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي: إقصاء للقضاء
نص الفصل الثالث من مشروع القانون على إلغاء العمل بالفقرة الثانية من الفصل 73 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء التي كانت تسند لرئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي صلاحية "الدعوة لانعقاد أول جلسة من جلسات المجلس الأعلى للقضاء في أجل أقصاه شهر من تاريخ تسلمه لنتائج إنتخابات أعضاء المجلس". وأسند في مقابل ذلك الفصل الرابع منه صلاحية الدعوة لعقد أول جلسات المجلس الأعلى للقضاء لرئيس مجلس نواب الشعب وحدد أجل تلك الدعوة بأجل عشرة أيام من دخول القانون حيز التنفيذ كما حصنها من كل أشكال الطعون القضائية بما فيها الطعن بتجاوز السلطة.
يخص التنقيح المقترح إجراءات الدعوة لعقد أول جلسات أول مجلس أعلى للقضاء –أي مجلس القضاء الحالي- ولا يتعلق بالمجالس القضائية التي ستخلفه كما هو جلي من إدراجه بالباب الخامس من القانون المتعلق بالأحكام الانتقالية. واختيار مشروع القانون رئيس السلطة التشريعية ليسند له صلاحية إصدار الدعوة لعقد الجلسة مرده تجنب اتهام السلطة التنفيذية بالسعي لوضع يدها على القضاء. ولم يسند مشروع القانون علاوة على ذلك أي دور لرئيس المجلس التشريعي في أول جلسات المجلس بما يؤكد توجهه لأن تكون الدعوة مجرد إجراء بروتوكولي. ويبدو عند هذا الحد المقترح حلا لأزمة المجلس الأعلى للقضاء التي كان منطلقها غياب من يسند له القانون صلاحية الدعوة لإنعقاده. ولكن يهم المفكرة القانونية أن تنبه المشرع لخطورة ما تضمنه المقترح من تنصيص على الحصانة ضد التقاضي للدعوة.
ينص الفصل الرابع من مشروع القانون على كون "الدعوة التي تصدر عن رئيس مجلس نواب الشعب لا تقبل الطعن بأي وجه من الوجوه و لو بالطعن بدعوى تجاوز السلطة". وتقدر المفكرة القانونية أن هذا التنصيص يحد بشكل غير مبرر من الحق في التقاضي ويؤدي للمس بولاية القضاء العامة بما يكون معه غير دستوري لتعارضه مع الفصل 108 من الدستور التونسي الذي يفرض ضمان الحق في التقاضي.
كما تعتبر المفكرة القانونية اقتراح تضمين أحكام لا دستورية بقانون المؤسسة التي يحملها الفصل 118 من الدستور مسؤولية "احترام استقلالية القضاء" وينص الفصل الأول من قانونها الأساسي على كونها "مؤسسة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها" أمر سلبي يتحمل نواب الشعب مسؤولية منعه.
إجراءات انعقاد جلسات المجلس الأعلى للقضاء: مقترحات تستدعي الحذر
ينص الفصل الأول من مشروع القانون على حذف عبارة عن النصف الواردة بالفصل 36 من القانون بعبارة "عن الثلث"، فيما يتصل بتحديد النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة. ويؤدي هذا التعديل متى اعتمد لأن يكون النصاب القانوني لانعقاد المجلس الأعلى للقضاء في الدعوة الأولى لانعقاده حضور ثلثي أعضائه. وفي صورة عدم توفر هذا النصاب، يكفي لتوفر النصاب بالجلسة الثانية حضور ثلث أعضاء المجلس فقط. يضبط التنقيح نصاب انعقاد كل جلسات المجلس الأعلى للقضاء ويمتد أثره إلى نصاب التصويت داخل المجلس الأعلى للقضاء في كل المسائل التي يفرض القانون اتخاذ القرار فيها بأغلبية الأعضاء الحاضرين بما يعطيه أهمية خاصة.
وتعبر هنا المفكرة القانونية عن خشيتها من أن يؤدي هذا التوجه إلى فرض سيطرة الأقلية على المجلس الأعلى للقضاء من خلال استفادتها بتقصير غيرها من الأعضاء في الاضطلاع بدورهم وهو أمر ترجح "المفكرة" أن يلعب عدم تفرغ أعضاء المجلس الاعلى للقضاء لممارسة مهامهم دورا هاما في مضاعفة احتمالات حصوله. وتدعو "المفكرة" إلى التراجع عن هذا الإختيار لخطورته على شفافية عمل المجلس الأعلى للقضاء.
وفي سياق يتصل بإجراءات انعقاد المجلس الأعلى للقضاء، يقترح الفصل الثاني من مشروع القانون إضافة فقرة ثالثة للفصل 73 من القانون تقتضي "أنه في صورة وجود شغور في المجلس الأعلى للقضاء أو أحد المجالس القضائية، يتم انتخاب رئيس ونائب رئيس مؤقت إلى حين سد الشغور وانتخاب رئيس ونائب رئيس". يفرض هذا التعديل تعطل إجراءات العمل العادي للمجلس الأعلى للقضاء في جلسته الأولى التي تخصص لانتخاب رئيسه ونائب رئيسه لحين سد كل الشغورات التي تحصل في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء.
وتخشى "المفكرة" أن يؤدي هذا الإختيار إلى أن تستغرق الوضعية المؤقتة حيزا هاما من ولاية المجلس القضائي لاعتبارين أولهما أن جانباً من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء منتخبون واجراءات الانتخاب تستغرق حيزا زمنيا هاما وثانيهما أن جانباً آخر من أعضاء المجلس المعينين بالصفة يكونون عادة في سن قريبة من التقاعد بما يفرض تتالي شغور مناصبهم وبما يعني أن يعقب كل سد لشغور شغور آخر يجب سده.
وتقدر "المفكرة" إيجابيا تضمين هذا التنقيح بالأحكام الإنتقالية بما يفيد تعلقه فقط بمجلس القضاء الحالي وبمعالجة أزمته. وهي تقترح أن يتم تعديل هذا النص ليكون الشغور المعطل لجلسة توزيع المهام ذلك الذي يشمل الأعضاء الحكميين بالمجلس الأعلى للقضاء دون غيرهم من الأعضاء لضمان سرعة تجاوز المرحلة المؤقتة.
وفي ختام ملاحظاتها، تجدد "المفكرة" أملها في مبادرة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لاتخاذ خطوات توافقية جريئة تنهي أزمة مجلسهم وترفع الحاجة لتنقيح تشريعي سيشكل مجرد حصوله وصمة في تاريخ الهياكل القضائية وقياداتها.
[1] ورد بشرح الأسباب الذي قدمته الحكومة التونسية مرفق لمشروع القانون