ما وراء التعديلات الجديدة على قانون العمل الأردني: تعزيز مرونة سوق العمل تحت غطاء حقوقي نسوي


2024-09-07    |   

ما وراء التعديلات الجديدة على قانون العمل الأردني: تعزيز مرونة سوق العمل تحت غطاء حقوقي نسوي

بدون سابق إنذار، قرر مجلس الوزراء الأردني اعتماد مشروع معدل لقانون العمل رقم 8 لسنة 1996، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات خاصة وأن مجلس النواب قد تم حله استعدادا للانتخابات النيابية القادمة المزمع عقدها في العاشر من أيلول 2024، وعلى الأغلب سيكون هناك حكومة جديدة بعد الانتخابات كما جرت العادة. ومن الطبيعي ان يكون لدى الحكومة الجديدة أولويات تختلف عن الحكومة الحالية، فما هي الحكمة من وضع قانون معدل الآن، وما الذي يحاول هذا التعديل تحقيقه؟  

التعديل المقترح، الذي سيكون التعديل الخامس عشر على قانون العمل منذ إقراره، لاقى ترحيبا بخاصة بين المنظمات النسويّة بسبب عناوين الصحف التي ركزت على أن الهدف منه هو تعزيز حقوق المرأة العاملة، في حين أن قلّة حذرت من مخاطره وبخاصة على صعيد تقويض الاستقرار الوظيفي تحت غطاء عناوين نسوية.

لماذا التعديل الآن؟

كما تمت الإشارة إليه، توقيت الحكومة في إصدار هذا التعديل كان مستغربا لدى الجميع، لكن قد يكون السبب في ذلك الترتيبات التي تمت بين الحكومة الأردنية وصندوق النقد الدولي.

في كانون الثاني 2024، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على اتفاق جديد للتسهيل الائتماني الممدد (Extended Fund Facility) (EFF) مع الأردن لمدة 4 سنوات، بمبلغ يقارب 1.2 مليار دولار أمريكي، لدعم البرنامج الاقتصادي للحكومة الأردنية. وبحسب تقرير الصندوق النقد الصادر في حزيران 2024، الذي احتوى على نتائج المراجعة الأولى للأردن اعتمادا على اتفاق التسهيلات الائتمانية، فإن الحكومة تعهّدت بتعديل مجموعة من القوانين بهدف تعزيز مرونة سوق العمل وزيادة مشاركة المرأة الاقتصادية، وقد تمّ اعتبار هذه التعهدات من ضمن المعايير الهيكلية (Structural Benchmarks) أي أنها إجراءات أو إصلاحات محددة وقابلة للقياس وافقت الحكومة على تنفيذها كجزء من اتفاق التسهيل الائتماني بهدف مراقبة التقدم في تنفيذ الإصلاحات اللازمة.

وبالرغم من أن الدّستور الأردني نصّ صراحة على أن المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، إلا أنه في الممارسة العملية نجد أن أغلب اتفاقيات القروض مع البنك الدولي أو الصندوق الدولي لم يتم عرضها على مجلس الأمة[1]، على الرغم من وضوح الأعباء المالية المترتبة على خزانة الدولة المتمثلة بالفوائد المركبة الناتجة عن هذه الاتفاقيات. ومن الثابت في القانون الدولي أن استخدام مصطلحات مثل ترتيبات أو اتفاقات لا ينفي عنها صفة الاتفاقية طالما اكتملت شروطها وكانت بين أشخاص القانون الدولي مثل الدول والمنظمات الدولية.  

وإذا كان موضوع زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل أمرا مفهوما ومتطلبا منطقيا، إلا أن “تعزيز مرونة سوق العمل” أمر يشوبه العديد من المحاذير، يخاصة أنه يشمل بالضرورة السماح للشركات إنهاء خدمة العاملين لديها وتقليل متطلبات تعويضات نهاية الخدمة وتبسيط إجراءات التسريح.

كيف يعزز مشروع القانون مرونة سوق العمل؟

من خلال مراجعة بعض نصوص مشروع القانون[2]، التي لم تلقَ اهتماما إعلاميا، يتبين أنها تؤسّس لمرونة سوق العمل وتخدم أرباب العمل في العديد من النواحي، من أبرزها:

أولا: بحسب القانون الحالي، تستمرّ عقود العمل محدودة المدة لمدّة غير محدودة إذا استمرّ طرفاها في تنفيذها بعد انقضاء مدتها،[3] في حين أن المشروع نصّ على تجديدها لمدة مماثلة لمدتها الأصلية.

ثانيا: سندا للقانون الحالي تحدد المحكمة فيما اذا كان قد تم فصل العامل فصلا تعسفيا أم لا، وإذا تبين أن الفصل كان تعسفيا يمكن للمحكمة أن تلزم صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله الأصلي أو بدفع تعويض له يعادل مقداره أجر نصف شهر عن كل سنة من سنوات خدمة العامل وبحد أدنى لا يقل عن أجر شهرين إضافة إلى بدل الإشعار واستحقاقاته الأخرى.[4] لكن المشروع الحالي نص على أنه يتمّ تحديد حالات الفصل التعسفي وتحديد حقوق العامل واستحقاقاته من خلال نظام يصدر عن السلطة التنفيذية. وإذا كان موضوع إصدار الأنظمة عن السلطة التنفيذية سندا لأحكام القانون أمرا مألوفا إلا أن ذلك يكون في العادة في أمور غير جوهرية وبهدف تفصيل بعض أحكام القانون لغايات عملية وتطبيقية، وبالتأكيد تحديد حالات الفصل التعسفي يعتبر من الأمور الجوهرية ومن أساسيات حقوق العامل. وليس بالخفي أنّ النظام يسهل تعديله من قبل مجلس الوزراء لغياب دور البرلمان في إقراره.

ثالثا: يسمح قانون العمل الحالي لصاحب العمل بتقليص حجم العمل بسبب الظروف الاقتصادية على ان يُبلّغ وزير العمل بذلك، والوزير بدوره يُشّكل لجنة من أطراف الإنتاج الثلاثة للتحقق من سلامة هذه الإجراءات، واعتمادا على توصية اللجنة يصدر الوزير قراره بالموافقة أو الرفض.[5] إلا أنّ المشروع المقترح يُمكّن صاحب العمل من إنهاء عقود ما لا يزيد عن 15% من عدد العاملين لديه لمرة واحدة في السنة شريطة إبلاغ وزير العمل الذي يصدر قراره بالموافقة أو الرفض، من دون الحاجة إلى دراسة الطلب من قبل اللجنة الثلاثية. لكن إذا أراد صاحب العمل أن يمارس هذا الحق أكثر من مرة في العام الواحد أو كانت نسبة إنهاء العقود أكثر من 15%، فهنا لا بد من دراسة الطلب من قبل اللجنة الثلاثيّة. واعتمادا على توصية اللجنة، يصدر الوزير قراره بالرفض أو القبول. وقد ألزم مشروع القانون صاحب العمل بعدم التمييز بين العمال على أساس الجنس أو العرق أو اللغة[6] في حالات التسريح الجماعي.  

رابعا: يحمي القانون الحالي أي ممثل للنقابات من صاحب العمل إذا تمّ اتّخاذ أيّ إجراء ضده بسبب قيامه بنشاطه النقابي، وفي حالة فصله من العمل يمكن للمحكمة أن تصدر قرارا بإعادته لعمله والحكم له بكامل أجوره عن مدّة انقطاعه عن العمل.[7] أما مشروع القانون، فقد ألغى هذه الصلاحية للمحكمة.

الجوانب الإيجابية للمشروع

بعض مواد المشروع تعتبر إيجابية ومنها ما يستهدف المرأة العاملة وتمنحها حقوقا كانت مطلبا للمنظمات النسوية والحقوقية على مدار سنوات طويلة، وهي:

أولا: تمديد مدة إجازة الامومة من سبعين إلى تسعين يوما كما هي الحال بالنسبة للعاملات في القطاع العام.[8]

ثانيا: حماية المرأة الحامل من الفصل منذ بداية الحمل، في حين يحمي القانون الحالي المرأة الحامل من الفصل عند بداية الشهر السادس.[9]

ثالثا: منح العامل إجازة لمدة ثلاثة أيام مدفوعة الاجر إذا توفى أحد أقاربه من الدرجة الأولى.

رابعا: التأكيد على أن التزام رب العمل، بتهيئة مكان مناسب لأطفال العاملين والعاملات إذا كان عددهم لا يقلّ عن خمسة عشر طفلا دون سن الأربع سنوات وثمانية أشهر في عهدة مربية مؤهلة أو أكثر لرعايتهم، هو التزام من دون مقابل.

وقد تم تسليط الضوء على هذه التعديلات للتسويق لمشروع القانون، لذلك اعتبرت بعض منظمات المجتمع المدني أن هذه التعديلات تحقق نصرا للمطالبات الحقوقية والنسوية التي دامت لسنوات طويلة.

صندوق النقد الدولي ونموذج سوق العمل المرن

التوجه الصريح في مشروع القانون نحو سوق العمل المرن والنيولبرالية ليس حالة فردية، بل نهج واضح الملامح تم اتباعه في نظام الموارد البشرية للقطاع العام ونظام العمل المرن، و بالتالي نحن أمام سياسة ممنهجة من المحتمل جدا أن تؤدّي إلى عدم الاستقرار الوظيفي، زيادة معدلات البطالة وغياب الحماية الاجتماعية لأنها مرتبطة بالعمل من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي.

منذ أواخر السبعينات، دافع صندوق النقد الدولي عن نموذج سوق العمل المرن، وتبعته في ذلك منظمات أخرى مثل منظمة التجارة العالمية، على اعتبار أنه مفيد لمعظم البلدان، ويشجع على أن تتكيف أسواق العمل الصارمة مع التطورات التكنولوجية التي تقدم حلولا متعددة للتخلص من الفكر التقليدي للعلاقة بين العامل وصاحب العمل بهدف خلق بيئة ملائمة لرأس المال.[10]

لكن في الوقت نفسه، تشير بعض الدراسات أن منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحاول أن تؤثر على صانعي السياسات في الدول المعنية لتقليل المفاوضة الجماعية والأجور والمزايا المرتبطة بالعمل كاستراتيجية لجذب الاستثمارات الأجنبية للشركات، وهذا يؤدي بالضرورة إلى خلق قوى عمل مرنة، إلا أن الفائدة من وراء ذلك على القطاعات العامة والخاصة في هذه الدول محدود هذا إن وجد في الأساس، الأمر الذي أدى إلى التشكيك في جدوى هذه السياسات عند مقارنتها بالفوائد الإيجابية المحتملة.[11]


[1] ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية القرض الموقعة ما بين البنك الدولي والحكومة الأردنية بقيمة 250 مليون دولار لدعم قطاعي المياه والطاقة بتاريخ 11 كانون أول 2016، واتفاقية القرض الموقعة ما بين البنك الدولي الحكومة الأردنية بقيمة 50 مليون دولار لإنشاء صندوق للإبداع بتاريخ 20 آب 2017، واتفاقية القرض الموقعة ما بين البنك الدولي والحكومة الأردنية بقيمة 200 مليون دولار لدعم الموازنة وقطاع التعليم بتاريخ 13 كانون أول 2017. للمزيد حول هذا الموضوع أنظر

World Bank, Report No: ICR00004657, Implementation Completion and Results Report (IBRD-85300) on IBRD Loans with Concessional Financing Facility Support in the Aggregate amount of US$500 Million to the Hashemite Kingdom of Jordan for the First and Second Programmatic Energy and Water Sector Reforms Development Policy Loans, December 31, 2018.

[2] أتقدم بالشكر لبيت العمال الأردني الي اجرى مقارنه بين نصوص قانون العمل الحالي ومشروع القانون المعدل لقانون العمل.

[3] المادة 15 من قانون العمل الأردني لسنة 1996

[4] المادة 25 من قانون العمل الأردني لسنة 1996

[5] المادة 31 من قانون العمل الأردني لسنة 1996

[6]  على الاغلب سبب استخدام العرق واللغة كسبب لعدم التمييز لوردهما في المادة 6 من الدستور التي حضرت التمييز بين الأردنيين على أساس العرق، اللغة أو الدين. إلا أنه في اطار قانون العمل قد يفهم ان التمييز هنا على أساس لغة العامل و نظرا لانتشار العمالة المهاجرة في الأردن التي لا تتكلم العربية يمكن ان تستفيد هذه الفئة من هذا النص.

[7] المادة 108 من قانون العمل الأردني لسنة 1996.

[8] المادة 70 من قانون العمل الأردني لسنة 1996.

[9] المادة 27 من قانون العمل الأردني لسنة 1996.

[10] J Yao (2024) papers.ssrn.com. Unveiling the Informal Economy: An Augmented Factor Model Approach. (imf.org)

[11] W Spriggs, J Evans (2022). Market Flexibility, and Collective Bargaining, The great reversal: How an influential international organization changed its view on employment security, labor market flexibility, and collective bargaining. (escholarship.org)

انشر المقال

متوفر من خلال:

حقوق العمال والنقابات ، الأردن ، عمل ونقابات ، قرارات إدارية ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني