ما هي تداعيات عودة ترامب إلى السلطة على تونس؟


2024-12-05    |   

ما هي تداعيات عودة ترامب إلى السلطة على تونس؟

رغم النزّعات السيادية التي يُعبّر عنها الرئيس قيس سعيد، وخاصة أنصاره، وكذلك محاولات التوجّه شرقاً نحو الصين، إلا أن “تونس الرسمية” ما زالت جزءاً من المعسكر الغربي. وترتبط بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، سيما على المستوى الأمني والعسكري، بوصفها “حليفا رئيسيا خارج حلف شمال الأطلسي”، منذ عام 2015. وهي تَعتمد في جزء أساسي من تمويل مؤسساتها العسكرية والأمنية على الدعم الأمريكي. لذلك فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيكون لها تأثيرات مباشرة على النظام السياسي في تونس، بشكل مباشر، وبأشكالٍ غير مباشرة، من خلال تأثيرات سياساته الخارجية تجاه العالم العربي والاتّحاد الأوروبي.

ورغم محافظة نظام قيس سعيد على نسق مستقر من التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، من خلال تلقّي المساعدات وكذلك المناورات المشتركة التي زادت وتيرتها خلال العام الحالي، إلا أن العلاقات على المستوى السياسي لم تكن في أحسن أحوالها، بسبب الانتقادات التي وجّهتها الإدارة الديمقراطية، منذ 25 جويلية 2021 والتي تصاعدت بقوة منذ حلّ البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء ثم الاستفتاء على الدستور، وصولاً إلى حملة الاعتقالات في فيفري 2023. فقد شرعت إدارة بايدن منذ 2022 في خفض المساعدات المالية وحِزَم المساعدات الأمنية إلى النصف تقريباً. وقد تراجع حجم المساعدات الثنائية من 191.4 مليون دولار عام 2022 إلى 68.3 مليون دولار في عام 2024. 

وقد اعتمدت إدارة بايدن خلال الثلاث سنوات الأخيرة على حلفائها الأوروبيين لتنظيم طبيعة العلاقة مع النظام، كما فعَلت واشنطن دائماً، حيث كان الموقف الأوروبي -لاسيما الفرنسي والإيطالي- أقل تشدداً من نظام سعيد. وقد لعبَت باريس ورومَا دوراً أساسياً في دعم النظام، لأسباب تتعلّق بمسألة الهجرة غير النظامية. وقد استفاد سعيّد من رُيوع الموقع الجغرافي للبلاد في ترسيخ نفسه كشريك إقليمي رئيسي في وقف تدفقات الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء. وبدا واضحاً أن الاتّحاد الأوروبي يرى مصلحته في توطيد علاقته بالنظام بدلاً من انتقاده، ذلك أن الهجرة أصبحت الهاجس الرئيسي الذي يُحدّد برامج الحكم والمعارضة في القارة الأوروبية خلال السنوات الأخيرة. 

دعم غير مباشر

مع عودة ترامب للسلطة، لا يبدو الرئيس الأمريكي الجديد مهتماً بتونس، فهي ليست حاضرةً في مناقشات السياسة الخارجية الأميركية، مع تركيز ترامب على قضايا مثل الصين أو إيران والمشرق العربي. وقد يؤدي هذا التهميش إلى جعل تونس أكثر اعتماداً على اللاعبين الإقليميين، عربياً أو حتى دولياً مثل الصين، والتي لم تُخفِ دعمها للرئيس سعيّد. في الوقت نفسه، يُفضّل ترامب العلاقات التبادليّة القائمة على الرّبح، مع إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والأمنية على حقوق الإنسان ومسائل الديمقراطية. ومن الممكن أن يؤدّي هذا النهج إلى تمكين أكبر للنظام السياسي في تونس، من خلال تقليص الضغوط الخارجية من أجل “الإصلاحات الديمقراطية”. وهكذا قد يُواجه قيس سعيّد ضغوطًا أقلّ من جانب الولايات المتحدة بشأن سيّاساته المحلّية في ظل رئاسة ترامب. في المقابل، سيكون لوجود ترامب رئيساً تأثيرٌ سلبيّ على منظمات المجتمع المدني التي تَستند للدعم المالي الأمريكي من خلال البرامج التي تُموّلها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والصندوق الوطني للديمقراطية، ووكالات أخرى. إذ من المتوقع أن تتّجِهَ رئاسة ترامب، بنهجها القائم على المعاملات الربحية نحو خفض أولوية التمويل والدعم لهذه المجموعات، ممّا سيُضعف قدرتها في التأثير، وكذلك قدرتها التشغيلية، ومن المرجّح أن يَخسر قطاع واسع من أعضائها وظائفهم.

أما على المستوى الاقتصادي، فإن عقيدة ترامب القائمة على اعتبار السياسة صفقة جوهرها الربحّ قد تجعل العلاقات الاقتصادية بين البلدين هامشيةً ما لم تتماشَ بشكل مباشر مع المصالح الأميركية. أو قد يَدفع ترامب نحو المزيد من الصفقات الاقتصادية التبادلية، مع إعطاء الأولوية للشركات الأميركية أو التنازلات السياسية المشروطة بالمساعدات الاقتصادية الشاملة. كذلك فإن نهج ترامب “أميركا أولا” قد يؤدي إلى خفض المساعدات الاقتصادية الأميركية لتونس ما لم يتم ربطها بشكل مباشر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية. وهذا من شأنه أن يُؤدّي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس. خاصة وأن خفض التمويل الأميركي قد يؤثر على الجهات المانحة الغربية الأخرى. فالولايات المتحدة غالباً ما تَلعب دوراً ضامناً في تحديد الأولويات فيما يتصل بالدعم الغربي المقدّم إلى بلدان مثل تونس. وقد يشير سحب الأموال إلى تراجع الالتزام الغربي، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض أوسع في التمويل المخصص لتونس. وفي حين أن إدارة ترامب قد لا تُعطي الأولوية للديمقراطية، فإنها قد تجعل بعض أشكال المساعدات أو التعاون مشروطةً بالمصالح الاستراتيجية، مثل مواجهة نفوذ الصين أو تأمين اتفاقيات تجارية. فإذا كان سعيّد متوافقاً مع أولويات الولايات المتحدة، فقد يَضمن الدعم بغضّ النظر عن طبيعة سياساته الداخلية، على الشاكلة نفسها التي تتعامل بها جورجيا ميلوني مع تونس.

الأمن أولاً

في الوقت نفسه، قد تخلق هذه السياسات الأمريكية الانعزالية مِساحَة لتونس لترسيخ علاقاتها مع قوى أخرى، مثل الصين أو روسيا، والتي قد تُقدّم الدّعم الماليّ من دون شروط حادّة. وقد تزيد الصين من مشاركتها الاقتصادية في تونس من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق. وكذلك تنمية الاستثمارات في البنية الأساسيّة والموانئ والنقل والتكنولوجيا في حال تراجع النفوذ الأمريكي، حيث تهدف بكين إلى تأمين موطئ قدم استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط. وعلى نحو غير مباشر، من شأن السياسات الاقتصادية الأميركية الحمائية الجديدة ضد الاتحاد الأوروبي الذي يُمثل الشريك الاقتصادي الرئيسي لتونس، أن تَضرّ بشكل غير مباشر بالاقتصاد التونسي المعتمد على التصدير، فقد يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى فرض ضوابط جديدة لحماية مصالحه التجارية أو إعادة التفاوض على شروط التجارة لتحقيق قدرٍ من الاستقرار. مع تراجع التدخّل الأميركي، قد يشعر الأوروبيون بضغوط متزايدة لموازنة النفوذ الصيني المتزايد. وقد يؤدّي ذلك إلى تكثيف المنافسة بين الاستثمارات الأوروبية والصينية، وبخاصة في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والبنية الأساسية.

في مقابل انسحاب سياسي واقتصادي مُتوقّع، من المرجح أن تحافظ إدارة ترامب على تعاون أمني وعسكري مع تونس أو تزيد من وتيرته وحجمه، وهو ما قامت به خلال ولايته الأولى. إذ من المتوقع أن تعطي إدارة ترامب الأولوية لـ”مكافحة الإرهاب” والاستقرار على قضايا الحكم. وتونس باعتبارها لاعباً رئيسياً في البرامج الأمريكية الأمنية والعسكرية في شمال أفريقيا قد تَضمن استمرار الدعم الأميركي طالما أن سياسات سعيّد لا تُعطّل خطط هذه البرامج. كما أنها ما زالت مصنفةً على خارطة المناطق المستهدفة من طرف الجماعات الجهادية ضمن “المستوى الثاني: الحذر الشديد” لتوصيات السفر. لذلك فمن المرجّح أن يُحافظ ترامب على تمويل برامج مثل التمويل العسكري والتعليم والتدريب العسكري الدولي (IMET) لتدريب الضباط العسكريين التونسيين وتعزيز التوافق مع القوات الأميركية، ومنع الانتشار ومكافحة الإرهاب وإزالة الألغام والبرامج ذات الصلة (NADR) لمعالجة أمن الحدود ومنع انتشار الأسلحة. فضلاً عن زيادة التدريب والمساعدة الفنية والمعدّات لقوات الأمن الداخلي؛ الحرس والشرطة. وقد تُمكّن هذه الديناميكية سعيّد من الحفاظ على الإجراءات السلطوية المحلية أو حتى توسيع نطاقها تحت غطاء ضمان الاستقرار ومكافحة الإرهاب. كما ستوسع من نفوذ الأجهزة الأمنية في إدارة الشأن العام.

لكن في جانبٍ آخر، هناك تأثير فكري هائل لعودة ترامب إلى الحكم، وهو إشاعة الثقافة الشعبوية السياسية في العالم وترسيخها أكثر في تونس، لجهة التأثير الثقافي الذي تحظى به الولايات المتحدة دولياً. إذ من المتوقع أن يُضفي خطاب ترامب الشعبوي وازدراؤه للضوابط والتوازنات المؤسسية الشرعية بشكل غير مباشر على التكتيكات المماثلة التي يستخدمها قيس سعيد. فكلا الزعيمين يضعَان نفسيهما في موقع أبطال الشعب ضد النخب الفاسدة. فضلاً عن تحدّي ترامب في مستوى السياسات الخارجية التحالفات والأعراف الدولية، وهو ما قد يُعزز موقف سعيد المناهض للمؤسسة محليًا ودوليًا. بخاصة وأن عودة ترامب ستدفع إلى صعود شعبوي قوي في أوروبا، وربما تؤدي في المدى القريب إلى تحوّل الاتحاد الأوروبي نحو سياسات شعبوية أشد صرامة في قضايا الهجرة والتجارة الخارجية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني