ماضٍ لم يمضِ


2024-07-17    |   

ماضٍ لم يمضِ
رسم عثمان سالمي

في إعلانهم الجمهورية يوم 25-07-1957، ربط أعضاء المجلس القومي التأسيسيّ قرارهم بالسير في “طريق النظام الديموقراطي”. وكان خيارهم هذا تعبيرا منهم -وهم المنتخبون انتخابا مباشرا حرّا من شعبهم- عن حلم الحكم الرّشيد الذي يعبّر عن إرادة الشعب ويتم عبر نوّابه وينسجم مع أدبيّات حركة التحرّر الوطنيّ التي نادت ببرلمان تونسي. وعد باستحقاق وحقّ كذّبه من يومه تعذيب أنصار صالح بن يوسف من رفاق لهم كانوا قبل الاستقلال يناضلون معهم. أمر أكّدته سياسة رئيس الجمهورية وحزبه.

استثمر الزعيم في تاريخه النضالي واستند لما بينته تجربته من بعد نظر له ليعلن كبديل عن بناء الديمقراطية جهادا أكبر غايته محاربة الجهل والفقر وبناء السيادة الوطنية وليختار حزب الدستور سندا له فيه. ويحسب له ولمن عملوا معه أنهم اجتهدوا في نشر العلم وتوفير الصحة وتحسين ظروف العيش ولكن يحسب عليهم أيضا أنهم قمعوا كل من عارضهم واعتمدوا العنف سبيلا لفرض إرادتهم. إذ لم يكن المجاهد الأكبر يقبل سماع صوت غير صدى توجيهاته ولا أن يشاهد من يخوض في الشأن العام من غير من يعددون مناقبه ويعلنون له الولاء. 

حجب بورقيبة الانتخابات الرئاسية نهاية سنة 1974 بعد أعلن نفسه رئيسا مدى الحياة، وتكفل أعضاء حزبه الدستوري بالتصويت بدلا عن المواطنين في كل استحقاق انتخابي. وترك في ذلك ومن معه لمن عارضوا المنافي والتجنيد القسري إن لم يكن التعذيب والسجون. واقع وعد وزيره الأول زين العابدين بن علي بتغييره في بيان توليه الحكم يوم 07 نوفمبر 1987 الذي قال فيه “أنه لا مجال مستقبلا للظلم والقهر” وأن الشعب يستحق “حيـاة سياسيّـة متطوّرة ومنظّمـة تعتمـد بحقّ تعدّدية الأحزاب السّياسيّة والتنظيمات الشعبية”.

تاليا، كشفت الانتخابات التشريعية لسنة 1989 عن كون تدليس إرادة الناخبين هو ممّا يحتاجه الحاكم الفرد لبناء نظامه المكرس لسيادته على شعبه والتي استمرت بعد ذلك 23 عاما تجسدت فيها قيمة دولة البوليس وغابت عنها فكرة دولة الحقوق. فامتلأت السجون بالمعارضين وزادت عنهم من تحدثوا عن فساد العائلة الحاكمة. 

وعندما نجح الشعب في إعلاء إرادته مجددا في ثورته التي كان شعارها الكرامة، لم يختر العنف كحكّامه السابقين، بل اختار العدالة الانتقالية لتكون علاجا لمآسي الماضي وضحايا التعذيب وسبيلا لتعترف الدولة بخطيئتها وتحاسب بالقانون من كان مسؤولا عنها أو مشاركا فيها. في تلك المحطّة بالذات، تحدّث جلبار النقاش وبسمة بلعي وأم كمال المطماطي وآخرون في جلسات استماع علنية تابعها ملايين الأفراد، عن ظلم وقهر وعنف وتدليس وفساد طالهم وأبناء بلدهم. وبشهاداتِهم تلك، زرع هؤلاء أملًا في بناء تونس جديدة تحترم فيها الحقوق والحريات وساد  اعتقاد عامّ أن كل تلك مآسي الماضي التي نتذكّرها هي من ماضٍ مضى ولن يتكرّر. 

حلم تنذر شكاوى المساجين من أفعال التعذيب ورفض التحقيق فيها والتضييق على الحقوق أنه قد يتبخّر. 

لقراءة وتحميل العدد 30 بصيغة PDF

انشر المقال



متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني