دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة عامة لمجلس النواب يوم الثلاثاء في 19 الحالي في قصر الأونيسكو، لانتخاب أميني سر وثلاثة مفوضين.
وإذ تفتتح هذه الجلسة دورة الانعقاد العادية الثانية من السنة والمخصصة أولًا لإقرار الموازنة أولا، فإنّ الدعوة لحظتْ أن يناقش المجلس اقتراحات قوانين أخرى جرّاء عدم إرسال مشروع الموازنة من قبل الحكومة في المواعيد الدستورية وذلك لتأخر تأليفها وتمنّع حكومة تصريف الأعمال عن الاجتماع. وقد لحظ جدول أعمال الجلسة درس اقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية واقتراح الكوتا النسائية. كما سرت أنباء عن إمكانية درس اقتراح قانون معجل مكرر من خارج جدول الأعمال بشأن إنشاء هيئة اتهامية للنظر في القرارات الصادرة عن المحقق العدلي في القضايا المُحالة إلى المجلس العدلي من دون أن يتأكد هذا الأمر. وقد طُرحت فكرة هذا الاقتراح في ظل أجواء سياسية مشحونة تبعا لمطالبة أمين عام حزب الله حسن نصرالله بإزاحة المحقق العدلي طارق بيطار من دون إبطاء، وهي أجواء زادها شحنا عديد القتلى الذين قضوا بمناسبة المسيرة الاحتجاجية ضدّ هذا الأخير، فضلا عن التهديد بتعطيل الحكومة في حال عدم الاستجابة مع طلب تنحية بيطار.
إلى ذلك يجدر التذكير أنّه ومع بدء دورة الانعقاد، سيعود النواب المدّعى عليهم في قضية تفجير المرفأ ليتمسّكوا بحصاناتهم النيابية التي تمنع ملاحقتهم طيلة فترة الانعقاد، في ظل تجاذب حول مفعول بدء الملاحقة من المحقق العدلي فعليا خارج دورات انعقاد المجلس. يلحظ أنّ المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب صريحة لجهة استمرار الملاحقة خلال دورة الانعقاد إذا ما كان قد بوشر بها من قبل، على أن يُعلم وزير العدل المجلس النيابي بهذه الإجراءات في أول جلسة يعقدها وهو ما يجب أن يحصل في هذه الجلسة. ويُمكن للمجلس النيابي بعد إعلام وزير العدل له أن يقرّر وقف الملاحقة بحقّ النائب مؤقتًا حتى انتهاء الدورة.
ماذا في جدول أعمال الجلسة؟
انتخاب أمناء السر والمفوضين
بحسب المادة 3 من النظام الداخليّ لمجلس النواب، عند افتتاح عقد تشرين الأول من كل عام، يعمد المجلس إلى انتخاب أمينيْ سرّ ثم يجري انتخاب ثلاثة مفوضين بورقة واحدة بالغالبية النسبية. إذ ذاك، سينتخب هؤلاء النواب من قبل زملائهم في جلسة الثلاثاء ويُتوقع ألا يكون أيّ معركة انتخابية على هذه المقاعد إذ لطالما وُزّعت بالتوافق على الأحزاب والطوائف.
تعديلات قانون الانتخاب
يتمحور جدول أعمال الجلسة حول اقتراحات قوانين الانتخابات. وإذ لم نتمكّن من الحصول على الاقتراحات بالصّيغة التي خرجت بها عقب جلسة اللجان المشتركة في 4/10/2021، سنناقش في ما يلي الاقتراحات التي وردت في جلسة اللجان بصيغتها تلك.
وهذه الاقتراحات تتوزع على الشكل التالي:
1- اقتراح قانون مقدّم من النائبين ابراهيم عازار وأنور الخليل الذي يقوم على نظام انتخابي نسبي على أساس لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، وهو اقتراح لا يُمكن فصله عن اقتراح مقدّم من النائبين نفسيهما حول انتخاب مجلس الشيوخ.
2- اقتراح قانون مقدّم من كتلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أبقى على النظام النسبي مع توسيع الدوائر.
3- اقتراح قانون من النائب جميل السيد لتعديل عدد الأصوات التفضيلية.
4- اقتراح قانون متعلّق بالكوتا النسائية مقدّم من النائبة عناية عز الدين.
5- اقتراح قانون مقدّم من النائب بلال عبد الله يتعلّق بالكوتا النسائية أيضًا.
6- اقتراح قانون مقدّم من النائب فؤاد مخزومي حول ترشح رؤساء البلديات على النتخابات النيابية.
7- اقتراح قانون مقدّم من قبل النائب شامل روكز حول انتخاب المغتربين.
وسنناقش هذه الاقتراحات تاليًا بحسب المواضيع التي تناولتها.
أولًا: في الترشح والاقتراع:
في الترشح:
أبقت هذه الاقتراحات الحال على ما هو عليه بخصوص شروط الترشح سواء أكان لناحية السن (25 على الأقل) وأن يكون الشخص مقيدًا في القوائم الانتخابية ومتمتّعًا بحقوقه المدنية والسياسية. إلّا أنّه هناك فئات لا تتمتّع بالأهلية للترشح وفقًا للقانون الحالي نظرًا لتوصيفهم الوظيفي، بحيث لا يسعهم الترشح إلا بعد انقضاء مهلة تترواح بين ستّة أشهر والسنتين بحسب وظيفة كلّ منهم.
وقد عمدت بعض الاقتراحات إلى تعديل قواعد موانع الترشح:
مثلا، جاء اقتراح أنور الخليل وابراهيم عازار ليوحّد كل هذه المهل بسنة واحدة قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي. كما أضاف إلى هذه الفئات نوّاب رؤساء اتحادات البلديات وأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية. وإضافة هذه الفئة الأخيرة تطرح إشكالا كبيرا يتعارض مع التوجه السابق في منح هؤلاء حرية أوسع من سائر موظفي القطاع العام، تشجيعا لمشاركتهم بصورة أوسع في الشأن العامّ.
أمّا اقتراح كتلة ميقاتي، فأخرج أعضاء المجلس الدستوري من حظر الترشّح، وأنقص مهلة الاستقالة من سنتين إلى سنة بالنسبة لرؤساء ونواب رؤساء المجالس البلدية ورؤساء اتحادات البلديات، كما لم يذكر صراحةً عدم أهلية ترشّح رئيس وأعضاء هيئة الأشراف على الانتخابات إلّا أنّه ذكرهم فيما خصّ التمانع بين النيابة ومنصبهم.
أمّا اقتراح النائب فؤاد مخزومي فقد تناول خصّيصًا موضوع ترشّح رؤساء البلديات واتّحاداتها. فبموجب الاقتراح، يُمكن لرؤساء البلديات ونوابهم ورؤساء اتحادات البلديات الترشح لعضوية المجلس النيابي شرط الاستقالة قبل ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب، وذلك بدلًا من سنتين على الأقل كما هو معمول به في قانون الانتخاب الأخير. وإذ تسري معلومات حول توجّه لإجراء الانتخابات في نهاية شهر آذار، سيكون بإمكان رؤساء البلديات بموجب هذا التعديل الترشح حتى قبل تقديم استقالتهم من البلدية كون ولاية المجلس النيابي تنتهي في أيار المقبل. ويبرّر مخزومي في الأسباب الموجبة ذلك بأنّه يشجع رؤساء البلديات على القيام بالعمل العامّ إذ أنّهم “اكتسبوا نتيجة عملهم البلدي خبرة إضافية في التعامل في الشؤون العامة”.
في الاقتراع:
أبقتْ جميع الاقتراحات على شروط المقترع والجرائم التي يمنع المحكوم عليهم بها من الاقتراع.
كما أبقت جميع الاقتراحات على “السن المحدّدة بموجب الدستور” وهو 21 عامًا ليحق للّبناني أو اللبنانية الاقتراع، ما عدا اقتراح عازار والخليل الذي خفّض سن الاقتراع إلى 18 عامًا. ويُشار إلى أن تعديل سن الاقتراع كان طُرح سابقا في العام 2009 قبلما يتخلى عنه مجلس النواب تحت ضغط الهاجس الطائفي. واللافت أن اقتراح تعديل السنّ تمّ بموجب اقتراح قانون وليس بموجب تعديل دستوري وذلك بخلاف المحاولة السابقة أو بخلاف موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري. وعليه، يرجح أن يكون الهدف من هذا الاقتراح المقدم من نائبين من كتلة بري هو إعادة إثارة المسألة ضمن التجاذب السياسي الطائفي أكثر مما هو اقتراح يرمي حقيقة لتحقيق هذه الغاية.
إلى ذلك، أبقت الاقتراحات الحال على ما هو عليه بالنّسبة للعسكر، إذ نصّت على ألّا يشترك في الاقتراع العسكريون غير المتقاعدين من مختلف الرتب سواء أكانوا من الجيش أم من قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وشرطة مجلس النواب والضابطة الجمركية ومن هم في حكمهم.
أمّا بخصوص المجنّسين، فأبقتْ الاقتراحات على ما هو قائم حيث لا يجوز للمجنّس لبنانياً أن يقترع أو أن يترشح للانتخابات إلا بعد انقضاء عشر سنوات على تنفيذ مرسوم تجنيسه ولا تطبق هذه المادة على المرأة الأجنبية التي تصبح لبنانية باقترانها بلبناني.
وفيما خص المغتربين، أفرد اقتراح كتلة ميقاتي كما القانون الحالي فصلًا خاصًا عن اقتراع هؤلاء وطريقة تسجيلهم وغيرها من الأمور الإجرائية الخاصة بذلك. إلّا أنّ اقتراح نواب كتلة التنمية والتحرير لم يأتِ على ذكر اقتراع هؤلاء.
وفي هذا السياق، أتى اقتراح النائب شامل روكز ليطلب إلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخابات الحالي والإبقاء على ما يتعلّق بانتخاب المغتربين. أي أنّ روكز سعى من خلال ذلك إلى إلغاء مقاعد المغتربين الستة مقابل الإبقاء على آلية انتخاب المغتربين كما كانت في انتخابات العام 2018 حيث انتخب هؤلاء في الدول التي يقيمون فيها كلّ بحسب دائرته.
ثانيا: في الكوتا النسائية:
بعد رفض اعتمادها في القانون الحالي، حضرت الكوتا النسائية في اقتراحيْ كتلتيْ ميقاتي والتنمية والتحرير. وفي حين اعتمدتْ كتلة ميقاتي فكرة الكوتا على صعيد الترشح فقط (30% من أعضاء كل لائحة من دون فرض أي ترتيب للمرشحين على اللائحة)، فإن اقتراح التنمية والتحرير فرض 20 مقعدًا من أصل 128 للنساء موزعة على دوائر انتخابية مختلفة. إلّا أنّ نظرةً بسيطةً على توزيع مقاعد الكوتا توحي بأنّ التوزيع يفتقر لمعيار واضح وموحّد بل اتّسم بالعشوائية. فمثلًا بيروت فيها 19 مقعدًا نيابيًا بينها مقعدان مضمونان فقط للنساء، وهو العدد نفسه لكلا من دائرتي المتن والشوف التي لا يوجد فيها إلا 8 مقاعد نيابية. بالمقابل، يصل عدد النواب في دائرة بعلبك الهرمل إلى 10 مقاعد نيابية فيما لا يتجاوز العدد المضمون للنساء الواحد.
إلّا أنّ اقتراح النائبة عناية عز الدين من هذه الكتلة نفسها تميّز عن الاقتراح السابق للكتلة، علما أن اقتراح عز الدين هو الذي سيتمّ مناقشته في الجلسة. بموجب هذا الاقتراح، يخصّص 26 مقعدًا على الأقل للكوتا النسائية موزعة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، كما يوجب تخصيص 40% من المقاعد في كل لائحة على الأقل للجنسين، على أن تُحرم من التسجيل اللوائح التي تفتقر إلى هذا الحد الأدنى. ولعدم حصر مقاعد السيدات بهذا الحد الأدنى أي 26، تقترح عز الدين أن يعود الخيار لكلّ مرشحة أن تدرج ترشّحها ضمن نظام الكوتا المحفوظة للنساء أو من خارجه، حيث تقرّر السيدة إذا ما كانت ستترشّح عن مقعد الكوتا في دائرتها أو خارجه. بذلك وبحسب الاقتراح، سيضاف معيار آخر لاختيار الفائزين من كل لائحة إضافةً إلى المعيار الطائفي ومعيار الدائرة الصغرى، وهو المعيار الجندري. فستكون المرشحة الحائزة على العدد الأكبر من الأصوات بين النساء المرشحات عن المقاعد المخصصة للنساء في الدائرة فائزة بالمقعد وتحلّ محل المرشح الرجل من المذهب عينه الذي حاز على الأصوات الأقل بين الفائزين. وبحسب الجدول المرفق، سيكون في كلّ دائرة صغرى مقعد واحد للكوتا النسائية عدا دائرتي صيدا وبشرّي. وإذ لا يلحظ الاقتراح موضوع عدم ترشح ما يكفي من السيدات لتحقيق نسبة 40%، قد يؤدّي ذلك إلى حالات ترشيح سيدات حصرًا لإكمال اللائحة حتى يتمّ قبولها.
وفي السياق نفسه، قدّم النائب بلال عبد الله اقتراح قانون يتعلّق بالكوتا النسائية، يفرض نسبة 30% على الأقلّ لأي من الجنسين في كل لائحة، دون أن يكون لذلك تأثير على الفائزين إذ لا مانع أن يكونوا جميعاً من جنسٍ واحد. وبحسب الاقتراح، ينتفي شرط ال30% في كل لائحة إذا لم يترشح ما يكفي من السيدات في الدائرة المعنية.
ثالثا: في الإشراف على الانتخابات:
تنشأ عادةً هيئة تكون مهمّتها الإشراف على حسن سير الانتخابات وعدم مخالفة القانون من قبل المرشّحين ووسائل الإعلام. تضيق صلاحيات هذه الهيئة أو تتوسّع بحسب كل اقتراح لقانون انتخابات. وحتّى تسميتها تختلف من قانونٍ إلى آخر: ففي حين تسمّى حاليًا “هيئة الإشراف على الانتخابات”، أسماها اقتراح نواب كتلة التنمية والتحرير “الهيئة المستقلّة للانتخابات”، وأسماها اقتراح كتلة ميقاتي “هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية”.
بحسب القانون الحالي، تمارس الهيئة الإشراف على الانتخابات بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات. يواكب الوزير أعمال الهيئة، ويحدد مقرّها، ويؤمن لها مقراً خاصاً مستقلاً ويحضر اجتماعاتها عند الاقتضاء، من دون أن يشارك في التصويت. وقد أبقى اقتراح كتلة ميقاتي الحال على ما هو عليه في هذا الخصوص ما عدا موضوع تحديد مقر الهيئة.
من جهة أخرى، أعطى اقتراح عازار والخليل الهيئة استقلالية أكبر بحيث فك ارتباطها بوزير الداخلية واعتبر أنّها هيئة إدارية ذات صفة قضائية تتمتّع بالاستقلال المالي والإداري، تخصص للهيئة موازنة خاصة في باب مستقل في الموازنة العامة وتخضع في إنفاقها لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة، ويكون للهيئة مقر مستقل في بيروت ولها الحق أن تفتح مكاتب لها في مراكز الأقضية. إلّا أنّ هذه الاستقلالية المذكورة في النّصوص لا تنطبق فعليًا على تعيين الهيئة. ففي حين تعيّن حاليا بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير وهو المسار نفسه الذي سلكه اقتراح كتلة ميقاتي، ذهب اقتراح الخليل- عازار في اتّجاه تعيين الأعضاء من قبل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة.
في جميع الأحوال، إنّ جميع هذه الصيغ لا تحترم استقلالية الهيئة بأي شكل من الأشكال، فتعيين الأعضاء من قبل مجلس الوزراء ومجلس النواب يمنع إمكانية وصول أعضاء “مستقلّين” فعلًا إلى الهيئة، ويرجح أن تشمل “مرضى عنهم” أو “مقربين” من القوى الحاكمة وفق معادلات المحاصصة المعتادة.
مشكلة أخرى تعتري تأليف هذه الهيئة هي أعمار أعضائها وبالتالي نشاطهم وقدرتهم على القيام بواجباتهم العديدة. فالقانون الحالي ينص على أنّ ثلاثة من أعضاء الهيئة يجب أن يكونوا من القضاة المتقاعدين الذين أمضوا على الأقل 20 سنة في ممارسة مهامهم القضائية، كما نقيب سابق لمحامي بيروت ونقيب سابق لمحامي طرابلس بالإضافة للأعضاء الآخرين. إنّ هذه الآلية للاختيار ستجعل معدّل الأعمار في الهيئة مرتفعا جدًا ما سيقوّض نشاطها وفعاليتها. تنسحب هذه الملاحظة نفسها على اقتراح الخليل وعازار واقتراح الجميّل وإن اختلفت الآلية في كل اقتراح. فقط اقتراح كتلة ميقاتي سمح للقضاة العاملين حاليًا كما المتقاعدين بالدخول إلى الهيئة شرط حيازة خبرة لا تقل عن 20 سنة.
وفي حين اقتصرت صلاحيات الهيئة في القانون الحالي على مراقبة الإنفاق والإعلام دون أن تتمكّن فعليًا من أخذ الإجراءات اللازمة للجم المخالفات الكثيرة التي ارتُكبت، لم تخرج الاقتراحات الجديدة عن هذا الإطار وإن حاولتْ توسيع هذه الصلاحيات، خاصةً اقتراح كتلة ميقاتي الذي أبقى تقريبًا على الصلاحيات ذاتها للهيئة. أمّا اقتراح كتلة برّي فقد ذهب نحو توكيل الهيئة بمهمّة إدارة العملية الانتخابية ككل إضافةً للصلاحيات الممنوحة في القانون الحالي مع منحها العديد من صلاحيات وزارة الداخلية. فقد أعطى الاقتراح الهيئة صلاحيات إعلان قوائم الناخبين وتنقيحها والإعلان عنها وتعيين أعضاء لجان القيد والفرز والإشراف على عملهم، تحديد مواقع أقلام الإقتراع وتعيين رؤساء الأقلام ومعاونيهم، ممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي، تلقي طلبات المرشحين واللوائح المرشحة ودرسها وبتّها، والإشراف على عملية فرز الأصوات واحتسابها وإعلان النتائج بالإضافة إلى الإشراف على إدارة العملية الانتخابية والسهر على حسن تطبيق القوانين والأنظمة وتلقي الشكاوى المتعلّقة بها والفصل بها. ولهذه الغاية تكون جميع الأجهزة الإدارية المعنية بالإنتخابات والقوى الأمنية بتصرّف الهيئة خلال فترة العملية الإنتخابية بكل ما يتعلّق بالعملية الإنتخابية.
رابعًا: النظام الانتخابي:
إنّ النظام الإنتخابي هو المحور الأساس لأي قانون انتخاب، بحيث أنّ النظام يحدّد إلى حدٍّ كبيرٍ نتائج الانتخابات. فالمرشّح الذي نال عدد أصوات معيّن قد يحجز مقعدًا نيابيًا له وفقًا لقانونٍ ما، وقد يخسر الانتخابات وفقًا لقانون آخر حتى لو حصد أصواتا أكثر. ولذلك، إنّ النظام الإنتخابي هو الذي يجذب الأنظار إليه عند النقاش في أي قانون انتخاب. وهذا ما نفصله أدناه:
اقتراح جميل السيد:
أورد في اقتراح السيّد تعديل مادة وحيدة تتعلّق بالصوت التفضيلي، في اتجاه السماح بصوتين تفضيلييْن بدل الصوت التفضيلي الواحد المعمول به حاليًا. ولا يحصر الاقتراح الصوتين التفضيلييْن بلائحة واحدة بل يسمح أن يكون الصوتان لمرشحين من لائحة واحدة أو من لائحتين متنافستين في نفس الدائرة، على أن تُحتسب الأصوات للائحة واحدة يختارها المقترع وللمرشّحين الإثنين اللذين اختارهما، مع الأخذ بعين الاعتبار إلزامية التصويت لمرشح ضمن الدائرة الصغرى في حال توفّر ذلك. هذا الاقتراح يزيد من الخيارات للمُقترع بما يخفف من حدة نظام الصوت التفضيلي الواحد ويزيد من قدرة الناخب على تقييم المرشحين وإجراء المفاضلة فيما بينهم. إلى ذلك، فإن إمكانية إعطاء الصوت التفضيلي لأحد مرشحي لوائح لم يخترْها الناخب إنما يؤدي إلى واقعة هامة قوامها أن اختيار المرشح الفائز من أي لائحة لا يتم فقط من قبل ناخبيها إنما أيضا من قبل ناخبي اللوائح الأخرى. بمعنى أن هذا النظام يعطي الناخب ليس فقط إمكانية تعزيز حظوظ مرشّحه الأفضل (صوته التفضيلي الأول) ولكن أيضا إمكانية تقليل حظوظ مرشّحين ربما يعتبرهم الأسوأ على اللوائح المنافسة (صوته التفضيلي الثاني). ومن شأن هذا الأمر أن يعزّز حظوظ المُرشّحين الأقلّ استفزازاً لناخبي اللوائح المنافسة أو الأكثر اعتدالا وأن يخفّف تاليا من حدّة العصبية والشعبوية.
اقتراح كتلة ميقاتي:
أبقى اقتراح كتلة ميقاتي على النظام النسبي مع تكبير حجم الدوائر وتقليص عددها إلى 5 موزّعة على المحافظات الكبرى، ليصبح لبنان مكوّنًا من خمس دوائر انتخابية كبرى تتضمّن دوائر انتخابية صغرى تتوزع عليها المقاعد مع مراعاة التقسيم الطائفي وهي: محافظة بيروت، محافظتا جبل لبنان وكسروان الفتوح-جبيل، محافظتا الشمال وعكّار، محافظتا بعلبك الهرمل والبقاع، ومحافظتا الجنوب والنبطية. ويفرض الاقتراح أن تكون اللوائح مكتملة على أن يحقّ للمقترع الإقتراع بصوتين تفضيليّيْن من ضمن نفس اللائحة، أحدهما لمرشّح ضمن الدائرة الصغرى وآخر ضمن الدائرة الكبرى.
تطرح قضية اللوائح المكتملة إشكالية عدم مقدرة عدد من المرشحين على إكمال لوائحهم، خاصة غير المنضوين ضمن جبهات وتحالفات عريضة خاصة في ظل أن المقاعد في كل دائرة ستكون كثيرة نظرًا لكبر حجم الدوائر. هذا الأمر قد يثني البعض عن الترشح لعدم قدرتهم على تكوين لوائح متكاملة أو عدم إمكانية تشكيل لوائح متجانسة تحمل نفس المشروع والبرنامج. هذا عدا عن أنه يستعيد فكرة الأصوات التفضيلية والتي تعيد إنتاج الزعامات المناطقية والطائفية.
اقتراح كتلة التنمية والتحرير:
تقترح كتلة رئيس مجلس النواب اعتماد النظام النسبي واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي على أن يتم إجراء انتخابات لمجلس الشيوخ لحماية “هواجس الطوائف” وتطبيقًا لمواد الدستور. بموجب الاقتراح، يتم الاقتراع للوائح مقفلة دون أي صوت تفضيلي ويفوز المرشّحون في كل لائحة بحسب الترتيب المُسبق للّائحة المقدّم لوزارة الداخلية مع مراعاة التمثيل المناطقي. وفي حين فرض هذا الاقتراح كوتا نسائية عند توزيع المقاعد النيابية، فإنه لم يضع أي ضوابط لضمان حصول ترتيب متسلسل للمرشحين والمرشحات على اللوائح المختلفة، بما يضمن فوز النساء بشكل تلقائي. إلّا أنّه يتبدّى بعد تقديم النائبة عز الدين لاقتراحها حول الكوتا بأنّ الكتلة ستعتمده بدل اقتراحها حول هذه النقطة.
قد يزيد اقتراح القانون النسبي واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة من صحة التمثيل إلا أنه قد يؤدي بالمقابل إلى إثارة هواجس طائفية في ظل الاختلال الديمغرافي الحاصل والتسبب بممانعة كبرى ضده.
كما أنّ القانون جاء منقوصًا لجهة عدم لحظه لحالة حصد لائحة معينة لحاصل أكثر من عدد مرشحيها، وهي حالة صعبة الحصول لكنّها تبقى واردة ويجب أخذها في الحسبان. مثلًا، إذا استطاعت لائحة فيها 30 مرشح الحصول على 31 حاصل انتخابي، لا جواب في الاقتراح على كيفية توزيع المقعد الباقي على اللائحة أو على اللوائح الأخرى. بالمقابل، فإن الاقتراح لم يضع أي حدّ أدنى لاحتساب الحواصل، إلا الحصول على الحاصل الانتخابي الذي هو متدنٍ جدا يبلغ 1/128. ومن شأن هذا الأمر أن يعزز تجديد الحياة السياسية وتنويعها وتمكين الأحزاب الصغيرة والناشئة من كسب مقاعد في المجلس.