ماذا يعني منع محاكمة الضباط بالإثراء غير المشروع بحجة مرور الزمن؟


2025-02-01    |   

ماذا يعني منع محاكمة الضباط بالإثراء غير المشروع بحجة مرور الزمن؟

أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة بلال حلاوي قرارات بمنع محاكمة 8 ضباط من رتبة عميد وما فوق مدّعى عليهم بالإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، على خلفية فضائح تلقّي رشاوى لتسهيل دخول طلّاب إلى الكلّية الحربية. وكانت القضية قد تحرّكت بناء على إخبار من المحامي وديع عقل أتبعه ادّعاء من النيابة العامة الاستئنافية في العام 2020، ومن بين المدّعى عليهم الذين منعت محاكمتهم هو قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي.

وعليه، وبانتظار الحصول على نسخة القرار كاملة، يقتضي تسجيل الملاحظات التالية:

استعادة لقرار حفْظ الدّعوى بحقّ ميقاتي ورفاقه

من خلال التسريبات بشأن هذا القرار، يتبيّن أنّ حلاوي منع المحاكمة عن هؤلاء بحجة مرور الزمن (3 سنوات) لكون الإثراء غير المشروع جنحةً، وهي الحجّة نفسها التي استعملها سلفُه شربل أبو سمرا لدفن شبهات جرم الإثراء غير المشروع بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. ويرجّح أن يكون القاضي حلاوي قد نحَا نحو القاضي أبو سمرا في استبعاد تطبيق قانون الإثراء غير المشروع الجديد، والذي كان أعلن أن الإثراء غير المشروع لا يسقط بمرور الزمن  (المادة 13)، بحجّة أنّ الوقائع موضوع التّحقيق قد حصلت قبل إقراره. 

الإثراء غير المشروع يسقط بالتقادم؟

هنا نطرح السؤال بشأن مدى صحة تطبيق قانون الإثراء غير المشروع القديم على مسألة مرور الزمن. فهل ينطبق القانون القديم السائد في تاريخ حصول الجرم على مسألة مرور الزمن، أم أنه يجدر تطبيق القانون الجديد بصورة فوريّة، حتى على الأفعال الحاصلة قبله، وذلك في أي قضية لم يكن صدر فيها قرار مبرم.

وقبل الإجابة على هذا السؤال، يجدر لفت النظر إلى أنّ المشرّع اعتمد قاعدة عدم جواز تطبيق أحكام مرور الزمن في القانون الجديد الذي أقره في 2020، أي في الفترة التي اكتشف فيها الرأيُ العامّ اللبنانيّ حجم النّهب الذي أدّى إلى إفقار الدّولة والشّعب. فأتى التشريع بمثابة ضمانة على إمكانيّة محاسبة المتورّطين في هذا النهب وتاليا استرداد المال المنهوب بما يؤدّي إلى توزيع أكثر عدالةًً للخسائر، يتحمّل المسؤولون المباشرون عنها المسؤوليّة الكبرى. وقد جاء تاليّا هذا التّشريع بمثابة إعلانٍ على خطورة هذه الجرائم، على نحو يستوجب تسهيل محاكمتها مع حرمان مرتكبها من إمكانيّة التذرّع بحقّ النسيان (مرور الزمن). ويجد هذا التوجّه ما يبرّره ليس فقط في خطورة هذه الجرائم، بل أيضا بفعل صعوبة تحريك دعاوى مماثلة ضد أشخاص نافذين وبخاصة في حال استمرار توليهم مناصب رفيعة. وهو توجه يتماشى مع ما ذهبتْ إليه العديد من الدّول في الفترات الانتقالية، منها تونس التي أسقطت بعد ثورة 2011 قاعدة مرور الزمن عن كل انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الديكتاتورية بموجب قانون العدالة الانتقالية. 

انطلاقا من ذلك، يتبدّى أنّ المبادئ والأحكام المطبقة على هذه القضية إنما تفرض تطبيق قاعدة مرور الزمن الواردة في القانون الجديد على كل الجرائم التي لم يصدر فيها حكم مبرم، وفق المادة 5 من قانون أصول المحاكمات التي تعتبر أنّ أيّ تعديل في أصول المحاكمات يطبّق بصورة فوريّة، خلافًا لمبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية. وإذ يبقى الجدل فقهيًّا ممكنًا فيما إذا كانت مسألة مرور الزمن تصنّف ضمن أصول المحاكمة، فإن الصيغة الجديدة لقانون الإثراء غير المشروع إنّما تميل إلى اعتبارها طالما أنه أدرج هذه المسألة ضمن باب خاصّ عنوانه “أصول التحقيق والمحاكمات”. وهذا أيضا ما يؤكّده العلامة الفرنسي الراحل رينيه غارو: فبعدما ذكر هذا الأخير أن قواعد مرور الزمن إنما تحدد وتنطبق وفق ما يراه المجتمع مناسبا فيقصر أمده بالنسبة إلى الجرائم قليلة الخطورة، مقابل تطويل هذا الأمد بالنسبة إلى الجرائم الخطيرة والتي لا يجدر بالمجتمع نسيانها، اعتبر ضرورة تطبيقها بصورة فورية على كلّ الجرائم التي لم يصدر فيها حكم مبرم، على اعتبار أنّها لا ترتب أيّ حقّ مكتسب للشّخص المرتكب. [1] 

خطورة استمرار حجة مرور الزمن

أخيرا، لا بدّ من الإشارة إلى خطورة هذا النهج، والذي من شأنه أن ينطبق على مئات قضايا الإثراء غير المشروع الحاصل قبل سنة 2020، وقد يكون من ضمنها قضايا التحقيق مع رياض سلامة. فلنتابع. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني