ماذا يعني أن يتبنى الحاكم نظرية الأزمة “النظامية”؟ تماهٍ مع جمعية المصارف خلافًا للتعميم رقم 154


2025-05-22    |   

ماذا يعني أن يتبنى الحاكم نظرية الأزمة “النظامية”؟ تماهٍ مع جمعية المصارف خلافًا للتعميم رقم 154
رسم رائد شرف

في مطلع الشهر الثاني من العام 2024 أصدر مجلس شورى الدولة قرارًا أبطل بموجبه قرار مجلس الوزراء الخاصّ بالموافقة على “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي” الموضوعة من قبل حكومة الرئيس ميقاتي في شقّها المتعلّق بإلغاء التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، على أساس أنّ مآل الأمر الأخير يشكل حائلاً دون إتمام المصارف موجباتها  القانونية بردّ الودائع إلى أصحابها .

بعد أيام عدة، عقدت جمعية المصارف اجتماعا أصدرت في نهايته بيانا ذكرت فيه “أن أي  مشروع قانون يتعلق بإعادة هيكلة المصارف يجب  أن يتضمن نصاً واضحاً وصريحاً لا يقبل التأويل أو الاجتهاد يوضح أن الأزمة المالية الحالية في لبنان هي “أزمة نظامية” وأن تتحمل الدولة تاليًا تغطية الخسائر في ميزانية مصرف لبنان مما يمكن من إعادة جميع الإيداعات من مصرف لبنان إلى المصارف توطئة لإعادتها بالكامل إلى المودعين”. وقد هدف تشبّث الجمعية بتوصيف الأزمة في لبنان على أنها “أزمة نظامية” لى استبعاد فكرة  إجراء تدقيق محاسبي شامل للمصارف الذي لحظه الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022  حيث كان من بين بنوده الأساسية تكوين داتا شفافة وصادقة لأوضاع مجموعة مصارف مختارة تشكل 80% تقريباً من إجمالي موجودات وودائع القطاع المصرفي اللبناني. وكانت حجّة المصارف في معارضة الأمر بأنه كيف يمكن إجراء تقييم عادل إذا كانت 80% من موجوداتها في مصرف لبنان ولا يعرف شيئا عن إمكانية الأخير والدولة في ما يمكن ردّه  من ودائع ووفق أيّ وتيرة؟ كما هدف تمسك المصارف بتوصيف الأزمة بأنها “نظامية” إلى مواجهة أيّ طرحٍ لإعادة هيكلتها على قاعدة كلّ  مصرف على حدة حسب مخاطره ووضعه المالي وإلى دعم الخيار البديل عن ذلك والذي هو الهيكلة النظامية، أي هيكلة المصارف ككلّ، حيث يتمّ فيها  تمويه الارتكابات فلا تكون هناك أية مساءلة ومحاسبة عن قرارات اتخذها القيمون على قرارات المصارف خلافا للقانون والأنظمة وأفادوا منها بطريقة غير مشروعة وأيضا تثبيت  مسؤولية الدولة بإعادة  الودائع.

وكان صندوق النقد الدولي قد أشار في تقريره  الذي أعدّه سنة 2023 بمقتضى المادة الرابعة من نظامه الأساسي إلى تشدّد السّلطات التي تواصل معها  طوال المفاوضات على توصيف الأزمة اللبنانية بأنها “نظاميّة”. وقد اعتبر أنّ غايتها من ذلك تمثّلت في تحديد سقف الحماية لكلّ مودع في النظام المصرفي ككلّ بدلاً من تحديده في كل مصرف على حدة وأيضًا حماية جميع صغار المودعين بالكامل بغضّ النظر عن المصرف الذي تودع فيه ودائعهم.

في 9 نيسان 2025، أرسل الحاكم سعيد إلى وزير المالية كتابا أبلغه فيه بالملاحظات القانونية لمديرية الشؤون القانونية على مشروع “قانون إصلاح المصارف”، حيث ورد في هذا الكتاب ثلاث مرّات إشارة إلى أن أزمة النظام المصرفي والمالي التي يعاني منها لبنان منذ العام 2019 هي “أزمة نظامية”  Systemic Crisis  وأيضا إشارة إلى وجود مخاطر نظامية  Systemic Risk  لكن بدون إدراج أيّ تفصيل قانوني بشانهما.

في نهاية شهر نيسان، عاد مصرف لبنان ليصدر بيانًا أوضح فيه أنّه يعمل على اقتراح مسودة أولى لخطة إعادة هيكلة المصارف ستكون موضوع نقاش مع عدد من المستشارين الماليين الدوليين ذوي الخبرة في إدارة “الأزمات المصرفية النظامية” حول العالم باشارة ضمنية واضحة إلى أخذ مصرف لبنان بوجهة نظر المصارف بأن الأزمة اللبنانية هي “نظامية”. ويلحظ بالمقابل أن الحاكم أعرض عن توصيف الأزمة بال “نظامية” في كلمته في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة، حيث استعاض عنها  بتوصيف الأمور بأنها ” فشل مؤسّساتي عميق طال القطاعين العام والخاص”.

لكنه عاد وأكد مجددا بعد عدة أيام في 8 ايار 2025 في اجتماع للجنة المال والموازنة أن  “الأزمة نظامية”، مهما اختلفت التسميات، وبالتالي ينبغي أن تكون المعالجة انطلاقاً من هذا الواقع، من دون أن يعني ذلك، أن التسمية يمكن أن “تبرئ أحداً، من المصارف أو سواها”.  

وكرّر الأمر في اليوم التالي  في اجتماع  مع وفد من جمعية صرخة المودعين  فذكر أن “اعتبار “الأزمة نظامية” سيساهم في تسهيل مشاركة الأطراف الثلاثة (الدولة، مصرف لبنان، والمصارف) في تحمل المسؤوليات” مضيفا “أنّ على الدولة أن تعترف بمسؤوليتها وفقاً لقانون النقد والتسليف، خاصة المادة 113 التي تلزمها بتغطية خسائر مصرف لبنان.”

معنى “الأزمة النظامية”

 يطلق وصف “أزمة نظامية” عادة على انتقال عدوى فشل مؤسسة واحدة أو أكثر  بفعل الترابط إلى المؤسسات الأخرى لقطاع معيّن غالبا ما يكون القطاع الماليّ ويعرف بتأثير الدومينو. ومؤدّى ذلك، انخفاض تدفّقات الائتمان وتداعيات سلبية واسعة النطاق على الاقتصاد “الفعليّ” (انخفاض الإنتاج وزيادة البطالة وانخفاض ثقة المستهلكين والشركات وغيره). أبرز أمثلتها  الأزمة المالية التي اندلعت في التاسع من آب 2007 واضطرت المصارف المركزية إلى التدخل فورًا كملاذ أخير لتوفير السيولة الحيوية  للمصارف وغيرها من المؤسسات المالية وحتى للشركات بشكل مباشر. ويمكن أن تحدث الأزمة النظامية بواقعة معينة واحدة تؤدي إلى تداعيات على مجمل الاقتصاد “الفعلي” كفرض عقوبات خارجية ، مالية على الأخص، على الدولة. من هنا يشكك البعض  بتكييف ما حصل في لبنان من تخلّف مصرف لبنان عن ردّ إيداعات المصارف الدولارية لديه إلى الاخيرة على أنه الفتيل الذي أشعل “أزمة نظامية”  لان هذه الإيداعات كان يمكن على الدوام ردّها قانونا بالعملة الوطنية بالسعر المتداول حسب أحكام القضاء الفرنسي وشروحات العديد من فقهائه ضمن ترتيبات تحول دون انفلات سعر الصرف، علمًا أن الإيداعات المذكورة حصلت بغالبيتها بشكل غير قانوني.

الأخطاء والمخاطر والنظامية

“الأزمة النظامية” غير المرتبطة بواقعة معيّنة لا يشعلها مبدئيا خطأ عشوائي أو عرضي بل خطأ نظامي  يتكرر بطريقة ثابتة وبشكل منهجيّ وقابل للانتقال بالترابط ويمكن التنبؤ بمخاطره  النظامية وبتاثيراته السلبية التي بإمكانها إشعال أزمة عامة عند فشل السيّاسات الاحترازية في احتوائها. وقد يستمر التنكّر لمدّة من الوقت لإشارات الخطأ ومخاطره على قاعدة “أنه طالما الموسيقى تعزف، فيجب على الجميع الاستمرار بالرقص”.

يأتي في رأس المخاطر النظامية  حسب البروفسور  Sébastien Adalid التمويل غير المسؤول وحوافزه والنظرة القصيرة الأجل في حوكمة الشركات وفشل التنظيم  كما تفشّي شكل من أشكال اللامبالاة على صعيد  تحديد المسؤوليات القانونية الفردية والجماعية وموجبات إعلام  المودعين والعملاء  لاتخاذ القرارات المستنيرة  وأيضا ….. فقدان الأخلاق.

والتدقيق فيما حصل في لبنان  يظهر بوضوح تراكم جملة من  المخاطر النظامية  من دون أي تحوّط ذاتيّ أو جهد تنظيمي لمنع تحوّلها أو أي منها إلى أزمة نظامية كبرى بتعزيز الرقابة المالية وتنويع الاستثمارات والحدّ من الترابطات داخل النظام المالي وغيره.

بداية قامت المصارف بتوظيف حوالي 80% من ودائعها الدولارية لدى مصرف لبنان وفي سندات عامة ضمن نشاط يخرج عن نطاق “المصارف التجارية”  التي تنتمي إليها ويندرج ضمن نشاط  وموضوع «مصارف الأعمال والتسليف المتوسط والطويل الاجل» المحدد بالقانون 22/ 67.  

كما كان هناك تجاوز من قبل المصارف للقاعدة التي تحظر عليها منح الاعتمادات أو تمويل شخص واحد بما يتعدّى حدّاً معيناً من الأموال الخاصة لكلّ مصرف. كما كانت هناك مخالفة من قبل المصارف لمبادئ وقواعد لجنة بازل لادارة المخاطر التي تفرض اختياراً مدروساً لعملية الاقراض وفقاً لمعايير التحوّط والاحتراز. فقد قامت المصارف بانخراط إراديّ وطوعيّ بتمويل القطاع العام وفقا لانموذج Ponzi Scheem حسب توصيف  كل من الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron  والامين العام للامم المتحدة António Guterres أي إيفاء الالتزامات  المستحقة من الودائع الجديدة مع ما يتطلب الأمر من نفخ مستمر للفوائد. والنموذج المذكور يوفّر أرباحاً كبيرة واستثنائية للمساهمين ومدراء المصارف على حساب المخاطرة بأموال المودعين، الذين يعتقدون أنّ اموالهم محميّة بالقوانين وبالأصول والضوابط التي ترعى عمل القطاع المصرفي والتي تسهر على تطبيقها جهات ناظمة ومراقبة موثوقة، وهما مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. وقد تبيّن مع حصول الأزمة أنّ الاعتقاد المذكور كان خاطئاً. وأولى الاشارات المقلقة التي غضّت النظر عنها الهيئتان السابقتان كانت تصفية وإغلاق غالبية المصارف الأجنبية فروعها في لبنان، لعدم استطاعتها محاكاة التوجه العام السائد في التركيز على توظيف الموارد في السندات العامة بسبب المؤونات المرتفعة التي يتعين تكوينها بمقتضى قوانين بلادها على هكذا نوع من توظيف محفوف بالمخاطر، وهو توظيف نبّهت منه مرارا وتكرارا تقارير صندوق النقد الدولي عن لبنان بمقتضى المادة الرابعة من اتفاقية الصندوق من دون أن تأبه له المصارف والهيئة الناظمة لنشاطاتها كما المعنية بمراقبتها.

وقد حاول رئيس جمعية المصارف الأسبق الدكتور فرنسوا باسيل لفت الانتباه في عام 2014 إلى خطورة استمرار المصارف بتمويل فساد السلطة السياسية، فجوبه بحملات تجريح وتقريع وادّعاء ضدّه من النائب هاني القبيسي من حركة «أمل» التي يرأسها السيد نبيه بري وهو ايضا رئيس مجلس النواب.

وتجدر الإشارة إلى أن تفشي ظاهرة الدولرة والتي بدأت بتحويل اللبنانيين لحساباتهم بالليرة اللبنانية إلى العملات الاجنبية وبالتحديد الدولار  بهدف تأمين ضمان اختياري يقيهم من انهيار العملة الوطنية نتيجة  تفاقم الصراعات  السياسية والعسكرية على أرض بلادهم  أفضتْ إلى استعمال ودائعهم الدولارية بعمليّات تسليف وتمويل على نطاق واسع  لصالح القطاع العام . وحصل الأمر من دون تكوين مراكز احتياطات  مقابلة مناسبة تحمي هذه الضمانة من مخاطر نظامية  مصاحبة متأتية من أن مصرف لبنان لا يمكنه أن يلعب عند الاقتضاء  دور المقرض الأخير بعملة ليست عملته والتي هي الدولار. أيضًا تعطّل دور مؤسسة ضمان الودائع  بحماية أصحاب الودائع الدولارية بانهيار سعر صرف الليرة من 1500 ل ل إلى 98500 ل ل للدولا رالواحد .

وقد لفت إلى خطورة هكذا نوع من الممارسات الاقتصادي الفرنسي الشهير Maurice Allais   حامل جائزة نوبل واقترح لتفاديها تكوين مراكز مقابلة لدى المصرف المركزي أو في الخارج  لكل عملية تسليف بعملة اجنبية ينجم عنها خلق نقود مصرفية مشتقة بغير العملة الوطنية.  وكانت هناك “مبادرة شعبية”  في سويسرا لتكليف البنك الوطني السويسري بخلق النقد القانوني والنقد المصرفي على السواء تحت مسمى  “النقد الكامل  monnaie pleine  ” .

المسؤولية القانونية للمسؤولين عن الأزمة نظامية

هناك تشابه طبيعي بين المخاطر النظامية والمخاطر البيئية. اذ يشارك كل طرف فيهما  بدون رابط سببي مباشر بين فعله أو أفعاله والمخاطرة وتحققها مما يجعل من الصعوبة تحديد نسبة المسؤولية التي يتحملها كل طرف في الأزمة النظامية  لصعوبة تقدير الضّرر الذي سبّبه. من هنا يُفهم تعقد المسؤولية القانونية للمسؤولين عن الأزمة النظامية . “فعندما يعدّ الكل مسؤولا” يعني حسب البروفسور Albert Bandura  “أن لا أحد مسؤول”. كما أنه من غير الممكن القول بتحميل المسؤولية بشكل جماعيّ لكل اللاعبين في السوق، إذ أن الوضع سيكون على النحو التالي  الذي وصفه الاقتصادي الاميركي  Thomas Sowell  “لا أحد مسؤول عمّا فعله ولكننا جميعا مسؤولون عمّا فعله شخص (أو اشخاص آخرون)”. وترجمة ذلك على الأزمة اللبنانية أن لا مصرفي مسؤول عما فعله ولكن المودعين جميعهم مسؤولون عما فعله المصرفيون.

ذات المنطق يسري على ما يتداوله خطأ مفكرون اقتصاديون ومسؤولون في السلطة من أن المسؤولية عن الأزمة اللبنانية تتحمّلها الدولة ومصرف لبنان والمصارف من دون إيضاح ما إذا كانت مسؤوليّة جماعيّة تضامنيّة  أو ما إذا كانت نسبية. وفي الحالة  الاخيرة، ما هو مقدار أو النسبة  التي يتحمّلها كل واحد منهم ومعيار تحديدها. وكانت جريدة الأورويون لو جور قد نقلت في هذا الإطار عن أحد المشاركين في الاجتماع الذي عقدته جمعية المصارف في 19 ايار الجاري مع حاكم مصرف لبنان قوله للأخير أن “على كلّ طرف أن يدفع حصته: الدولة ، مصرف لبنان، المصارف” من دون ذكر أيّ تفصيل آخر.

لقد قدر لمجلس الدولة أن يتطرق للتشابك في المسؤوليات بين الدولة والمصارف إزاء المودعين فأشار بوضوح في  قراره رقم 219562  الصادر في 30 تشرين الثاني 2001 إلى “أن مسؤولية الدولة لا تحلّ محلّ مسؤولية المصارف تجاه مودعيها ” أي أن المصارف ملزمة بموجب رد الودائع إلى أصحابها بالآجال والشروط المتعاقد عليها من دون أن يكون للمصارف الاحتجاج  أو ربط  التزاماتها بأيّ أمر لا تنص عليه شروط  التعاقد. ويكون لها، أي للمصارف،  الرجوع على مصرف لبنان والدولة لمطالبتهما بأية مستحقات لها في ذمتيهما، من دون أن تربط تنفيذها التزاماتها بردّ الودائع إلى اصحابها بحصولها على هذه المستحقات.  فلا وجود لأي ترابط بين التزامات الدولة  ومصرف لبنان تجاه المصارف من جهة، والتزامات الأخيرة برد الودائع  إلى أصحابها من جهة اخرى. وأيّ كلام معاكس من شانه تحويل عقد الوديعة إلى عقد استثمار.

عمليا بالإمكان  تفادي التعقيدات  السابقة وتجاوزها برفع دعاوى قضائية مباشرة مستقلة ومتنوعة على أساس المسؤولية المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر  في حالة سوء الإدارة أو مخالفة القانون أو اللوائح وشروط التعاقد، أو على أساس المسؤوليّة الجزائيّة في حال ارتكاب الجرائم،  أو على أساس  المسؤولية الإدارية  بسبب الخروقات أو الانتهاكات لقواعد العمل.  كما يمكن في بعض الحالات تأسيس  المسؤولية على مخالفة المسؤولين عن تجمّع معيّن بحكم الواقع القوانين وارتكابهم لأعمال الغش والخداع  كما هو الأمر في الدعوى  المقامة من قبل عدد من المودعين الأميركيين من أصل لبناني ضدّ  مصرف لبنان ومصارف لبنانية ومفوّضي مراقبتهم بالاستناد إلى تشريعRICORacketeer Influenced and Corrupt Organizations  Act 

بالنسبة للمصارف ، يرى المحاميان  Romuald Cohana et Léopold Farque وجوب ان تضم الدعوى التي ترفع عليها، من قبل المودعين  وسائر الدائنين،  القيمين على إدارة المصارف أيضا، على اساس المسؤولية المدنية لانتهاكهم القانون أو اللوائح أو النظام الأساسي للشركة أو في سياق سوء الإدارة على أساس الإهمال أو الخطأ من خطورة معينة. أيضا يمكن مساءلة المساهمين من الأغلبية أو الأقلية لفرض او لمنع التصويت على قرارات معينة او حتى لاتخاذ موقف سلبي . ويبقى مطلوبا في كل الاحوال مخاصمة مفوضي المراقبة الذين أخفوا أو فشلوا في الإشارة إلى المخاطر النظامية التي تتعرض لها المصارف في تقاريرهم.

كذلك تكون مخاصمة مصرف لبنان والقيمين  عليه وعلى لجنة الرقابة على المصارف استنادا الى قرار صدر بتاريخ 13 أيلول 2022 عن محكمة العدل الأوروبية بقضية المصرف المركزي السلوفيني. وقد حدّد القرار معيار مساءلة أيّ مصرف مركزيّ والعاملين باسمه فذكر أنه “الانحراف الخطير في الأداء عن مقتضيات الحيطة والدقة”la méconnaissance grave de l obligation de diligence  . أيضا من الممكن مخاصمة مفوضي مراقبة مصرف لبنان  لتقصيرهم وأخطائهم في عدم كشف الانحرافات في عمليات المصرف التي وثقتها لاحقا Alvarez and Marsal . معلوم أن أحدهم  يعمل باسم مؤسسة سبق أن أدينت في الولايات المتحدة لتقصيرها في مراقبة عمليات مصرف  Lehman Brothers الذي أعلن إفلاسه.

 اخيرا يمكن  إطلاق المخاصمات وفقا للأصول وكما حصل في إيسلندا بتهمة التقصير في المحاسبة والرقابة على نشاطات مصرف لبنان  الانحرافية ضدّ أعضاء الحكومات على الأخصّ رؤسائها ووزراء المالية والاقتصاد والتجارة والعدل  فيها كما ضد أعضاء اللجان النيابية المختصة أي لجنتي الإدارة والعدل  والمال والموازنة.  

الخلاصة

مواقف الحاكم كريم سعيد تشير بوضوح الى تبنّيه موقف جمعية مصارف لبنان التي تعتبر الأزمة اللبنانية “نظامية”، توخيّا منها لحماية مصالح خاصة سبقت الإشارة إليها أعلاه.  

وهذه المواقف  تتعارض  مع  ما سبق للمجلس المركزي  لمصرف لبنان أن قرّره قبل خمس سنوات في 25 آب 2020 وعمّمه  بعد يومين بموجب التعميم رقم 154 معتمدا “هيكلة خاصة” لكل مصرف حسب أوضاعه المالية وليس “هيكلة نظامية”  لمجمل القطاع المصرفي، استنادا لفكرة أن “الأزمة نظامية” ما يساعد على تمويه الارتكابات وتجنب المساءلة والمحاسبة.  فقد طالب التعميم 154 ﻜلّ ﻤﺼﺭﻑ القيام ﺒﻌﻤﻠﻴﺔ ﺘﻘﻴﻴﻡ ﻋﺎﺩل ﻟﻤﻭﺠﻭﺩﺍﺘـﻪ ﻭﻤﻁﻠﻭﺒﺎﺘـﻪ ﺘﺴـﺎﻋﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﻭﻀﻊ ﺨﻁّﺔ ﺘﻤﻜﻨﻪ ﺨﻼل ﻓﺘﺭﺓ ﺯﻤﻨﻴﺔ ﻤﺤﺩﻭﺩﺓ  من إعادة تكوين رأسماله و/أو زيادته وﻤﻥ الامتثال ﻭﻟﻭ ﺒﺸﻜل ﻤﺘـﺩﺭّﺝ  ﺒﻜـافة  ﺍﻟﻨﺼـﻭﺹ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴـﺔ ﻭﺍﻷﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻤﺼﺭﻓﻴﺔ ﺴﻴﻤﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻕ ﻤﻨﻬـﺎ ﺒﺎﻟﺴـﻴﻭﻟﺔ ﻭﺒﺎﻟﻤﻼءﺓ  كما وإعادة تفعيل ﻨﺸﺎﻁﺎﺘه ﻭﺨﺩﻤﺎﺘه ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ ﻟﻌﻤﻼﺌه ﺒﻤﺎ ﻻ ﻴﻘلّ ﻋﻤﺎ ﻜﺎﻨﺕ ﻋﻠﻴـﻪ ﻗﺒل ﺘﺸﺭﻴﻥ ﺍﻷﻭل 2019. ويحال المصرف المخالف إلى الهيئة المصرفية العليا لاتخاذ الاجراء المناسب بما فيه قرار الإحالة إلى القضاء لتطبق بشأن المذكور أحكام قانون توقّف المصارف عن الدفع أو إصلاح الوضع المصرفي .

واللافت أن موقف الحاكم تفرّد باتخاذ موقفه على نحو يناقض موقف نوابه الذين وافقوا على التعميم 154 الذي  ما زال ساري المفعول، إذ لم يصدر حتى تاريخه عن المجلس المركزي أي قرار يعدل أو يلغي مضمونه القاضي  بإجراء عملية  “هيكلة خاصة” لكل مصرف .   

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني