أعلن رئيس مجلس النواب الأسبق وأكبر النوّاب سنّاً نبيه بري في تصريح لافت أنه “سيدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس المجلس ونائبه عندما يشعر أن الأجواء مواتية” ما قد يفهم منه احتمال عدم احترام المادة الثانية من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على التالي: “يجتمع مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً وبرئاسته لانتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد إنتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته”.
فأكبر النوّاب سنّا ملزم، عملا بصراحة هذا النص، بالدعوة إلى انتخاب مكتب المجلس خلال مهلة 15 يوما. وقد شددت المادة على ضرورة ذلك بقولها “أقصاها” أي انها حددت مهلة لا يمكن تجاوزها نظرا لأهمية استكمال تكوين السلطة التشريعية التي تحتاج إلى هيئة تتولى الصلاحيات الدستورية والإدارية كي تمارس مهامها بشكل طبيعي.
وما يفاقم من خطورة تصريح السيّد برّي هو ارتباط أكثر من موجب دستوري بوجود مكتب لمجلس النواب. فالحكومة اليوم باتت بحكم المستقيلة وعلى رئيس الجمهورية إجراء استشارة نيابية من أجل تكليف رئيس حكومة جديدة ولا يمكن أن يتم ذلك وفقا لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور إلا بعد تشاوره مع رئيس مجلس النوب أولا ومن ثم اطلاعه رسميّا على نتائجها. وعليه، يؤدي تأخير انتخاب مكتب المجلس حكما إلى تعطيل تسمية رئيس الحكومة المكلف وبالتالي إلى تأخير تشكيل الحكومة والاستمرار في حالة تصريف الأعمال.
وقد سبق للسيّد بري أن أعلن في جلسة الخامس من حزيران 1995 بعد وفاة أحد أعضاء مكتب المجلس حرفيا الآتي: ” دستوريا، وفي علم الدستور والاجتهاد الدستوري، المجلس النيابي لا يعتبر معقودا حكما كمجلس إذا كان تكوينه كمكتب مجلس ناقصا”. وهكذا يكون برّي ربط ليس فقط بين تكوين مكتب المجلس والبرلمان نفسه لا بل هو أضاف أنه دون “إتمام المكتب فليس من مجلس نيابي منعقد أصولا، وبالتالي فليست هنالك حكومة تأخذ الثقة على الإطلاق”. ويستشف من هذه المواقف أن برّي أقرّ بأهمية الإسراع بانتخاب مكتب المجلس كي تتمكّن السلطة التشريعية من ممارسة صلاحياتها الدستورية، ولا يمكن بالتالي تأجيل هذه الدعوة من أجل تحقيق مصالح شخصية ما يدخل في عداد تحوير السلطة أي استخدام الصلاحية التي منحها النظام الداخلي لعميد السن من أجل كسب الوقت وتأمين انتخاب هذا الأخير بعد عقد تسويات تراعي مصالح أركان النظام السياسي في لبنان.
لكن المشكلة التي تطرحها مسألة احتمال تمنع عميد السن من دعوة مجلس النواب هي أعمق بكثير ولا بد من أجل معالجتها من العودة إلى الممارسة الدستورية في لبنان خلال مراحلها الأولى ومن مقارنة النص الدستوري بأحكام النظام الداخلي الحالي الذي أقر سنة 1994.
في وجود عميد السن
نصت المادة 44 من الدستور على التالي: “في كل مرة، يجدد المجلس انتخابه يجتمع برئاسة أكبر أعضائه سناً ويقوم العضوان الأصغر سناً بينهم بوظيفة أمين. ويعمد إلى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس…”. بينما نصت المادة الثانية من النظام الداخلي الحالي كما رأينا أن عميد السنّ يدعو مجلس النواب لانتخاب مكتب المجلس ضمن مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولاية البرلمان.
تظهر لنا المقارنة بين النصين وجود اختلاف مهم بين الدستور والنظام الداخلي. فالدستور ينص فقط على وجود عميد للسنّ يترأس جلسة الانتخاب من دون منحه صراحة صلاحية دعوة مجلس النواب، بينما بضع النظام الداخلي على عاتق عميد السن مسؤولية دعوة المجلس للاجتماع. وهكذا يفترض النظام الداخلي أن عميد السنّ جهة معروفة سلفا، بينما التقليد الدستوري المتبع في الجمهورية الثالثة في فرنسا، وكذلك في لبنان قديما، كانت لا تعترف بوجود عميد للسنّ إلا في جلسة الانتخاب.
فالمادة الأولى من النظام الداخلي لمجلس النواب الفرنسي لسنة 1876 كانت تنص على أن يترأس أول جلسة أكبر النواب سنا من بين الحاضرين[1]. وبالفعل تبنّى مجلس النواب اللبناني في نظامه الداخلي الذي أقر سنة 1930 المبدأ نفسه عندما نص في مادته الأولى على التالي: “في افتتاح الجلسة الاولى عقب تجديد انتخاب مجلس النواب وفي افتتاح دورة تشرين الاول العادية من كل عام يشغل أكبر الاعضاء الحاضرين سناً كرسي الرئاسة ويجلس عضوان من أصغر أعضائه الحاضرين سناً في مقاعد أمين سرّ المنتخبين”. وقد تكرّر الأمر مع النظام الداخلي الثاني الذي أقر سنة 1953 فنص أيضا في مادته الأولى على التالي: “يجتمع مجلس النواب بعد تجديد انتخابه وفي افتتاح دورة تشرين الأول من كل سنة في جلسة أولى تخصص لانتخاب مكتب المجلس يرأسها أكبر الأعضاء الحاضرين سناً بمعاونة إثنين من أصغرهم سناً بصفة أميني سر.”
لكن هذا الواقع تغير مع تبني نظام داخلي جديد سنة 1982 فباتت المادة الأولى تنص على التالي: “يجتمع مجلس النواب بناء على دعوة أكبر اعضائه سنا وبرئاسته لانتخاب هيئة مكتبه في أول جلسة يعقدها وذلك في مهلة اقصاها خمسة عشر يوما من بدء ولايته”. وهو النص الذي سيرد مجددا في المادة الثانية من النظام الداخلي الحالي المقر سنة 1994. وقد جاء في الأسباب الموجبة للنظام الداخلي الذي أقر سنة 1982 التالي: “لا يتضمن النظام الحالي مهلة معينة لانتخاب هيئة مكتب المجلس بعد تجديد ولايته أو عند افتتاح دورة تشرين، بينما المشروع وضع مهلة أقصاها 15 يوما لهذا الانتخاب”. فوضع المهلة جاء كردّة فعل نتيجة غياب هكذا مهلة في النصوص السابقة. وبالتالي مع تحديد المهلة كان من المنطقي تحديد أيضا من يحق له دعوة البرلمان لانتخاب رئيس المجلس ضمن هذه المهلة.
وقد تنبه النظام الداخلي في 1983 وكذلك النظام الداخلي الحالي إلى ضرورة التفريق بين عميد السنّ الذي يدعو المجلس لانتخاب مكتب المجلس، وعميد السن من بين الحاضرين. فنص الأول في مادته الأولى بينما نص الثاني في مادته الثانية على التالي: “إذا تعذّر حضور أكبر الأعضاء سنا يرأس الجلسة أكبر الأعضاء سنا من الحاضرين”. وكان الدكتور إدمون رباط قد ردّ في 5 تشرين الأول 1987 على سؤال وجهه رئيس مجلس النواب حينها حسين الحسيني بخصوص هذا الموضوع فكتب: “إن هوية رئيس السن مرتبطة ارتباطا عضويا بانعقاد الجلسة، انعقادا قانونيا، وأنه لا يظهر ولا يستطيع أن يظهر إلى الوجود بصفته هذه، إلا انبثاقا من الجلسة المعقودة، انعقادا قانونيا، بنصابها المحدد دستوريا، وتزامنا مع هذه الجلسة، حتى إذا لم تنعقد هذه الجلسة بنصابها، استحال ظهور رئيس السن ظهورا دستوريا”.
جراء ما تقدّم، يتبين لنا أن هذه الأحكام الجديدة وضعت لتدارك حالة النقص التي كانت تسود النصوص القديمة التي لم تكن تحدد من يدعو مجلس النواب المنتخب حديثا ولا المهلة الضرورية لذلك، علما أن رئيس السن قبل النظام الداخلي لسنة 1983 كان وفقا للممارسة يدعو المجلس المنتخب حديثا لانتخاب مكتبه لكن دون وجود نص بذلك. ويضيف إدمون رباط أن بعد الاستقلال “ولإضفاء عليه كثيرا من الأبهة” كان رئيس الحكومة يتوجه “إلى دار رئيس السن –المعروف مسبقا- والإتيان به بموكب رسمي حافل واستقباله في مدخل البرلمان بثلة من حرس الشرف”.
فعميد السن كان يعرف مسبقا وذلك انطلاقا من فرضية حضوره جلسة الانتخاب لكن ذلك ليس ضروريا كما رأينا كون عميد السن هو الأكبر من بين الحاضرين في القاعة. فالمصادفة وحدها هي التي أدّت إلى الخلط بين عميد السن في جلسة الانتخاب وعميد السنّ بالمطلق كون الأكبر سنا من بين النواب المنتخبين كان يحضر دائما جلسة الانتخاب ما جعله رئيسا لتلك الجلسة، الأمر الذي أوجد عادة أدت إلى المماهاة بين الأكبر سنا فعليا وعميد السن الحاضر في القاعة.
تاريخ دعوة مجلس النواب
كان رئيس مجلس النواب قبل 1990 ينتخب لسنة واحدة فقط قابلة للتجديد. لذلك كانت المادة 44 القديمة من الدستور تنصّ على أن مكتب المجلس ينتخب عند افتتاح عقد تشرين الأول أي أن الدستور كان يحدّد النهار الذي يتوجب فيه انتخاب هيئة المكتب. وبما أن الانتخابات النيابية العامة تجري في أوقات متبدلة لا يمكن معرفتها مسبقا نصت المادة 99 من الدستور، وهي مادة ملغاة اليوم، على التالي: “على مجلس النواب أيضا في كل مرة يجدد انتخابه ويدعى للاجتماع للمرة الأولى أن يعمد إلى انتخاب هيئة موظفيه على الشكل المشار اليه في المادة 44”. وقد تم إلغاء المادة 99 التي تعود لسنة 1926 بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/1/1947 والذي عدل أيضا المادة 44 إذ أضاف النص التالي في بدايتها “في كل مرة يجدد المجلس انتخابه…” أي ان هذا التعديل، بعد إلغاء المادة 99، أراد الابقاء على ضرورة انتخاب مكتب للمجلس ليس فقط في بداية عقد تشرين بل أيضا بعد بدء ولاية مجلس النواب الجديد. وهذا أمر منطقي كون المجلس قد ينتخب في أي نهار من السنة ولا يعقل انتظار بداية عقد تشرين من أجل تكوين مكتبه.
من الملاحظ أن نص المادة 99 القديمة مأخوذ عن المادة الثانية من النظام الداخلي لمجلس النواب في الجمهورية الفرنسية الثالثة التي تنص على أن المجلس الجديد ينتخب مكتبه في أول جلسة يعقدها دون تحديد من يتولى دعوة المجلس[2]. لذلك يكون النظام الداخلي الجديد بتحديده أن الدعوة يوجهها عميد السن قد جاء لسدّ هذه الثغرة. وهي ثغرة لا يمكن فهم طبيعتها إلا عبر الأخذ بالحسبان أن مجلس النواب قبل 1990 كان ينتخب مكتبه لسنة واحدة، أي أن المجلس غير المنتخب حديثا والذي سبق له أن انتخب مكتبه للسنة الماضية لن يحتاج لوجود عميد للسن يدعوه للاجتماع في بداية عقد تشرين من أجل انتخاب رئيس المجلس، كون المجلس ينعقد حكما في بداية هذا العقد في جلسة يترأسها عميد السنّ من بين الحاضرين. وهكذا نفهم القسم الثاني من المادة الأولى من النظام الداخلي القديم لسنة 1983 عندما نصت: “كما يجتمع مجلس النواب للغاية عينها برئاسة أكبر أعضائه سنا في أول ثلاثاء يلي الخامس عشر من تشرين الأول من كل سنة موعد افتتاح الدورة السنوية الثانية” دون الاضطرار إلى تحديد من يوجّه الدعوة كون المجلس ينعقد حكما دون دعوة في بداية عقد تشرين.
وهكذا يصبح جليا أن ظهور “عميد السن” المسبق هو إجراء مستحدث وجد خصيصا من أجل دعوة مجلس النواب خلال مهلة أقصاها 15 يوما ما يعني أن عميد السن الذي يمنتع عن هذه الدعوة يكون قد تجاوز صلاحياته، لا بل هو ينفي المبرر الذي من أجله تمّ استحداث وظيفة عميد السنّ.
في التمنّع عن توجيه الدعوة
إن توجيه عميد السنّ الدعوة خلال المهلة التي يفرضها النظام الداخليّ لا تطرح مشكلة في حال لم يتمكّن المجلس من الانعقاد بسبب تعذّر تأمين النّصاب أو وجود ظرف استثنائيّ خطير حال دون ذلك. ففي هذه الحالة يعمد عميد السن إلى توجيه دعوة أخرى ويستمرّ في توجيه مثل تلك الدعوة حتى يتمكن المجلس من الاجتماع وتكوين مكتبه.
وقد عالج إدمون رباط هذه النقطة إذ أجاب على احتمال عدم انعقاد مجلس النواب في بداية عقد تشرين أو بعد انتخابات تأتي بمجلس جديد فقال: “أن الجلسة التالية تنعقد في الغد أو بعد الغد أو في أي موعد آخر يتوافق عليه النواب الذين حضروا مع رئاسة المجلس السابقة”. ويضيف لاحقا أن مكتب المجلس عليه المثابرة على دعوة النواب، مرة أولى وثانية وثالثة وإلى ما لا نهاية من الأيام والمواعيد، إلى أن يشعر ممثلو الشعب بأن واجبهم الأقدس إنما هو في تمثيل هذا الشعب، هذا التمثيل الذي يتجلّى بأخطر مظاهره ووظائفه، ألا وهي بحضور جلساته”.
لكن هذا الحل الذي يقترحه رباط ينطلق من فرضيتين: الأولى وجود دعوة لحضور جلسة الانتخاب وتعذر ذلك بسبب فقدان النصاب، وثانيا وجود مكتب مجلس سابق أي أن رباط هنا يتكلم فعليا عن انتخاب مكتب جديد للمجلس في بداية عقد تشرين وليس بعد الانتخابات النيابية العامة. إذ بعد الانتخابات قد يخسر أعضاء المكتب القديم مقاعدهم النيابية كما حدث اليوم مثلا مع خسارة نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي مقعده، ما يعني أنه من غير المعقول إطلاقا أن يقوم رئيس سابق لمجلس النواب خسر مقعده النيابي بدعوة مجلس النواب المنتخب حديثا للاجتماع.
أما اليوم، ومع إعلان عميد السن نبيه برّي تريثه في توجيه الدعوة غير ملزمة نكون أمام واقع غير مسبوق إذ لم يتخيل أحد من قبل أن يصادر عميد السن حق مجلس النواب باستكمال تكوينه الدستوري معرقلا سائر الاستحقاقات الدستورية، من أجل تحقيق مصالحه الذاتية.
وقد اعتبر البعض، عن حسن أو سوء نية، أنّ عدم ترتيب مفاعيل على تمنع رئيس السن عن توجيه الدعوة خلال مهلة ال 15 يوما يجعلها مهلة حثّ وليس مهلة ملزمة. وهذا أمر لا يستقيم كونه يخالف الغاية التي من أجلها تم استحداث وظيفة عميد السن أصلا كما شرحناه بإسهاب أعلاه.
وبالتالي فإن الحل يكمن في استقراء الدستور نفسه لمعرفة هل نص هذا الأخير على حالة مماثلة يمكمن القياس عليها. وبالفعل من خلال مراجعة المادة 73 نلاحظ أنها نصت صراحة: “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس”. فإذا كان تمنّع رئيس مجلس النواب الأصيل عن دعوة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية يسحب تلك الصلاحية من يده ويسمح للنواب بالاجتماع في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية حكما ومن دون دعوة من أحد، فإن هذه القاعدة تنطبق من باب أولى في حال تمنّع عميد السن عن دعوة البرلمان لانتخاب رئيسه. إذ يكون رفضه للإلتزام بهذا الواجب خرقا فاضحا للنظام الداخلي ويمكن اعتباره بمثابة استقالة من وظيفته كرئيس للسن، ويحق للنواب أن يتوافقوا فيما بينهم كي يحضروا في موعد محدد على أن يترأس الجلسة أكبر الحاضرين من أجل انتخاب مكتب المجلس، هذا طبعا مع توفر شرط النصاب المحدد بالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النواب.
أكثر من ذلك، أمكن القول أن النظام الداخلي لسنة 1983 بفرضه مهلة الخمسة عشر يوما[3] لانتخاب مكتب المجلس قد استوحى فعليا نص المادة 55 من الدستور التي تعلن أن حلّ مجلس النواب يجب أن يقترن باجراء انتخابات نيابية ضمن مهلة ثلاثة اشهر على أن “يدعى المجلس الجديد للاجتماع في خلال الأيام الخمسة عشر التي تلي إعلان الانتخاب”. فمجلس النواب الذي ينتخب بعد حل المجلس الذي سبقه لا يمكن له أن ينتظر بدء العقد العادي للبرلمان بل هو ملزم بالاجتماع بقوة النص الدستوري ضمن مهلة 15 يوما من إعلان النتائج كي ينتخب مكتبه ومن غير المعقول أن يتعذر على المجلس الاجتماع لأن عميد السن قرر الامتناع عن توجيه الدعوة التي هي أقرب إلى دعوة إجرائية هدفها فقط تنسيق موعد الاجتماع وإبلاغ النواب مسبقا بها كي يتمكنوا من الحضور.
خلاصة البحث، إن استحداث وظيفة عميد السن مكلف بالدعوة لانتخاب مكتب المجلس ضمن المهلة القصوى التي فرضها النظام الداخلي والتمنّع عن ذلك هو تحوير للسلطة وخرق لهذا النظام يترتب عليه تحرير المجلس من دعوة عميد السن. وبما أن مجلس النواب سيد نفسه في الأمور التي لا تتعلق بالدستور وتختص فقط بتنظيم شؤونه الداخلية، وبما أن عميد السن الذي يوجه الدعوة قبل اجتماع المجلس لا سند دستوري له بل هو فقط وليد النظام الداخلي، يحق للمجلس بعد انصرام المهلة التي يحددها النظام الداخلي من الاجتماع حكما في جلسة يتوافق عليها النواب على أن تنعقد برئاسة الأكبر سنا من بين الحاضرين لانتخاب مكتب المجلس دون انتظار دعوة لعميد سن ألغى بتصرفه المبرر الوحيد لوجوده.
[1] “A l’ouverture de la première séance de chaque session ordinaire, le plus âgé des membres présents occupe la fauteuil… »
[2] “A la première séance d’une nouvelle législature, et après l’installation du président d’âge… »
[3] لن نعالج في هذا البحث مسألة انعقاد مجلس النوب لانتخاب مكتبه خارج العقود العادية التي يجيزها الدستور كون الأمر يخرج عن الموضوع لكن يمكن لنا الاشارة أن هذه النقطة تطرح أيضا اشكالية دستورية كبيرة منسية كون الممارسة في لبنان كانت تفرض صدور مرسوم عن رئيس الجمهورية بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي من أجل انتخاب أعضاء مكتب المجلس في حال جرت الانتخابات النيابية ضمن فترة يكون فيها المجلس خارج دورات الانعقاد العادية. وهذا ما حدث فعليا في جلسة انتخاب مكتب المجلس بعد الانتخابات العامة في السنوات التالية: 1929، 1934، 1937، 1943، 1947، 1951، بينما لم يصدر هكذا مرسوم في سنوات 1964 و1968 و1972: التي شهدت انتخابات عامة انتهت ضمن العقد العادي ما سمح للمجلس بالإجتماع في أيار لانتخاب مكتبه كونه أصلا في عقد عادي. أما انتخابات 1953 و1957 و1960 فقد انعقد مجلس النواب لانتخاب مكتبه في شهر تموز أو اب، أي خارج العقد العادي ودون صدور مرسوم بدعوته إلى عقد استثنائي، وهو أمر لم نتمكن من تفسيره لكن الممارسة منذ 1929 أي أول انتخابات بعد اقرار الدستور تشير بوضوح أن النظام الداخلي لسنة 1983 بفرضه دعوة مجلس النواب خلال خمسة عشر يوما من بدء ولايته يكون قد أنشأ ممارسة كان يفترض انها في السابق مخالفة للدستور.