في هذا الملحق، رغبت أسرة تحرير المفكرة القانونية أن تستذكر هذه القضية الهامة وما أسفرت عنه من تشعبات ودروس هامة في مجالي حقوق المرأة واستقلال القضاء. وللتذكير، ما تزال هذه القضية عالقة منذ 2010 أمام محكمة التمييز (المحرر).
في 16-6-2009، أصدرت محكمة بداية المتن[1] حكمها الشهير في قضية سميرة سويدان. وقد آل الحكم الى قبول دعوى سويدان بمنح الجنسية اللبنانية لأولادها القاصرين، تبعا لوفاة زوجها المصري. وفيما أدى الحكم منذ صدوره الى اطلاق نقاش اعلامي واسع حول حق المرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها، فانه جوبه برفضٍ لا يقلّ اتّساعا من قبل جزء كبير من الطبقة السياسية، ومن بينهم وزير العدل ابراهيم نجار. وهذا ما دوى بقوة في المؤتمر الصحافي للنائب فؤاد سعد الذي عمد الى التشهير بالقاضي متهما اياه بأنه يعشق المفرقعات الاعلامية وبأنه يتصرف بوحي من حسابات سياسية، مما قد يؤدي الى زعزعة التوازن الديمغرافي بين الطوائف[2]. وهذا ما تمثل أيضا في سلسلة من الاجراءات المتخذة بحق القاضي نفسه كحجب الاذن عنه في المشاركة في ندوات ومحاضرات أو احالته الى هيئة التفتيش القضائي عند مخالفة هذا الحظر، انتهاء بعزله عن محكمته بموجب مرسوم التشكيلات القضائية خلافا لارادته. وقد بدت السلطة من خلال هذه الخطوات متحفّزة لعزل القاضي عن محكمته انتقاما من اجتهاده. فلا يكفي نقض الحكم (وهذا ما قامت به محكمة استئناف المتن لاحقا[3])، المهم هو ردع أيّ قاض تسوّله نفسه اعتماد توجّه مماثل، وذلك من خلال استخدام ما لدى السلطات المختصة من أسلحة تأديب ونقل… الخ. فما نفع أن ينقض الحكم في هذه القضية اذا بقي القاضي واثقا من موقفه وحريصا على حقه في الاجتهاد، اذا توسع سواه من القضاة في الاجتهاد في هذا الميدان وذاك، فأخرجوا عشرات الأحكام المناقضة لرغبات السلطة؟ بل ما نفع ذلك اذا باتت قصور العدل قبلةً ومنبرا للقوى المطلبية التغييرية للتعبير عن مطالبها بلغة حقوقية، على نحو يجعل القضاء في تواصل دائم مع هذه القوى، وفي موقع الحكم الطبيعي بينها وبين السلطة الحاكمة؟
وقد قدمت “السلطة”، من خلال المشروع المذكور، اثباتا اضافيا على سوء التنظيمات القضائية والتي ما برحت تسمح بنقل القاضي من دون موافقته، على نحو يجرّده من احدى ضمانات الاستقلالية الأساسية ويحدّ تاليا من امكانية ممارسة وظيفته في تطوير المنظومة القانونية.
وأمام هذه الواقعة، تُظهر هذه القضية، التي لم تنتهِ فصولها بعد[4]، معطيات عدة هي بمثابة دروس، أبرزها الآتية:
أولا، أن للقضاء هامش واسع لنقد بعض ثوابت النظام الطائفي أو انعكاساته، ومنها قضية الجنسية، بل قد يكون المرجع الرسمي الأصلح للقيام بذلك في ظل النظام التوافقي السائد، الذي يؤول عموما الى تغليب اعتبارات تقاسم السلطة على اعتبارات الحقوق،
ثانيا، أن من شأن الأحكام القضائية أن تولد زخما اجتماعيا بمعزل عن النتائج العملية التي قد تسفر عنها فيما بعد،
ثالثا، أن السلطة الحاكمة تعي تماما امكانات القضاء وما قد تسفر عنه من تعزيز للحراكات الاجتماعية، لذلك تراها تبقى متيقظة ومحصنة بوسائل قانونية ومؤسساتية عدة للتدخل في المجال القضائي بأشكال مختلفة، قد يكون أبرزها تحويل انجاز القاضي الى سبب لتهميشه والتقليل من صلاحياته، عبر استخدام آليات الضغط والتدخل المتاحة في التنظيم القضائي ،
رابعا، أن تبني استراتيجية اللجوء الى القضاء لتحقيق مكاسب اجتماعية يفترض بالضرورة تعزيزا لحظوظه أن يترافق مع جهوزية اجتماعية كبرى للدفاع عن استقلاليته. ومن هذه الوجهة، تظهر حقوق المرأة واستقلال القضاء معركتين متلازمتين.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.