ماذا بعد القرار القضائي بإعلان صحة الزواج أونلاين؟ أزواج “عن بُعد” يأملون بتسجيل عقود زواجهم


2025-05-30    |   

ماذا بعد القرار القضائي بإعلان صحة الزواج أونلاين؟ أزواج “عن بُعد” يأملون بتسجيل عقود زواجهم

بعد أكثر من 24 شهرًا، عاشا فيها هاجس إنجاب طفل قد لا يتمكّنان من تسجيله، تنفّس زوجان لبنانيان الصعداء. فقد نجحا في الحصول على حكم قضائي يلزم المديريّة العامة للأحوال الشخصية بتسجيل زواجهما المدني الذي عقداه عن بُعد عام 2022، وقد صدر هذا الحكم عن قاضية الأحوال الشخصية فاطمة ماجد في 22 أيار الحالي. 

وفي حديثه لـ “المفكرة”، اعتبر الزوج الذي صدر الحكم لصالحه مفضّلًا عدم ذكر اسمه أنّ قرار القاضية ماجد كان بمثابة انتصار لحقّه وحقّ غيره في اختيار شكل الزواج الذي يريدونه ومكانه، وتأكيدًا على أنّ الزواج المدني ليس حكرًا على الفئة القادرة على السفر وتحمّل التكاليف. وعبّر عن راحة لإنصافه قضائيًّا بعد أن أصرّ على عدم إعادة زواجه. وبحسب معلومات “المفكرة” فإنّ الجزء الأكبر من الأزواج الذين لم تسجّل زيجاتهم المعقودة مدنيًّا عن بعد في لبنان، بسبب امتناع المديريّة العامة للأحوال الشخصية عن ذلك، أو الذين شطبت الأخيرة عقودهم بعد تسجيلها، اضطرّوا إلى إعادة الزواج في تركيا أو قبرص ولاسيّما الذين أنجبوا قبل تمكّنهم من تسجيل زواجهم. كما لجأ بعضهم إلى إصدار وثيقة زواج من بلد الزوجة غير اللبنانيّة استنادًا إلى وثيقة الزواج عن بعد، لتسجيل زواجهم في لبنان بناء على الوثيقة الجديدة التي قبلتها المديرية.  

وعاش هؤلاء الأزواج ضغوطات اجتماعيّة وقلقًا من عدم إمكانيّة تسجيل أبنائهم وصلت إلى حدّ اضطرّ زوجان إلى عقد زواجهما ثلاث مرّات وكل مرة بشكل مختلف بعد تعذّر تسجيل ابنهما استنادًا إلى الزواج المدني الثاني لولادته بعد شهرين من الزواج (الذي سُجّل). 

2021 تاريخ أوّل زواج عن بعد في لبنان

في 28 تشرين الثاني 2021، عُقد أوّل زواج مدني عن بعد في لبنان عن طريق قاضٍ من ولاية يوتاه الأميركية، وبدأ هذا الشكل من الزواج يُلاقي رواجًا بشكل سريع ولا سيّما في ظلّ الظروف الصعبة التي كان يمرّ بها لبنان والتي جعلت السفر لعقد زواج مدنيّ في الخارج صعبًا أو غير مُتاح، ومنها التدابير التي فرضتها جائحة كورونا على السفر والانهيار الاقتصادي فضلًا عن إجراءات المديرية العامة للأمن العام في ذلك الوقت والتي حرمت عددًا كبيرًا من اللبنانيين من حقّ الحصول على جواز سفر. 

وقُّدّر عدد الزيجات التي عقدت بهذه الطريقة بـ 70 عقدًا حتّى نهاية العام 2022، لم يتمكّن أصحاب الجزء الأكبر منها من تسجيلها في لبنان بسبب عرقلة الأمر إمّا عبر عدم إرسال القنصلية اللبنانيّة في مدينة لوس أنجلس وثائق زواجهم إلى وزارة الخارجيّة أو عبر امتناع المديرية العامة للأحوال الشخصية عن التوقيع على هذه الوثائق بعدما وصلتها من الخارجية، فضلًا عن شطب المديريّة العامة للأحوال الشخصيّة الزواج الأوّل الذي عُقد بالطريقة نفسها بعد أشهر من تسجيله عملًا بما أسمته “مبدأ المساواة” بمن لم تسجّل عقودهم. 

راجع عدد من الأزواج حينها المديرية العامّة للأحوال الشخصية التي اعتبرت أنّها غير ملزمة بتسجيل الزواج كون الوثيقة لا تستوفي الشروط الشكلية والموضوعية المفروضة قانونًا حسب ما تشرح وكيلتهم المحامية رانيا اسطفان لـ “المفكرة”. وتشير اسطفان إلى أنّ المديرية عندما تمّت مراجعتها تحجّجت، بأمور عدة أبرزها وجود أحد فريقي العقد على الأراضي اللبنانيّة عند إجراء العقد، ما جعل مكان انعقاد العقد هو لبنان ويقتضي بالتالي تطبيق القانون المدني اللبناني الذي لا وجود له في تلك الحالة. فقرّر بعدها 3 أزواج اللجوء إلى القضاء. وكانت البداية من مجلس شورى الدولة كما تشرح اسطفان، مشدّدة على أنّ فرادة القضيّة صعّبت تحديد الجهة القضائية صاحبة الاختصاص. وبالفعل، ردّ مجلس شورى الدولة الدعوى لاعتبار أنّها تدخل ضمن اختصاص القضاء العدلي. بعدها توجّه المدّعون إلى القضاء المدني المنفرد (ردّ القضاء دعويين بسبب عدم الاختصاص المكاني) وقُبلت الدعوى التي صدر فيها الحكم الأسبوع الماضي بـ “تصحيح قيد المدعي لجهة وضعه العائلي ليصبح متأهّلًا ومنذ تاريخ عقد الزواج عن بعد أي في 3/3/ 2022 وتصحيح الوضع العائلي لزوجته وبإلزام الدولة اللبنانية بتسجيل عقد الزواج المبرم في سجلات الأحوال الشخصيّة استنادًا إلى وثيقة الزواج”.

انتصار لحق الناس في اختيار شكل زواجهم   

“شعرنا أنّ هذا القرار القضائي انتصار لحقّنا في اختيار شكل الزواج ومكانه، وأنّ الزواج المدني ليس حكرًا على الفئة القادرة على السفر وتحمّل التكاليف، فرحتنا بالحكم أيضًا لأنّه سيساهم في تكريس هذا الحق للجميع وسيشكّل سندًا وأملًا لمن يختارون الزواج المدني عن بُعد. كما أنّه أشعرنا بجدوى اللجوء إلى القضاء، نحن كنّا مؤمنين فيه واليوم بتنا أكثر يقينًا”، يقول المدّعي الذي أنصفه حكم القاضية ماجد والذي فضّل عدم ذكر اسمه. ويشير في اتّصال مع “المفكّرة” إلى أنّ هذا القرار شجّع بالفعل عددًا من أصحابه على اتخاذ قرار اللجوء إلى الزواج عن بُعد كونه أقلّ كلفة وأسهل. 

ويروي الزوج أنّه في 3 آذار 2022، عقد زواجه عن بعد من لبنان عن طريق قاضٍ من ولاية يوتاه الأميركية حيث كانت تلك الآليّة أقضل المتاح كون لا زواج مدنيًّا في لبنان والسفر في ذلك الوقت كان صعبًا بسبب إجراءات كورونا فضلًا عن تكاليف السفر. بعدها وعلى الرغم من سلوك معاملات الزواج المسار الإداري المطلوب، امتنعت المديريّة العامة للأحوال الشخصية من تسجيله، فقرّر اللجوء إلى القضاء.

عاش المدعي وزوجته ثلاث سنوات هاجس عدم تمكّنهما من تسجيل ولدهما في حال إنجابهما، وكانا أيضًا يشعران بالإحباط كون زواجُهما ليس مسجّلًا في لبنان، ما يجعلهما يحملان وثيقة الزواج الأميركيّة أينما ذهبا ولاسيّما في حالات السفر. لكنّهما أصرّا ألّا يلجآن إلى بلد آخر لعقد الزواج كتركيا وقبرص، وأصرّا على المطالبة بحقّهما عبر القضاء. “فكّرنا حينها بأنّه إذا نجحنا سننصف آخرين، مثل من لا يستطيع السفر أو لا يملك تكاليفه، كما أنّنا سنساهم في إنجاز خطوة في تكريس حقّ الأشخاص باختيار شكل زواجهم في لبنان، هذا شكل من أشكال العدالة، نتمنّاه”.

الأمر نفسه تؤكّده وكيلته اسطفان، إذ ترى أنّ الحكم سيشكّل سابقة قانونيّة يُبنى عليها في تسجيل هذا النوع من الزواجات وربما يفتح الباب للحديث بجدّيّة عن حق الأشخاص في تقرير شكل زواجهم في بلدهم ويدعم كل الجهات التي تعمل على توحيد قانون الأحوال الشخصيّة. 

الحكم يضع حدًا لمعاناة طويلة: أزواج أعادوا زواجهم مدنيًا وكنسيًا  

بالإضافة إلى هذين الزوجين، لجأ شخصان آخران إلى القضاء أحدهما خليل رزق الله الذي كان أوّل من تزوّج في لبنان عن بعد عبر قاض في ولاية يوتاه الأميركيّة من خلال خاصيّة “زوم” في 18 تشرين الثاني 2021. سُجّل رزق الله زواجه رسميًا في لبنان ولكن بعد أشهر وتحديدًا في أيلول 2022، ألغت المديريّة العامة للأحوال الشخصيّة وثيقة زواجه وأعادت قيد زوجته في خانة والديها “عملًا بمبدأ المساواة” بالذين لم تُسجّل عقود زواجهم والتي تمّت بالطريقة نفسها، والأسوأ أنّ قرار الشطب جاء بعد أيّام قليلة من ولادة ابنه كاي.

لجأ رزق الله عبر وكيلته اسطفان إلى المحكمة الابتدائيّة التي أحالته إلى القاضي المنفرد في بيروت والذي ردّ الدعوى لعدم الاختصاص المكاني. وفي هذا الوقت قرّر رزق الله السفر إلى قبرص حيث تزوّج مدنيًا في آب من العام الماضي، بعد أن داهمه الوقت لتسجيل ابنه في المدرسة.

يقول رزق الله لـ “المفكرة” إنّه لم يكن بإمكانه الانتظار أكثر. فقد عاش وزوجته طيلة هذه الفترة ضغوطات اجتماعيّة، بالإضافة إلى بقاء ابنهما من دون وثائق لبنانيّة فاضطرّ إلى تكبّد مصاريف إضافيّة لعقد زواج ثانٍ في قبرص ومن ثمّ تسجيل هذا الزواج مؤخرًا في لبنان. “نحن تعرّضنا لظلم كبير، شُطب زواجنا المسجّل من دون التفكير بالتبعات، شعرنا بأنّنا في بلد غير آمن، كانت تُعرقل أيّ معاملة لي في دوائر النفوس، كانوا يطلبون منّي الانتظار حتّى العودة إلى وزارة الداخليّة حتى حين كنت أطلب إخراج قيد عائلي فردي” يقول. 

زواج رزق الله المدني الذي عقده في قبرص سُجّل العام 2024 في لبنان، إلّا أنّ ابنه ولد في العام 2022 أي قبل زواجه بسنتين، الأمر الذي يُشعره أيضًا بالقلق: “سأحاول تصحيح الوضع عبر مساراتٍ قانونيّة، الحكم الأخير الذي صدر وحكَم بتسجيل زواج جرى بالطريقة التي جرى بها زواجي الأوّل المشطوب قد يُساهم في الأمر”. 

على الرغم من كلّ الظلم الذي يشعر به رزق الله، يعتبر أنّ الحكم القضائي الذي ألزم الدولة اللبنانية بتسجيل زواج عن بعد كان “قرارًا جريئًا وتاريخيًا” آملًا أن يكون بداية لتسجيل زواجات أخرى أو ضمان حقّ الأشخاص في اختيار شكل زواجهم وألّا يكون هذا الحق حكرًا على من يستطيع السفر.

كما رزق الله، اضطر فريد يزبك إلى إعادة زواجه في قبرص، ولاسيّما أنّ شطب زواجه (العام 2022) جاء في وقت كانت زوجته حاملًا في شهرها الثالث. تمكّن يزبك من تسجيل زواجه الثاني المدني في لبنان إلّا أنّ الصدمة كانت حين لم يتمكّن من تسجيل ابنه لدى دائرة النفوس التي اعتبرته طفلًا غير شرعي بتعميم من وزارة الداخلية لأنّه ولد بعد الزواج (الثاني) بشهرين. وطلبت منه زواجًا دينيًا لتسجيله وهذا ما حصل.

يصف يزبك الفترة التي عاشها بين شطب زواجه وإعادة تسجيله ثمّ تسجيل ابنه، بالصعبة جدًا: “بدأ الوقت يداهمنا إذ أصبحت زوجتي في الشهر السادس وكان علينا أن نسافر سريعًا لأنّها قد تُمنع من صعود الطائرة بسبب الحمل، تكبّدنا تكاليف إضافيّة، وعشنا القلق والشعور بأنّنا نتعرّض للابتزاز. تخيّلي أنّهم أجبرونا على تسجيل الزواج الديني لتسجيل الطفل” يقول. 

ويُضيف يزبك أنّه “بعد الشطب طلبوا منّا تسليم إخراج القيد العائلي الذي صدر قبل شطب الزواج، رفضنا وما زلنا نرفض وفي كلّ مرةّ نسافر يسألوننا في المطار عن سبب عدم تسليمه ويحصل أخذ ورد”.  

ويأمل يزبك أن يكون الحكم الذي صدر مؤخرًا بتسجيل زواج عن بعد سندًا أيضًا لتسهيل من يريد أن يتزوّج مدنيًا داخل لبنان “أفكّر بعد هذا القرار بالمطالبة بتسجيل زواجي الأساسي وإلغاء الزواج في قبرص، ليس فقط كتسجيل موقف، ولكن أيضًا لأنّ هذا زواجي الحقيقي والذي يجب أن يُسجّل بتاريخه الفعلي ولا يكون ابني ولد بعد الزواج بشهرين” يقول.

ومن القصص الملفتة التي عاشتها هذه الفئة من الأزواج نقلها روني الإسبر الباحث القانوني الذي ساهم في إجراء الأبحاث في هذه القضية، وهي قصة زوجين لم يتمكّنا من تسجيل زواجهما في لبنان فتوجّها إلى مصر لأنّ الزوجة مصريّة، وهناك تمّ تسجيل الزواج واستنادًا إلى الوثيقة التي صدرت في مصر جرى تسجيل الزواج في لبنان. “مصر قبلت بتسجيل الزواج فورًا، وعندما أرسلت الأوراق من مصر إلى لبنان سُجّل الزواج، الزواج نفسه الذي كانوا يرفضون تسجيله، كأنّهم يريدون فقط التضييق على فكرة الزواج المدني وإرهاق الناس” يقول الإسبر. 

الأسباب القانونيّة التي تذرّع بها المدّعي

توجز اسطفان والإسبر لـ “المفكرة” الأسباب القانونية التي أدلى بها المدّعي ومنها أنّ مجلس الوزراء اللبناني أقرّ في جلسة 10 شباط 2024 مرسوم الأسناد الرسمية الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني سندًا للمادة 8 من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 تاريخ 10/10/ 2018 ، والذي نصّ على ضرورة الاعتراف بالأسناد الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني 

وفي حالة الزيجات عبر القاضي في ولاية يوتاه، ومن بينها زواج المدّعي الذي فاز بالحكم، يتمّ إرسال نسخة رقمية مصدّقة من شهادة الزواج إلى الزوجين بالبريد الإلكتروني في اليوم عينه ونسخة ورقيّة مصدّقة بعد بضعة أيام. وتتضمّن وثيقة الزواج الورقية المصدّقة تواقيع رقميّة.

وتضيف اسطفان أنّ العقد الإلكتروني لا يختلف عن نظيره التقليدي إلّا من حيث وسيلة إبرامه التي تعتمد على شبكة الإنترنت، وهو يخضع للقواعد العامة لنظرية العقد، إلّا أنّ خصوصية الوسيلة التي يُبرم بواسطتها تضفي بعض الخصوصية على انعقاده من حيث تحديد مكان انعقاده والقانون الواجب التطبيق.

وتعتبر اسطفان والإسبر أنّ الحكم الذي أصدرته القاضية ماجد يؤكّد على القوّة القانونية الشرعية الرسمية الملزمة لوثيقة الزواج ويجعلها سندًا رسميًا ولو تمّ عن بعد من دون حضور الزوجين شخصيًا إلى دائرة المرجع المخوّل إبرام عقد الزواج المدني وذلك بموجب قوانين ولاية يوتاه الأميركية، التي بموجب سلطتها القضائية تعترف بالزواج قانونًا ويعتبر ملزمًا. 

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، تحقيقات ، محاكم دينية ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني