
بتاريخ 9/12/2019 جال المتظاهرون في شوارع طرابلس واعتصموا بطريقهم تحت منازل نواب ووزراء المدينة معبرين عن غضبهم لما وصلت إليه الأمور. وقد وضعوا أكياسا من النفايات بشكل سلمي أمام منازل السياسيين، كتعبير رمزي عما وصل إليه الوضع المعيشي من سوء من دون أي خطوة جدية بالإصلاح من السلطة السياسية. وعند وصول المعتصمين قرب منزل النائب فيصل كرامي، إنهال عليهم رجاله بالضرب بشدة بآلات حادة وبرمي الحجارة واستعمال آلات الصعق الكهربائي على نحو أدى إلى إيذاء وجرح عدد كبير منهم.
عدا أن ما فعله المتظاهرون يندرج ضمن حرية ابداء الرأي التي كفلها الدستور، لا يمكن مقاربة الوسيلة الإحتجاجية المتمثلة بوضع أكياس النفايات أمام منازل المسؤولين، بمعزل عن الحالة الإستثنائية التي تمر في البلاد ووجود إنتفاضة شعبية، والوضع العام السائد في البلد عامة وطرابلس خاصة التي عانت على مدى عقود من الفقر والحرمان ويتواجد فيها مكب للنفايات يشكل كارثة بيئية ويهدد بانتشار المزيد من السموم وبوقوع العديد من الضحايا. وإن كان فعل رمي اكياس نفايات أمام منازل السياسيين في ظاهره يبدو مهينا، إلا أن ما فعله المعتصمون كان وليد واقع الحال المتردي وتعبيرا عن الإستياء العام السائد في طرابلس من التهميش والفقر. وإن رمزية هذا التحرك جاء كردة فعل على السياسات التي اتبعها ما يصطلح على تسميته زعامات طرابلس وفي سبيل الدفاع عن المصلحة العامة بسبب المشاكل الإجتماعية. ومن البين أن المقصود ليس توجيه الإزدراء إلى شخص معين بالذات، بل التعبير السلمي بطريقة مبتكرة وإيصال رسالة بشكل رمزي إلى المسؤولين في طرابلس. ومن هذه الزاوية، يبدو تصرف المحتجين محميا قانونا بموجب سلسلة قرارات أصدرتها القاضية المنفردة الجزائية في بيروت عبير صفا، وبشكل خاص القرار الصادر بتاريخ 30/11/2018 بإبطال التعقبات ضد شخصين من ناشطي حراك 2015 لإقدامهما على رفع صورتين تضمان جميع الوزراء في الحكومة مكتوب عليها "زبالة لبنان".
وعلى أثر الإعتداء على المحتجين، توجه أحد هؤلاء إلى مخفر التل للإدعاء على خلفية التهجم عليهم بالشدة والعنف المبرح وضربهم بالحجارة والعصي وأدوات حادة وآلات الصعق الكهربائي وإلحاق أضرار جسدية جسيمة بهم مما يشكل جرائم جزائية ارتكبت على مرأى ومسمع من القوى الأمنية. وفي اليوم التالي بتاريخ 10/12/2019 أطل النائب فيصل كرامي في مؤتمر صحافي ليؤدي دور الضحية المعتدى عليها، واصفا المعتصمين بمنتحلي صفة الثورة ومنتهكي حرمات البيوت والشتامين. وبشكل ملفت أعاد بث فكرة الزعيم بخطابه بشكل واضح بقوله "لم أصدق أنه سيأتي يوم أسود أسمع فيه الشتائم توجه إلى الزعيم عمر كرامي".
من هذا المنطلق، تشكل القضية مناسبة جديدة للموازنة بين حرية التعبير والاحتجاج السلمي ضد القيادات السياسية التي ما زالت تتباهى بأوصاف من قبيل "الزعيم" أو ما شابهها. ففيما توجب مبادئ حرية التعبير توسيع دائرة النقد المباح بالنسبة لمن يتعاطى الشأن العام، غالبا ما تثار هالات الزعماء للتضييق من هذه الحرية ولتظهير أي مس بها وكأنه مس بمقدسات. ولا ننسى أن اعتداء رجال كرامي على المتحججين يشكل اعتداء على حرية مدنية يحميها الدستور.
هذا ما نضعه برسم القضاء. فهل ينتصر القضاء لوظيفته كحامٍ للمجتمع وللحريات العامة والحقوق، أم يتأثر مجددا في الصورة النمطية للزعيم والتي غالبا ما تبقيه وتبقي رجاله فوق القانون والمحاسبة، فلنرصد ونراقب.
متوفر من خلال: