مؤتمر “نادي القضاة اليمني”: انفصالية الجنوب وهواجس الاستقلالية والسيطرة


2013-09-02    |   

مؤتمر “نادي القضاة اليمني”: انفصالية الجنوب وهواجس الاستقلالية والسيطرة

ماجد المذحجي
في 20 – 8 – 2013 انعقد المؤتمر الثالث لما كان يُعرف بالمنتدى القضائي اليمني قبل ان يتغير اسمه الان إلى نادي القضاة اليمني في ختام أعمال هذا المؤتمر الذي تجاوزت مدة انعقاده الثلاثة أيام المُقررة له لتصبح اسبوعاً كاملاً، وذلك في ظل مداولات واحداث ساخنه شهدتها القاعة الواسعة التي ضمت وقائعه، بما فيها المشاركة الواسعة التي وصلت إلى حوالي 3 آلاف قاض وعضو نيابة من أعضاء السلطة القضائية في المحاكم والنيابات العامة تجمعوا بشكل غير مسبوق وشكلوا قوام الجمعية العمومية لهذا المؤتمر الذي ينعقد لاول مرة منذ 16 عاماً فصلت بين موعده الحالي وانتهاء اعمال سلفه.
 لقد استغرق القُضاة اليمنيون أكثر من عقد ونصف ليعقدوا مؤتمرهم منذ انتهاء اعمال المؤتمر الثاني للمنتدى القضائي في النصف الثاني من عقد التسعينات، ليعقبها فترة التجميد القسري والطويل للعمل النقابي القضائي الذي دشن ابتداء في 16-7–1991 بتأسيس المنتدى القضائي، لتسيطر عليه السلطات منذ حينها بوضع اليد المُباشر وإيكال رئاسته لرئيس مجلس القضاء. وهكذا بعد أكثر من 22 عاماً تأتي تحولات اليمن السياسية الكبيرة والمساحة الجديدة من الحريات التي تشهدها بعد ثورة 2011 لتُشكل الفرصة والإطار المُناسب لان يُعاود القضاة تجميع صفوفهم والانتظام ضمن اطارهم النقابي قبل ان تشتد قبضة السلطات المُرتخيه حالياً.
بالتأكيد لم يكن بدء مسار العمل على هذا المؤتمر يسيراً، وقبل موعد انعقاده الحالي بحوالي ثلاثة اشهر رفع القاضي أحمد عبد الله الذبحاني في شهر 5 – 2013 دعوى مستعجلة ضد رئيس المنتدى القاضي عصام السماوي، الذي يرأس المحكمة العليا، وذلك لإلزامه إيداع 30 مليون ريال يمني، حوالي 139 الف دولار امريكي، في خزينة المحكمة الإدارية، لتغطية تكاليف ونفقات المؤتمر القضائي. وقبل صدور أي حكم يفصل في الدعوى المرفوعة تم حسم الامر وتحديد موعد انعقاد المؤتمر، إضافة إلى الموافقة على مشاركة جميع أعضاء السلطة القضائية، عوضاً عن الالتزام بمقتضى النظام الأساسي القائم الذي كان يحدد مشاركتهم بواقع مندوب لكل عشرة قضاة.
لقد اتى انعقاد هذا المؤتمر القضائي في موازاة تحولات واحداث وتحديات مُهمة تشهدها بيئة القضاء في اليمن، وليس اقل هذه التحديات ما يحدث من انسحاب لـ الاحتقان والانقسام السياسي الحاد- ذو البعد الجهوي الجغرافي خاصةً- على الواقع القضائي الحالي، لتشكل في إطار ذلك واقعة إعلان عدد من القضاة المنتميين للحراك الجنوبي، الداعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، مُقاطعتهم اعمال هذا المؤتمر وانتظامهم في إطارمكون نقابي جديد أطلقوا عليه في ختام مؤتمر عقد لهذا الغرض اسم “نادي قضاة الجنوب”[1] ابرز تداعيات الصراعات الحاصلة في اليمن اليوم على اوضاع القضاء حالياً. وإضافة إلى ما سبق، تشهد السلطة القضائية الان حالة فراغ  تشريعي كبيرة وذلك تبعا لواقعة إصدار الدائرة الدستورية في المحكمة العليا حكماً قضائياً بالغ الاهمية قضى بإلغاء 34 مادة في قانون السلطة القضائية لتعارضها مع الدستور، وهي مواد قانونية كانت تفتح باباً واسعاً لتدخل وسيطرة السلطات التنفيذية على شؤون القضاء وبالأخص ما تمنحه من صلاحيات واسعة لوزير العدل الذي كان مخولاً باقتراح الترقيات وإجراء التنقلات القضائية[2]، ليأتي بعد ذلك صدور قرار رئاسي غير مُعلن اثار الجدل وتضمن ترقية أعضاء في السلطة القضائية، وهو الامر الذي اعتبره عدد من القضاة انتهاكاً لمقتضى الحكم الدستوري انف الذكر، حيث (يرى قضاة أن تلك الترقيات تعتبر انتهاكاً لمقتضى الحكم الدستوري، وأعلن عن اعتزام بعضهم رفع دعوى قضائية أمام الدائرة الإدارية تطعن في القرار، كما رفعت دعوى أخرى تطالب بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية، بإدخال تعديلات على القانون بما يتلافى الفراغ التشريعي، ويعيد إخراج القانون بما يتوافق مع مقتضى الحكم)[3].
ترأس القاضي يحي الماوري اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثالث، وتضمنت اعمال المؤتمر انتخاب قيادة جديدة واقرار تعديلات على النظام الداخلي بما يكفل ضمان ترسيخ استقلال القضاء في المرحلة القادمة التي تشهد اعادة بناء الدولة اليمنية الجديدة حسب اهداف التحضير المعلنة، ولكن استقطابات الجغرافيا ما بينجنوب وشمال الحاضرة بشدة في الواقع اليمني الراهن القت بظلالها على سير اعمال المؤتمر الذي توافق المُشاركون فيه على صيغة حساسة لتمثيل قائم على اساس الجغرافيا، بحيث تكون هناك قائمتان انتخابيتان احداهما تمثل الشمال والاخرى الجنوب بشكل متساو بحيث تنعكس المُناصفة على مجلس ادارة النادي، ولقد انتخب اعضاء الجمعية العمومية في الاخير قاضياً جنوبياً هو القاضي الجراح احمد بلعيد رئيسا للنادي بما بدا محاولة لاسترضاء الجنوبيين وقطعاً للخط امام القضاة الحراكيين الذين اعلنوا كياناً نقابياً خاصاً بالجنوب وحده.
لقد تضمنت اهم نتائج هذا المؤتمر الذي انعقد تحت شعار (القضاء المستقل اساس بناء الدولة المدنية الحديثة) تعديلات اساسية على النظام الأساسي للمنتدى ليتم، كما أسلفنا، تغيير اسمه إلى (نادي القضاة اليمني)، أن يكون له مجلس إدارة هو الجهاز التنفيذي، تتألف عضويته من ثلاثة عشر عضواً تنتخبهم الجمعية العمومية من بين أعضائها بالاقتراع السري، ويكون الأعضاء الأربعة التالون للفائزين أعضاء احتياطيين، كما تم تحديد مدة عضوية مجلس الإدارة بأربع سنوات.
إن هذا المؤتمر القضائي يُشكل حدثاً مهماً فهو في دلالته الاولى يُكرس القطيعة الرمزية مع عهد وزمن سابق كانت فيها ارادة أعضاء السلطة القضائية مُصادرة ومعطلة، علاوة على كون اهم شعاراته الاساسية مُنطلقة من هاجس الاستقلالية الحقيقية لا النظرية، لقد استطاع المؤتمر بانتخابه القاضي بلعيد أن يُكرس فصلاً فعلياً بين رئاسة النادي والمحكمة العليا، ليكون ذلك أول مسافة حقيقية بين الحراك القضائي الجديد والسلطات الرسمية التي طالما احتكرت هذا الموقع لتمارس عبره تعطيلها لأي حراك بين جمهور القضاة يحاول أن ينزع هذه السلطة بالغة الاهمية من يديها، ولكن المآل والفرص التي ستتيحها نتائج هذا المؤتمر ما زالت محكومة بالشكوك والمخاوف، في ظل الاستقطابات السياسية العديدة ذات الملامح الطائفية والجهوية التي يُمكن أن تنعكس بحدة على الجسم القضائي بما قد يؤدي له ذلك من إضعاف له علاوة على الاحتمال المُرجح بمعاودة السلطات الحاكمة السعي لوضع اليد على السلطة القضائية وتعطيل أي حراك قضائي مستقل في مواجهتها.

الصورة منقولة عن موقع التغيير


[1]شارك حوالي 300 قاضي في هذا المؤتمر الذي انعقد في مدينة عدن وانتخب في ختام اعماله االقاضية / صباح علوانيرئيساً لنادي القضاة الجنوبي.
[2]قضى مضمون اهم بنود الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بنزع اختصاصات وزير العدل التي خوله إياها القانون في إدارة وتنظيم شؤون السلطة القضائية، كذلك نزع الحكم صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في تعديل وإضافة بدلات وعلاوات وترقيات للقضاة باعتبار ذلك تدخلاً سافراً في أعمال السلطة القضائية بما يخالف ما يتضمنه الدستور من ضرورة استقلالية السلطة القضائية عن السلطات الاخرى.
[3]المنتدى القضائي في اليمن يبدأ أعماله بعد انقطاع 16 عاماً بمشاركة 3 آلاف قاض، موقع المصدر اونلاين، 20 – 8-2013، http://almasdaronline.com/article/49180
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، استقلال القضاء ، مقالات ، اليمن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني