ليس مستغرباً أن يتعرض طفل في دار رعاية لسوء معاملة أو ضرب أو حتى اعتداء جنسي
وليس مستغرباً أن نسمع عن محاولة لشراء طفل أو بيع طفل بغية التبني غير الشرعي
وليس مستغرباً أن نسمع بأن رضيعة وجدت على حافة الطريق وأن أهل الخير تنادوا لحمايتها وإيداعها في دار رعاية أو أن تتبناها عائلة من من يتوق إلى طفل وهو غير قادر على الإنجاب.
ما هو مستغرب وغير مقبول هو أنه لا يمر يوم دون خبر مماثل فأخبار الاعتداءات الجنسية تتكاثر، وحوادث بيع الأطفال تزداد.
ربما هي ليست حالة طارئة وربما هي مؤشر على أن أموراً كهذه بدأت تخرج للعلن بعد أن تجرأ الرائدون على البوح والكلام. وربما هو عصر الصحافة الصفراء والفضائح في ظل فراغ سياسي مطبق.
وربما هو تقاعس العديد عن العمل الحقوق الفعلي، بفعل تعقيدات التحديات الاجتماعية الراهنة وبفعل غياب أفق واضح للتغيير
وربما هو بسبب البرامج التلفزيونية التي كثرت مؤخراً والتي تبحث في المحرمات، همها استقطاب جمهور، لكنها ومن حيث تدري أولا تدري، ساهمت بفك خيوط وربما فضح المستور.
يحدث ذلك في ظل صمت مطبق لدولتنا التي يبدو أنها تنازلت عن العديد من واجباتها والتي من أجلها تتقاضى الضرائب وتتلقى الرواتب…
ولهذا نلتقي اليوم ، المفكرة القانونية ونحن جمعية بدائل، لأننا التزمنا العمل على قضية مؤجلة منذ زمن وهي قضية الأطفال المودعين في مؤسسات رعائية والمتبنين بطريقة غير شرعية بما يشبه الاتجار بالأطفال
مضى حوالي 9 سنوات على صدور ملاحظات هيئة الأمم المتحدة في جنيف على تقرير لبنان الخاص بأوضاع الأطفال حيث أشارت الملاحظات بعين من القلق إلى أمرين:
– العدد المتزايد للأطفال المودعين في المؤسسات الرعائية وهو يقدر اليوم بحوالي 28 الأف طفل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأطفال المودعين في مؤسسات رعائية غير متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية. وهو قطاع يستنزف موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية بنسبة تصل إلى 70%. علماً أن هذه المؤسسات الرعائية، رغم اختلاف نظم الرعاية المعتمدة فيها، إلا انها تجنح إلى اعتماد نظام رعاية مؤسساتي وهو الأخطر من ناحية النوعية والحماية وذلك بحسب المعايير الدولية للرعاية البديلة الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2009.
– التبني غير الشرعي الممارس في لبنان حيث أن التعريف الجديد للإتجار بالأشخاص القانون الرقم 164/2011 لا يتضمن التبني غير الشرعي كشكل من أشكال الاتجار مما يبقي الباب مشرعاً أمام استمرار هذه الظاهرة والتي كان ضحيتها حوالي 10.000 شخص جرى تبنيهم إلى خارج لبنان منذ الستينيات. وساهمت الحرب اللبنانية في استسهال التبني غير الشرعي إلى خارج لبنان في ظل غياب أي إطار قانون مدني يرعى عملية التبني المتروكة كلياً في عهدة المحاكم الروحية وبعض سماسرة التبني. وتجدر الإشارة إلى غياب أي إحصاء أو تعداد تقريبي لحالات التبني غير الشرعي داخل البلاد.
كان ذلك عام 2006 ونحن ما زلنا عالقون هناك. نتكلم هنا عن أكثر من 2% من أطفال لبنان متروكين من جهة لمؤسسات ترسم مصير حياتهم بأموال مدفوعة من قبل الدولة المتمثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية ومن جهة أخرى لسماسرة بيع الأطفال.
وفي ظل غياب أي عمل مهني لتقدير عدد الأطفال المولودين في لبنان وغير المسجلين رسمياً، نشهد حالياً عودة العديد من الشباب والشابات، المولودين في لبنان، وجرى تبنيهم بأساليب غير شرعية ضمن عائلات في سويسرا، هولندا، وكندا، و فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا وانكلترا والولايات المتحدة وأستراليا.
من جهة ثانية، بدأت مسيرة البوح ولو بتحفظ من عدد من الأشخاص لتسجيل شهاداتهم عن الاعتداءات التي تعرضوا لها في دور الرعاية …
آن الأوان للبنان أن يتعامل بجدية مع الحق بالجذور للأشخاص المفصولين قصراً عن رعاية أهلهم البيولوجيين عبر التبني غير الشرعي أو عبر الإيداع في المؤسسات الرعائية.
الفصل قصري لأن هناك قناعة، مبنية على الدراسات والخبرة الميدانية، أن كل الأموال التي تُنفق في غير مكانها على تزوير أوراق الأطفال بداعي التبني غير الشرعي من لبنان وتلك التي تُنفق على الرعاية المؤسساتية في لبنان، لو استثمرت كل هذه الأموال في تمكين الأسرة عامة والأم البيولوجية بالتحديد من رعاية أطفالها لكننا اليوم لا نحتاج إلا لعدد محدود من الخدمة الرعائية المقيمة.
لهذا نطلق اليوم مشروع قانون مدني يرعى عملية الفصل عن العائلة البيولوجية من مرحلة اتخاذ القرار بالفصل، إلى تحديد نوع الرعاية الملائمة، ومعاييرها، ونظام حماية الأطفال ضمنها، وصولاً إلى المساءلة والمحاسبة.
ندعو كل المؤسسات الرعائية التي تحملت عبئا ثقيلاً في توفير الممكن للأطفال فاقدي الرعاية الأسرية لأن نلتقي معا في مسيرتنا هذه…لا نريد حرباً ولا اتهاماً ولا مزايدة…نريد أن نعمل معا لحماية الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية وضمان حقهم بأن يبقوا أولاً في بيئتهم وكنف عائلاتهم وأن لا يكون الفصل سوى ملاذا أخيرا آمنا…
وما هي السياسة يا أصدقائي سوى حقوق اجتماعية واقتصادية….
مش كتر خيرنا هيدا حقهم.