إقتراح قانون إلغاء المحكمة العسكرية واستبدالها بهيكلية قضائية متخصصة بقضايا الإرهاب والجرائم الكبرى المقدم من قبل الوزير المستقيل أشرف ريفي وإقتراح قانون حصر صلاحيات المحكمة العسكرية المقدم من النائب ايلي كيروز شكلا محور المؤتمر الذي دعا اليه حزب القوات اللبنانية، تحت عنوان ”القضاء العسكري: أي حقوق؟! أي عدالة؟!“ في مقره العام في معراب أمس الأربعاء. وتحدث في المؤتمر كل من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وريفي وكيروز ورئيس لجنة الإدارة والعدل روبير غانم، بالإضافة الى الأمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أمينة بوعياش حول التجربة المغربية، ورئيس منظمة الإنماء وحقوق الإنسان justicia، المحامي بول مرقص ومدير البرامج في منظمة ألف ALEF، جورج غالي. وقد شارك فيه زهاء 400 شخصاً.
قبل الخوض في صلب النقاش الحقوقي الذي دار في إطار المؤتمر، لا بد من التساؤل حول المحاذير التي تعتري إدراج مشروع حقوقي بهذه الأهمية ضمن خطاب سياسي إتهامي للقوى الأخرى. وألا يخشى أن يؤدي مسلك كهذا إلى تحويل مطلب المحكمة العسكرية (وهو مطلب حقوقي في الأساس) إلى مادة صراع سياسي، مع ما يتهدد ذلك من عقم في الحالة اللبنانية.
فلم يخرج الزعماء السياسيون وتحديداً جعجع وريفي من دائرة خطابهم الاعتيادي. لم يقرروا مثلاً أنهم في هذه المناسبة، وفي إطار المصلحة الحقوقية الجامعة، سيخاطبون كل اللبنانيين لتحقيق مصلحة وطنية جامعة. على العكس من ذلك، قفز جعجع منذ بداية الحفل الى خطاب المحاور، معتبراً أن “محور الممانعة هو المستفيد من المحكمة العسكرية اليوم”. ولم يجد ريفي حرجاً في تطعيم كلمته بطابع الخطاب السياسي، القائم على التفريق بدل من الخطاب الحقوقي الجامع.
ويلتقي جعجع وريفي عند قضية الوزير السابق ميشال سماحة، فتظهر كأنها المحرك الذي أعاد قضية المحكمة الواجهة. يستعيد جعجع تفاصيل من القضية ليصل في النهاية الى نتيجة مفادها أن “المحكمة العسكرية تهديد للسلم الأهلي والسلامة العامة في لبنان”.
ما تقدم، لا يلغي خلفيةً ذاتية عبر عنها حزب القوات، رئيساً وأفراداً، ترد إهتمام الحزب بمسألة المحكمة العسكرية الى معاناة المنتمين اليه خلال فترة الوصاية السورية على لبنان. كما لم يحلْ دون إعلان جعجع عزم القوات على “التواصل مع الكتل السياسية لجمع تأييدها والتقدم بالإقتراح الى المجلس النيابي مع أول جلسة يفتتح فيها، على أن تكون صلاحيات المحكمة العسكرية باتت محصورة في إجتماعنا القادم”.
إقتراحا ريفي وكيروز، وإمكانية التكامل؟
يقوم مشروع ريفي على إنشاء محاكم متخصصة بجرائم الإرهاب، ونقل صلاحيات كبيرة من المحكمة العسكرية اليها. ومن أبرز المآخذ على هذا الإقتراح، وكانت قد نشرت المفكرة تعليقاَ وافياً عليه، التوسع في تعريف الإرهاب، من خلال حذف شرط التنظيم في العمل الإرهابي، والتوسع في تحديد غايات العمل حتى يعتبر إرهابياً، بالإضافة الى إنشاء محاكم متخصصة في إطار هيكلي منفصل عن المحاكم العدلية، مما يؤدي الى التخوف من تحولها الى محكمة استثنائية بديلة. بالإضافة الى التوسع بالإختصاص الذي يطال “الجرائم الكبرى”، بالإضافة الى وضع الجرائم ذات الطابع السياسي في إطار إختصاص محكمة الإرهاب، من دون التضييق من صلاحيات المحكمة العسكرية الأخرى أي في القضايا التي لا تتصل بالإرهاب.
كل هذه المسائل وتفاصيل أخرى، شكلت محوراً أساسياً في كلام غانم، الذي عبر بادئ ذي بدء عن “إختلاف مع الوزير ريفي بالنسبة للمحاكم المتخصصة”. يعتبر غانم أن ”فكرة المحاكم المتخصصة قد تكون جيدة في بلد لا يعاني فيه القضاء ما يعانيه في لبنان من تأثيرات سياسية أو مذهبية أو مادية. لذلك، في ظل الأوضاع الراهنة أعتقد أنه من المستحسن المحافظة على منظومة القضاء العدلي وتطويرها في سبيل تحقيق العدالة وتعزيز استقلالية القضاء”. من هذا المنطلق يقترح غانم:
· حصر صلاحيات المحكمة العسكرية في مختلف درجاتها بالعسكريين إن لجهة الصلاحية النوعية أم لجهة الصلاحية الشخصية.
· إلغاء المجلس العدلي لعدم جدواه إن لجهة تأليفه أو لجهة المهام المنوطة به. سيما وأن الإحالة إليه هي من صلاحية مجلس الوزراء فضلاً عن عدم توفٌّر حقوق الدفاع على درجتين .
· إبقاء جرائم الإرهاب والجرائم الواقعة على أمن الدولة أو التي تنال من الوحدة الوطنية أو إثارة النعرات الطائفية والحروب الأهلية وجرائم الإتجار بالاسلحة والذخائر والأشخاص، إبقاء هذه الجرائم من صلاحية محاكم الإستئناف الجزائية ويكون في كل محكمة غرفة تخصص لهذه الجرائم وتستأنف أحكامها أمام محكمة التمييز. ويتابع القضاة في هذه الغرف دورات تأهيل على مفاهيم الإرهاب ودور النيابات العامة. على هذا الأساس، نكون قد حافظنا على المنظومة القضائية المعمول بها دون المساس بالأسس التي يقوم عليها القضاء اللبناني.
· إنشاء ضابطة عدلية متخصصة في جرائم الإرهاب تكون تابعة مباشرة الى الغرف الناظرة بهذه الجرائم وهذا من شأنه أن يساعد المحاكم العدلية في مهامها من أجل إحقاق الحق وإنزال العقوبات الملائمة بالإرهابيين دون المساس بحقوق الدفاع الاساسية”.
ويلاحظ بالتالي، تبني غانم لما يؤول اليه الإقتراح المقدم من قبل كيروز، لجهة حصر اختصاص المحكمة العسكرية، ولما يؤول إليه إقتراح قانون ريفي بخصوص إلغاء المجلس العدلي، بالإضافة الى الأخذ بعين الإعتبار مسألة الحاجة إلى تخصص قضائي في قضايا الإرهاب، ولكن في إطار القضاء العدلي نفسه.
ورداً على سؤال المفكرة القانونية حول وجود توجه لإعادة النظر في الإقتراحات وفقاً للنقاش الذي دار، ومدى إمكانية الذهاب نحو التقدم بإقتراح جديد يتناغم وإقتراح غانم، يشير مرقص أن “جمعية جوستيسيا تحاول جمع عناصر هذه المشاريع، يبقى أن الأولوية تقوم على إخراج المدنيين من المحكمة العسكرية”.
من جهته، يؤكد كيروز للمفكرة أنه “غير متمسك بالإقتراح في تفاصيله التقنية التي قد يجد المتخصصون صيغاَ أفضل منها، انما أنا متمسك بالأسباب الموجبة للقانونحيث أن المهم أن نتفق على مقاربة تجيب على سؤال: أي قضاء عسكري نريد؟”.
محاولة تعاون حزبية/ مدنية ؟
حضور جمعيات من المجتمع المدني، فتح المجال بشكل أفضل لإخراج المقاربة من الحيز السياسي بعض الشيء. كما أمكن من خلال هذه المشاركة، تسجيل ملاحظة عن توجه عام لدى هذه المنظمات نحو حصر إختصاص المحاكم العسكرية، ومنع محاكمة المدنيين أمامها، أكثرر مما هو توجه للتعامل مع الإرهاب إنطلاقاً من قضية المحكمة العسكرية.
هذا في الإطار العام. أما في التفاصيل، فمن المسائل المهمة التي طرحت في المؤتمر، ما جاء على لسان الأمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، في إطار حديثها عن التجربة المغربية. والمقصود هنا ما لفتت اليه لناحية “إضطرار الحركة الحقوقية في المغرب لإجراء ارتباطات في العديد من المحطات بأحزاب سياسية، وهي الحالة اللبنانية في التفاعل ما بين المدني والسياسي”. وإن كان المؤتمر قد عكس هذا التفاعل، الا أنه في الحقيقة يبقى ضعيفاً ولا يعبر عن حالة عامة قائمة. وخارج ما ذكرته بوعياش، لم يتم التطرق الى هذه المسألة اطلاقاً، على الرغم من أهمية هذه الإشكالية.
من جهة أخرى، عرض رئيس منظمة justiciaتفصيلاً لسيئات المحكمة العسكرية. وقد استند في هذا الإطار الى الأرقام التي تظهر حالة لا تستوي والعدالة. كأن تصدر المحكمة 6780 حكما خلال عام 2012 فقط. وأن تعقد 106 جلسات في يوم واحد. يضيف مرقص أنه “الى حين اقرار التعديل، لا بد من ايجاد حلول لفترة انتقالية”. ويقترح في هذا المجال، إعطاء ضمانات وافية للقضاة فيها تؤمن لهم حد أدنى من الإستقلال عن مرؤوسيهم العسكريين، اللجوء الى تعليل الأحكام انطلاقاً من مبدأ أن الإباحة هي الاساس وفي ظل غياب أي منع للتعليل، اتخاذ قرارات تنظيمية تشترط ان يكون القاضي في المحكمة العسكرية مجازا في الحقوق، وأخيراً إخضاع القضاة العسكريين الى تدريبات حول مبادئ المحكمة العادلة”.
ملاحظة على هامش المؤتمر
المؤتمر المعقود في معراب، والذي استضاف حقوقيين ومحامين وناشطين من أكثر من دولة، لم يتنازل عن الإجراءات الأمنية المشددة الرامية الى حماية الامن الشخصي، ولا بالحد الأدنى من التعبير عن ثقة بملبي الدعوة.
ولو كان تخطي مسألة تفتيش الحضور ممكناً إنطلاقاً من هاجس الزعماء الدائم على أمنهم، يبقى أن الداخل إلى القاعة العامة لا يسعه إلا أن يستذكر دخوله الى المحكمة العسكرية، عندما يلزم بترك هاتفه الخلوي لدى رجال الأمن في الخارج. وهنا، يلتقي المضيف مع سلوكيات المحكمة تجاه الداخلين اليها على اختلافهم. فهل تستوي النظرة الأمنية هذه مع النظرة الحقوقية المعتمدة في اقتراح القانون؟